حيرة كبيرة تعيشها إيران وجماعة حزب الله اللبنانية في أعقاب الضربتين المتتاليتين في بيروت وطهران، اللتين اتهمت إسرائيل بالوقوف وراءهما، واستهدفتا قياديين بارزين في حزب الله وحركة حماس.

يتفق المحللون على أن الضربتين كانتا قريبتين للغاية وفي معقل إيران وحزب الله بحيث لا يمكن أن تمران "دون رد".

قد يكون التحضير لهذا الرد لاستعادة استراتيجية الردع دون إشعال فتيل تصعيد أكبر "العمل الأكثر حساسية" في عام شهد اقترابا كبيرا من شفا حرب إقليمية.

وأسفرت الضربة على الضاحية الجنوبية لبيروت مساء الثلاثاء عن مقتل القيادي البارز في حزب الله، فؤاد شكر، والذي تقول إسرائيل إنه مسؤول عن ضربة صاروخية استهدفت ملعب كرة قدم في قرية مجدل شمس بمرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل، مما أسفر عن مقتل 12 طفلا.

ونفى حزب الله مسؤوليته عن هذه الضربة.

ورغم أن هدف ضربة بيروت كان "شخصية عسكرية"، إلا أنها أصابت حيا مكتظا بالسكان يقع على مشارف العاصمة اللبنانية، حيث توجد عدة مكاتب لحزب الله، ما أسفر عن مقتل 5 مدنيين على الأقل وإصابة العشرات.

وبعد مرور أقل من 12 ساعة، أعلنت حركة حماس الفلسطينية - حليفة حزب الله والمدعومة من إيران كذلك - اغتيال رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، في غارة جوية إسرائيلية بطهران، حيث كان يحضر مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان.

لم تعلن إسرائيل أو تنف مسؤوليتها عن اغتيال هنية، الذي يأتي بعد نحو 10 أشهر من بدء الحرب الوحشية في غزة، كما يتزامن مع ضغط وسطاء دوليين، على رأسهم الولايات المتحدة، لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الرهائن.

رد محسوب

يقول محللون إن جماعة حزب الله وإيران تشعران بأنه لابد من الرد، لكن حساباتهما تختلف.

وفي هذا السياق، قال نائب رئيس مركز "كارنيغي للشرق الأوسط" والباحث في شؤون حزب الله مهند الحاج علي: "رغم أن إسرائيل قصفت الضاحية الجنوبية لبيروت أيضا في يناير الماضي، مما أدى لمقتل القيادي في حماس صالح العاروري، إلا أن ضربة الثلاثاء استهدفت قياديا بارزا في حزب الله وقتلت مدنيين".

ويضيف: "هذه المرة، ذهبت إسرائيل إلى مدى أبعد، وقتلت قياديا بارزا في حزب الله، يجب على حزب الله الرد، وإن لم يفعل، فستكون هناك قاعدة جديدة هي قتل المدنيين على الجانب الإسرائيلي سيؤدي لاستهداف ضواحي بيروت، حزب الله لا يستطيع تحمل هذا".

ومن أجل إعادة إرساء الردع بعد ضربة الثلاثاء، قال الحاج علي: "حزب الله سيضطر إلى الضرب بشكل أعمق في الأراضي الإسرائيلية، وهذا يجلب معه مخاطر كبيرة".

اتفق أندرياس كريغ المحلل العسكري ومحاضر الدراسات الأمنية في "كينغز كولدج" بلندن، على أن حزب الله "سيشعر بالحاجة إلى تنفيذ ضربة انتقامية كبيرة".

وقال: "أعتقد أن حزب الله تعرض لضربة أقوى بكثير، ضربة مؤلمة للغاية مقارنة بإيران. ففي المواجهة بين إسرائيل وحزب الله، هذا تصعيد كبير حيث يتعين على حزب الله الرد بشكل مناسب في الوقت المناسب لاستعادة الردع".

ومع ذلك، قال كريغ، فإن حزب الله سيضرب هدفا عسكريا إسرائيليا مهما على الأرجح، مثل القاعدة الجوية القريبة من حيفا والتي ظهرت في مقطع مصور من طائرة مسيرة نشره الحزب في يوليو الماضي، بدلا من هدف مدني.

