يهدم ما كان قبله.. خطيب المسجد النبوي: الحاج الموفق من عمر وقته بهذه الطاعات
تاريخ النشر: 30th, May 2025 GMT
قال الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن محمد القاسم، إمام وخطيب المسجد النبوي، إن أيام العشر من ذي الحجة، اجتمعت فيها أُمهات العبادة - من الصَّلاة، والصدقة، والصيام، والحج، والنحر.
يهدم ما كان قبلهوأوضح “ القاسم” خلال خطبة الجمعة الأولى من شهر ذي الحجة اليوم من المسجد النبوي بالمدينة المنورة، أن من أعلام أيامها حج بيت الله الحرام، أحد أركان الإسلام، وأصل من أصوله العظام، تُمحى به الذنوب والخطايا.
واستشهد بما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الحَج يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ" (رواه مسلم)، وهو طهرةً للحاج من أدران السيئات، قال - صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ حَجّ لله فَلَمْ يُرفُث، ولَمْ يَفْسُقُ رَجَعَ كَيوم ولَدَتْهُ أُمُّهُ" (متفق عليه)، منوهًا بأن الحاج الموفّق منْ عمر وقته في هذه الأيام المباركة بالطَّاعات.
وتابع: وتزود فيها من الصالحات، وتعرّض فيها لنفحات الرحمات، وشكر فيها ربِّه على النعم المتواليات، ودعا للقائمين على خدمة الحجيج والمعتمرين، فالعباد لهم سعي حثيث إلى الله، وليس لهم حظّ عن رحالهم إلا في الجنة أو النار، وكل ساعة من العمر إن لم تقرب المرء من ربّه أبعدته.
وأكمل : الأيام العشر من ذي الحجة فيها يوم عرفة، وهو ملتقى المسلمين المشهود، يوم كريم على المسلمين، مستدلًا بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- "مَا مِنْ يَوْمِ أَكثرَ مِنْ أَنْ يُعتق اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عرفة" (رواه مسلم)، مشيرًا إلى أن يوم عرفة، يومُ دعاءٍ ورجاءٍ وخشوعٍ، وذُلٍ وخضوعٍ للواحد الأحد.
دعاء يوم عرفةواستدل بما قال ابنُ البرّ- رحمه الله-: “دعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ مُجَابٌ كُلَّهُ فِي الْأَعْلَبِ”، منوهًا بأن في العشر من ذي الحجة أحدُ عيديّ المسلمين، ففيها يوم النحر، أعظمُ الأيَّامِ عند الله، وأشدُّها حُرمةً، وقال النبي – صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع في خطبته يوم النحر: "أَلَا إِنَّ أَحْرَمَ الأيام يومُكُمْ هَذَا"(رواه أحمد).
وأشار إلى أنه أفضل أيام المناسك وأظهرها، وأكثر شعائر الإسلام فيه، وهو يوم الحجّ الأكبر الذي قال الله تعالى فيه: "وَأَذَان مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَومَ الحَج الأكبر" وفيه أكمل الله لهذه الأمة الدين.
وبين أن في نفوس المسلمين خلال أيام العشر من ذي الحجة حنينٌ لحجِّ بيت الله الحرام، لافتًا إلى أن من فضل الله على عباده أنه لم يُوجبه إلا على المُستطيع، كما أن مَنْ عَزمَ على حجّه ولم يستطِع نال ثوابه.
صيام التسعة الأولىونوه بأنه يُستحبُّ في العشر المباركة صيامُ التِّسعة الأولى منها، قال النووي- رحمه الله-: “مُسْتَحَبٌ استحبابًا شَدِيدًا”، فقال- صلى الله عليه وسلم- عن صيامِ يومِ عرفة "يُكَفِّرُ السَّنة الماضية والباقية" (رواه مسلم).
