الطريق إلى جنيف يصنعه المشي نحوها
تاريخ النشر: 4th, August 2024 GMT
الطريق إلى جنيف يصنعه المشي نحوها
فيصل محمد صالح
هل سيذهب البرهان، أو من يمثله إلى جنيف…؟ حسب ما أعلنه المبعوث الأميركي للسودان توماس بيريللو، فقد تم الاتفاق على مواصلة مفاوضات «منبر جدة» في جنيف منتصف شهر أغسطس (آب) الحالي، ثم جاءت تصريحات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لتؤكد الدعوة للقاء طرفَي الحرب في جنيف بحضور مراقبين من دول الجوار وبعض المنظمات الإقليمية.
لم تأتِ الدعوة من فراغ، بل سبقتها جهود متسارعة ومحمومة للتمهيد للقاء بزيارات عدد من المسؤولين الإقليميين واتصالات بين زعماء المنطقة، بلغت قمتها بالمكالمة الهاتفية بين الفريق البرهان ورئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد، والتي تمت بوساطة رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد.
تركزت هذه التحركات في معظمها على إقناع قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان بالموافقة على المشاركة في المنبر التفاوضي، باعتبار أن الطرف الآخر، وهو «قوات الدعم السريع»، قد أعلنت موافقتها على المشاركة.
من المؤكد أن الطرف الأميركي لم يكن ليعلن عن موعد التفاوض المباشر في جنيف، وعلى لسان مسؤول كبير مثل وزير الخارجية، إن لم يكن قد تلقى موافقة أولية من الطرفين، وهذا ما أبلغه زعيم إقليمي لبعض القيادات السياسية السودانية، قائلاً إنهم حصلوا على موافقة البرهان عبر أكثر من وسيط، لكنهم يتفهمون أن الرجل لديه مشاكل داخلية وخلافات مع حلفائه، «ويجب إعطاؤه وقتاً كافياً لتدبير شؤون المنزل الداخلي والتعامل مع حلفائه رافضي التفاوض».
وتمكن قراءة التصريحات المتناقضة من الطرف الحكومي في هذا الاتجاه، فهناك تجاذبات كثيرة داخل قيادات الجيش، ومع الحلفاء السياسيين، تحديداً مع الحركة الإسلامية التي تشارك كتائبها في القتال إلى جانب الجيش؛ ولهذا صار من الطبيعي أن يمسي الناس على موقف ثم يصبحوا على موقف آخر. فهناك تصريحات متكررة من الفريق البرهان، وخصوصاً عندما يخاطب الوحدات العسكرية، بأنه لن يتفاوض مع «الدعم السريع»، في الوقت الذي تظهر فيه مؤشرات على أن هناك اتجاهاً حقيقياً للتفاوض، لكن بعد تهيئة الأجواء لذلك.
وزارة الخارجية السودانية دخلت في تفاصيل إجرائية حول المفاوضات، بحسب بيان رسمي صادر منها رحَّبت فيه بالتفاوض، لكنها أشارت إلى ضرورة التشاور المسبق مع الحكومة السودانية بشأن شكل وأجندة أي مفاوضات والأطراف التي تشارك فيها أو تحضرها، مع التأكيد على أن يكون «منبر جدة» وما تم فيه من اتفاق هو الأساس.
وطلبت الحكومة السودانية في ردّها عقد اجتماع مع حكومة الولايات المتحدة للتمهيد الجيد لمفاوضات السلام بما يحقق الفائدة التي يتوقّعها الشعب السوداني منها، وأشار البيان إلى أن أطراف المبادرة يجب أن يكونوا هم أطراف «منبر جدة» أنفسهم، والمواضيع مطابقة لما تم الاتفاق عليه.
هذا البيان يكشف عن انخراط فعلي في إجراءات التفاوض، صحيح أن فيه تحفظات هنا وهناك، لكنها لا تعكس رفضاً مبدئياً للتفاوض، بقدر ما هو موقف مقصود منه تحسين شروط التفاوض. وتمكن قراءة ما حدث من إلغاء زيارة مديرة المعونة الأميركية سامنثا باور والمبعوث الأميركي توم بيريللو لبورتسودان في هذا الإطار نفسه، فقد اشترط الجانب الأميركي؛ لأسباب أمنية، أن يتم اللقاء بمطار بورتسودان العاصمة المؤقتة التي يتخذها البرهان مقراً، في حين رفض البرهان ذلك لأنه كان يرمي من وراء الزيارة للحصول على اعتراف أميركي بموقعه رئيساً للسودان وليس مجرد قائد الجيش، وهو ما تحاشاه الأميركيون. كذلك يمكن فهم المطالبات المستمرة لتنفيذ «اتفاق جدة» السابق قبل الدخول في مفاوضات جديدة باعتباره إحدى أوراق الضغط التي تؤكد رغبة البرهان في المشاركة في التفاوض أكثر من كونه رافضاً للدعوة.
لا ينتظر الوسطاء الآن موقف البرهان من التفاوض؛ فقد حصلوا على الوعد، وهو يمشي في الطريق، لكنهم ينتظرون أن يحسم خلافاته الداخلية التي قد تصل لحد المفاصلة مع الإسلاميين، ويعتقد كثيرون أن حادثة المسيّرة، التي قصفت احتفالاً عسكرياً كان يحضره البرهان في قاعدة جبيت العسكرية، رسالة تحذير له من حلفائه، وقد يعقبها رد فعل أكثر عنفاً مما يتوقعونه.
