اعتماد حصة سلطنة عمان لموسم الحج المقبل بـ14 ألف حاج.. و92% نسبة الرضا العام عن الموسم الماضي
تاريخ النشر: 31st, July 2024 GMT
الرؤية- محمد الهيملي
أعلنت بعثة الحج العمانية اعتماد وزارة الحج والعمرة بالمملكة العربية السعودية الشقيقة حصة حجاج سلطنة عمان لهذا الموسم 1446 بعدد 14 ألف حاج. واستعرضت البعثة -في مؤتمر صحفي- عددا من المؤشرات والإحصائية المتعلقة بموسم الحج لعام 1445هـ، وذلك بحضور رئيس بعثة الحج العمانية سلطان بن سعيد الهنائي.
وقالت البعثة إن حصة سلطنة عمان بلغت هذا العام 14 ألف حاج عماني، بنسبة 100% مقارنة بالعام السابق والذي بلغت حصة الحجاج العمانيين فيه 99.7%. وأشارت البعثة إلى أن هذه النسبة توزعت بين حجاج الفريضة بنسبة 89.2%، وحجاج تنفيذ الوصايا 1.7%، وحجاج التطوع 9.1%، وقد مثلت النساء 49.9% من الحصة مقابل 50.1% للرجال، مضيفة أن عدد موظفي الخدمة في شركات الحج بلغت 700 موظف، بالإضافة إلى استثمار حصة بعثة الحج العمانية بعدد 350 عضو بعثة، ليصل العدد الإجمالي لوفد الحج هذا العام 15050 حاجا وموظفا خدمة أو بعثة.
وبين رئيس بعثة الحج العمانية أن أكثر الحجاج العمانيين من فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18-60 سنة بنسبة بلغت 83.2% مقابل 16.8% من الفئة الأكبر من 60 سنة، كما أن مسارات الحجاج إلى الديار المقدسة بلغت نسبة الجو فيها 60.4% مقابل 39.6% بالبر. وجاء مؤشر متوسط كلفة الحج بالجو 2137 ريالا عمانيا مقابل 2054 ريالا عمانيا في عام 1444، وبلغ متوسط تكلفة الحج بالبر 1319 ريالا عمانيا نظير 1367 ريالا عمانيا في موسم 1444 وتبلغ قيمة تجهيزات مخيمي منى وعرفات ما يعادل 473.5 ريال عماني عن كل حاج.
وقال الهنائي: "تم استثمار حصة الحج المخصصة لسلطنة عمان بنسبة بلغت 100%، متجاوزة التحدي المرتبط بكثرة الإلغاء بعد منح الاستحقاق والذي بلغ 4049 حالة إلغاء، وذلك باتباع منهجية منح الاستحقاق المرتبط بمواقيت زمنية، والمعلق باستكمال التعاقدات، والدفع المالي إلكترونيا، وإتمام الفحص الطبي، والإلغاء الآلي مع ترشيح البديل، وأضاف: "تمت إعادة تصنيف وهيكلة شركات الحج ودمجها في 31 شركة بعدما كانت في 93 شركة وبها 255 شريكا، وذلك تحقيقا للضوابط المقررة من وزارة الحج والعمرة بالمملكة المتمثلة في تقليص أعداد شركات الحج والعمرة بما يتناسب مع إجمالي حصة سلطنة عمان".
وبلغت نسبة رضا الحجاج عن خدمات النظام الإلكتروني للحج وتقديم طلبات الحج وآلية منح الاستحقاق والتعاقدات الإلكترونية بمتوسط بلغ 99%، حيث شارك في استطلاع الرأي 5625 حاجا.
