جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-30@17:19:24 GMT

تحالف التطبيع.. والمقاومة

تاريخ النشر: 21st, July 2024 GMT

تحالف التطبيع.. والمقاومة

 

 

علي بن مسعود المعشني

Ali95312606@gmail.com

الجهر بمعصية التطبيع اليوم، لابد أن يعود بنا إلى بدايات القرن العشرين وما رافقه من أحداث ومؤامرات، وتهافت الغرب الاستعماري على غنائم وميراث الرجل المريض والمتمثل بالدولة العُثمانية. كانت هذه الأحداث التي تظهر في زمنها على أنها صراع نفوذ ومصالح بين المستعمرين الإنجليزي والفرنسي على وراثة العُثماني، تبيَّن أنَّها مخططات مُتفق عليها لتفتيت الأمة العربية إلى كانتونات صغيرة تُسمى "أقطار"، وتحمل ملامح الدول من أعلام وعملات وأناشيد وطنية وحدود سياسية أصبحت فيما بعد رموز "سيادية"؛ حيث كان يُريد المستعمر من هذه التقسيمات خلق أقطار وظيفية ممزقة ومشتتة، تتقاتل على فُتات رموز الدولة فيما بينها باسم السيادة، وتخدم المستعمر الجديد بوعي وبلا وعي وقت الحاجة.

ثم أتَى الفصل الثاني والأخطر من المخطط وتمثل في وعد بلفور وما تلاه من وعود وتمكين لليهود بفلسطين بالحيلة والقوة، وصولًا إلى قرار التقسيم لفلسطين عام 1936م.

تعثُّر المخطط الاستعماري في تنفيذ بنوده بشكل مريح لسببين؛ الأول: اشتعال الحربين الأوروبيتين (العالمية)، والسبب الثاني: وجود بعض الزعامات العربية التاريخية والتي قاومت المخطط واستشعرتْ الخطر على الأمة في زمن مُبكر.

خرج الاستعمار من الباب وعاد من النافذة، بتكريس التبعية والانبهار والانفراد بالأقطار العربية الفاعلة في مواجهته والتحريض عليه. تمكين الكيان الصهيوني من فلسطين عام 1948م بتوافق إقليمي ودولي في ظل غياب وتغييب دولة الاستقلال العربي تمامًا، وتمرير وضع الكيان على أنه وضع تاريخي طبيعي، دون التصريح بأنه استثمار غربي وقاعدة متقدمة له في قلب الأمة، جعل بعض العرب يُصدِّقون سرديات الكيان الصهيوني ورعاته ويبحث عن مبررات لتسويق وتقبل وجوده بزعم اختلال موازين القوى بيننا الكيان. الحروب والمعارك التي خاضها العرب مع الكيان لم تكن مشجعة كثيرًا لخلق ثقافة مقاومة حقيقية تتنزع الحق العربي الفلسطيني من براثن الصهيونية العالمية.

اليوم.. بات جليًّا وظيفة الكيان الصهيوني الحقيقية في قلب الأمة كمعطل تاريخي لها من الوحدة والنهوض حتى على الصعيد الفردي؛ حيث حارب ودمر الغرب عبر الكيان الصهيوني كل كيان عربي فاعل أو تجربة عربية يمكن أن تُشكل نموذجًا وقدوة في أي مجال تنموي، فقتل العلماء ودمر المفاعلات النووية، وسمم البذور والتربة والثروة الحيوانية حتى لا تصبح هناك تجارب عربية للأمن الغذائي.

يأتي "طوفان الأقصى" اليوم ليسقط أوهام سبعة عقود من تغييب العقل العربي، ويسقط معها سرديات الكيان ورعاته واتباعه، بصورته النمطية المتمثلة في القوة العسكرية والرفاهية. أتى الطوفان وبعض العرب على وشك الاقلاع نحو أحضان التطبيع، وتسويق حل الدولتين، مستغلين حضور غصن الزيتون وغياب البندقية عن أيدي أصحاب الحق لعقود خلت، فما كان للمطبعين من خيار إزاء هذه الصدمة التاريخية سوى الهروب الى الأمام، والجهر بمعصية التطبيع رغم فساده، والتحالف مع العدو ضد من يحمل سلاح أو فكر أو ثقافة المقاومة.

من الصُّدف غير الجميلة لتيار التطبيع أن تيار المقاومة يتواجد في جغرافيات مختلفة؛ الأمر الذي يجعل من مواجهتها أو القضاء عليها مُكلف وصعب للغاية، كما يجعل هامش المناورة لدى فصائل المقاومة وعمقها الجغرافي عميق؛ الأمر الثاني أن الهرولة نحو التطبيع أتت في زمن خروج العدو من الخدمة وضعف وتقهقر داعميه إقليميًّا ودوليًّا، والأمر الثالث وهو الأخطر، أن التطبيع والتحشد مع العدو أتى في زمن الصواريخ والمسيرات العابرة للحدود بأنواعها، وفي زمن تشكل عالم جديد متعدد الأقطاب ومتضارب المصالح.

