الوطن:
2025-05-23@20:23:57 GMT

عبدالرحمن قناوي يكتب: لماذا نحن هنا؟

تاريخ النشر: 25th, July 2024 GMT

عبدالرحمن قناوي يكتب: لماذا نحن هنا؟

بينما يصرخ أحد المطربين الموجوعين من غدر الصحاب، حدّثت صبي القهوة، مستنكرا: «مش عارف إيه اللي بتسمعوه ده يا عبده وبتستحملوه إزاي»، فرد بسرعة: «دول عندنا زي أم كلثوم بالنسبالكم يا أستاذ».. كلماته التي قالها بتلقائيته المعتادة معي صدمتني مرتين، الأولى لأنه ذكرني أن قطار العمر جرى دون عودة وأنه «فات الميعاد» منذ زمن، والثانية للمقارنة بين الست وذلك الموجوع صاحب الاسم الغريب، تلك المقارنة السريعة البسيطة التي وضع بها ذلك الفتى صاحب الـ15 عاما حدا فاصلا بين جيله ومن سبقوه، كشف بها عن انسلاخ جزء من المجتمع من هويته، وتخليه عن تراثه وثقافته.

الصدمة التي سببها لي صديقي الصغير دفعتني لإطلاق تساؤلات عديدة عن النقطة التي وصلنا إليها من تدني الذوق العام، والخروج من عمق عباءة الأصالة والتمسك بالجذور، إلى تلك المنطقة الضحلة التي تعلقنا فيها بالقشور والغث الذي لا يبقى، وأصبح جيل كامل لا يستطيع التفريق بينه وبين السمين، ويفضله عليه كذلك!

تساؤلات كثيرة دارت في خُلدي عن تراجع الهوية وانسحاقها بين محبي ذلك «الترزيع» الصوتي، وآخرين لا يكادون يتحدثون اللغة العربية من الأساس، وانتقلوا من خلط بعض الكلمات من لغاتٍ أجنبية بحديثهم للظهور بشكل «مودرن»، إلى التحدث الكامل بتلك اللغات بشكل كامل، مع نسيان اللغة الأم، وجدتني أسأل نفسي: «لماذا نحن هنا؟».

لم أجد إجابة على أسئلتي إلا في ذاكرتي، التي يتزين كل مكان فيها بمكتبةٍ ضخمة، كنت أقضي فيها ساعات طويلة، من مركز شباب القرية إلى مدارسي من الثانوية إلى الإعدادية، قطعًا لم يقرأ صبي القهوجي كتاب «عن صحبة العشاق.. رواد الكلمة والنغم» للمبدع الراحل خيري شلبي، لم يمر أمام عينيه استشهاده بكلمات موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب عن كوكب الشرق، الذي قال فيه إن صوت أم كلثوم كان صوتا زعيما.. لو توفرت له الفرصة لقراءته لما جرؤ على ذلك الوصف.

هؤلاء الشباب والصبية الذين لا يتحدثون العربية، لم يقضوا ساعاتٍ طويلةٍ وسط آلاف الكتب، لم يقرأوا روائع الأدب العالمي بترجمة الهيئة العامة للكتاب، لم يعيشوا بين «عبقريات» العقاد و«أيام» طه حسين و«يوميات» توفيق الحكيم و«عبرات» المنفلوطي»، لم ينهلوا من نهر عمرو بن كلثوم ولا شربوا من كأس أبو نواس، ليعتاد لسانهم لغتهم، وتتمسك أرواحهم بجذورهم.

أصبحنا هنا لأننا لا نقرأ، إذ يثبت تقرير صادر عن منظمة اليونيسكو العام الماضي، أن الطفل العربي يقرأ 7 دقائق سنويًا، بينما الطفل الأمريكي يقرأ 6 دقائق يوميًا، ومعدل ما يقرأه الفرد في العالم العربي سنويًا هو ربع صفحة فقط، بينما أكدت مؤسسة الفكر العربي أن متوسط قراءة الفرد الأوروبي يبلغ نحو 200 ساعة سنويًا، بينما لا يتعدى متوسط قراءة المواطن العربي 6 دقائق سنويًا، وكذلك إصدارات الكتب في الدول الأوروبية هي الأخرى أكثر بكثير من العالم العربي، بمعدل 100 كتاب في أوروبا مقابل كتابين فقط في منطقتنا، وينشر العالم العربي 1650 كتابا سنويًا، في وقت تنشر فيه الولايات المتحدة 85 ألف كتاب سنويًا.

أرقام تثبت التراجع المرعب للقراءة وقيمتها، ما نتج عنه فقداننا لهويتنا الثقافية وجذورنا، تراجع بدأ باختفاء مشروع «مكتبة الأسرة» وما كانت توفره من كنز ثقافي هائل في كل منزل بالمجان تقريبا، واكتمل باختفاء المكتبات من المدارس ومراكز الشباب، فالجيل الجديد لم يترعرع على إعلانات «مهرجان القراءة للجميع»، ولم ينشأ على القراءة داخل مدرسته، ولا يعرف شيئا عن مهنة «أمين المكتبة»، تراجعٌ استمر وكبُر وتوحش حتى أصبحنا هنا، في ضوضاء المقهى الذي يختلط بها صوت الموجوع بغدر الصحاب مع حديث بلغة أجنبية لمجموعة من الشباب على المنضدة المجاورة، وصوت صبي القهوة يصيح لأحد السائلين عن الطريق: «إنت إيه اللي جابك هنا.. لف وارجع من الأول هتلاقي الطريق».