وتمكنت بعثة الحج العمانية من إنجاح نظام الحوالات المالية المركزية المقرر من الجهات المختصة بالمملكة العربية السعودية الشقيقة، وذلك بتخصيص حساب بنكي للدفع المالي من خلال النظام الإلكتروني للحج بسلطنة عمان، وفتح حساب بنكي للحوالات بالمملكة، وتطوير النظام الإلكتروني للحج لاستيعاب الإدارة المالية لإنجاح عمليات الدفع التي بلغت 6803 عمليات دفع وتحويل، وذلك بمبلغ قدره 13,415,954.4 ريال عماني، وإدارة الحوالات المالية إلى السعودية بمبلغ إجمالي 12,489,677.3 ريال عماني، وإعادة حوالته لحسابات شركات الحج بالمسار الإلكتروني السعودي.
وأشار الهنائي إلى أن خطة التفويج المعتمدة من بعثة الحج العمانية لحجاج البَر بالتعاون مع الجهات المختصة بالمملكةن كانت من خلال المنافذ البرية بالربع الخالي أو منفذ البطحاء بتفويج ما يزيد على 5500 حاج خلال 48 ساعة، وقد انعكس ذلك جليا في استبيان مؤشر رضا الحجاج عن مستوى خدمات الدخول والخروج عبر المنافذ البرية والجوية بنسبة رضا بلغت 98%، حيث لم تسجل البعثة بلاغات تتعلق بالدخول والخروج من المنافذ.
وذكر الهنائي أن البعثة تمكنت من المحافظة على كلفة حزمة الخدمات بمخيمي منى وعرفات، مع جملة من التحسينات على مواصفات قائمة الخدمات عددا ونوعا ووصفا، حيث إن الكلفة بلغت 473.5 ريال عماني مقابل 447 ريالا عمانيا بموسم حج 1444هـ، بفارق مالي قدره 26.5 ريال عماني فقط.
وتمكنت بعثة الحج العمانية من معالجة الاستقطاع في مخيم عرفات، وذلك بإضافة المساحة المستقطعة إلى أرضية المخيم الذي أعاده إلى سعته الكلية لاستيعاب جميع حجاج سلطنة عمان في جغرافية واحدة متصلة تسهل رعاية الحجاج والإشراف على خدمتهم، كما نجحت البعثة في استبدال جزء من المخيم العماني بمشعر منى "المعروف بمربع 100ب"، والتعويض عنه بموقع متصل بالمخيم وقد ساهم ذلك في ارتفاع مؤشر تقييم الحجاج لمستوى الخيام ومواصفاتها في مخيم عرفات إلى 91% مرتفعا بـ20 نقطة وفي مخيم منى إلى 75% مقابل 66% بموسم 1444.
وتضمن بيان البعثة، أنه تم استبدال تمديدات شبكة المياه بمشعر منى، وإضافة خزانات أرضية لضمان استمرارية خدمة المياه بالمخيم، وتحسين أرضية مخيم عرفات بصبة اسمنتية لجميع المخيم، وإضافة 62 دورة مياه جديدة بمنى و82 مسبحا، و80 دورة مياه جديدة بمخيم عرفات، وإجراء صيانة لجميع دورات المياه بمخيمي منى وعرفات مع إضافة الجبس بورد بجميع الخيام بمشعر عرفات، حيث انعكس ذلك على ارتفاع مؤشرات رضا الحجاج في العديد من بنود الاستبيان وأهمها ارتفاع نسبة الرضا في خمسة بنود تتعلق بالنظافة ودورات المياه بالمخيمين إلى 75.4% مقابل 56% بموسم 1444هـ.
وأكد الهنائي نجاح خطة إدارة يوم عرفة بمتوسط نسبة رضا بلغت 92%، ونجاح خطة إدارة الخدمات بمخيم منى بنسبة بلغت 81.5% وذلك باستطلاع آراء الحجاج في 12 بندا.
وبلغت نسبة رضا الحجاج عن جودة الخدمات العلاجية بمخيمي منى وعرفات 97% مرتفعة بأربع نقاط عن موسم 1444هـ، وقد باشر الوفد الطبي تقديم الرعاية لـ5616 حالة مرضية مسجلة.