ومن المرجح أن يسعى حزب الله الى إحداث أضرار مادية فقط بضربته لتجنب مزيد من التصعيد.

إيران تحت "حرج" الرد

تتشابه اللحظة الحالية مع ما حدث في أبريل الماضي، عندما اقتربت إسرائيل وإيران من الانزلاق إلى حرب بعد أن قصفت إسرائيل مبنى قنصليا إيرانيا في دمشق، ما أسفر عن مقتل جنرالين إيرانيين.

ردت إيران بضربة مباشرة غير مسبوقة على إسرائيل.

في ذلك الوقت، نجحت الجهود الدبلوماسية في احتواء التصعيد.

لكن هناك اختلافات رئيسية بين الضربتين.

فاغتيال هنية وقع على الأراضي الإيرانية، ما أحرج طهران، وأوضح أن إسرائيل تستطيع ضرب أهداف هناك بكل سهولة.

وفي حين يعتقد بعض المحللين أن استهداف شخصية غير إيرانية سيخفف من وطأة الأزمة، فقد تعهد المسؤولون الإيرانيون بـ"رد قاس".

وقال كريغ: "في حين أضر مقتل هنية بسمعة إيران، وشكل لحظة إذلال لها لأنه أظهر عجز طهران عن حماية ضيوفها البارزين، فإن هنية ليس جزءا لا يتجزأ من محور المقاومة".

وأضاف "وفاة هنية ليس لها أي آثار استراتيجية على إيران بخلاف كونها صفعة على الوجه لأنها كانت الدولة المضيفة، لقد قتل هذا الضيف أثناء وجوده في منطقة عسكرية شديدة الحراسة".

وبالتالي، يعتقد كريغ أن إيران "قد تختار تخفيف ردها".

اللجوء إلى الوكلاء

تقول نومي بئر يعقوب، المشاركة في برنامج الأمن الدولي بمعهد "تشاتم هاوس"، إن إيران "قد تلجأ إلى وكلائها من أجل الرد".

وتضيف "الإيرانيون لديهم رجالهم الذين تم تدريبهم وتسليحهم والتخطيط لهم في كل مكان، ويمكنهم الوصول إلى أي مكان بالعالم. كما يمكنهم ضرب أهداف إسرائيلية أو يهودية على مستوى العالم".

ضربة مباشرة

من جانبه، قال تريتا بارسي، نائب الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي للحكم المسؤول، إنه يتوقع أن يكون رد إيران "ضربة مباشرة أخرى لإسرائيل".

وأضاف أن اغتيال هنية "لم ينفذ على الأراضي الإيرانية فحسب، بل في طهران. لقد كان يحضر مراسم التنصيب. ولا يهم من كان مستهدفا، وما إذا كان الهدف إيرانيا أم لا".

كما ذكر أن الإيرانيين يشعرون على الأرجح بأنهم "إذا كانوا نجحوا عبر استعراض القوة في أبريل الماضي في استعادة الردع في الأمد القريب، فإن هذا الردع انتهى الآن، وسيضطرون إلى القيام بأكثر مما فعلوه في أبريل من أجل استعادة توازن القوى".

وأضاف: "لم يتفاقم تبادل إطلاق النار في أبريل بسبب التدخل الدبلوماسي من جانب الولايات المتحدة وغيرها، وبدا أن الضربة الإيرانية نفسها كانت مصممة بعناية لإحداث "الحد الأدنى من الأضرار".

من جانب آخر، قالت بئر يعقوب: "نعيش لحظة محورية في هذا الصراع. لا أعتقد أننا عشنا لحظة أصعب من هذه نظرا لأننا رأينا ما تستطيع إيران القيام به في أبريل".

وأضافت: "إن لم يتسبب الرد على الضربات في وقوع خسائر في صفوف الإسرائيليين، فلا يزال من الممكن تجنب حرب أوسع نطاقا. نحن في منطقة مضطربة، وهذا لا يبشر بالخير".

