الوطن:
2025-08-01@14:18:37 GMT

عبدالرحمن قناوي يكتب: لماذا نحن هنا؟

تاريخ النشر: 25th, July 2024 GMT

عبدالرحمن قناوي يكتب: لماذا نحن هنا؟

بينما يصرخ أحد المطربين الموجوعين من غدر الصحاب، حدّثت صبي القهوة، مستنكرا: «مش عارف إيه اللي بتسمعوه ده يا عبده وبتستحملوه إزاي»، فرد بسرعة: «دول عندنا زي أم كلثوم بالنسبالكم يا أستاذ».. كلماته التي قالها بتلقائيته المعتادة معي صدمتني مرتين، الأولى لأنه ذكرني أن قطار العمر جرى دون عودة وأنه «فات الميعاد» منذ زمن، والثانية للمقارنة بين الست وذلك الموجوع صاحب الاسم الغريب، تلك المقارنة السريعة البسيطة التي وضع بها ذلك الفتى صاحب الـ15 عاما حدا فاصلا بين جيله ومن سبقوه، كشف بها عن انسلاخ جزء من المجتمع من هويته، وتخليه عن تراثه وثقافته.

الصدمة التي سببها لي صديقي الصغير دفعتني لإطلاق تساؤلات عديدة عن النقطة التي وصلنا إليها من تدني الذوق العام، والخروج من عمق عباءة الأصالة والتمسك بالجذور، إلى تلك المنطقة الضحلة التي تعلقنا فيها بالقشور والغث الذي لا يبقى، وأصبح جيل كامل لا يستطيع التفريق بينه وبين السمين، ويفضله عليه كذلك!

تساؤلات كثيرة دارت في خُلدي عن تراجع الهوية وانسحاقها بين محبي ذلك «الترزيع» الصوتي، وآخرين لا يكادون يتحدثون اللغة العربية من الأساس، وانتقلوا من خلط بعض الكلمات من لغاتٍ أجنبية بحديثهم للظهور بشكل «مودرن»، إلى التحدث الكامل بتلك اللغات بشكل كامل، مع نسيان اللغة الأم، وجدتني أسأل نفسي: «لماذا نحن هنا؟».

لم أجد إجابة على أسئلتي إلا في ذاكرتي، التي يتزين كل مكان فيها بمكتبةٍ ضخمة، كنت أقضي فيها ساعات طويلة، من مركز شباب القرية إلى مدارسي من الثانوية إلى الإعدادية، قطعًا لم يقرأ صبي القهوجي كتاب «عن صحبة العشاق.. رواد الكلمة والنغم» للمبدع الراحل خيري شلبي، لم يمر أمام عينيه استشهاده بكلمات موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب عن كوكب الشرق، الذي قال فيه إن صوت أم كلثوم كان صوتا زعيما.. لو توفرت له الفرصة لقراءته لما جرؤ على ذلك الوصف.

هؤلاء الشباب والصبية الذين لا يتحدثون العربية، لم يقضوا ساعاتٍ طويلةٍ وسط آلاف الكتب، لم يقرأوا روائع الأدب العالمي بترجمة الهيئة العامة للكتاب، لم يعيشوا بين «عبقريات» العقاد و«أيام» طه حسين و«يوميات» توفيق الحكيم و«عبرات» المنفلوطي»، لم ينهلوا من نهر عمرو بن كلثوم ولا شربوا من كأس أبو نواس، ليعتاد لسانهم لغتهم، وتتمسك أرواحهم بجذورهم.