وقال الهنائي إن مؤشر استطلاع آراء الحجاج بشأن مستوى أمن مخيمي منى وعرفات ودور الكشافة والحراسة الأمنية وآلية تعاملهم أدى لارتفاع نسبة رضا الحجاج بـ11 نقطة من نسبة رضا 89% بموسم 1444 إلى نسبة رضا بلغت 100% في هذا الموسم.
وحول التحديات، أشارت البعثة إلى أن إلغاء استحقاق الحج لايزال يمثل تحديا على بعثة الحج العمانية وجهات الاختصاص بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، وينعكس أثره على شركات الحج والعمرة وعلى تثبيت الحصص للشركات، وتظهر آثاره السلبية على تعاقدات الشركات في الإسكان والنقل والطيران والإعاشة وغيرها، حيث تمثل الإلغاءات هذا الموسم ما يعادل 29% من إجمالي حصة سلطنة عمان، ويؤدي إلى التأخر في استقرار الحصة وما يتبعها من التزامات.
ويلفت البيان أيضا إلى مشكلة نقل الحجاج بغير تصاريح مع تأكيد البعثة بأن هذه الظاهرة أصبحت محدودة جدا ولا تمثل نسبة أو رقما معتبرا، غير أن ما رصد من حالات نادرة مثل تحديا لعدد من الحجاج النظاميين، حيث كان أحد أبرز أسباب تأخير الحجاج في نقاط الفرز والتفتيش، وهو ما يستلزم إجراءات صارمة مع المخالفين من الأفراد والشركات.
ورصدت البعثة مجموعة من البلاغات من أصحاب الحافلات العمانيين عن وجود ما يزيد على 40 حافلة بمكة المكرمة لا تشملها تصاريح نقل الحجاج الصادرة من البعثة ومن الجهات المختصة بالمملكة، وببحث الحالة مع أصحاب الشأن تبين أنها ليست مرخصة لنقل الحجاج.
وقالت البعثة في بيانها حول انقطاع التيار الكهربائي بمشعر منى بصفة متكررة وخاصة في يوم التروية ويوم الثاني عشر من ذي الحجة، إن ذلك يمثل تحديا مؤثرا على خدمة الحجاج، وذلك ما أكد عليه الحجاج في استطلاع الرأي الذي يثبت تأثيره السلبي على خدمتهم وتهيئة الجو الملائم لهم بالمخيم حيث جاء مؤشر خدمة التكييف بالمخيم بنسبة عدم رضا بلغت 48%، وهو ما يؤكد ضرورة التركيز على تهيئة البنية التحتية بالمخيم، خاصة وأن التجربة بمخيم عرفة تثبت فاعلية بنيتها التحتية الجديدة بشأن الكهرباء فقد بلغت نسبة الرضا في التكييف بعرفة 89%.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
اتفاقية الشراكة الاقتصادية العُمانية - الهندية تعيد رسم ملامح الاقتصاد العماني
بالنظر إلى التطورات المتسارعة في المشهد الاقتصادي الإقليمي والدولي، تبدو اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين سلطنة عُمان وجمهورية الهند خطوة تحمل طابعًا استراتيجيًا واسع التأثير، ليس فقط من حيث تعزيز التبادل التجاري، بل من حيث إعادة صياغة الدور الاقتصادي لسلطنة عمان على مدى السنوات المقبلة. فالمؤشرات الأولية القائمة اليوم تُظهر أن التعاون بين البلدين آخذ في النمو بوتيرة ثابتة، حيث بلغ حجم التجارة الثنائية خلال العام المالي 2024-2025 ما يقارب 10.61 مليار دولار، وهو رقم يعكس علاقة اقتصادية راسخة قابلة للتوسع بمجرد تفعيل الاتفاقية المرتقبة. ويأتي ذلك في وقت تتطلع فيه سلطنة عُمان إلى اقتصاد أكثر تنوعًا، وأكثر قدرة على المنافسة، وأكثر انفتاحًا على الأسواق الآسيوية والعالمية.
