لماذا تصعّد إسرائيل عمليات اغتيال القيادات الفلسطينية في لبنان؟
تاريخ النشر: 10th, August 2024 GMT
بيروت- يحبس العالم أنفاسه بانتظار رد إيران وحزب الله على جريمتي اغتيال إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية في طهران، والقيادي بالحزب فؤاد شُكر في الضاحية الجنوبية لبيروت.
وبينما تتزايد المخاوف من انزلاق المنطقة إلى حرب إقليمية، يستمر التصعيد العسكري على الجبهة الجنوبية اللبنانية بين حزب الله وإسرائيل بأشكال مختلفة، في إطار المواجهة المستمرة بينهما منذ عملية "طوفان الأقصى".
ووسّعت إسرائيل مؤخرا نطاق استهدافها ليشمل المدنيين بشكل أوسع، بالإضافة إلى تنفيذ عمليات اغتيال طالت قياديين لبنانيين وفلسطينيين. وخلال الأيام الـ10 الماضية، نفذت 4 عمليات، كان آخرها، أمس الجمعة، في مدينة صيدا جنوبي البلاد، وذلك للمرة الأولى. فيما بلغ عدد الضحايا العسكريين والمدنيين أكثر من 20.
تعزيز قوة المقاومةوطالت عملية صيدا، التي تبعد نحو 55 كيلومترا عن الحدود الجنوبية، القائد الميداني المنتمي لكتائب القسام سامر محمود الحاج. حيث أطلقت طائرة مُسيّرة صاروخين وأصابت سيارته بشكل مباشر أثناء وجوده قرب مدخل مخيم عين الحلوة الغربي، مما أدى الى استشهاده وإصابة شخصين آخرين، وفق وزارة الصحة اللبنانية.
وبذلك، يرتفع عدد شهداء حماس الذين اغتالتهم إسرائيل في لبنان منذ بدء "طوفان الأقصى" إلى 19، إضافة إلى 8 شهداء من حركة الجهاد الإسلامي وأكثر من 400 من حزب الله، إلى جانب المدنيين والصحفيين والمسعفين، والأضرار الجسيمة التي لحقت بالقرى والبلدات الحدودية.
وتأتي عمليات الاغتيال كمحاولة إسرائيلية لإعادة ترميم صورتها جزئيا وإظهار قدرتها وقوة استخباراتها، بعدما فقدت جزءا كبيرا من هيبتها وتفوقها العسكري خلال الأشهر العشرة الماضية. ويقول مراقبون -للجزيرة نت- إن استهداف كوادر المقاومة، من الحزب أو حماس أو غيرهما، يأتي في سياق الرد الاستباقي على محور المقاومة "لإرباكه" قبل الرد المحسوم الذي أعلن عنه الأمين العام للحزب حسن نصر الله.
وبرأي المسؤول الإعلامي في حركة حماس، وليد الكيلاني، فإن الاغتيالات التي تنفذها إسرائيل تهدف إلى كسر إرادة الشعب الفلسطيني والمقاومة، وردعهما عن مواصلة طريق تحرير فلسطين. وأكد أنها محاولات تؤدي إلى تعزيز قوة المقاومة ومحورها، وإصرارها على الاستمرار في مسيرتها وتحقيق أهداف "طوفان الأقصى".
ويوضح -للجزيرة نت- أن "العدو الصهيوني" لم يحقق أي انتصار سياسي أو عسكري ضد المقاومة على مدار 10 أشهر من العدوان على غزة. ويواصل تصعيد اعتداءاته في مناطق متعددة مثل بيروت وصيدا وإيران واليمن والعراق وسوريا، دون أن يحقق أهدافه المنشودة.
وأشار الكيلاني إلى أن إسرائيل مارست سياسة الاغتيالات منذ فترة طويلة، بدءا من اغتيال مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين، مرورا باغتيال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي قائد قطاع غزة، وصولا إلى هنية. ويشدد على أن حماس، كحركة تحرر وطني، "هي فكرة حية لا تموت"، وأن الشعوب والحركات التحررية دائما ما تنتصر في النهاية، بينما "الاحتلال إلى زوال".