أصبحنا هنا لأننا لا نقرأ، إذ يثبت تقرير صادر عن منظمة اليونيسكو العام الماضي، أن الطفل العربي يقرأ 7 دقائق سنويًا، بينما الطفل الأمريكي يقرأ 6 دقائق يوميًا، ومعدل ما يقرأه الفرد في العالم العربي سنويًا هو ربع صفحة فقط، بينما أكدت مؤسسة الفكر العربي أن متوسط قراءة الفرد الأوروبي يبلغ نحو 200 ساعة سنويًا، بينما لا يتعدى متوسط قراءة المواطن العربي 6 دقائق سنويًا، وكذلك إصدارات الكتب في الدول الأوروبية هي الأخرى أكثر بكثير من العالم العربي، بمعدل 100 كتاب في أوروبا مقابل كتابين فقط في منطقتنا، وينشر العالم العربي 1650 كتابا سنويًا، في وقت تنشر فيه الولايات المتحدة 85 ألف كتاب سنويًا.

أرقام تثبت التراجع المرعب للقراءة وقيمتها، ما نتج عنه فقداننا لهويتنا الثقافية وجذورنا، تراجع بدأ باختفاء مشروع «مكتبة الأسرة» وما كانت توفره من كنز ثقافي هائل في كل منزل بالمجان تقريبا، واكتمل باختفاء المكتبات من المدارس ومراكز الشباب، فالجيل الجديد لم يترعرع على إعلانات «مهرجان القراءة للجميع»، ولم ينشأ على القراءة داخل مدرسته، ولا يعرف شيئا عن مهنة «أمين المكتبة»، تراجعٌ استمر وكبُر وتوحش حتى أصبحنا هنا، في ضوضاء المقهى الذي يختلط بها صوت الموجوع بغدر الصحاب مع حديث بلغة أجنبية لمجموعة من الشباب على المنضدة المجاورة، وصوت صبي القهوة يصيح لأحد السائلين عن الطريق: «إنت إيه اللي جابك هنا.. لف وارجع من الأول هتلاقي الطريق».

 

 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: القراءة للجميع مكتبة الأسرة سنوی ا

إقرأ أيضاً:

فيروس سي بين حديثي الولادة.. خطر صامت يهدد آلاف الأطفال سنويًا

أظهرت دراسة حديثة أجراها باحثون من المعهد الوطني لبحوث الصحة بجامعة بريستول البريطانية أن نحو 74,000 طفل يولدون سنويًا في مختلف أنحاء العالم مصابين بفيروس التهاب الكبد الوبائي "C"، وهو فيروس ينتقل عبر الدم ويمكن أن يسبب أمراضًا خطيرة في الكبد، ووفقًا للدراسة، فإن حوالي 23,000 من هؤلاء الأطفال يحتفظون بالعدوى حتى سن الخامسة.

سُمية فيتامين ب6.. خطر خفي في المكملات الغذائية| احذرهحكم قضائي تاريخي في بكين.. تعويض موظف عن تدريبات خارج ساعات العملالدول الأكثر تأثرًا: باكستان ونيجيريا في الصدارة

بحسب ما نشره موقع "News Medical Xpress"، سجلت باكستان ونيجيريا أعلى معدلات الإصابة بين الأطفال حديثي الولادة، تليهما الصين وروسيا والهند، وتشير البيانات إلى أن هذه الدول الخمس تشكل ما يقرب من نصف جميع حالات العدوى المنتقلة عموديًا من الأم إلى الطفل، وهو ما يسلّط الضوء على العبء الجغرافي غير المتوازن لهذه المشكلة الصحية.

دعوة عاجلة لتوسيع نطاق الفحص والعلاج المبكر

أكّد الدكتور آدم تريكي، الباحث الرئيسي في الدراسة، أن النتائج لا تكشف فقط عن مدى انتشار العدوى، بل تبرز أيضًا الحاجة الملحة لإجراء اختبارات الكشف بين النساء الحوامل، ولفت إلى أن الفيروس، رغم قابليته للعلاج في معظم الحالات، يبقى غير مكتشف وغير معالج لدى كثير من الأطفال المصابين به منذ الولادة، وتوفر فترة الحمل فرصة نادرة للتواصل مع النساء اللاتي قد لا يتواصلن مع النظام الصحي بانتظام، ما يجعل من الفحص المبكر وسيلة حيوية للوقاية والعلاج.