وإذا ما نظرنا إلى طبيعة العلاقة الاقتصادية بين البلدين، فإن الموقع الجغرافي الاستراتيجي لعُمان يمنحها نقطة قوة محورية. فالموانئ العُمانية مثل صلالة والدقم وصحار لا تُعد بوابات بحرية عادية، بل منصات إقليمية ذات قدرة عالية على خدمة التجارة الدولية وربط آسيا بأفريقيا والخليج وأوروبا. وفي حال اكتملت اتفاقية CEPA، فإن هذه الموانئ لن تكون مجرد نقاط عبور للسلع العُمانية أو الهندية، وإنما محاور لوجستية تجذب الاستثمارات الصناعية والخدمية، وتدعم حركة إعادة التصدير، وتُسهم في بناء منظومة اقتصادية تُضاعف القيمة المضافة داخل سلطنة عُمان. ومن شأن هذه المنظومة أن تُعيد تشكيل قطاعات واسعة تتعلق بالنقل والتخزين والخدمات اللوجستية والصناعات التحويلية، الأمر الذي ينعكس على توسيع فرص العمل وتحسين نوعية الأنشطة الاقتصادية.
ومع أن الاتفاقية تفتح آفاقًا واسعة أمام التجارة في الاتجاهين، إلا أن الجانب الأكثر أهمية لسلطنة عمان يكمن في تعزيز الصناعات المحلية. إذ تستهدف عُمان ضمن رؤيتها 2040 بناء اقتصاد متنوع قائم على الصناعة والتكنولوجيا والخدمات المتقدمة، وليس اقتصادًا يعتمد على سلعة واحدة. ومع الحصول على نفاذ تفضيلي إلى سوق تتجاوز قوامها 1.4 مليار نسمة، فإن مجالات مثل البتروكيماويات، الفولاذ، الألمنيوم، الأسمنت، الرخام، المنتجات الزراعية، والمنتجات التقليدية العُمانية يمكن أن تشهد توسعًا نوعيًا في صادراتها. هذه الأسواق الضخمة لا تستوعب المنتجات فحسب، بل تحفّز أيضًا الصناعات المحلية على رفع مستويات الجودة، وتحسين سلاسل الإنتاج، وزيادة الطاقة التشغيلية، وإيجاد مساحات أكبر للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تطمح إلى التصدير.
ومن زاوية مستقبلية، يمكن اعتماد سيناريويهن لتقدير أثر الاتفاقية على حجم التجارة الثنائية: سيناريو متحفظ يفترض نموًا سنويًا بمتوسط 8%، وسيناريو تفاؤلي يفترض نمواً بمتوسط 12%، وذلك مقارنة بمعدل النمو الطبيعي للتجارة الذي يدور حول 3%. وبناء على هذه الحسابات، يمكن أن يرتفع حجم التجارة الثنائية من 10.6 مليار دولار اليوم إلى ما يقارب 15.6 مليار دولار خلال خمس سنوات في السيناريو المتحفظ، وإلى ما يتجاوز 18.7 مليار دولار في السيناريو المتفائل. ومع استمرار النمو لعشر سنوات، يمكن أن يصل الحجم التجاري بين البلدين إلى نحو 23 مليار دولار في السيناريو المتحفظ، فيما قد يصل إلى قرابة 33 مليار دولار في السيناريو التفاؤلي. وهذه القفزات المحتملة لا تأتي فقط من زيادة حجم المبادلات التقليدية، بل من توسع في الصناعات التحويلية، والاستثمار في خطوط إنتاج جديدة تستهدف السوقين معًا.
