السلام الإعلامي.. وجلسات العلاج النفسي الجماعي للعالم؟
تاريخ النشر: 14th, October 2025 GMT
عندما وقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مزهوا بمصافحة قادة العالم الذين وفدوا إلى منتجع شرم الشيخ في مصر أمس الأول الاثنين، وموزعا ابتساماته المصطنعة على المشاهدين في العالم كله، كان السؤال الذي يتردد في ذهني وربما في أذهان الكثيرين الذين شهدوا على عامين من حرب الإبادة والتجويع الإسرائيلية في غزة وشاهدوا بأم أعينهم حجم الدمار الهائل الذي حل بالقطاع وطال البشر والحجر والشجر، على أيدي الجيش الصهيوني الهمجي، هو: هل انتهت الحرب فعلًا في غزة أم أنها انتهت فقط على الشاشات وفي وسائل الإعلام؟
من الطبيعي للمتشككين أمثالي في نيات العدو الصهيوني أن يُولِّد السؤال السابق مزيدا من الأسئلة التي لا يمكن الإجابة عنها في الوقت الحالي، مثل: هل يمكن بالفعل أن يكون توقيع ترامب ورؤساء مصر وتركيا وقطر على ما سُميت «وثيقة شاملة» بشأن الاتفاق بين إسرائيل وحركة المقاومة (حماس)، دون حضور الطرفين، سوف يضمن التزام الطرف الإسرائيلي الذي أدمن خوض الحروب، بما ورد فيها؟ خاصة وأن جيش الاحتلال ما زال يحتل أجزاءً من غزة نفسها، ويهدد على لسان قادته السياسيين والعسكريين بتجريد المقاومة من سلاحها بالقوة؟
في تقديري أن المشهد الذي تم تسويقه في شرم الشيخ على أنه «انتصار للدبلوماسية» وعودة الأمل إلى الشرق الأوسط»، يجب ألا يجعلنا نركن إلى الوعود الأمريكية والصهيونية، لأنه ببساطة، أي هذا المشهد، لا يعبر عن الواقع وعما في النفس الصهيونية المتعطشة دوما للدماء.
إن ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية ومنذ إعلان التوصل إلى اتفاق إنهاء الحرب في غزة يؤكد عمق الهوة التي تفصل بين السلام الرمزي الذي يصنعه الإعلام، وبين السلام الحقيقي الناتج عن قناعات سياسية وعسكرية لأطراف الصراع. من السهل أن يتظاهر الطرف المعتدي أمام العالم بقبول السلام لاسترداد جزء من سمعته الدولية التي تآكلت على مدار العامين الفائتين، ولكن هذا لا يضمن التزام إسرائيل بنصوص الاتفاق. وعلي هذا فإن الاحتفاء المبالغ فيه من الإعلام الدولي بالاتفاق والتغطية الإعلامية الواسعة لقمة شرم الشيخ كان في جوهره محاولة من جانب هذا الإعلام لمنح الشعوب جرعة من الأمل والطمأنينة بعد شهور طويلة من مشاهدة صور الموت والدمار والجوع اليومية، وصنع «سلامًا بصريًا» مبهجًا، لكنه يبقى سلاما هشّا، سرعان ما يسقط حين يقترب من جوهر الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي على وجه الخصوص، والعربي- الإسرائيلي بوجه عام.
وعلى هذا الأساس يمكن القول إن كثيرا من التغطيات الإعلامية في كبريات الصحف ومحطات التلفزيون العالمية تحولت إلى ما يشبه جلسات العلاج النفسي الجماعي للعالم الذي أنهكته مشاهد الحرب وحجم الضحايا الفلسطينيين الذي تجاوز السبعين ألف شهيد ونحو 140 ألف جريح، ودفعت الشعوب في كثير من مدن العالم إلى الخروج إلى الشوارع والتظاهر للتنديد بإسرائيل والمطالبة بعزلها ومقاطعتها، ومناصرة غزة ودعمها. وقد وجد الإعلام الدولي في مشاهد المصافحة والابتسامات المتبادلة في قمة شرم الشيخ مادة مثالية لإغلاق ملف غزة الدامي، دون أن يبحث في أسباب الصراع، ودون أن يحلل تداعياته وجرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل، وكيف يمكن محاسبتها على ذلك.