الإحصاءات العالمية: ملايين المصابين والآلاف من الوفيات

تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى وجود نحو 50 مليون شخص حول العالم مصابين بفيروس التهاب الكبد الوبائي "C"، وفي عام 2022 وحده توفي ما يقارب 240 ألف شخص نتيجة أمراض الكبد المرتبطة بهذا الفيروس، مما يعكس عبء المرض الكبير على الصحة العامة عالميًا.

العلاج متوفر وفعّال منذ 2014

منذ عام 2014، تتوفر علاجات فعالة جدًا لفيروس C في العديد من البلدان، وهي عبارة عن حبوب تؤخذ لمدة ثلاثة أشهر تقريبًا، وتحقق معدلات شفاء تفوق 90%. ومع ذلك، فإن قلة الفحوصات المبكرة لدى النساء الحوامل تقف حائلًا دون الوصول إلى الأطفال المصابين في الوقت المناسب.

آلية الانتقال والتعافي الطبيعي لدى الأطفال

اعتمدت الدراسة على تقديرات جديدة لعدد النساء المصابات في كل دولة، إلى جانب احتمال انتقال الفيروس من الأم إلى الجنين، والذي يبلغ حوالي 7% لكل ولادة، كما أخذ الباحثون في الحسبان أن نحو ثلثي الأطفال المصابين يتخلصون من الفيروس طبيعيًا قبل بلوغهم سن الخامسة، في حين يظل الباقون بحاجة إلى تدخل طبي عاجل.

نحو فحص شامل للنساء الحوامل

رغم أن الإرشادات الصحية الأمريكية والأوروبية توصي بإجراء فحوصات فيروس "C" لجميع النساء الحوامل، إلا أن تنفيذ هذه التوصيات يظل ضعيفًا في معظم الدول، حتى تلك التي تقر بهذه الإرشادات، وتؤكد نتائج الدراسة أن تكثيف فحوصات النساء أثناء الحمل يمثل خطوة ضرورية للحد من انتقال العدوى وحماية الأجيال القادمة من هذا الخطر الصامت.

طباعة شارك فيروس سي حديثي الولادة الأطفال التهاب الكبد الوبائي c فيروس C

مقالات مشابهة

  • غليون لـعربي21: أوروبا تعترف بفلسطين خوفاً من وصمة الإبادة التي شاركت فيها
  • عماد قناوي: آن الأوان لتسعير عادل يحمي السوق والمستهلك معًا
  • ذعادل الباز يكتب: الرباعية في خبر كان… لماذا؟ (2/2)
  • “إلى أين؟”.. عرض ليبي يُجسّد القلق الوجودي ضمن مهرجان المونودراما العربي في جرش 39 اللجنة الإعلامية لمهرجان جرش بحضور ممثل عن السفارة الليبية في عمان، وجمع غفير من عشاق المسرح، وضمن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان المونودراما المسرحي، قدّمت ا
  • الكتلة النقدية تسجل ارتفاعًا سنويًا بنسبة 8% خلال يونيو 2025 (بنك المغرب)
  • محمد مدحت يكشف مفاجأة عن علاقة جده بكوكب الشرق: كان عضوا في فرقة أم كلثوم
  • عادل الباز يكتب: الرباعية في خبر كان.. لماذا؟
  • ساكاليان لـ سانا: اللجنة على استعداد تام لمواصلة العمل للتخفيف من تبعات الأحداث الأخيرة في محافظة السويداء على المجتمعات المتأثرة، حيث انضم فريق منها الإثنين الفائت إلى القوافل الإنسانية التابعة للهلال الأحمر العربي السوري التي دخلت محافظة السويداء، ضمن ا
  • الهادي آدم.. الشاعر السوداني الذي كتب لفلسطين و غنت له أم كلثوم
  • فيروس سي بين حديثي الولادة.. خطر صامت يهدد آلاف الأطفال سنويًا