ومن شأن هذه التحولات أن تُعيد تشكيل الاقتصاد العُماني ليصبح أكثر مرونة في مواجهة التقلبات العالمية، وأكثر قدرة على النمو الذاتي من خلال الإنتاج المحلي والصناعات الوطنية. ومع ازدياد النشاط اللوجستي، وتوسع المناطق الحرة، وتجدد الاستثمارات الصناعية، سيكون لعُمان موقع جديد على خارطة التجارة العالمية، موقع يعكس قدرتها على استغلال مواردها الجغرافية والبشرية والاقتصادية لبناء اقتصاد متنوع ومستدام. وإذا ما وُظفت هذه الفرص بالشكل الصحيح - عبر التخطيط، وإدارة الموارد بكفاءة، وتطوير التشريعات، وتحفيز الكفاءات الوطنية - فإن السنوات العشر المقبلة قد تشهد تحولًا جذريًا في شكل الاقتصاد العُماني وحجمه.
بينما تتعمق سلطنة عُمان في توسيع شراكاتها الدولية، تمثّل اتفاقية التجارة الحرة مع الهند نقطة تحول قادرة على إطلاق موجة جديدة من النشاط الاقتصادي الذي يترابط فيه التصنيع بالتجارة، ويُكمل فيه الاستثمار اللوجستيات، ويتقاطع فيه النمو الصناعي مع توسع أسواق التصدير. فالعلاقة مع الهند ليست علاقة تجارية عابرة، بل علاقة راسخة تستند إلى تاريخ طويل من التبادل والتداخل الاقتصادي والثقافي، ما يجعل الاتفاقية القادمة امتدادًا طبيعيًا لمسار مشترك يتطور باستمرار. ويُتوقع أن تشكل الاتفاقية حافزًا لعدد من القطاعات التي كانت تتطلع إلى الوصول إلى أسواق أكبر، وفي مقدمتها القطاعات الصناعية التحويلية التي تعتمد على المواد الأولية المتوفرة في سلطنة عُمان، وتستهدف خلق قيمة مضافة قبل التصدير.
ويأتي ذلك في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات جيو-اقتصادية عميقة تتجه فيها دول عديدة إلى تعزيز الاندماج الإقليمي والانفتاح على آسيا، ما يجعل توقيع الاتفاقية مع الهند خطوة تجسد فهمًا استراتيجيًا لموازين القوى الاقتصادية الجديدة. فالهند اليوم واحدة من أسرع الاقتصادات نموًا في العالم، وضمن أكبر خمس اقتصادات عالمية من حيث الناتج المحلي الإجمالي؛ وبالتالي، فإن تأسيس شراكة اقتصادية شاملة معها يضع عُمان ضمن شبكة اقتصادية صاعدة ستعيد تشكيل مسارات التجارة خلال العقود المقبلة. ومن خلال هذه الشبكة، يمكن لسلطنة عمان أن تعمّق دورها كمركز إقليمي للتجارة والخدمات الصناعية، وأن تستفيد من الطلب الهائل في الهند على المواد الخام والمنتجات الصناعية والسلع الاستهلاكية.
وإذا ما نظرنا إلى تأثير الاتفاقية على الشركات الصغيرة والمتوسطة في عُمان، سنجد أن CEPA قد تكون فرصة تاريخية لهذه الفئة من الشركات لتوسيع آفاق أعمالها. فالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة تشكل جزءًا أساسيًا من هيكل الاقتصاد الوطني، وتحتاج إلى بيئة تجارية تدعم منتجاتها وتمكنها من الوصول إلى أسواق جديدة. ومع تيسير الإجراءات الجمركية، وتخفيض الرسوم، وتسهيل النفاذ إلى الأسواق، يمكن لهذه الشركات أن تجد في السوق الهندية منفذًا واسعًا لتسويق منتجاتها، سواء في قطاعات الأغذية، أو المنسوجات، أو المنتجات العطرية، أو الصناعات التقليدية. وهذه النقلة يمكن أن تُسهم في خلق ثقافة تصدير أقوى، وترسيخ روح المبادرة، وتعزيز الابتكار داخل الشركات العمانية.