المصدر: سكاي نيوز عربية

كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات فؤاد شكر مسعود بزشكيان ضواحي بيروت حزب الله الأراضي الإيرانية إيران الولايات المتحدة حزب الله إيران إسرائيل فؤاد شكر مسعود بزشكيان ضواحي بيروت حزب الله الأراضي الإيرانية إيران الولايات المتحدة أخبار فلسطين فی حزب الله فی أبریل عن مقتل

إقرأ أيضاً:

إستراتيجية خامنئي الجديدة في إيران

دخلت إيران حقبة جديدة تصاعدت فيها القومية بعد حرب مع إسرائيل استمرت 12 يوما. ويمكن القول إن هذه الحقبة أصبحت أكثر وضوحا عندما طلب آية الله خامنئي، في أول ظهور علني له بعد انتهاء الحرب الإيرانية الإسرائيلية خلال مراسم عاشوراء في 5 يوليو/تموز 2025، من الرادود (المنشد) محمود كريمي قراءة نشيد "يا إيران".

كانت إسرائيل قد وضعت خطة من مرحلتين لإسقاط النظام في إيران. تضمنت المرحلة الأولى من الخطة، التي تم تنفيذها بشكل متزامن، تدمير الأهداف العسكرية الإيرانية عبر هجمات العملاء في الداخل، وغارات الطائرات الحربية الإسرائيلية.

أما المرحلة الثانية، فكانت تهدف إلى إظهار ضعف إدارة طهران لتحريض المعارضين داخل إيران، وخلق فوضى داخلية تضع الشعب في مواجهة الجيش، مما يضمن أن تؤدي هذه العملية إلى تغيير النظام في إيران.

كشفت الحرب أن الدراسات التي أجرتها إسرائيل حول المجتمع الإيراني كانت ناقصة وخاطئة. فقد بنت إسرائيل إستراتيجيتها بالكامل على تقييم مفاده أن المجتمع الإيراني سيرى في الهجمات العسكرية فرصة وسيتحرك ضد النظام.

ومع ذلك، فضل الشعب الإيراني وضع جميع انتقاداته ومواقفه المعارضة للنظام جانبا، واختار الوقوف بجانب النظام والتحرك بموقف قومي، مفضلا ذلك على أن يصبح مصيره مثل سوريا، والعراق، واليمن، ولبنان.

أدركت القيادة الإيرانية خلال فترة الحرب هذه أن قوتها الحقيقية في مواجهة الهجمات الإسرائيلية والأميركية تكمن في الوحدة المجتمعية. وفي هذا الإطار، قررت إبراز الخطاب القومي الذي كانت قد همشته بعد ثورة 1979 بحجة أنه يذكر بعهد الشاه (البهلوي)، بل وقررت إبراز الرموز العائدة لإيران القديمة.

مع طلب آية الله خامنئي من الرادود محمود كريمي قراءة نشيد "يا إيران"، أصبح من الواضح أن التوجه نحو خط قومي هو الخيار المفضل

تراجعت خطابات "الصحوة الإسلامية" و"الجامعة الإسلامية" (Pan-Islamist) التي شكلت السياسة الإيرانية منذ عام 1979 إلى الخلفية، وبدأ يحل محلها خطاب "القومية الإيرانية"، وتماثيل أبطال الحقبة الإيرانية القديمة.

إعلان

إن العملية التي برز فيها خطاب القومية الإيرانية، والتي بدأت بأمر آية الله خامنئي بقراءة نشيد "يا إيران"، تمتلك القوة للتأثير ليس فقط على السياسة الداخلية لإيران، بل على سياستها الخارجية أيضا.

القومية في إيران

توجد في إيران مقاربات وتيارات قومية مختلفة تتأثر بالأحداث التاريخية والاجتماعية والمعتقدات الدينية والمذهبية. ويمكن جمع القومية في إيران تحت ثلاثة عناوين رئيسية:

1- القومية الفارسية

يتخذ هذا التيار القومي من حقبة ما قبل الإسلام في إيران أساسا له، ويدافع عن القومية الإيرانية من خلال قيم العصر الإيراني القديم السابق للإسلام.

