صحيفة الاتحاد:
2025-12-14@10:08:01 GMT

شيخة الجابري تكتب: الأزمة.. ومنتصف العمق

تاريخ النشر: 22nd, July 2024 GMT

عندما تضيق وتستحكمُ حلقات اللغة تشعرُ بأنك تقف في المنتصف، لا التراجع يُجدي، ولا الاستمرار يمكن أن يحقق النتيجة التي تتمناها، أزمة الكتابة تُشبه أزمة الناس في الصيف، كانوا يتوقعونه أقل قليلاً في عنفهِ من السنوات الماضية، وإذا به يعصف بالأجواء ونعيش معه أزمة الهروب منهُ أم البقاء في ظله، وتحت رحمة سوطه اللاهب، هكذا حينما تتجلى الفكرة في توهجها، ثم ما تلبثُ أن تَغيم.


هذا الصيف لاهبٌ حقيقة، قبل أسبوع من اللحظة كنتُ أدافع عنه، وأقول كل عام نشعر بذات الحرارة، «نحن بطرانين لا يعجبنا الصيف ولا الشتا»، في كل الحالات نشكو ونتذمر، لكن للحقيقة إن حرَّ هذا العام لا يشبه أيٍ عامٍ مضى، «حروره، ووهيَه»، الأرض كأنها لا تتنفس إلاّ شراراً مع كلّ نسمةٍ منهُ نقول اللهم أجرنا من حر نار جهنم يا رب العالمين.
يصيرُ أيضاً أنك تشعرُ بأنك في عمقِ مسألة ما، قادرٌ على احتوائها، على التعامل معها، والتصرف بشكلٍ جدّي حيالها، ثم وأنت في أوج تألقكِ باتجاه معالجتها تسقطُ من يديك مفاتيح التفاصيل الدقيقة لتلك الحالة أو المسألة، فتقع في شركِ الذهول والحيرة وتصير غير قادرٍ عل استيعاب ما يدور حولك، حتى أنك تظلُّ تدور حول نفسك دوران الكرة الأرضية، فلا ثبات ينقذك من حالة التوهان تلك.
من الإيجاز في القول أن تقول كلمتك بشكل مختصرٍ، مختزلٍ جداً وتمضي، غير أنّ مًضيّكَ ذاك يجب أن يُستوعب بأنه ليس هروباً من مواجهة، أو عجزٌ عن مدّ حوار لسنوات ضوئية قادمة، وإنما إيجازكَ يفيدُ بأنك قد وضعتَ الملحَ على الجرحِ ومضيت، لا تود الدخول في معترك الحوارات العقيمة، أو الجدل المَقيت، فذاك كلّه لا يُجدي أمام اللحظة، المنتصف، أو العمق.
الناس الضوضائيون أو المندسّون في دائرة التحرك السريع والركض نحو الدخول في مناطق ومساحات لا ينبغي لهم الدخول فيها، أو التعاطي معها، أو المشاركة في تفاصيلها، أولئك من الحكمة التعامل معهم بكثير من الحذر، وقليل من الوعي، لمَ قليلٌ من الوعي، ذلك أن الوعي الذي تملكه قد يكون غامضاً في دائرتهم، الأمر الذي يُعرّضك إلى الوقوف عند منتصف الأزمة، وفي عمق المجهول ما أن تقترب منهُ حتى يأخذك نحو مدارات من الجدل والتشويش، هو لا يختصرُ المسافات بل يمددها حتى تضيع بين ردهاتها.
المعالجة التي تحتاج إليها هي الوقوف في أول المسار، ثم الاتصال بك، فالحوار معك، عندها بإمكانك التنفسَ بحرية أكثر، وأنت في عمق الأزمة، ومنتصفِ الحل. 

أخبار ذات صلة شيخة الجابري تكتب: الأسرة أولاً وعاشراً ودائماً شيخة الجابري تكتب: في مديح الحَرّ

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: أحوال شيخة الجابري

إقرأ أيضاً:

د. هبة عيد تكتب: نعيب زماننا والعيب فينا

نعيب زماننا والعيب فينا.. جملة تبدو للوهلة الأولى شكوى عابرة، لكنها في الحقيقة مفتاح لفهم الكثير من الفوضى التي نعيشها. نحن نميل دائمًا لأن نُخرج أنفسنا من دائرة المسؤولية، فنلوم الزمن والناس والظروف، ونتجاهل أن كثيرًا مما نُعاتب عليه الأيام هو في الأصل صدى لقرارات صنعناها نحن، ولمواقف سكتنا عنها، ولوجوه عرفنا زيفها ولم نواجهها.