ونبه إلى أن الأفضل للحاج أن لا يصومه، تأسّيًا بفعل النبي- صلى الله عليه وسلم-، مشيرًا إلى أنه يُستحبُّ في أيام العشر من ذي الحجة الإكثار من ذكر الله، امتثالًا لقول الله جلّ شأنه: "وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومات".
واستطرد: كما دعا إلى ذلك النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في قوله: "فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التهليل والتكبير والتحميد" (رواه أحمد)، منوهًا بأن التكبير المطلق في كل وقت من شعائر عشر ذي الحجة.
يشرع التكبيروأفاد بأنه يُشرَعُ التكبير المقيّد عقب الصلوات المفروضة، من فجر عرفة، وللحُجّاج وغيرهم – إلى عصر آخر أيام التشريق، ومما يُستحبّ فعله في العشر من ذي الحجة، تلاوة كتاب الله العظيم، فأجرها مضاعفٌ.
ولفت إلى أن الصدقة من أبوب السعادة، وخير ما تكون في وقتِ الحاجة وشريف الزمان، وفي أيام النحر والتشريق عبادة مالية بدنية قرنها الله بالصلاة، فقال سبحانه: “فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ”، والله سبحانه، حثّ على الإخلاص في النحر.
وواصل: وأن يكون القصد وجه الله وحده، لا فخر، ولا رياء، ولا سمعةً، ولا مُجرَّدَ عادة، فقال سبحانه: "وَلَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُم"، وقد "ضحى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِكَبْشَيْنِ أَملحين أقرنين، ذَبحهما بيده". (متفق عليه)
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: خطيب المسجد النبوي إمام وخطيب المسجد النبوي خطبة الجمعة من المسجد النبوي أیام العشر من ذی الحجة خطیب المسجد النبوی صلى الله علیه وسلم إلى أن
إقرأ أيضاً:
حكم تشقير الحواجب .. الإفتاء: يجوز بهذه الضوابط
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا مضمونه ما حكم تشقير الحواجب؟
وأجابت الإفتاء عبر موقعها الرسمى عن السؤال قائلة: تشقير الحواجب هو صبغ حافّتيه باللون الأشقر بحيث يظن الناظر إليه أن الحاجب دقيقٌ رقيقٌ، وله صورٌ: فإن كان بطريقة الوخز -أي الوَشْم- فهو حرامٌ شرعًا، وإن كان عن بطريق الصبغ بأدوات الزينة كالألوان الصناعية فلا مانع منه شرعًا، إلا إذا كانت المرأة في فترة حدادٍ على الزوج فإنه لا يجوز لها ذلك؛ لأنه من قبيل الزينة الممنوعة منها شرعًا في هذه الفترة.
بيان المقصود بتشقير الحاجب
الشُّقرَة: لون الأشقر، وهي في الإنسان حمرة صافية تعلو بياض البشَرة.
وتشقير الحاجب معناه: صبغ حافتيه باللون الأشقر الذي يظن الناظر إليه أن الحاجب دقيق رقيق؛ لأن الطرف السفلي والعلوي أصبح غير ظاهر، ويكون الصبغ عادة بلون يشبه لون الجلد، وقد يكون الصَّبغ للحاجب بأكمله بلون يشبه لون الجلد ثم يرسم عليه بالقلم حاجبًا رقيقًا دقيقًا، وقد يكون هذا الرسم بالوخز "الوَشْم" وهو ما يعرف لدى الناس بـ(التاتو)، وقد يكون بمساحيق وألوان صناعية. والغرض من كلتا الحالتين هو الزينة فحسب.
بيان حكم التشقير بالوخز "الوَشْم"
إن كان التشقير بالوخز "الوَشْم" فهو حرام قطعًا، وصاحبه ملعون، ومرتكب لكبيرة من الكبائر، ودليل التحريم ما في "الصحيحين" من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «لَعَنَ اللهُ الوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالوَاشِمَةَ والمُسْتَوْشِمَةَ»، والوعيد باللعن علامة الكبيرة.
