لجريدة عمان:
2025-07-05@11:29:42 GMT

بندقية تشيخوف

تاريخ النشر: 20th, August 2024 GMT

منطقُ القصة، ونهج الدخول في القصص، والأساليب التي يتوخاها كاتب السرد، مسائلُ كثُر فيها الجدل والنقاشُ، وخاضَ فيها الأدباءُ والدارسون، ولكن الطريقة الأمثل للحكاية تبقى دومًا بين يدي كاتب، لا يُدرك بالضرورة، «منطق الحكاية» ولا «مواقع الراوي» ولا «صيَغ السرد» ولا كل المفاهيم والمُصطلحات التي يُجريها النُقَاد ومدرسو الأدب، الفارق الرئيس بين الروائي الحق وناقد السرد الحق، أن الأول لا يسير على نهجٍ، ولا تتحكم في ذهنه ولا في عقله رؤى ونظريات، طليقٌ من الأسر، يعرف ولا يستكين لمعرفته، يعلم ولا يطمئن لمعرفته، وأن الثاني أسير المعرفة، رهين آبائه المنظرين، خاضِعٌ لهم وإن ناقشهم ونقدهم، يتحكم فيه دوما منطقٌ ما، ومعقوليةٌ يتحدد بها.

وعلى ذلك فإن ما يقوله النُقاد لا يجد صدى -في أغلب الأحيان- لدى المبدعين، بل إن النُقَاد لا يخطون نهج كتابة الأدب، وإنما الأدباء هم الأقدرُ والأصلحُ على فتح طُرُق في الكتابة جديدة، لا تُلاقي قبولًا نقديًا في البداية، ثم تتحول هذه الكتابةُ الجديدة المرفوضة في البدء إلى نهجٍ يُقتَدى ويُحتَذى. لقد أردتُ أن تكون المُقَارنةُ بين ما يأتيه المبدع الساردُ -تحديدًا- وما يأتيه ناقد السَرد مدخلاً للخوضِ في الكتابة القصصية أو الكتابة السردية، جوابًا على سؤالٍ بسيطٍ وساذَج ولكن جوابه مُعجِزُ ومُعسِرٌ، وهو ما هي الطريقةُ المُثلى لكتابة روايةٍ؟ ظني ويقيني ألاَ وجود لطريقةٍ مُثلى بها تُكتبُ الرِواية أو تُكتَب القصة، وإنما هنالك كاتبٌ قادرٌ على أن يُوجِد لكل حكايةٍ نهجا وسبيلا وواسطةً بها يقصُ قصَته ويعتقد أنه يأسَر القارئ، وأن مشروعه القصصي أو الروائي نافذٌ إلى القلوب آخذٌ الأهواء والعقول.

نهجُ الكاتبُ وطريقته التي يستنُها ويبتكرها ويرى أنها الأوفقُ والأجدرُ هي التي تتحولُ إلى طريقةٍ مرغوبةٍ في الكتابة السردية، هي التي تتحوَل إلى منوالٍ يدعو النُقَاد إلى اتباعه وانتهاجه، ويتهمون من يخرج عنه بأنه لم يُراعِ أصول القصص وفنون السرد. ما هي فنون السرد في نهاية المطاف؟ هي طرائقُ استعملها الكُتاب القُصَاصُ وتحولت بفِعلِ العادة والتعوُد إلى أُصُول ونماذج تُقتَدَى ويُهتَدى بها. مَن الذي قال أنَ كل جُزئية، وكل إشارة يستعملها الساردُ يجب أن تُستَخدَم في سياق السَرد؟ هل لزامٌ على القاصِ ألا يُجري الفوضى، أن يُمنطق كل شاردة وواردة في كتابته؟ لقد تحدث النُقاد عن مبدئ في السرد تَسَمى ببندُقية تشيخوف، وقِوامُ هذا المبدأ السَردي ألا يذكر الكاتب شيئًا في قصصه دون توظيف واستعمال، بمعنى أنك إن «ذكرت في الفصل الأول أن هناك بندقيةً معلقةً على الحائط، حقًا يجب أن تستعمل البندقية إمَا في الفصل الثاني أو الثالث.

يجب ألاَ تبقى معلقةً هناك إذا لم يجر إطلاقها»، وهذا أدى إلى الدعوة إلى إزالة كل مالا يُحتاجُ إليه في القصة، وكل ما لا يُستَخدم أو يُوظَف. ألا يحقُ لي أن أذكر البندقية أو المُسدس المعلق على الجدار دون أن أستعمله، لو كنت تشيخوف أو مناظِرًا له ومكافِئًا فإن ذلك يجوز.