ومن أكثر ما نشكو منه اليوم هو النفاق… ذلك الوجه الذي يتلوّن كالماء، ينساب في كل اتجاه، ويبحث عن المنافع لا عن المبادئ. نراه في بعض المكاتب، في العلاقات، في المجاملات، وفي المواقف التي تتبدّل بسرعة البرق. نرى من يبتسم اليوم لمن كان بالأمس موضع سخرية، ومن يرفع راية الولاء لمن تولّى فقط لأن "المشهد تغيّر". ونسمع دائمًا ما يشبه المسرحية القديمة: "عاش الملك… مات الملك".

مواقف تتغير لا بدافع فهم جديد، ولا ضوء ظهر، بل بدافع المصلحة الخالصة، التي ما إن تتبدّل حتى يتبدّل معها وجه أصحابها.

والأغرب… أن كثيرًا ممن يمارسون هذا التلوّن هم أوّل من يهاجم النفاق في كلامهم! ينتقدونه في المجالس، ويشجبونه في أحاديثهم، وكأنهم غير معنيين به، وكأن العيب في الزمن نفسه لا فيهم.

لكن…ورغم هذا كله، ورغم ضجيج الوجوه المتعددة، فإن الخير لم يغِب. الخير ما زال موجودًا، يلمع في النفوس التي لم يفسدها التقلّب، وفي القلوب التي ترفض الكذب مهما كان مغريًا، وفي الذين لا يغيرون مبادئهم بتغيّر الناس. الخير ما زال في أمة محمد ﷺ، باقٍ كما وعد الله ورسوله، حتى وإن خفتَ صوته أمام ضوضاء المصالح.

هناك من يختار الثبات، حتى لو سار وحده. هناك من يرفض أن يقف مع "الناس الخطأ" حتى لو كان صفهم أطول. هناك من يعرف أن الحق أحيانًا يحتاج إلى من يحمله، لا إلى من يُصفّق له.

ونحن حين نلوم الزمن، ننسى أن الزمن لا فعل له… الزمن لا يتآمر، ولا يخطط، ولا يتلوّن. الناس هي التي تتغير، والقلوب هي التي تنقلب، والمواقف هي التي تضعف أو تقوى.
وما الزمن إلا مرآة… تعيد لنا ما وضعناه أمامها.

ولو امتلك كل واحد منا شجاعة الاعتراف، لبدأ التغيير من أقرب نقطة: من الداخل. من تلك المساحة التي لا يراها أحد إلا الله والضمير.

حينها نكتشف أن كثيرًا مما نشتكي منه اليوم ليس خطأ الدنيا، بل خطأ التهاون، وخطأ الصمت، وخطأ المجاملة في مواقف كان يجب أن نقول فيها "لا". ونكتشف أيضًا… أن الخير أقوى مما نظن، لكنه فقط أقل صخبًا.

ولأن الصدق لا يعلو صوته، لكنه لا يسقط… يبقى أثره، ويبقى معه وعدٌ جميل بأن الحق لا يضيع ما دام له أهل يحملونه.

وفي النهاية، لا توجد كلمات تختم هذه الحقيقة أجمل من أبيات الإمام الشافعي التي صاغ بها خلاصة الحكمة كلها:

نعيبُ زمانَنا والعيبُ فينا
وما لزمانِنا عيبٌ سِوانا
ونهجو ذا الزمانَ بغيرِ ذنبٍ
ولو نطقَ الزمانُ لنا هجانا

طباعة شارك شكوى عابرة الحقيقة الفوضى المسؤولية قرارات

مقالات مشابهة

  • أزمة مصطفى كامل وعاطف إمام تتجه للقضاء| محامي الموسيقار يهاجم الموسيقيين
  • معاناة بلا نهاية.. الشعب السوداني يعيش أعمق أزمة إنسانية
  • د. هبة عيد تكتب: نعيب زماننا والعيب فينا
  • غزة بلا وقود: أزمة الغاز تتحول إلى كارثة إنسانية.. ونازحون يطبخون على الحطب والورق!
  • توقعات صادمة: دراسة تحذر من امتداد الصيف في أوروبا 42 يوماً إضافياً
  • أزمة صلاح وسلوت حديث الصحافة الإنجليزية… وجيرارد يدعو لعودة الهدوء قبل تدهور الموقف
  • «توتر متصاعد ونهاية تقترب».. صحيفة بيلد تكشف تفاصيل أزمة صلاح مع ليفربول
  • رئيسة مجموعة الأزمات: أميركا لم تعد واثقة في النظام الذي بنته وهناك أزمة مبادئ
  • نقص حاد في الضباط والمقاتلين داخل جيش الاحتلال
  • أزمة محمد صلاح مع ليفربول تتصاعد.. علامات استفهام حول مستقبله في النادي