يذكر ضياء إبراهيمي (Zia-Ebrahimi)، الأستاذ في "كينغز كوليدج لندن"، في كتابه "ولادة القومية الإيرانية: العرق وسياسة التمييز"، أن القومية السائدة في إيران هي "قومية انسلاخية" (Dislocative Nationalism)، ويعدد خصائص هذه القومية كالتالي:

الأمة الإيرانية تمتلك تاريخا متواصلا لا يقل عن 2500 عام. فترة ما قبل الإسلام هي العصر الذهبي لإيران. العرب والإسلام هم المسؤولون عن تخلف إيران. الإيرانيون ينتمون للعرق الآري وهم أقرباء للأوروبيين.

تحمل القومية الفارسية في جوهرها عداء للأتراك والعرب. وتعتبر أن أسلمة إيران هي تأثير العرب على الثقافة الإيرانية. وتُحدد التفاعل مع الدول الغربية كسياسة أصح وأنسب للتاريخ الإيراني، بدلا من تطوير علاقات جيدة مع دول الجوار. وتدافع عن ضرورة عودة إيران إلى قوتها القديمة في المنطقة الممتدة من شبه القارة الهندية إلى البحر المتوسط.

2- القومية التي لا تعطي الأولوية للهوية العرقية

دافع الكادر الذي قام بالثورة الإسلامية في إيران، وعلى رأسه آية الله الخميني، بعد الثورة، عن فكرة أنه لا فضل لأمة أو قوم في الإسلام. وابتعدوا عن شخصيات الأساطير الإيرانية القديمة؛ لأنها تذكر بعهد الشاه، وأبرزوا سياسة وخطاب "الصحوة الإسلامية" و"الجامعة الإسلامية". ورغم أن هذا النهج وصل إلى نقاط راديكالية في بدايات الثورة، فإنه لانَ مع مرور الوقت.

تمت محاولة بناء الهوية الإيرانية عبر خطاب سياسي يقف فيه "المستضعفون" ضد "المستكبرين". وتُعتبر دعوة ممثلي المنظمات المسلحة من مختلف أنحاء العالم إلى طهران في الثمانينيات، وعدم وجود كلمة "إيران" في اسم "جيش حراس الثورة الإسلامية" (الحرس الثوري)، أمثلة لافتة للنظر في هذا الصدد.

بالنسبة لأصحاب هذا النهج، القومية ليست تمجيد الهوية العرقية، بل هي تقوية إيران وتقدمها من جميع النواحي.

اختارت إيران أن تتوحد داخليا بأساطيرها القديمة بدلا من أن تنقسم تحت الضغط الخارجي

3- القومية التوحيدية

يمكن اعتبار هذه القومية بمثابة القومية التي تُقرب وتُوحد بين النوعين الآخرين. تسعى هذه القومية، التي يُعبر عنها بـ"القومية الدينية-الوطنية"، إلى الجمع بين إيران ما قبل الإسلام وإيران ما بعد الإسلام.

في تقييم المفكر وعالم الاجتماع الإيراني الشهير علي شريعتي للقومية، لا أهمية للعرق والدم والأرض. يعتبر علي شريعتي القومية شخصية وهوية دينية، ويقيم إيران ما قبل الإسلام وما بعده ككلٍ واحد. وقد شرح شريعتي أفكاره حول القومية بالتفصيل في كتابه "التعرف على الهوية الإيرانية الإسلامية".

إعلان

ووفقا لآية الله مرتضى مطهري، الذي يُعتبر أحد منظري الثورة الإسلامية الإيرانية، فإن إيران ما قبل الإسلام وما بعده تُشكل القومية الإيرانية والهوية الوطنية.

يدافع مطهري عن أن الإسلام ضد الجوانب السلبية للقومية. وفي كتابه "الخدمات المتبادلة بين الإسلام وإيران"، الذي يتناول الهوية الإيرانية والعلاقة بين إيران والإسلام ويقدم وجهة نظر مختلفة للهوية الوطنية الإيرانية، يورد العبارات التالية:

"بما أن الأمة الإيرانية ذكية وتمتلك تقليدا حضاريا، فقد مالت إلى الإسلام وخدمته أكثر من الأمم الأخرى. ولأن الإيرانيين قريبون من روح الإسلام ومعناه، فقد أظهروا تقاربا مع أهل البيت أكثر من غيرهم".