أما على مستوى الأمن الغذائي، فإن الهند ـ باعتبارها قوة زراعية ضخمة ـ يمكن أن تكون شريكًا استراتيجيًا لسلطنة عمان في تلبية الاحتياجات الغذائية المتزايدة. ومع تسهيل الاستيراد عبر CEPA، يمكن لعُمان أن تؤمن سلة غذائية متنوعة بأسعار تنافسية، ما يرفع من مستوى الاستقرار الغذائي ويعزز من قدرة السوق المحلي على مواجهة تقلبات الأسعار العالمية. وفي المقابل، يمكن للمنتجات العمانية الفريدة - مثل التمور واللبان ومنتجات الرخام - أن تجد طريقها إلى منافذ البيع الهندية بطريقة أكثر سلاسة، وهو ما يشكل مكسبًا اقتصاديًا وثقافيًا في آن واحد. ومع توسع المبادلات التجارية وتحسن كفاءة سلاسل الإمداد، ستصبح عُمان مركزًا لوجستيًا أكثر جاذبية للشركات العالمية التي تبحث عن نقطة ارتكاز بين آسيا وأفريقيا والخليج. ويمثل هذا التحول فرصة كبيرة للقطاع الخاص العماني الذي يمكنه استثمار هذا الموقع عبر إنشاء مراكز تخزين وتوزيع حديثة، وتطوير شبكات نقل، وإطلاق خدمات لوجستية متقدمة تدعم التجارة العابرة للقارات. وهذا التحسين في أداء الموانئ والمناطق الحرة سيؤدي إلى دوران اقتصادي أسرع داخل سلطنة عمان، ويُعزّز إيرادات الدولة من الأنشطة المرتبطة بالنقل والموانئ والجمارك والخدمات المساندة.
وفي ضوء هذه المعطيات المتداخلة، ومع ما تحمله المؤشرات الاقتصادية من دلالات واضحة على اقتراب مرحلة جديدة في العلاقات العمانية الهندية، تبدو سلطنة عمان أمام منعطف تاريخي يمكن أن يغيّر مسار اقتصادها خلال العقد المقبل. فكل الأرقام، وكل التوجهات، وكل السيناريوهات المستقبلية تشير إلى أن تفعيل اتفاقية CEPA لن يكون مجرد حدث اقتصادي عابر، بل نقطة انطلاق نحو دورة نمو أكثر نضجًا وجرأة وتنوعًا. ومن المتوقع، إذا ما سارت الأمور وفق الإيقاع الذي ترسمه اليوم المعطيات، أن تتضاعف التجارة الثنائية خلال سنوات قليلة، وأن تتجاوز حاجز 20 مليار دولار في منتصف العقد القادم، وربما تقترب من 30 مليار دولار خلال عشر سنوات، في حال استفادت سلطنة عمان إلى أقصى حد من مزايا التموضع الجغرافي والتكامل الصناعي مع الهند.
ولا تقف التوقعات عند حدود التجارة وحدها، بل تمتد إلى الصناعات التحويلية التي يُرجّح أن تشهد توسعًا ملحوظًا، خاصة تلك المعتمدة على المعادن والبتروكيماويات والمواد البنائية، إلى جانب فرص متنامية في الصناعات الخضراء والطاقة المتجددة والتكنولوجيا الصناعية. ومع بروز الموانئ العُمانية كمراكز توزيع إقليمية، يتوقع أن تتسارع حركة الاستثمار في المناطق الحرة والمناطق الاقتصادية الخاصة، بما يعيد تشكيل الخريطة اللوجستية في المنطقة، ويجعل من سلطنة عمان محطة رئيسية في سلاسل الإمداد بين آسيا والخليج وأفريقيا.
