استضافت مكتبة تنمية المعادي بالقاهرة، ندوة لمناقشة رواية "الباص" للروائي صالح الغازي، وذلك بمشاركة نخبة من الكتاب والنقاد والأكاديميين بينهم: الدكتور هيثم الحاج علي، والدكتور سيد ضيف الله، والدكتورة رحاب إبراهيم، والدكتور إيهاب النجدي، وإيزابيل كمال، وأسامة جاد، وحنان السيد منير، وهجة الصاوي.

الندوة التي أدارتها الإعلامية سماح عبد العزيز، وحضرها جمهور كبير من المثقفين وعٌشّاق فن الراواية، شهدت مناقشات وصفت بالثرية من قبل المشاركين الذي تناولوا الرواية بالكثير من النقد والتحليل، حيث وصف المشاركون الرواية بأنها "مغامرة سردية شائقة"، ووصفوا أحداثها بأنها تحتوي على العديد من المواقف الإنسانية اللافتة، وأن الشعر كان هو مدخل المؤلف للتعبير عن الذات.

وفي مداخلته بالندوة، قال الدكتور هيثم الحاج علي، إن رواية الباص للأديب صالح الغازي، تُعتبر حالة تمثيل مهمة لنمط السارد الزائر الذي يحاول أن يرصد العالم من خارجه دون التورط فيه، وذلك لأنه لا يعتبر نفسه جزءا من هذا العالم. وهو الأمر الذي يمكن النظر إليه من خلال مجموعة من السمات التي تحكم شخصية البطل هنا من حيث التقوقع على الذات الذي يظهر من خلال انعزاله اختياريا عن المجتمع من خلال استخدامه لسماعات التليفون شبه الدائم لسماع الموسيقى مثلا، ثم الترقب والتوجس حيث يبدو البطل على مدار الرواية يصنع المساحة الآمنة بينه وبين باقي الشخصيات التي بدأ في تصنيفها من حيث إمكانية إيقاع الأذى به وبحيث لم يصنع علاقة إنسانية سوى مع ابن صديقه القديم، الطفل الذي يبادله الشعور بالوحدة والاهتمام بألعاب الوجبات المفرحة.

وأضاف د.الحاج: "من هنا سيبدو الاهتمام برصد التفاصيل الصغيرة في حياته والمقارنة الدائمة بين المجتمع الجديد والمجتمعات التي عاش فيها البطل من قبل كلها عناصر تتسق مع عدم وجود حبكة قصصية من النوع التقليدي، حيث تشبه الرواية فكرة اليوميات إلى حد بعيد، وهو الأمر الذي يتضافر مع فكرة محاولة عدم الاندماج في المجتمع الجديد، أو التورّط فيه، ومعاملة هذا المجتمع بوصفه حالة عابرة في حياته، هي حالة أشبه بما يحدث في الباص من حيث هو وسيلة غير خاصة يستقلها الراكب لبعض الوقت ولا يشعر أبدا بامتلاكه لها، ويتعامل مع الراكبين فيه وغن تكرروا من خلال معرفة عابرة لا يمكن أن تمتد لأكثر من ذلك. من هنا جاءت تقنيات الرواية ولغتها في صورة محايدة كأنها تتوازى مع تلك الرغبة الشديدة في الرصد الخارجي غير المنحاز، لا إلى العالم ولا إلى الشخصيات وهو ما نجحت الرواية في نقل حالته إلى القارئ".

مواقف إنسانية

ومن جانبها رأت القاصة د.رحاب إبراهيم، بأن الرواية فيها التشبث بالنفس ليستطيع أن يرى العالم بزاويته، والرواية تحتوي على رصد مواقف انسانية عالية جدا مثلا عند تواصل الغريب مع الاسرة بالفيديو عبر الماسنجر أو حادثة جلوريا التي توفي زوجها في حادث في الفلبين، واضطرت للعودة وترك العمل والاستغناء عن مصدر الدخل، لترعى ابناها الصغيرة، وطول الرواية هناك لمسات انسانية.

مغامرة سردية

وبدوره قال الدكتور ايهاب النجدي، إن رواية "الباص" مغامرة سردية جديدة، وشائقة في الحقيقة، عندما يشرع كاتب مقيم أو وافد إلى بلد خليجي في كتابة رواية، ويكون فضاؤها المكاني هو البلد نفسه الذي يقيم فيه، فإن أسئلة كثيرة تحاصر هذا العمل، وظنون أيضا، لكن أن يتلقاها القراء من المواطنين والمقيمين راضين مرضيين، كما هي الحال مع "الباص"، فهي إذن مغامرة أدبية ناجحة وتستحق التقدير.

