سجّل المعدن الأصفر مسارًا تصاعديًّا لافتًا خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث ارتفع سعره بما يتجاوز الـ 100% منذ العام 2014، ووصل إلى مستويات تاريخيّة غير مسبوقة، بتخطّيه عتبة الـ 2500 دولار أميركي للأونصة. خلال العقد الأخير، أثبت الذهب نفسه كملاذٍ آمن، في عالم تستعر أزماته وتتّسع دائرة صراعات دوله وأقاليمه.
فما هي السيناريوهات المحتملة في الأسابيع والأشهر المقبلة، وهل الوقت ملائمًا لشراء الذهب أم لبيعه؟
يشهد الذهب مستويات تاريخية، مدفوعة بتطوّرات الجغرافيا السياسيّة المتوتّرة، والتضخم، ومعدلات البطالة، وأسعار أسهم مضخّمة وفق التحليل الاساسي، وتوقّعات برفع أسعار الفائدة من قبل الفيدرالي الأميركي، يقول الخبير المالي والاقتصادي الدكتور عماد عكوش في حديث لـ "لبنان 24" لافتًا إلى أنّ العومل المذكورة مؤثّرة جدًا في تحرّك أسعار الذهب، فضلًا عن العامل الطبيعي المتمثّل بقاعدة العرض والطلب، والذي برز بشكل واضح مع إقبال المصارف المركزية على تنويع احتياطاتها الموجودة لديها، فزادت من حصّة الذهب، وخاصة الصين والهند وبولندا.
تأثير قرار الفيدرالي الأميركي والصراعات
أمّا بالنسبة لأداء الذهب مستقبلًا، فيلفت عكوش إلى سيناريوهات عدّة محتملة خلال الفترة المقبلة، تتغير وفق عوامل عدّة، لا بدّ من رصدها. أبرزها قرار الفيدرالي الاميركي المتوقع في أيلول المقبل "إذا قرر رفع الفائدة، وهو أمر متوقّع، فقد يتعرّض الذهب لضغوط، كونه لا ينتج أيّ عائد، وقد يصبح عندها أقلّ جاذبيّة للمستثمرين، مقارنة بالأصول المدرّة للعوائد. أمّا إذا قرر الفيدرالي الأميركي تثبيت الفائدة فقد يبقى الذهب في مستوياته المرتفعة، وربما يرتفع أكثر، بسبب القلق المستمر بشأن التضخم ونسب البطالة المرتفعة وعدم اليقين الاقتصادي".
عامل آخر يفعل فعله في مسار المعدن الأصفر، هو العامل الجيوسياسي " إذا استمرت حدّة التوترات الجيوسياسيّة، واستعرت الأزمات في المناطق التي تشهد نزاعات، لا سيّما في اوكرانيا والشرق الاوسط، أو في مناطق أخرى،فإنّ الذهب سيظلّ ملاذًا آمنًا، وسيستمر في الارتفاع. أمّا في حال حدوث تطوّرات إيجابيّة لجهة انخفاض المخاطر الجيوسياسيّة، عندها قد يشهد الذهب بعض التصحيح في الأسعار".
التضخّم والبطالة
هناك عوامل أخرى مؤثّرة "ارتفاع معدلات التضخم عالميًا قد يدفع المستثمرين إلى الذهب كوسيلة للتحوّط، مما يزيد من سعره. وفي حال تراجع التضخم بشكل ملموس، قد يقلّ الطلب على الذهب، ويتراجع سعره. كما أنّ ارتفاع معدلات البطالة وطلبات الإعانة يعدّ مؤشرًّا أساسيَّا حيال إمكانيّة الذهاب نحو ركود اقتصادي كبير، من شأنه أن يهدّد الكثير من الشركات والمنشآت الاقتصادية، الأمر الذي يخلق حالة من عدم اليقين، بالنسبة لمعدّلات النمو وتحقيق عوائد مقبولة، ويمكن أن يؤدي بالتالي إلى الذهاب نحو التخلّص من هذه الاصول الخطرة لصالح أصول آمنة، لاسيّما الذهب" .