بيان حكم التشقير بأدوات الزينة
أمَّا إن كان التشقير بأدوات الزينة كالألوان الصناعية؛ فقد اختلف النظر الفقهي في تكييفها وبالتالي في الحكم عليها، والظاهر أن مبنى الخلاف على أمرين؛ أولهما: هل يمنع من ذلك؛ لكونه ذريعة للنمص من حيث إن تلوين الحواجب باستخدام تلك الألوان الصناعية المعروفة لا يعيد شعر الحاجب إلى طبيعته، بل يزيد من كثافة الشعر ويُقوِّي نموه، مما يستلزم إزالة الزائد الناتج من ذلك، وهو عين النمص.
وثانيهما: هل التشقير من معاني النمص ومدلولاته فيأخذ حكمه أم لا؟
أمَّا أولًا: فالمحذور المتخوَّف منه -وهو زيادة كثافة الشعر- ليس أمرًا مطردًا ولا متعينًا، ومن شروط العمل بالذريعة كونها تؤدِّي إلى المحذور قطعًا أو غالبًا.
وأمَّا ثانيًا: فالقول بأن التشقير من قبيل النمص يتوقف على معرفة هل يدخل في مسماه أو يلحق به قياسًا.
والقدر المتفق عليه بين فقهاء المذاهب الأربعة أن النَّمص يكون في الحاجبين دون سائر الوجه، ثم اتفقوا عدا الحنابلة أنه يكون بالنتف، أو ما في معناه من طرق الإزالة، بخلاف الحنابلة فإنه مخصوص بالنتف دون غيره. راجع: "فتح القدير" (6/ 426، ط. دار الفكر)، و"تحفة المحتاج" (6/ 315، دار إحياء التراث العربي)، و"شرح كفاية الطالب الرباني" (8/ 83، ط. دار الفكر)، و"شرح منتهى الإرادات" (1/ 53، ط. عالم الكتب).
ويبقى النظر قائمًا في أنه هل المقصود من النمص الإزالة المستلزمة للترقيق، أم هو الإزالة فقط ولو بلا ترقيق؟
نصَّ الجمهور عدا الحنابلة على أن النَّمص هو الإزالة التي يكون فيها ترقيق:
قال الكمال ابن الهمام في "فتح القدير" (6/ 426): [والنامصة: هي التي تنقش الحاجب لتُرِقَّه] اهـ.
وفي "المجموع" للإمام النووي (3/ 141): [والنامصة التي تأخذ من شعر الحاجب وترققه ليصير حسنًا] اهـ.
وفي "حاشية الجمل" (4/ 460): [التزجيج نهيت عنه المحدة؛ لأنه التنميص] اهـ، والتزجيج: هو ترقيق الحاجب وتطويله.
وقال العلامة النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني" (2/ 314): [والتنميص هو نتف شعر الحاجب؛ حتى يصير دقيقًا حسنًا] اهـ.
بيان أقوال العلماء في علة تحريم النمص
أمَّا القول بصحة قياس التشقير على النمص، فمبنيٌّ على إدراك علة تحريم النمص، وهي مختلف فيها، وباستقراء كتب المذاهب الأربعة نجد أنهم مختلفون في تحديد العلة.
فذكر فقهاء الحنفية أن العلة التبرج، وعليه: فلا يحرم إلا في حال الزينة.
وذكر بعض الشافعية والحنابلة أن العلة التدليس، ويرى بعض الحنفية أن الحرمة لما فيه من الأذى، وقال بعض الحنابلة: إنه شعار الفاجرات.
ويرى بعض الفقهاء أن العلة تغيير خلق الله، ويدل على ذلك سياق حديث ابن مَسْعُودٍ رضي الله عنه: «لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ، وَالْمُوتَشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ» متفق عليه.