كذلك، فإن القومية التي دافعت عنها "حركة حرية إيران"، التي أسسها مهدي بازركان، وإن أظهرت بعض الاختلافات بعد عام 1997، هي في الواقع قومية بعيدة عن العنصرية وتقيم إيران ما قبل الإسلام وما بعده معا.

التوجه نحو القومية

أدركت إيران خلال الحرب التي استمرت 12 يوما مع إسرائيل أن القوة الحقيقية للدولة ليست في الدبابة أو المدفع أو البندقية، بل في المجتمع الذي حقق وحدته وتماسكه.

ومع طلب آية الله خامنئي من الرادود محمود كريمي قراءة نشيد "يا إيران"، أصبح من الواضح أن التوجه نحو خط قومي هو الخيار المفضل.

ولكن أي قومية؟

نشيد "يا إيران"، الذي طلب آية الله خامنئي قراءته، كُتب في بدايات الحرب الإيرانية العراقية، وغناه المغني الإيراني الشهير محمد نوري. كُتب النشيد لإبقاء المشاعر الوطنية للشعب الإيراني حية، ولرفع معنويات الجنود. وبالتالي، لم يختر خامنئي نشيد "يا إيران" بشكل عشوائي، ولم يطلب قراءته عبثا.

وعقب خطوة آية الله خامنئي هذه، نُصب تمثال في ميدان انقلاب، الذي يتمتع بأهمية رمزية لإيران وتُقام فيه العديد من الاحتفالات الرسمية، وعلى رأسها ذكرى الثورة الإسلامية، يُظهر الإمبراطور الروماني فاليريان وهو يركع أمام الملك الساساني شابور الأول.

في عام 260 ميلادية، خرج الإمبراطور الروماني "ليسينيوس فاليريانوس" (توفي 260) بجيش كبير في حملة نحو الشرق لوقف تقدم الملك الساساني شابور (توفي 270) في سوريا وبلاد الرافدين. لكن تفشي الطاعون في الجيش قبل بدء الحرب أدى إلى وفاة آلاف الجنود. واجه الجيش الروماني الضعيف القوات الساسانية في محيط الرها (أورفا) وحران وتعرض لهزيمة ثقيلة، خاصة بتأثير الفرسان المدرعين. ولإنقاذ ما تبقى من جيشه، ذهب فاليريانوس مع وفد صغير إلى المعسكر الساساني للتفاوض على السلام مع شابور، وتشير المصادر الرومانية إلى أنه تم أسره هناك نتيجة "خدعة" أو "فخ". بينما سجلت المصادر الساسانية أن شابور أسر فاليريانوس بيديه شخصيا.

قضى فاليريانوس، باعتباره الإمبراطور الروماني الأول والوحيد الذي أسره العدو، بقية حياته في الأراضي الساسانية، وتم تخليد مشهد ركوعه بينما يمتطي شابور حصانه في النقوش الصخرية في نقش رستم.

التمثال الذي نُصب في ميدان انقلاب بالعاصمة طهران يشير إلى هذه الحادثة التاريخية. وبعد نصب التمثال، تم إعداد صور تُظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو والرئيس الأميركي ترامب وهما يركعان أمام آية الله خامنئي، وتم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي.

وقبل ذلك بفترة قصيرة، تم تدشين تمثال ضخم يصور صراع رستم، أحد أهم شخصيات الأساطير الإيرانية، مع التنين، في مدينة شاهين شهر التابعة لأصفهان وسط مراسم احتفالية.

وكذلك، وبينما كانت الاشتباكات مستمرة، نُصب تمثال لرامي السهام آرش، أحد أبرز أبطال الأساطير الإيرانية، في ميدان ونك، الذي يُعد منطقة حيوية أخرى في طهران.

تُقيَم هذه التطورات، التي حدثت تحديدا خلال الحرب الإيرانية الإسرائيلية وبعدها، على أنها محاولة من آية الله خامنئي والدولة الإيرانية لجمع الشمل الإيراني حول الثورة الإسلامية والتاريخ الإيراني.