بظل توصيف عكوش للعوامل المتحكّمة في رسم بورصة الذهب هبوطًا أم صعودًا هل ينصح في الزمن الحالي بشراء الذهب أم ببيعه؟
"إذا كنت مستثمرًا على المدى القصير، وتبحث عن الربح السريع، قد يكون من الأفضل مراقبة تطورات قرار الفيدرالي الأميركي، وأخبار الجغرافيا السياسية عن كثب. إذا لاحظت ارتفاعًا كبيرًا في الأسعار بعد إعلان الفيدرالي قراره، أو بعد تصاعد التوترات، قد يكون هذا وقتًا مناسبًا للبيع،لتحقيق الأرباح .أمّا إذا كنت مستثمرًا على المدى الطويل، وترى أنّ الذهب هو ملاذ آمن وسط عدم اليقين العالمي، قد يكون من الأفضل الاحتفاظ بالذهب أو حتّى شراء المزيد منه عند حدوث أيّ تصحيح للأسعار، كون الظروف الجيوسياسيّة والاقتصاديّة غير مستقرّة، وقد تدعم الذهب على المدى الطويل".
قد يتأرجح الذهب صعودًا أو هبوطًا، على وقع التطورات وبلورة نتائجها نحو تسويات أو أزمات وحروب طويلة المدى، لكن في مطلق الأحوال، يستمدّ المعدن الأصفر قيمته من ثبات خصائصه كمعدن لا يفقد قيمته مع الزمن، كما أنّه يتربّع على قائمة أفضل أصول الملاذ الآمن نظرًا لشح المعروض، على عكس العملات التي يمكن طباعتها في أي وقت، من هنا يلعب الذهب دورًا أساسيًّا في حماية المدّخرات وتنويع المحافظ الاستثماريّة وتقليل المخاطر.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
بانخفاض 2%.. «آي صاغة»: اشتعلت الحرب.. فسقط الذهب
سجّلت أسعار الذهب تراجعًا ملحوظًا في الأسواق المحلية خلال تعاملات الأسبوع الماضي، بانخفاض بلغت نسبته نحو 2%، متأثرة بتراجع الطلب وارتفاع عمليات جني الأرباح، إلى جانب قوة الدولار، ووفقًا لتقرير منصة «آي صاغة»، انخفض سعر الأوقية عالميًا بنسبة 1.8% خلال نفس الفترة، في ظل تراجع الإقبال على المعدن الأصفر كملاذ آمن رغم تصاعد التوترات الجيوسياسية.
قال سعيد إمبابي، المدير التنفيذي لمنصة «آي صاغة» لتداول الذهب والمجوهرات عبر الإنترنت، إن أسعار الذهب بالأسواق المحلية تراجعت بقيمة 100 جنيه خلال تعاملات الأسبوع الماضي، حيث افتتح سعر جرام الذهب عيار 21 التعاملات عند مستوى 4900 جنيه، واختتم التعاملات عند مستوى 4800 جنيه، في حين تراجعت الأوقية بقيمة 61 دولارًا، حيث افتحت التعاملات عند مستوى 3430 دولارًا، واختتمت التعاملات عند مستوى 3369 دولارًا.
وأوضح أن جرام الذهب عيار 24 سجل 5486 جنيهًا، وعيار 18 بلغ 4114 جنيهًا، في حين وصل عيار 14 إلى 3267 جنيهًا، وسجل الجنيه الذهب 38400 جنيه.
وأشار إمبابي إلى أن الذهب سجّل أول تراجع أسبوعي منذ قرابة ثلاثة أسابيع، رغم استمرار التوترات في الشرق الأوسط، والتي شملت التصعيد بين إسرائيل وإيران، وتجدّد المواجهات بين روسيا وأوكرانيا، ما يعكس مفارقة في سلوك الأسواق تجاه التطورات الجيوسياسية.
ورغم التراجع الأخير، لا يزال الذهب يتمتع بمكانة متقدمة كملاذ آمن في فترات الضبابية الاقتصادية والجيوسياسية، فقد شهدت الأسواق العالمية في الأسابيع الماضية موجات اضطراب واسعة أعادت تشكيل خارطة المخاطر، وهو ما دفع بأسعار الذهب إلى مستويات قياسية، بلغ فيها سعر الأوقية مستوى 3451 دولارًا في ذروة التوترات، في مؤشر واضح على تغيّر توجهات المستثمرين لصالح الأصول الآمنة.
وعلى صعيد البيانات الاقتصادية، أظهرت مؤشرات التضخم في الولايات المتحدة خلال مايو الماضي ارتفاعًا طفيفًا بنسبة 0.1% فقط على أساس شهري، ما عزز توقعات الأسواق باتجاه مجلس الاحتياطي الفيدرالي نحو خفض أسعار الفائدة في اجتماعه المرتقب في سبتمبر المقبل، الأمر الذي من شأنه أن يخلق بيئة داعمة لصعود الذهب.