وعلى فرض جعل علة النهي عن النمص بكونه فيه أذى للبدن، فلا يظهر تحقق ذلك في التشقير، لا سيما مع التقدم المهني لمن يمارسون هذه الأعمال.
وأما تعليل البعض بأن النمص شعار الفاجرات أو فيه تغيير للخِلْقة، فلا يصح تعليلًا، بل هي من الحِكَم التي يستأنس بها في معرفة المقصد من النهي، دون كونهما علةً موجِبة.
وقد استشكل مثل ذلك جمع من أهل العلم، منهم القرافي والعدوي المالكيين؛ ففي "الذخيرة" للقرافي (13/ 315، ط. دار الغرب الإسلامي) -وانظر: "حاشية العدوي على الكفاية" (2/ 459)-: [ما في الحديث من تغيير خلق الله لم أفهم معناه؛ فإن التغيير للجمال غير منكر في الشرع كالختان وقص الظفر والشعر وصبغ الحناء وصبغ الشعر وغير ذلك] اهـ.
وقال الطاهر بن عاشور في تفسيره المسمى "التحرير والتنوير" (5/ 205، ط. الدار التونسية للنشر): [وليس من تغيير خلق الله التصرف في المخلوقات بما أذن الله فيه، ولا ما يدخل في معنى الحسن؛ فإن الختان من تغيير خلق الله ولكنه لفوائد صحية، وكذلك حلق الشعر لفائدة دفع بعض الأضرار، وتقليمُ الأظفار لفائدة تيسير العمل بالأيدي، وكذلك ثقب الآذان للنساء لوضع الأقراط والتزين، وأمَّا ما ورد في السنة من لعن الواصلات والمتنمصات والمتفلجات للحسن فمما أشكل تأويله] اهـ. ثم خلص إلى أن الغرض من النهي؛ كون المنهي عنه من سمات العواهر في ذلك العهد، أو من سمات المشركات. وعلى ذلك فلا يظهر إلحاق التشقير بالنمص في المنع أيضًا.
فإن ذهب بعضهم إلى أن التشقير فيه معنى التبرج، ونوع تدليس، وبذلك يلحق بالنمص تحريمًا على قول الحنفية والشافعية، وقد استثنى كلا المذهبين من حرمة النمص ما إذا كان للزوج، ويقال مثله في التشقير. فالجواب: يعكِّر على هذا القياس تصريحُ الشافعية بمنع المحدة من تَصْفِير الحاجب؛ فقد جاء في "فتح الوهاب في شرح منهج الطلاب" لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (2/ 131، ط. دار الفكر): [(و) ترك (اسْفِيذَاج) بذال معجمة وهو ما يتخذ من رصاص يطلى به الوجه (ودُمام) بضم المهملة وكسرها وهي حمرة يورد بها الخد (وخِضَاب ما ظهر) من البدن كالوجه واليدين والرجلين لا ما تحت الثياب (بنحو حناء) كوَرْس وزعفران.. وفي معنى ما ذكر تطريف أصابعها، وتصفيف طرتها، وتجعيد شعر صدغيها، وتسويد الحاجب وتصفيره] اهـ.
قال في "حاشية البجيرمي على شرح المنهج" (4/ 88، ط. الحلبي): [(قوله: وتصفيره) التصفير بصاد مهملة وفاء جعل الشيء أصفر، ويحتمل أن يكون بالغين المعجمة؛ أي: يجعل صغيرًا بأن يقلل شعره ولعل الثاني أقرب. ع ش] اهـ.
فلو مشينا على أنها بالفاء، فهذا نص صريح في جواز التشقير؛ لأن الـمُحِدَّة مُنِعَتْ منه لأنه زينةٌ لا أنه حرام، وهو ما يعني جواز فعله لغير الـمُحِدَّة، وإلا فلا فائدة في النص على منعه إذا كان ممنوعًا أصلًا.
وأكدت بناء على ما سبق: أن الراجح هو جواز التشقير إن كان بالضوابط المذكورة.