الملاحظ أنه في كثير من التغطيات الإعلامية الغربية، خاصة في مؤسسات إعلامية كبيرة مثل «بي بي سي»، و«رويترز»، و«نيويورك تايمز»، غلبت النزعة الإنسانية على التحليل السياسي والعسكري الموضوعي. إذ ركّزت على صور قادة العالم المبتهجين بتوقيع الاتفاق بحضور ترامب، وعلى وعود تدفق المساعدات وإعادة الإعمار، وكأن العدوان الإسرائيلي قد انتهى إلى غير رجعة. واستخدمت تلك الوسائل لغةً عاطفية ووصفت التوقيع الشكلي على الاتفاق، بأنه «لحظة تاريخية»، و»فرصة نادرة»، و«ولادة جديدة للسلام». دون أن تمس جذور الصراع المرتبطة باستمرار الاحتلال الصهيوني وتوسع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية والحصار غير الإنساني المفروض على غزة منذ سنوات من البر والبحر والجو، والاعتداءات المستمرة على المسجد الأقصى. ولذلك نقول إن الإعلام الغربي حرص، ربما لغرض في نفس يعقوب، على المشاركة في صناعة وإخراج وتصدير مشهد سلام رمزي للعالم، يخفف به غضب المشاهد من إسرائيل وداعميها، أكثر مما يغيّر الواقع الفلسطيني على الأرض.
في المقابل، حرصت بعض وسائل الإعلام على التعبير عن شكوكها في استمرار الاتفاق بعد تسليم الأسري الإسرائيليين، ووصفت الاتفاق بأنه «استراحة أمنية مؤقتة»، حتى يستطيع الجيش الصهيوني التقاط أنفاسه. وهنا اقتبس من مقال للكاتب اليهودي جيرمي بن عامي، وهو في الوقت نفسه رئيس منظمة مؤيدة لإسرائيل، قوله في مقال نشرته صحيفة الجارديان البريطانية «إن المشكلة تكمن في التفاصيل، وأن تنفيذ اتفاق غزة سيكون صعبًا. ومن بين نقاط الخلاف المحتملة تحديد مدى انسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع، وآليات نزع سلاح المقاومة، وعملية اختيار قيادة فلسطينية مقبولة في غزة». إلى جانب ذلك فإن الصحف ووسائل الإعلام اليمينية في الولايات المتحدة وفي إسرائيل ما زالت تعيد خطاب «الخطر الفلسطيني» الأبدي، وهو ما يجعل أي اتفاق للسلام قابل للانفجار في أية لحظة.
الغريب في الأمر ورغم أن الاتفاق يشمل طرفا فلسطينيا فإن الصوت الفلسطيني يبدو غائبا إلي حد كبير أو على الأقل مهمشا في تغطية وسائل الإعلام الغربية لاتفاق إنهاء الحرب وقمة السلام. ففي الوقت الذي احتلت فيه تصريحات ترامب والقادة المشاركين في القمة مساحات واسعة من التغطية، لم تهتم وسائل الإعلام العالمية بنقل مخاوف وآمال أهل غزة وكيف يرون الاتفاق وماذا يريدون، ولذلك بدا الاتفاق وكل ما تلاه من مشاهد وكأنه مشروع بين الدول الوسيطة والمفاوضين وليس بين الشعوب.
إن الخطر الأكبر في تقديري يتمثل في أن يتحول التعاطف الإنساني مع أهل غزة إلى سلام إعلامي شكلي ومؤقت، يهدف فقط إلى إرضاء الضمير الغربي المتعب من صور الدماء، دون أن يضغط من أجل تغيير جذري في الواقع. «فحين يعلن الإعلام انتهاء الحرب في غزة بينما لا تزال المعابر مغلقة، والفلسطينيون لا يجدون الغذاء والدواء، يصبح السلام مجرد صورة تلفزيونية جميلة لا أكثر. ويعلمنا التاريخ أن السلام الذي يولد في قاعات المؤتمرات لا يعيش طويلًا إن لم تدعمه إرادة سياسية حقيقية وعدالة ناجزة على الأرض. إنّ الاختبار الحقيقي لاتفاق غزة لن يكون في الكلمات التي تملأ الصحف، والصور على شاشات التلفزيون، بل في قدرة الإعلام الدولي على تبنّي خطاب جديد يؤمن بعدالة القضية الفلسطينية، ويحرص على نقل الحقيقة وليس على صناعة الأمل الزائف.
إنّ السلام الإعلامي قد يخلق لحظة رضا جماعي عالمي، لكنه لا يصمد أمام أول اختبار حقيقي. فالسلام الحقيقي لا يتحقق إلا عندما يصبح الحديث عن الحقوق المشروعة للفلسطينيين جزءًا لا يتجزأ من الحديث عن الحلول الدائمة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: وسائل الإعلام شرم الشیخ فی الوقت دون أن فی غزة
إقرأ أيضاً:
تحرك استيطاني جديد.. الائتلاف يضغط لرفع العلم الإسرائيلي شمال غزة
قدّم وزراء وأعضاء كنيست من أحزاب الائتلاف اليميني المتطرف، اليوم الخميس، طلبًا جديدًا يعكس تصعيدًا سياسيًا منظّمًا، موجَّهًا إلى وزير الأمن يسرائيل كاتس، للموافقة على إقامة فعالية استيطانية كبرى لرفع العلم الإسرائيلي شمالي قطاع غزة .