إعلان

وبناء على ذلك، تهدف إيران، من خلال إبراز الأساطير الإيرانية ما قبل الإسلام التي ابتعدت عنها في السنوات الأولى للثورة بحجة تذكيرها بعهد الشاه، إلى جمع الشعب الإيراني حول "القومية التوحيدية" التي تجمع بين إيران ما قبل الإسلام وإيران ما بعد الإسلام.

الخاتمة

اضطرت إيران، في ظل ظروف صعبة واستثنائية مثل الحرب والتخريب والاختراقات الاستخباراتية، إلى تفضيل التوجه نحو خط قومي يجمع بين إيران ما قبل الإسلام وإيران ما بعده.

ورغم أن سياسة إيران القومية الجديدة لها مكاسب، فإنها تنطوي أيضا على بعض المخاطر والتهديدات.

إن توجه الدولة الإيرانية رسميا نحو "القومية التوحيدية" قد يفتح مجالا واسعا وخطيرا لتوسع وتعزيز تيار "القومية الفارسية" غير المتصالح مع مبادئ الثورة الإسلامية وتاريخ إيران ما بعد الإسلام.

إذ تم رصد تزايد قوة الإيرانيين الذين يتبنون القومية الفارسية في وزارات ومؤسسات حساسة مثل وزارة الخارجية الإيرانية، والجيش الإيراني، والحرس الثوري، ووزارة الدفاع خلال فترة رئاسة حسن روحاني.

ويُذكر أن تأثير الدبلوماسيين والبيروقراطيين الذين يتبنون القومية الفارسية داخل الدولة في نشوب التوترات مع تركيا والعالم العربي، وعلى رأسها تدهور العلاقات مع أذربيجان، كان أكبر مما هو متوقع.

وفي حال عدم إدارة العملية بشكل جيد، فمن المحتمل أن تقوى شوكة هياكل مثل أنصار الشاه ومنظمة مجاهدي خلق داخل إيران، ارتباطا بالقومية الفارسية.

ولكن إدارة العملية بخطوات وخطابات صحيحة قد تحقق الوحدة والتماسك الذي تحتاجه إيران في هذه الفترة الصعبة التي تمر بها.

إضافة إلى ذلك، فإن التوجه القومي الجديد سيؤدي إلى تقليل دعم واهتمام إيران بهياكل مثل حزب الله، والحشد الشعبي، وأنصار الله مقارنة بالسابق. وبالفعل، نلاحظ منذ شهر يونيو/حزيران تراجع اهتمام إيران بحزب الله والهياكل الأخرى، واستخدامها لغة أكثر اعتدالا في تصريحاتها المتعلقة بالمنطقة.

كذلك، وبسبب العملية الصعبة التي تمر بها، ستوقف إيران انفتاحها الخارجي الذي بدأ مع الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، وستوجه كامل قوتها وطاقتها نحو الداخل.

وبتوجيه طاقتها نحو الداخل، وبمقتضى توجهها السياسي الجديد، ستدخل إيران في تفاعل أكثر إيجابية مع دول المنطقة، لزيادة حلفائها وضمان دعم جيرانها في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • إسرائيل: حماس تدير شبكة تحويلات بمئات ملايين الدولارات من تركيا بإشراف إيران
  • خوفًا من استغلال الحزب للعواصف والضباب.. تمرين عسكري إسرائيلي على حدود لبنان
  • إيران تعلن اعتقال عناصر شبكة تعمل لصالح إسرائيل
  • إحباط مخطط إرهابي كبير.. إيران تعتقل عناصر شبكة تعمل لصالح إسرائيل
  • إستراتيجية خامنئي الجديدة في إيران
  • لبنان: لا نريد حرباً مع إسرائيل
  • تركي الفيصل: إسرائيل هي التهديد الأكبر لاستقرار الشرق الأوسط وليس إيران
  • يوجين هاسنفوس.. وفاة مُهرب الأسلحة الذي كشف إيران كونترا بعمر 84 عاما
  • حزب الله يرفض التفاوض.. للصبر حدود والتزامات 1701 ليست أبدية
  • ما الدعاء الذي لا يرد يوم الجمعة؟.. آية تقيك المصائب وتنصرك