تستمِدُ هذه «القوانين» القصصية قوة أثرها وتحولها إلى مبادئ في النقد، من منزلة الكاتب وقوة أثره، حتى وإن كانت بسيطة أو سطحية. دائما كنتُ أتساءل، وأنا أدرِس المناهج الواقعية -على سبيل المثال- إلى طلبة النقد، ما هو الفارق الدقيق بين الواقعية الرمزية والواقعية الاشتراكية والواقعية الاجتماعية والواقعية الصرفة؟ هل هنالك معيارُ ذهبٍ يدفعني إلى التصنيف والتعيير، ولمَ علي أن أعيِر وأصنِف؟ أليست كل حكاية في وجه من وجوهها هي تعبير عن واقع ذهني أو نفسي أو اجتماعي؟ لقد انتبهنا في أخَرةٍ من الطوفان في مناهج الدرس السردي الخالية من المباهج إلى أن لذة الحكاية هي لذة تقليدية، قديمة، هي متعة الاندماج في حكايةٍ تأسر القارئ إن كانت حداثية مُعمِلةً فكرًا وفلسفةً ورؤيةً متوخيةً طرُقًا وسُبُلا يجتهد فيها السارد في تلوين حكايته، أو كانت تقليدية متركِزةً على تتالي الأحداث وتعقُدها، ففي نهاية المطاف ما يأخذ القارئ هو الحكاية وكيف تُحكى، والكيفُ يتأتى وفق رؤيةٍ يراها الكاتب لا تعود إلى دقيق اطلاعٍ على طُرُق السرد، وإنما هو أمرٌ مغروسٌ في الطِباع لا تدرِكه العقول والأذهان -على قولِ نُقَادنا القدامى- الذين أن «ميل النُفوس» إلى نص مخصوص لا يُمكن أن تُدركه العقول الناقدة. عودا على بدء، العقل النقدي انحصر في دوره التحليلي التفسيري، ولا سلطةَ له على سنِ نهج في الكتابة، وإنما دوره تفسير ما يبتدعه المبدعون، بقي النقد عيالًا على الإبداع، ولذلك فإن بندقية تشيخوف بقيت معلَقةً قد تُستَعمل وقد تُهمل، واستعمالها أو إهمالها لا يُضفي على القصة قيمةً مضافةً خارج سياق الحكاية، فللكاتب أن يُمهلها أو أن يهملها، و«الرنجة الحمراء»، قد تكون أسلوبًا من جمعِ أساليب، هي أسلوبٌ قائمٌ على المغالطة المنطقية، إذ يعمد الكاتب إلى استعمال إشارة زائفة تؤدي بالقارئ إلى استنتاج زائف، أسلوبٌ من أساليب التضليل، وصرف النظر عن الجهة الأساس، ففقي السرد يُمكن أن يعمد الكاتب إلى تضليل القارئ حتى لا يتيسر له بلوغ المعنى ولا يتسنى له أن يتراخى في قراءة الهدهدة، وإنما يظلُ متيقِظا أبدَ القراءة. فهل كان عبدالرحمن منيف عارفا بأنه في رواية «الأشجار واغتيال مرزوق» بأن بندقية تشيخوف تقتضي منه توظيف كل الأشياء المذكورة في عالم الرواية، وهل كان نجيب محفوظ في ثلاثيته على يقين بأنه لن يترك شيئًا من عالم رواياته للصدفة؟ لو كان الروائي يُفكرُ ويُعقلِنُ عالمه، لما وصلتنا أعمالٌ قاطعة مع السابق، بانيةٌ للأشكال في القصص لم تُزَر من قبلُ.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی الکتابة

إقرأ أيضاً:

حرب الـ12 يوما.. ما التغييرات التي طرأت على إيران بعد الهجوم الإسرائيلي؟

نشرت صحيفة “الجارديان” البريطانية، مقالا لباحث إيراني يعيش في طهران في الوقت الحالي وشهد حرب الـ12 يوما بين إيران وإسرائيل خلال يونيو الماضي.

ويصف الباحث حسين حمدية، الحاصل على درجة دكتوراه مشتركة في الجغرافيا والأنثروبولوجيا من جامعة هومبولت في برلين وكلية كينغز في لندن، كيف أضحت إيران بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي.

دروس الحرب الإيرانية الإسرائيلية

ويؤكد حمدية في مقاله أن هناك عددا من الدروس التي خرج بها الإيرانيون من المواجهة ضد إسرائيل، أبرزها أنه لا ثقة مرة أخرى في الغرب، وأن السلاح النووي بات امتلاكه أمرا ملحا وهو اقتناع تسرب إلى الذين عارضوا امتلاكه من قبل.