وكان الفيدرالي الأمريكي قد قرر تثبيت أسعار الفائدة للاجتماع الرابع على التوالي، في نطاق يتراوح بين 4.25% و4.50%، وفي تصريحات عقب الاجتماع، أكد رئيس المجلس، جيروم باول، أن الاقتصاد الأمريكي لا يزال قويًا، وأن سوق العمل تبقى مرنة، بينما بدأ التضخم يقترب من مستوياته المستهدفة.
وفي تحول لافت، ألمح كريستوفر وولر، عضو مجلس محافظي الفيدرالي، إلى احتمال بدء خفض أسعار الفائدة اعتبارًا من يوليو 2025، إذا واصلت المؤشرات الاقتصادية أداءها المعتدل، كما قلّل من أهمية تأثير الرسوم الجمركية على التضخم، مؤكدًا أن تعريفة بنسبة 10% على الواردات لن تُحدث تأثيرًا كبيرًا على الأسعار، مما يقلل احتمالات استخدام تلك الرسوم كذريعة لمواصلة التشديد النقدي.
ولا يقتصر الدعم الحالي للذهب على المستثمرين الأفراد وصناديق التحوط فحسب، بل امتد إلى البنوك المركزية، وعلى رأسها الصين وروسيا، التي تواصل تعزيز احتياطياتها من الذهب في إطار سياسة استراتيجية لتنويع الأصول وتقليص الاعتماد على الدولار الأمريكي، وقد أضفى هذا التوجه المؤسسي مزيدًا من الزخم على سوق الذهب، خاصة في المدى المتوسط والطويل.
وفي هذا السياق، كشفت دراسة حديثة أجراها مجلس الذهب العالمي، بين 25 فبراير و20 مايو 2025، بمشاركة 73 بنكًا مركزيًا، أن 76% من البنوك تتوقع زيادة حصة الذهب في احتياطياتها خلال السنوات الخمس المقبلة، مقارنة بـ69% في استطلاع العام السابق، في حين يرى 95% من المشاركين أن احتياطيات الذهب العالمية ستشهد نموًا خلال العام المقبل، وهي النسبة الأعلى منذ إطلاق هذه الدراسة.
كما أظهرت نتائج الدراسة اتجاهاً واضحاً نحو تقليص حصة الدولار الأمريكي من احتياطيات البنوك المركزية، إذ أعرب نحو 75% من المشاركين عن نيتهم خفض احتياطياتهم من العملة الأمريكية خلال السنوات الخمس المقبلة، مقارنة بـ62% في استطلاع عام 2024.
ومنذ بداية عام 2025، حقق الذهب مكاسب تقدر بنحو 29%، بينما تشير البيانات إلى ارتفاع بنحو 70% خلال العامين الماضيين، وعلى الرغم من بعض التقلبات قصيرة الأجل، فإن الاتجاه العام يشير إلى بقاء الذهب في مستويات مرتفعة، مدفوعًا بعوامل دعم متشابكة تشمل التوترات الجيوسياسية، وتيسير السياسة النقدية، وطلب قوي من الأسواق الناشئة.
وفي عالم تتزايد فيه أوجه عدم اليقين، يعيد الذهب تأكيد دوره كأصل لا يعتمد على التزامات مالية، ولا يتأثر بإفلاس الحكومات أو تعثر الأسواق، ما يجعله حائط صد في وجه الأزمات، وركيزة أساسية لاستقرار المحافظ الاستثمارية.
وتترقب الأسواق هذا الأسبوع سلسلة من المؤشرات الاقتصادية الأمريكية، أبرزها بيانات مؤشر مديري المشتريات من ستاندرد آند بورز يوم الإثنين، وتقرير ثقة المستهلك، وشهادة جيروم باول أمام لجنة الخدمات المالية بمجلس النواب يوم الثلاثاء، تليها بيانات مبيعات المنازل الجديدة وشهادته أمام مجلس الشيوخ يوم الأربعاء، ثم طلبات إعانة البطالة وبيانات السلع المعمرة والناتج المحلي يوم الخميس، وأخيرًا بيانات التضخم الأساسية لنفقات الاستهلاك الشخصي يوم الجمعة، والتي من شأنها أن تحدد مسار السياسة النقدية في المرحلة المقبلة.