وأضاف "النجدي" قائلاً: "المغامرة حاضرة أيضًا بقدر معتبر في الموضوع أو زاوية المعالجة، وفي الأداء السردي، فمن خلال الرواية نكتشف عالمين متقاطعين: العالم الداخلي للمغترب/ الوافد/ المقيم بوصفه نموذجًا متحقّقًا. والعالم الخارجي الذي يحيط بهذا المقيم كما يحيط السوار بالمعصم، مكانًا وبشرًا وتفاعلاً مستمرا بين ثقافات عديدة وجنسيات شتى. وتابع د.النجدي: "الوطن حاضر في الرواية، والحنين مستبدٌ به الشخصية الرئيسة، يتوسل إلى ذلك بتقنية الاستدعاء تارة، أو بالقطع المتوازي "المونتاج" تارة أخرى، تحضر المحلة المدينة الصناعية الصغيرة وذكرياتها، وبرج الساعة المعروف وأثره في الناس، أسماء الشوارع المصرية في قلب الكويت: شارع القاهرة، شارع عبد المنعم رياض".

التعبير عن الذات

ونوّهت الإعلامية سماح عبد العزيز في حديثها إلى أن الشعر مدخلا للشاعر والروائي صالح الغازي، للتعبير عن الذات والعالم الخارجي، دخل عالم الرواية بخطى ثابته وأصدر روايته " الباص"، واختيار الكاتب إلى الباص، اختيار له فلسفته، الباص حيز محدود المكان وأيضا غير ثابت ومتحرك. ودائما الروايات التي تحدث داخل حيز كما "بين السماء والارض" لنجيب محفوظ، تتحمل بالرموز، وبتعدد الشخصيات التي يكون الاختلاف سمتها أكثر من الاتفاق، فما بالنا حين يكون الباص يحمل جنسيات من كل دول العالم، أي يحمل لغات مختلفة وسلوكيات وأراء وديانات وملامح أيضا مختلفة.

وأضافت بأن رواية " الباص " توثق يوميات بطل الرواية "أحمد صابر" الذي انتقل للعمل في شركة اتصالات في الكويت، وعمل البطل في الاتصالات، استفاد منه الكاتب، في تركيزه في متن الرواية، على الهواتف في يد رواد الباص، فتحول الهاتف إلى رغبة التواصل مع الخارج والهروب والتخفي من الواقع، ورمزا للحنين، واستجلاب الوطن البعيد، وتأكيدا للغربة، وكشفا لطموح المغترب، وصنع حالة من التعاطف بين غرباء يجمعهم حيز واحد، رغم كل الاختلافات الانسانية بينهم تعاطف الغرباء تمثل في اقتراب البطل من "نورما الفلبينية"، لكن المشاعر لم تمنعه من التورط في التجسس على الأخرين، هذا التجسس رغم أنه جرم، لكنه يمكن أن يفهم على أنه نوعا من الهروب من الوحدة، والتغلغل في الآخرين.

مدخلات

وتحدث كاتب الرواية صالح الغازي، فقال إن التركيز في الرواية ومن البداية عن حالة المغترب في دولة خليجية لا يساعده أحد فيحاول التعرف بنفسه على كل شيء ومدة الرواية تقريبا شهر، هذا الشهر الأول المجهد والمتعب والقاسي. وكتبت الرواية بلغة بسيطة تناسب الحالة وتطرق أسماع القارئ العادي.

وخلال مداخلته بالندوة، طرح الدكتور سيد ضيف الله سؤالاً عن المقصود بضرورة تمثيل أدب الغربة وما المقصود أن الانترنت أصبح خرافة؟ وكان رد مؤلف الرواية صلاح الغازي أن في الخليج يوجد ملايين المصريين ولهم خصوصية ولم يعكس تجاربهم الأدب. بينما هناك صورة نمطية يتم تداولها باستمرار. أما خرافة الانترنت ترجع ان الملاحم القديمة اعتمدت على صراع الخير والشر، والوجود بين البشر والجن والمخلوقات الأخرى بينما العصر الحالي الصراع مع الانترنت كمؤثر في الحياة والعلاقات، فالبطل تجسّس على من حوله عبر الانترنت، والمغترب يتابع احوال اسرته واصحابه عبر الانترنت. وتحدث بلال علام عن اختلاف المدن في احتوائها للمغترب فمثلا هو شعر بالارتياح في مدن، بينما هناك مدن غير مريحة وتحدث عن تجربته في الهجرة. في الختام عبر الروائي الغازي عن امتنانه للحضور ولمساندة أسرته. وقدم الشكر لمكتبة تنمية والناشر خالد لطفي وفريق العمل.