--------------

قبل اللقاء: من يقرأ التاريخ، يقرأ المستقبل.

وبالشكر تدوم النعم...،

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

بين خيانة التطبيع وصمت الأشقاء

 

أحمد بن محمد العامري 

 

في كل صباح تستيقظ فيه غزة على صدى القنابل، لا يسمع العالم سوى صراخ الأطفال.

 أصوات هشّة، لكنها أشد مضاءً من صواريخ الحقد، تنفذ إلى أعماق الضمير البشري، تسائل العالم وتعاتب الأشقاء قبل الأعداء. 

في هذا الزمن العربي المائل، لم تعد الخيانة تأتي من خلف الحدود فحسب، بل باتت تلبس وجوهاً مألوفة، وتنطق بلغتنا، وتُبرّر بالسلام ما لا يُبرَّر.

العدو معروف، منذ النكبة الأولى وحتى اللحظة، لم يبدّل جلده، ولم يُخفِ نيّته. اغتصب الأرض، وقتل الأبرياء، وشرّد العائلات، ثم وقف ليحاضر في "أخلاقيات الحرب". ولكن الأكثر مرارة من أفعال العدو، هو خذلان القريب، هو اليد التي لم ترتفع للدفاع، واللسان الذي لم ينطق بالحق، والنظام الذي استبدل البندقية بمصافحة القاتل.

لقد مضت سنوات طويلة، كان فيها الشجب والتنديد أدوات فارغة يتسلّى بها بعض الحكّام، أما اليوم، فقد تخلوا حتى عن هذه الشعارات المستهلكة. ركضوا إلى عواصم القرار، حاملين أوراق السلام، موقّعين بأحرف الخضوع، متناسين الدم الذي لم يجف بعد من جدران الشجاعية وجنين وخان يونس.

في زمن أصبح فيه التطبيع وسامًا تُقلَّده بعض الأنظمة، بات أطفال فلسطين وحدهم يرفعون راية الرفض، يكتبون بالدم ما لم تجرؤ عليه أقلام الساسة. إنهم لا يجهلون مَن عدوهم، لكنهم يعرفون أيضًا مَن باعهم، ومن خانهم، ومن استبدل قدسهم بأبراج من زجاج. هؤلاء الأطفال لا يطالبون بالشفقة، بل بالعدالة، ولا ينتظرون من العرب دموعًا، بل وقفة حقيقية تليق بتضحياتهم.

هل تدرك الأنظمة المطبّعة أنها حين صافحت الاحتلال، لم تكن تبارك "سلامًا"، بل تخون دماء الشهداء؟ هل يدرك الصامتون أن صمتهم لم يكن حيادًا، بل انحيازًا؟ وأن من لا يقف في صف المظلوم، يقف – بالضرورة – في صف الظالم؟

إن أطفال فلسطين لا يكتبون البيانات، لكن أجسادهم النازفة تفضح كل بيان كاذب. لا يملكون منابر إعلام، لكن صرختهم تُدوّي في أذن كل ضمير لم يمت بعد.

فلسطين لا تحتاج إلى عواطف باردة، بل إلى مواقف حارّة كالدم. أطفالها ليسوا ضحايا فقط، بل شهود على زمن مهزوم، فيه الصمت جريمة، والتطبيع خيانة، والخذلان خنجر في الظهر. إنّ من يطبع مع القاتل، لا يمكنه أن يدّعي البراءة، ومن يبرر الصمت، فهو شريك في الجريمة.

سيكبر أطفال فلسطين، ولن ينسوا. سيحفظون وجوه من خذلوهم، كما يحفظون أسماء من ساندوهم. وفي يوم ما، حين تنجلي الغمة، سيُكتب في التاريخ: أن الاحتلال كان عدواً، لكن الخذلان جاء ممن كنّا نحسبهم إخوة.

فلتبقَ صرختهم مدوّية: من يصمت عن القتل، قاتل. ومن يبرّر التطبيع، خائن. ومن باع فلسطين، لا يستحق أن يُحسب على العروبة ولا علا الإنسانية.

 

ahmedalameri@live.com

مقالات مشابهة

  • تظاهرات في المغرب ترفض المخطط الصهيوني لتهجير الفلسطينيين
  • كامل الوزير: شركة «الجسر العربي» نموذج ناجح للشراكة العربية ‏ودعم التجارة البينية
  • بين خيانة التطبيع وصمت الأشقاء
  • غزة.. بين نار العدو وصمت العرب
  • حزب الله والمقاومة بعد 43 عاما على التأسيس: مرحلة جديدة ومراجعة شاملة
  • الحزب والمقاومة بعد 43 عاما على التأسيس: مرحلة جديدة ومراجعة شاملة
  • انطلاق أعمال إعداد الإستراتيجية العربية للأمن السيبراني بمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب
  • قمة الإعلام العربي.. جلسة “دور الإعلام في دعم الهوية العربية”
  • أحمد بن محمد يلتقي وزراء الإعلام العرب المشاركين في أعمال قمة الإعلام العربي 2025
  • الكيان الصهيوني وتاريخ النازية