ويعتبر أمين سر العلاقات في حركة الجهاد الإسلامي هيثم أبو الغزلان، أن سياسة الاغتيالات تعكس قوة تأثير المقاومة. ويقول -للجزيرة نت- إن هذه القوة تتضاعف من خلال مواجهة العدو وزيادة خسائره، وقد أثبتت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي أنها قادرة على إحداث أزمة وجودية "للكيان الصهيوني".
ويؤكد أن إسرائيل تخطئ إذا ظنت أن اغتيال قيادات المقاومة خارج فلسطين يمكن أن يردعها، حيث أظهرت التجارب أن هذه السياسة لا تحقق أهداف الاحتلال بل تساهم في تعزيز موقف المقاومة بدلا من فرض معايير الصراع الإسرائيلية.
ويشدد أبو الغزلان على أن قادة المقاومة هم دائما "مشاريع شهادة على طريق القدس وفلسطين. وعندما يستشهد قائد أو مجاهد، فإنه يكون قد حقق مشروعه الشخصي بنيل الشهادة، بينما يستمر المشروع العام للتحرير والمقاومة حتى تحقيق النصر".
أما الباحث في العلاقات الدولية علي مطر، فيرى أن إسرائيل تسعى -حاليا- لإعادة تشكيل صورة الردع على جميع الجبهات، حيث فقدت في غزة قدرتها على ذلك، ولم تحقق أي أهداف إستراتيجية خلال 10 أشهر من القتال، سواء فيما يتعلق بإطلاق سراح الأسرى أو القضاء على حركة حماس.
ويضيف -للجزيرة نت- أن ذلك وضع إسرائيل في مأزق داخلي بشأن كيفية استعادة قدرتها على الردع، إذ فقد المستوطنون الثقة في الجيش والحكومة. وفي محاولة لاستعادة هذه الثقة، يعتمد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على تصعيد عمليات الاغتيال.
وباعتقاد مطر، تتضمن سياسة الاغتيالات التي تنتهجها إسرائيل تصعيدا عسكريا وإعادة تشكيل المشهد. وتعتمد تل أبيب عليها بشكل خاص في لبنان، وتتبع طريقتين رئيسيتين:
الأولى: تجاوز قواعد الاشتباك مع المقاومة في لبنان. الثانية: استهداف قادة الفصائل الفلسطينية المؤثرين في الميدان.كما تسعى إسرائيل -وفقا له- إلى ردع المقاومة مثلما حدث في صيدا أمس الجمعة، حيث خرقت السيادة اللبنانية وقواعد الاشتباك، كما فعلت سابقا في الضاحية الجنوبية.
ويمكن تلخيص الأهداف الإسرائيلية -حسب الباحث مطر- في النقاط التالية:
محاصرة المقاومة: منع قادة الفصائل الفلسطينية من التنسيق مع الجبهات الأخرى أو تقديم الدعم لقطاع غزة. التأثير على مشهد الردع: التأثير على جبهات القتال عبر اغتيال قادة الفصائل الفلسطينية أو المقاومة. محاولة كسر الجبهات: تقليص فعالية الجبهات عبر استهداف قادتها، خاصة الميدانيين. تصعيد محتملويضيف الباحث مطر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يتمكن من تحقيق صورة الردع المنشودة، بل أدى إلى تصعيدٍ أكبر على الجبهات، الذي يُعقّد المشهد السياسي ويجعل المفاوضات مع الإسرائيليين أمرا غير ممكن حاليا، وأنه يصر على التفاوض تحت الضغط العسكري، بينما ترفض الجبهات هذه الطريقة. لذا، ستستمر الجبهات في مقاومتها، مع احتمال تصعيد أكبر إذا استمر في سياسته هذه.