وطالب مقدّمو الطلب بتنظيم الفعالية خلال عيد "الأنوار" (حانوكا) في موقع مستوطنة "نتسانيت"، التي أُخليت عام 2005 ضمن خطة "فك الارتباط"، وذلك بالتزامن مع ما وصفوه بأنه "عودة إسرائيل إلى مستوطنات غوش قطيف". وأوضحوا أن توقيت هذا الحدث يأتي بعد عامين على هجوم السابع من أكتوبر، مؤكدين أن الحرب الطويلة "لم تصل إلى تعريف واضح للنصر"، وأن الوضع الميداني "لا يعكس استعادة الردع أو القضاء على قوة حماس ".
وجاء في الرسالة أن "حماس تخرق التفاهمات مرارًا، وأن قوتها لم تُدمَّر بل تتزايد مع مرور الوقت"، في حين تتحدث المؤسسة الأمنية – بحسب وصفهم – عن إزالة التهديد وعودة سكان الغلاف، وهي رواية اعتبرها مقدّمو العريضة غير دقيقة. وأضافوا أن الحرب أثبتت أن الحسم العسكري وحده غير كاف، وأن استمرار العمليات "لا يضمن النصر"، مؤكدين أن "عامين من القتال وسقوط مئات الجنود يثبتان أن النصر لا يتحقق بالسلاح فقط".
وانتقد الوزراء وأعضاء الكنيست ما قالوا إنه "محاولات دولية لفرض ترتيبات على قطاع غزة" ضمن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف الحرب، معتبرين أن غزة "جزء من ميراث الآباء، النقب الغربي". وشددوا في رسالتهم على أن الطريق الوحيد لتحقيق النصر – وفق رؤيتهم – يتمثّل في السيطرة الكاملة على الأرض وضمّها إلى إسرائيل، قائلين: "النصر يتحقق فقط عندما تُؤخذ الأرض".
اقرأ أيضا/ حمـاس ترفض وتستهجن التقرير الصادر عن منظمة العفو الدولية
وأضافوا أن "خطوة من هذا النوع، تقوم على أخذ الأرض وتحويلها إلى منطقة يهودية مزدهرة، ستُحدث ردعًا طويل المدى ضد جميع أعدائنا، وسترسّخ في الواقع وفي وعي العدو والعالم بأسره أن إسرائيل انتصرت في الحرب، والأهم من ذلك أنها ستُثبّت الانتماء الأبدي لأرض إسرائيل للشعب اليهودي".
وتابعوا: "لقد حان الوقت لنقول بوضوح: غزة جزء من أرض إسرائيل، وهي ملك حصري للشعب اليهودي، ويجب ضمّها فورًا إلى دولة إسرائيل"، مشددين على أن "الوضع القائم اليوم لا يستوفي تعريف النصر في الحرب".
وأوضح موقعو الرسالة أن حركة "نحالاه" الاستيطانية تعمل على تنظيم فعالية واسعة خلال "حانوكا"، تتمحور حول رفع العلم الإسرائيلي بشكل جماهيري فوق أنقاض "نتسانيت"، مطالبين الحكومة بالمصادقة على الحدث "دون تأخير".
وجاء في ختام الرسالة: "نطلب الموافقة على إقامة الفعالية في موقع نتسانيت هذا العام، باعتبارها خطوة رمزية وسيادية تعكس انتصار الشعب الإسرائيلي وتُثبّت الانتماء الأبدي لأرض إسرائيل".
ووقّع على الرسالة عدد من أبرز وزراء الحكومة الإسرائيلية، بينهم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير الاقتصاد نير بركات، ووزير الرياضة ميكي زوهار، إلى جانب وزراء آخرين مثل زئيف إلكين، إيلي كوهين، ميري ريغيف، عيديت سيلمان، بالإضافة إلى رئيس الائتلاف.
وشارك أيضًا نحو 33 عضو كنيست من أحزاب اليمين واليمين المتطرف، من بينهم تالي غوتليب، دافيد بيتان، تسفيكا فوغل، ليمور سون هار ميلخ، يتسحاق غولدكنوف، غاليت ديستل، أرئيل كالينر، وأوشر شكّليم.
المصدر : عرب 48 اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من الأخبار الإسرائيلية مكان: ضغط مصري على إسرائيل لفتح معبر رفح في كلا الاتجاهين العاصفة "بيرون" تضرب إسرائيل بقوة وتحذيرات من فيضانات خطرة كشف تفاصيل عملية سرّية إسرائيلية بغزة قبل يوم من هجوم 7 أكتوبر الأكثر قراءة زيارة أم البنين كاملة PDF حماس: استشهاد 3 أسرى بسجون الاحتلال يؤكد سياسة القتل المتعمدة لجنة الانتخابات تعلن المدد القانونية للانتخابات المحلية 2026 شهيدة وإصابات برصاص الاحتلال شرق غزة عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025