وعلى مستوى سوق العمل، تشير التقديرات المستقبلية إلى إمكانية خلق الوظائف النوعية التي يمكن أن تمنح الشباب العُماني فرصًا غير مسبوقة للاندماج في قطاعات صناعية وتقنية جديدة، وترفع من مستوى المهارات الوطنية، وتدعم مسار التوطين في القطاع الخاص. ومع اتساع رقعة التصنيع والتصدير، ستنشأ احتياجات موازية في قطاع الخدمات والتعليم والتقنية، ما ينتج دورة اقتصادية متكاملة ترفد بعضها بعضًا، وتُرسي قواعد نمو متواصل ومستقر.
أما على المدى الطويل، فإن تفعيل الاتفاقية قد يمهد لمرحلة يصبح فيها الاقتصاد العُماني أكثر قدرة على مواجهة التقلبات العالمية، وأكثر استعدادًا لاستيعاب التحولات التقنية والبيئية والاقتصادية. ومع استمرار التنويع، وتوسّع الصادرات، وتعاظم دور سلطنة عمان كمركز لوجستي محوري، يمكن لعُمان أن تنتقل من موقع المنافس الإقليمي إلى موقع اللاعب الفاعل في التجارة الدولية. وقد نشهد خلال عشر سنوات اقتصادصا عمانيًا متجددًا، واسع القاعدة الإنتاجية، متصلًا بشبكات التجارة العالمية، ومتقدمًا بخطى ثابتة نحو تحقيق رؤية عُمان 2040 بوصفها رؤية طموحة لاقتصاد مرن، مبتكر، ومستدام.
من الناحية النوعية، يشير هذا النمو إلى زيادة الصادرات غير النفطية، حيث من المتوقع أن تستفيد قطاعات مثل البتروكيماويات، الفولاذ، الألومنيوم، الأسمنت، الرخام، اللبان، والتمور من تحسن سلاسل التوريد وفتح الأسواق الهندية. النمو في هذه القطاعات، الذي بدأ يظهر بالفعل في بيانات 2025، يعكس قدرة الاقتصاد العُماني على تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط. عمليا، إذا ارتفعت الصادرات غير النفطية بمعدل يتراوح بين 6% و12% سنويا نتيجة النفاذ إلى السوق الهندي وتحسين اللوجستيات، فإن هذا سيترجم إلى زيادة ملموسة في حصيلة التبادل التجاري الكلي.
تحقيق السيناريو التفاؤلي يتطلب مجموعة من العوامل التمكينية، أبرزها تسريع عمليات التصديق والتوقيع والتنفيذ للاتفاقية مع وضع آلية متابعة مشتركة لضمان تطبيق بنود التفضيل الجمركي وإزالة العوائق الإجرائية. كما يشمل تطوير البنية التحتية اللوجستية للموانئ والمناطق الحرة ومرافق التخزين والتبريد وطرق الربط الداخلي لالتقاط الطلب المتزايد.
كذلك، تعد الحوافز الاستثمارية للقطاعات ذات القيمة المضافة وبرامج التدريب الفنيّة من العناصر الأساسية لضمان استدامة النمو الصناعي. إضافة إلى ذلك، فإن إقامة تحالفات تجارية وشراكات تسويقية مع موزعين هنود يسهم في تسهيل النفاذ إلى الأسواق الهندية على مستوى المدن والمناطق، بينما تتيح حزم الدعم للصادرات الصغيرة والمتوسطة وصول المنتجات العُمانية إلى رفوف السوق الهندي بفعالية وجودة تنافسية.
بشكل عام، تشير هذه التقديرات إلى أن تفعيل CEPA يشكل فرصة استراتيجية لعُمان لتعزيز التجارة الثنائية، تنويع الاقتصاد، جذب الاستثمارات، وخلق فرص عمل واسعة، ما يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي المستدام وتقليل الاعتماد على النفط، مع تعزيز قدرة سلطنة عمان على تأدية دور متنامٍ في التجارة الإقليمية والدولية.