أبرز الاغتيالات الإسرائيلية لقادة حركة حماس في لبنان منذ طوفان الأقصى
خليل خراز: نائب قائد كتائب القسام في لبنان، تم اغتياله يوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023. قصفته طائرة مُسيّرة وهو داخل سيارة على طريق فرعي بين منطقتي الشعيتية والقليلة في قضاء صور بجنوب لبنان، مما أدى إلى استشهاده مع 3 من مرافقيه. صالح العاروري: نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، اغتيل يوم الثلاثاء الثاني من يناير/كانون الثاني 2024. استشهد مع 6 من رفاقه بعد أن استهدفت طائرات الاحتلال شقة كان موجودا داخلها في الضاحية الجنوبية لبيروت. شرحبيل علي السيد: مسؤول في كتائب القسام، اغتيل يوم الجمعة 17 مايو/أيار 2024. استهدفته طائرات الاحتلال في منطقة البقاع شرقي لبنان. هادي مصطفى: كادر عسكري في كتائب القسام، اغتيل يوم الأربعاء 13 مارس/آذار 2024. استهدفته طائرة مُسيّرة إسرائيلية أطلقت صاروخين باتجاه سيارته على طريق منطقة الحوش الرئيسي جنوب مدينة صور، مما تسبب في اشتعال النيران فيها واستشهاده. سامر الحاج: القائد الميداني في كتائب القسام، اغتيل يوم الجمعة التاسع من أغسطس/آب 2024. استشهد إثر استهداف مُسيّرة إسرائيلية لمركبته عند مدخل مدينة صيدا جنوبي لبنان.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات کتائب القسام طوفان الأقصى للجزیرة نت حرکة حماس فی لبنان
إقرأ أيضاً:
الجدل حول هجوم حماس يوم السابع من أكتوبر.. وحسم الجدل قانونيًا
السفير د. عبدالله الأشعل
في صباح السابع من أكتوبر 2023 شنت قوات حماس هجومًا شاملًا وكاسحًا على منطقة غلاف غزة، وهي منطقة تابعة لغزة احتلها المستوطنون الذين رحلوا عن غزة عام 2005 تحت ضربات المقاومة. وكان هجوم حماس على القواعد والقوات الإسرائيلية برًا وبحرًا وجوًا. ولم تُفاجأ إسرائيل بالهجوم، ولكن فُوجئت بحجم الهجوم الذي لم تكن مستعدة له أمنيًا وعسكريًا. وأخذت المقاومة معها عددًا من المدنيين والعسكريين رهائن. وقد انقسم الموقف من الأطراف المختلفة من هذا الهجوم وتشعّب المواقف إلى ثلاثة:
الموقف الأول: منطق حماس من الهجوم.. الموقف الثاني: موقف إسرائيل وأمريكا ومعظم الدول العربية وأولها السلطة.. الموقف الثالث: موقفنا من الحادث ووضعه في القانون الدولي.
أولًا: دوافع حماس ومنطقها في الهجوم
تسوق حماس سبعة دوافع لهجومها على القوات المعادية:
الأول: إن إسرائيل تعمدت إهانة الفلسطينيين منذ قيامها. الثاني: إن صبر حماس على جرائم إسرائيل خلال نحو سبعة عقود قد نُقِض، وتأكدت حماس أن السياسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين ليست مؤقتة وعابرة، بل هي أساس المشروع الصهيوني. الثالث: تأكد لحماس أن إسرائيل خارج حدودها ليست مجرد سلطة احتلال وإنما تريد الأرض ولا تريد السكان.
الرابع: لاحظت حماس أن إسرائيل تقوم على الغضب والقوة، وأن المقاومة المسلحة هي أنسب رد على إسرائيل. الخامس: لاحظت حماس أن آليات النظام الدولي تحتال عليها إسرائيل، وأنها تفلت من العقاب، ولذلك توحشت. ورأت المقاومة أن الحلول عن طريق التفاوض غير مجدية. السادس: إن إسرائيل مصرّة على تفريغ فلسطين من أهلها.
وقدّرت حماس أن الجمهور الذي تُسيئ إسرائيل إليه سوف يعتبر المقاومة غير ذات جدوى، خاصةً وأن السلطة تعاديها وتعتبرها ذراع إيران في المنطقة قبل طوفان الأقصى، كما أن هجمات المستوطنين على المرابطين في المسجد الأقصى لا تتوقف. وسابعًا: تعتقد حماس أن من حقها الدفاع عن الشعب الفلسطيني، خاصة أن السلطة لا تحمي الفلسطينيين وليس لها جيش.