ارتفاع عدد الشهداء في غزة منذ فجر اليوم إلى 40 ضحيةوول ستريت جورنال: موافقة حماس وإسرائيل على التفاوض يعزز فرص إنهاء الحرب

ويقول الباحث الإيراني: "لمدة ١٢ يومًا، عشنا في العاصمة تحت وطأة هجمات إسرائيلية متواصلة، وما رأيناه غيّرنا إلى الأبد: جيران موتى، مبانٍ مدمرة، وقلق - قلق لا ينتهي، عميق - على وجوه الناس".

وأضاف: "هناك راحة في الحديث عن "الشعب الإيراني" كما لو كنا كتلة واحدة موحدة لكن، كما هو الحال في معظم المجتمعات، لدى الإيرانيين آراء متباينة".

وأشار إلى أنه عندما اندلع القتال لأول مرة، كان هناك من سعد برؤية قوة أجنبية تستهدف كبار قادة الحرس الثوري الإيراني، المكروهين على نطاق واسع، على الأقل في البداية لكن آخرين - وإن كانوا معارضين أنفسهم - استاؤوا بشدة من فكرة الغزو الأجنبي. 

ولفت الباحث الإيراني إلى أنه رأى بعض المتشددين في هذه الحرب مهمةً خلاصيةً يجب خوضها حتى النهاية المريرة؛ بينما شعر آخرون بالخدر تجاه ما يحدث، ولكن مع امتلاء الأخبار بصور الضحايا المدنيين، وازدياد حدة الهجمات وتراجع استهدافها، بدأت مختلف الفصائل الاجتماعية تتوحد حول مفهوم "الوطن". 

وتابع: "اكتسبت الوطنية رواجًا جديدًا، وساد الفخر الوطني على معظم الألسنة وكثرت مشاهد التضامن - وإن كان لا يزال من غير المعلوم مدى استمرارها -: أصحاب العقارات يُلغون الإيجارات في ظل الأزمة؛ وسكان خارج طهران يستضيفون الفارين من العاصمة؛ ولا اندفاع نحو محلات البقالة، ولا فوضى، ولا عمليات إجلاء مذعورة".

الغرب والحرب الإيرانية الإسرائيلية

وأوضح حسين حمدية قائلا: "في رأيي، لعبت طريقة رد فعل الدول الأوروبية على الهجوم الإسرائيلي دورًا رئيسيًا في هذا التحول ودعمت الدول الثلاث، إلى جانب دول صامتة أخرى في جميع أنحاء القارة، الضربات الإسرائيلية، مستخدمةً جميع المبررات المعتادة، من البرنامج النووي الإيراني إلى دعمها للإرهاب، كل ذلك بينما كان الرئيس الأمريكي يرسم صورة وردية لعظمة إيران المزعومة "في اليوم التالي" على منصة "الحقيقة الاجتماعية". لكن نحن في الشرق الأوسط ندرك ذلك".

صحيفة بريطانية: انفصال كاليفورنيا بعد اندلاع حرب أهلية في الولايات المتحدة بحلول 2035غارة إسرائيلية على جنوب لبنان تسفر عن مقـ.تل شخص وإصابة 3

ونوه إلى أن صور الدمار الجديد في غزة تظهر يوميًا، ونتذكر الفوضى في ليبيا، والحرب الأهلية في سوريا، وعقدين من الاحتلال في العراق، وعودة طالبان إلى أفغانستان لم يكن هناك أي أمل في هذه الصراعات - لم تُزرع بذور الديمقراطية، ومن المؤكد أن حقيقة العدوان الإسرائيلي السافرة ستُصدم نفس القوى التي أدانت، عن حق، غزو روسيا لأوكرانيا - حتى لا تُدمر حرب أخرى المنطقة مرة أخرى. 

وقال إنه من المؤكد أن هذه الهجمات - الوحشية، وغير المُبررة، والمُتعمدة - كان ينبغي أن تُقابل بفيض من الإدانة والغضب لتجاهلها ميثاق الأمم المتحدة لكن لم يحدث شيء، وكان الصمت مُطبقًا تذكيرٌ بأن حياة الإيرانيين، بلا شك، أقل قيمةً من حياة الآخرين هذا، بالنسبة للكثيرين منا، كان الدرس الرئيسي من دعم الدول الغربية لإسرائيل وكانت الحرب على إيران، لكنها بُرِّرت بنفس المنطق القديم: العنصرية. لامبالاة وتقاعس من يملكون سلطة التدخل؛ لهجة الإعلام السلبية عند الإشارة إلى الضحايا من غير البيض؛ التجاهل المُعتاد لمعاناتهم؛ واللامبالاة تجاه الهجمات على دول خارج المدار الغربي - حتى أن المستشارة الألمانية قالت: "هذا عملٌ قذرٌ تقوم به إسرائيل من أجلنا جميعًا".