* نقلاً عن (الشرق الأوسط)
الوسومأنتوني بلينكن الجيش الدعم السريع السودان الولايات المتحدة الأمريكية توم بيريللو عبد الفتاح البرهان فيصل محمد صالح مباحثات جنيف منبر جدةالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: أنتوني بلينكن الجيش الدعم السريع السودان الولايات المتحدة الأمريكية عبد الفتاح البرهان فيصل محمد صالح مباحثات جنيف منبر جدة منبر جدة
إقرأ أيضاً:
الشورى يدعو في جنيف إلى تفعيل دور البرلمانات في صون القيم الإنسانية
شارك مجلس الشورى برئاسة سعادة خالد بن هلال المعولي، رئيس المجلس، في أعمال المؤتمر العالمي السادس لرؤساء البرلمانات، الذي نظمه الاتحاد البرلماني الدولي بمدينة جنيف السويسرية خلال الفترة من 29 إلى 31 يوليو 2025م، بعنوان: "التعاون البرلماني وتعددية الأطراف من أجل السلام والعدالة والازدهار للجميع".
وخلال أعمال المؤتمر، ألقى رئيس المجلس كلمة، أكد فيها أن العالم يمر بمرحلة دقيقة تتسم بتصاعد النزاعات المسلحة، وتزايد أعداد اللاجئين والنازحين، إلى جانب الأزمات المرتبطة بالغذاء والطاقة وتفاقم التغيرات المناخية، وهو ما يتطلب تكثيف التعاون بين البرلمانات وتضافر الجهود لمواجهة هذه التحديات والعمل المشترك من أجل تحقيق السلام والتنمية المستدامة.
وأوضح سعادته أن التعاون البرلماني لم يعد مجرد إطار لتبادل الخبرات، بل أصبح ضرورة استراتيجية ملحّة لبناء موقف عالمي مشترك يعزز قيم السلم والتعايش، ويحفظ كرامة الإنسان ويصون حقوقه، ويُسهم في تحقيق العدالة والمساواة بين الشعوب.
وأشار سعادته في معرض كلمته، إلى أن سلطنة عُمان لطالما مثّلت حلقة وصل حضارية بين الأمم والثقافات، بما تحمله من إرث تاريخي ونهج راسخ قائم على الحوار والانفتاح وبناء جسور التواصل، مؤكدًا أن العمل البرلماني يجب أن يكون منصة فاعلة لتعزيز التفاهم حتى في ظل تباين المواقف واختلاف الرؤى.
وتطرّق سعادته في كلمته إلى تطورات القضية الفلسطينية، مشددًا على أن الشعب الفلسطيني يمتلك حقوقًا مشروعة كفلتها القوانين الدولية والمواثيق الأممية، وعلى رأسها حقه في إقامة دولته المستقلة على أرضه، وأعرب عن بالغ القلق تجاه الكارثة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، مؤكدًا أن ما يجري من تجويع ممنهج وانهيار للبنية الحياتية يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، داعيًا البرلمانات الوطنية والدولية إلى اتخاذ مواقف واضحة وحازمة لوقف هذه الانتهاكات، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية بشكل عاجل وآمن، والعمل من أجل سلام دائم يستند إلى حل الدولتين.
كما أكد سعادة رئيس المجلس ضرورة تفعيل دور البرلمانات في صون القيم الإنسانية، وتعزيز مبادئ التعاون الدولي وتعددية الأطراف، داعيًا إلى توحيد الجهود البرلمانية واتخاذ خطوات فاعلة تُسهم في تعزيز حقوق الإنسان، وتحقيق تنمية عادلة ومستدامة تُلبي تطلعات الشعوب نحو الأمن والاستقرار.
وفي ختام كلمته، عبّر سعادته عن أمله في أن يُفضي هذا المؤتمر إلى بلورة رؤى برلمانية موحدة تسهم في إعادة التوازن للنظام الدولي، وتدعم جهود إحلال السلام العالمي، وتدفع نحو بناء منظومة تعاون قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
وشهد المؤتمر مشاركة واسعة من رؤساء وأعضاء البرلمانات والمجالس التشريعية من مختلف دول العالم، حيث ناقشوا خلال أعمالهم عددًا من القضايا العالمية ذات الأولوية، من بينها التغير المناخي، والأمن الغذائي، والتنمية المستدامة، إضافة إلى سبل توطيد التعاون البرلماني الدولي بما يُسهم في بناء مستقبل أكثر أمنًا وازدهارًا.
وقد شارك وفد مجلس الشورى في الحلقات النقاشية، من بينها حلقة بعنوان "الابتكار من أجل المستقبل"، بحضور كل من سعادة طارق بن محمد الخروصي وسعادة محمد بن عامر المشايخي، عضوي المجلس، حيث ناقشت الحلقة التحديات الراهنة، من بينها النزاعات المسلحة وأزمة المناخ، إلى جانب مناقشة دور البرلمانيين في تعزيز الأمن من خلال بناء الثقة وتعزيز الشمولية، وقد خلصت الحلقة إلى التأكيد على أهمية التعاون الدولي وتسخير التكنولوجيا بشكل مسؤول لدعم السلام العالمي.
كما شارك سعادة محمد بن عامر المشايخي، عضو المجلس، في حلقة نقاشية حول "تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030"، حيث سلّط الضوء على جهود سلطنة عمان في هذا المجال، وقد أكد المشاركون دور البرلمانات في تعزيز التنمية المستدامة من خلال التشريعات التي تدعم الأمن الغذائي والصحة والطاقة الخضراء.
وعلى هامش أعمال المشاركة، التقى سعادة خالد المعولي، رئيس الوفد المشارك، بعدد من رؤساء المجالس التشريعية العربية والإقليمية والدولية، وبحث معهم أهمية تعزيز العلاقات الثنائية بين سلطنة عُمان وبلدانهم، كما تم خلال اللقاءات التباحث حول عدد من الملفات والقضايا الراهنة، خاصة فيما يتعلق بالأوضاع في غزة.