ثانيًا: موقف إسرائيل وأمريكا ومعظم الدول العربية
موقف إسرائيل: فوجئت إسرائيل بحجم وخطورة العملية، وشمولها البر والبحر والجو، وفوجئت بجرأة المقاومة وعدم خوفها من إسرائيل، ولأول مرة تأخذ رهائن، وهي محقة في ذلك بموجب المادة 12 من اتفاقية نيويورك لأخذ الرهائن عام 1979، وتعتبر إسرائيل أن المقاومة وسّعت هدفها من مجرد مقاومة الاحتلال إلى هدف تحرير فلسطين من النهر إلى البحر. وهذه فرضية لاحظناها في رد إسرائيل، ولذلك بدأت إسرائيل حرب إبادة منظمة ضد غزة، مقدّمة لإبادة الشعب كلما حانت الفرصة.ولما كانت المقاومة تمثّل الحق، وإسرائيل تمثل الباطل، فقد أظهرت إسرائيل بإبادتها للشعب بكافة الطرق غلًا وعقدًا وانتقامًا من تجرؤ غزة على توحش إسرائيل. وكلما نجحت المقاومة في كسر شوكة الجيش الصهيوني، ازداد حقده على المدنيين، أي كلما نجحت المقاومة في ساحات القتال، توحشت إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.
موقف أمريكا والاتحاد الأوروبي: نفس وجهة النظر الإسرائيلية تبنّتها أمريكا ومعظم الحلفاء الأوروبيين.موقف معظم الدول العربية: تابعت بألم البيانات الرسمية التي أصدرتها وزارات الخارجية العربية في معظم الدول، وتتضمن أمرين، الأول: إدانة هجوم حماس باعتباره عدوانًا على إسرائيل، ومبررًا لدفاع إسرائيل عن نفسها، على أساس أن الفعل مستحدث ورد الفعل مستحدث أيضًا، والثاني: إن بيانات الخارجية العربية أدانت هجمات حماس على المستوطنين، على أساس أن المستوطنين مدنيون كالفلسطينيين، ودعت هذه البيانات إلى المساواة بين المدنيين الفلسطينيين والمدنيين المستوطنين.
لعل هذه المقالة تبدّد الجهل بهذه الحقائق لدى من أصدر بيانات بهذا المعنى. أما من أصدر بيانات الإدانة على أساس التحالف مع أمريكا وإسرائيل، فقد ضلّ ضلالًا بعيدًا.
رأينا في وضع الحادث في القانون الدولي الحق أن الاحتلال طويل الأجل، خاصة إذا كان يستخدم الاحتلال ستارًا لإفراغ فلسطين من أهلها بل وإبادتهم، ليس له حقوق في القانون الدولي، بل للمقاومة أن تستخدم كل الوسائل، بما فيها أخذ الرهائن، أما الموقف الأمريكي، فقد تماهى مع الموقف الإسرائيلي، واقتربت منهما مواقف معظم الدول العربية، خاصة وأن الدول العربية اتخذت موقفًا معاديًا للمقاومة قبل الحادث بعام تقريبًا، عندما قررت الجامعة العربية أن المقاومة العربية بكل أجنحتها من قبيل "الإرهاب"، وهو موقف إسرائيل وأمريكا ومعظم الدول الغربية،
ولاحظنا أن الحكومات العربية وحدها تعادي المقاومة بسبب الضغوط الأمريكية، أما الشعوب العربية فكلها مجمعة على مساندة المقاومة ومساندة إيران ضد إسرائيل.
الخلاصة أن ضربة المقاومة ليست منقطعة الصلة عمّا قبلها من جرائم إسرائيل، ويكفي أن محكمة العدل الدولية أكدت في آرائها الاستشارية منذ عام 2004، وآخرها عام 2024، أن علاقة إسرائيل بأرض فلسطين خارج قرار التقسيم هي مجرد علاقة احتلال ويجب أن تنتهي، وأما ما تدّعيه إسرائيل بأن المقاومة اعتدت عليها مما أعطاها الحق في "الدفاع الشرعي"، وما ترتب على هذا الهجوم تتحمل مسؤوليته المقاومة، فذلك اتهام سياسي لا يسنده القانون، وكان يمكن للمقاومة أن تُنقذ غزة لو اعتذرت لإسرائيل! ثم إن إسرائيل، بمجاهرَتها بهدف القضاء على المقاومة، تُخالف القانون الدولي، وقد فصّلنا ذلك في مقال سابق.
رابط مختصر