ولفت إلى أن كثيرا من الإيرانيين يغضب من هذا الظلم، لدرجة أن فكرة بناء سلاح نووي، التي كانت في السابق حكرًا على هامش الراديكالية السياسية، تكتسب الآن زخمًا بين عامة الناس، وكما عبّر أحد المستخدمين على منصة “إكس”: "لا يبدو أن أحدًا مهتم بحالة حقوق الإنسان في كوريا الشمالية"، مشيرًا إلى أن الرؤوس الحربية النووية لا تزال الرادع الوحيد الموثوق ضد العدوان.

إسرائيل تخرق الاتفاقيات

وأكد أنه من “الحماقة أن نثق بإسرائيل لوقف إطلاق النار فلدى هذا البلد سجل حافل بانتهاك الاتفاقيات دون عقاب، هذا يعني أن سيفًا مسلطًا على طهران لا يزال مسلطًا عليها، حتى مع خفوت دوي الانفجارات”. 

برنامج الأغذية العالمي: سكان غزة يواجهون مستويات حادة من الجوعتلاحق إيطاليا بقوة.. الإمارات تتصدر قائمة الوجهات المفضلة لأصحاب الملايين عالميًا

وأوضح أنه “من بعيد، قد تبدو هذه المدينة التي يزيد عدد سكانها على 10 ملايين نسمة وكأنها عادت إلى صخبها المعتاد، لكن الغموض لا يزال يخيم على الأجواء، وما يزيد الأمر سوءًا هو غياب أي وسيط موثوق قادر على إنهاء الحرب، بالنسبة للكثيرين هنا، فإن مشاركة الغرب الضمنية أو الصريحة أو حتى النشطة في الصراع تحرمه من أي دور كمفاوض حسن النية”.

واختتم مقاله قائلا: "من موقعي هذا، تترسخ مرة أخرى مشاعر عدم الثقة تجاه أوروبا ستُعاد بناء المباني، وستُصلح البنية التحتية لكن ما قد يتضرر بشكل لا يمكن إصلاحه - ربما بشكل لا يمكن إصلاحه - هو النسيج الأخلاقي الذي تستند إليه أوروبا لتبشّر الآخرين، ازدواجية المعايير. النفاق. الظلم الكامن في كل هذا. العقلية الإمبريالية - التي لا تزال حيةً ونابضةً بالحياة - تُلقي بظلالها الثقيلة على كيفية النظر إلى أوروبا. ليس فقط على الإيرانيين، على ما أظن، بل على كثيرين في جميع أنحاء الجنوب العالمي".

وأضاف: “هذه أوقات عصيبة نعيشها لا أعلم ما إذا كانت إيران ستصمد في هذه اللحظة، أو ستُبرم اتفاقًا، أو ستواصل مسارها الانتقامي الحالي لكن المؤكد هو أن من يحكم إيران في المستقبل لن ينسى ما حدث هنا”.

طباعة شارك الهجوم الإسرائيلي إيران وإسرائيل العدوان الإسرائيلي الشعب الإيراني الحرس الثوري الإيراني البرنامج النووي الإيراني الرئيس الأمريكي

مقالات مشابهة

  • حرب الـ12 يوما.. ما التغييرات التي طرأت على إيران بعد الهجوم الإسرائيلي؟
  • بالفيديو .. الكاتب حمادة فراعنة كيف قرأ المشهد في الإقليم بعد الحرب الايرانية الإسرائيلية
  • روسيا تعترف رسميا بإمارة أفغانستان الإسلامية التي تقودها حركة طالبان
  • “سنوات سبع”: عزلة طفل تتحول إلى رحلة صراع ونضوج في رواية جديدة لعمرو نبيل
  • كوردستان.. مطالبات بصرف رواتب الفئة التي أفنت أعمارها في خدمة الدولة
  • شهادة الدكتوراه بين الاستحقاق والتساهل: بحث لا يُنتج فكرًا وإنما شهادة من ورق
  • وفاة الكاتب الصحفي عادل السروجي نائب رئيس تحرير الأهرام المسائي
  • منصة قبول: غدًا آخر يوم لإضافة الرغبات التي تتطلب شروط قبول خاصة
  • إعلام الفيوم يستضيف الكاتب الصحفى "محمود مسلم" فى الأحتفال بثورة ٣٠ يونية
  • حماس: نناقش مقترحات وقف إطلاق النار في غزة التي وصلت من الوسطاء