 

 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: القراءة للجميع مكتبة الأسرة سنوی ا

إقرأ أيضاً:

عاجل - السيسي: تأخير استصلاح الأراضي الزراعية يكلّف الدولة 30 مليار جنيهًا سنويًا

خلال مشاركته في فعاليات موسم حصاد القمح لعام 2025، وجّه الرئيس عبد الفتاح السيسي رسائل مباشرة إلى الحكومة والمستثمرين، محذرًا من التكاليف الباهظة الناتجة عن التأخير في تنفيذ مشروعات الاستصلاح الزراعي، ومؤكدًا أن أي موسم زراعي مفقود يُعد خسارة اقتصادية فادحة للدولة.

تحديات التمويل والتنفيذ في مشروعات الاستصلاح

في كلمته، تحدث الرئيس السيسي عن العقبات التي تواجه الدولة عند التخطيط لاستصلاح أراضٍ جديدة، قائلًا:

"عندما نتحدث عن التخطيط، فإنني أخاطب الحكومة والمستثمرين وكل من يسهم في إنجاح هذه الفكرة، حين نقرر استصلاح أراضٍ جديدة للزراعة، نواجه تحديات كبيرة، ليس فقط في التمويل، بل في التنفيذ أيضًا، لأن من غير تمويل مش هنعمل مشروعات".

البنية التحتية الزراعية ضرورة وليست رفاهية

وأشار الرئيس إلى أن مشروعات الزراعة لا تقتصر على استصلاح الأرض فقط، بل تتطلب توفير أساسيات مهمة، موضحًا:

"فالبنية التحتية الزراعية تتطلب توفير الطاقة والطرق وشبكات الكهرباء وغيرها من الأساسيات".

تأخير موسم زراعي = خسارة 30 مليار جنيه سنويًا

وحذّر الرئيس السيسي من تأثير التأخير على الاقتصاد القومي قائلًا:

"إذا تعذر استزراع 600 ألف فدان هذا العام، فنحن لا نخسر مجرد مساحة، بل نخسر إنتاجًا ضخمًا يعادل في المتوسط 30 مليار جنيه سنويًا، بواقع 50 ألف جنيه للعائد من كل فدان، وهذه خسارة متكررة سنويًا، وليست لمرة واحدة فقط".

منظومة مؤسسية متكاملة لاستصلاح الأراضي

وأكد الرئيس مجددًا أهمية التنظيم المؤسسي داخل قطاع الزراعة، موضحًا:

"الدولة تنظم عملًا مؤسسيًا كاملًا في المشروعات الزراعية".

وأضاف:

"يتم تجهيز الأراضي ثم يتم إتاحتها"،
مشيرًا إلى أن "البنية الأساسية التي وفّرتها الدولة تمثل عنصرًا حاسمًا في نجاح عمليات الاستصلاح، لا سيما في المناطق ذات الطبيعة الصحراوية مثل سيناء".

القطاع الخاص شريك استراتيجي في مستقبل الزراعة

ودعا الرئيس عبد الفتاح السيسي القطاع الخاص إلى الاستثمار والمشاركة في تنفيذ هذه المشروعات الوطنية، مؤكدًا:

"نحرص على تشجيع القطاع الخاص وتأهيل البنية الأساسية في مناطق المشروعات الزراعية، ويعد هذا استثمارًا ضخمًا يمكن الاستفادة منه".

 

مقالات مشابهة

  • "صوت وصورة".. أم كلثوم تعود إلى مسرح قصر النيل بعد غياب نصف قرن
  • مروة ناجي تُجسد "الست" في عرض بصري مبهر يعيد سحر أم كلثوم للقاهرة
  • رئيس اتحاد الغرف التجارية: مصر تستورد سنويًا 350 منتج بقيمة تتجاوز 24 مليار دولار
  • لماذا الصمت العربي في حين تغيرت مواقف الغرب تجاه إسرائيل؟
  • بينما تُباد غزة.. “غولاني” الإسرائيلي يتدرب على أرض المغرب
  • لماذا تبقي واشنطن على محمود خليل في السجن بينما يُطلق سراح آخرين؟
  • لماذا تبقي واشنطن على محمود خليل في السجن بينما يُطلق سراح آخرون؟
  • السيسي: من 5 سنين بطالب بمصنع لبن أطفال.. بنستورد 45 مليون علبة سنويًا
  • عاجل - السيسي: تأخير استصلاح الأراضي الزراعية يكلّف الدولة 30 مليار جنيهًا سنويًا
  • الرئيس السيسي: تأخير استصلاح الأراضي الزراعية يكلف الدولة 30 مليار جنيه سنويًا