يُذكر أن رواية "الباص" لمؤلفها صلاح الغازي، كانت قد حلّلت في قائمة أفضل 18 رواية عربية، ومرشحة لجائزة كتارا للرواية العربية في الدورة العاشرة. وقد صدر لمؤلفها عدة دواوين شعر منها: "شايف يعني مش خايف"، "نازل طالع زى عصاية كمنجة"، الروح الطيبة"، و"المتوحش اللي جوايا"، وكتاب نقدي ومجموعتي قصص ومقالات.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: من خلال

إقرأ أيضاً:

ندوة بعنوان التخطيط الاستراتيجي لطلاب كلية السياسة والاقتصاد بجامعة بني سويف

عقد معهد التخطيط القومي  ندوة بعنوان "التخطيط الاستراتيجي" لعدد 36 من طلاب كلية السياسة والاقتصاد بجامعة بني سويف،في إطار احتفالات معهد التخطيط القومي بمرور ٦٥ عامًا على إنشائه.

معهد التخطيط القومي يطلق دراسة حول الاستثمار لإنهاء وفيات الأمهات بالتعاون مع UNFPAمعهد التخطيط القومي يعقد برنامجًا تدريبيًا للعاملين بالمجلس القومي للسكان

وذلك  بحضور  الدكتور نجاح الريس، عميد الكلية، وعدد من أعضاء هيئة التدريس بقسم العلوم السياسية، وبمشاركة نخبة متميزة من أساتذة وخبراء المعهد، من بينهم الأستاذ الدكتور علاء زهران، الأستاذ بمركز السياسات الاقتصادية الكلية ورئيس المعهد السابق، والدكتورة داليا إبراهيم، مدير المكتب الفني لرئيس المعهد.

تأتي هذه الندوة في إطار حرص المعهد على رفع الوعي لدى طلاب الجامعات بقضايا التخطيط والتنمية المستدامة، وذلك ضمن أنشطة خدمة المجتمع التي يقدمها المعهد.

وفي هذا السياق، أوضح الأستاذ الدكتور علاء زهران أبرز التحديات الاقتصادية الراهنة، مسلطًا الضوء على الفجوات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد المصري، ومناقشًا تأثير قضايا متعددة مثل النمو السكاني، وسوق العمل، والتضخم، وسعر الصرف، والدين العام. كما تطرق إلى الحديث عن مهارات التخطيط الاستراتيجي، ومفاهيمه، وأبعاده، وأنواع الخطط الاستراتيجية، بالإضافة إلى أهمية التخطيط الاستراتيجي، ومراحله، ومستوياته.

فيما استعرضت الدكتورة داليا إبراهيم نبذة عن نشأة معهد التخطيط القومي، ورؤيته، ورسالته باعتباره مركز فكر رائدًا ومؤثرًا على المستوى الوطني والإقليمي ومتميزًا دوليًا. كما عرضت الهيكل التنظيمي للمعهد وأنشطته الرئيسية، والتي تتضمن إعداد البحوث والدراسات، وتقديم الاستشارات، وتنفيذ برامج التدريب، وخدمة المجتمع. وتطرقت كذلك إلى الفعاليات العلمية التي ينظمها المعهد، بالإضافة إلى برامج الدراسات العليا الأكاديمية والمهنية بالمعهد ومنها درجة الماجستير الأكاديمي في "التخطيط والتنمية"، ودرجتي الماجستير المهني في "التخطيط للتنمية المستدامة" و"المتابعة والتقييم".

طباعة شارك معهد التخطيط القومي بني سويف كلية السياسة والاقتصاد بجامعة بني سويف

مقالات مشابهة

  • إليك المنتخبات العربية الآسيوية التي بلغت الملحق المؤهل لكأس العالم
  • جلسة تصوير خاصة لـ لاعبي الأهلي استعدادًا لكأس العالم للأنديه
  • وليامز تناقش كتابها الجديد حول ليبيا في ندوة دولية حول السلام والمصالحة
  • الرواية صانعة عوالم..
  • الأنبا عمانوئيل يترأس ندوة التكوين الدائم لخدام الإيبارشيّة
  • صوفان: وجود شخصيات على غرار فادي صقر ضمن هذا المسار له دور في تفكيك العقد وحل المشكلات ومواجهة المخاطر التي تتعرض لها البلاد.. نحن نتفهم الألم والغضب الذي تشعر به عائلات الشهداء، لكننا في مرحلة السلم الأهلي مضطرون لاتخاذ قرارات لتأمين استقرار نسبي للمرحلة
  • د نزار قبيلات يكتب: ما أجمل رواية؟
  • “الإعلامي الحكومي” بغزة يفند رواية العدو الإسرائيلي الكاذبة حول وجود نفق أسفل المستشفى الأوروبي
  • شخصية هلالية تلتقي ميسي وتعرض عليه الانضمام للهلال بعد نهاية عقده مع إنتر ميامي
  • ندوة بعنوان التخطيط الاستراتيجي لطلاب كلية السياسة والاقتصاد بجامعة بني سويف