د. سعاد صالح: الأخوات والسلفيات أسهمن في انتشار عادات خاطئة باسم الدين كـ«النقاب وختان الإناث» (حوار)
تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT
أكدت د. سعاد صالح، أستاذ الفقه المقارن، والعميد الأسبق لكلية الدراسات الإسلامية للبنات بالأزهر الشريف، أن الإسلام لم يفرق بين المرأة والرجل فى وجوب الدعوة، وأن الله أمر أمهات المؤمنين بالإعلان عن هدىْ المصطفى، وأن الدعوة النسائية تحتاج لإنشاء جيل من المفتيات والواعظات والداعيات على قدر كبير من العلم الشرعى.
وانتقدت «صالح»، فى حوارها مع «الوطن»، دور الأخوات والسلفيات وأنهن وراء انتشار عادات خاطئة باسم الدين كالنقاب وختان الإناث، مشيرة إلى أن من تقوم بالدعوة النسائية عليها أن تدرك روح الشريعة وليس النطق بالنصوص الجامدة فقط.. وإلى نص الحوار:
تمثل المرأة عنصراً رئيسياً فى جناح الدعوة؟
- الإسلام لم يفرق بين المرأة والرجل فى وجوب الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، فقال الله تعالى فى سورة التوبة: «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم»، وقال أيضاً فى سورة فصلت: «ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إننى من المسلمين»، فالخطاب الإلهى موجه للرجال والنساء، والله عز وجل دعا نساء النبى أمهات المؤمنين للإبلاغ والإعلان عن هدى المصطفى، فقال تعالى فى سورة الأحزاب: «واذكرن ما يتلى فى بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفاً خبيراً»، وطلبت نساء المسلمين من النبى الكريم أن يخصص لهن يوماً فى الإبلاغ والدعوة ففعل النبى ذلك، فالأدلة قطعية على وجوب الدعوة لله من قِبل النساء.
وماذا عن دور السيدات فى الإفتاء؟
- هناك فرق بين الدعوة والإفتاء، فالدعوة تقوم بمعرفة الثقافة العامة، أما الإفتاء فيكون لمتخصصين فى علم الفقه وقواعده ومعرفة النصوص الشرعية قطعية الدلالة وظنية الدلالة، وهناك نموذجان لسيدات الفتوى، الأول الراحلة عبلة الكحلاوى والتى كان لها منهج فى الفتوى يعتمد على الروحانيات، والثانى منهجى القائم على إظهار أقوال الفقهاء فى المسألة الواحدة واختيار الرأى الراجح، كذلك التخفيف على السيدات بالدليل من الكتاب والسنَّة، وللأسف الشديد نحن لدينا داعيات على مستوى الدعوة النسائية ولكن لدينا ندرة فى المفتيات.
لماذا تشهد الدعوة النسائية ضعفاً مقارنة بالدعوة لدى الرجال؟
- يرجع هذا الأمر للاعتماد خلال الفترات الماضية على دعوة الرجل، ولبعض القائمين على مسألة الدعوة الذين يفضلون الرجال على النساء فى الدعوة إلى الله، وكنت أشارك فى لجنة الفتوى بالأزهر الشريف ولم أحضر سوى اجتماع واحد لشعورى بعدم تقبلهم وجود المرأة فى مسألة الفتوى، لذا نحتاج لإعادة تقييم لوضع الدعوة النسائية والاهتمام بوجود الواعظات والمفتيات.
العميد الأسبق لـ«الدراسات الإسلامية»: نحتاج للسيطرة على زوايا النساء بالقرى والنجوع وتطهيرها من الفكر المتطرفوماذا عن مصليات النساء؟
- هناك سيطرة على مصليات النساء الكبرى فى القاهرة والمحافظات، فتلك المصليات تخضع لسيطرة وزارة الأوقاف ويقوم عليها واعظات الأوقاف، لكن للأسف هناك مصليات «بير السلم»، ويطلق عليها زوايا النساء تنشر فكراً غير منضبط حتى الآن، ويجب أن يتم تطهير تلك الزوايا كما حدث مع المساجد والمصليات الكبرى فى العاصمة والمحافظات، ويجب أن تخضع للرقابة، فتلك الزوايا النسائية يوجد بها فكر الأخوات والسلفيات، وتقوم بنشر ثقافات مغايرة تدعو للفكر الإرهابى، لذلك تجد بعض العادات غير المنضبطة، التى تحاربها الدولة، ما زالت قائمة حتى الآن تحت مسمى الدين.
ما هى تلك العادات؟
- كثير من العادات السلبية المتعلقة بالمرأة مثل مسألة الختان، فهى ما زالت منتشرة جداً فى الخفاء بقرى الريف، فهناك اعتقاد بوجوب تلك المسألة من الناحية الدينية والفطرية حتى لا تنحرف الفتاة، وهذا اعتقاد خاطئ وليس له علاقة بالدين، لذلك مهما أصدرت الحكومة من قوانين لتجريم تلك العادة ستظل موجودة، كذلك الاعتقاد بفرضية النقاب، وهذا فكر خاطئ، فلا يوجد فى الإسلام ما يثبت أن النقاب فريضة، وحرام طالما أحدث ضرراً فى المجتمع، وأتحدى أياً من أهل السنة المجىء بحديث صحيح وصريح يأمر فيه الرسول، صلى الله عليه وسلم، بتغطية وجه المرأة، وقول الله تعالى فى سورة الأحزاب: «يا نساء النبى لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذى فى قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً»، فهذا خطاب موجه لنساء النبى وليس لنساء المسلمين، وهو توجيه إلهى مخصص لهن، بعدم الخضوع فى القول والالتزام بالقول المعروف، فمن تقوم بالدعوة النسائية عليها أن تدرك روح الشريعة وليس النطق بالنصوص الجامدة، فالاختلاف رحمة، والمسلم ليس ملزم بالالتزام بمذهب واحد.
دور الواعظاتالواعظات لهن دور مشرف، لكننا نحتاج لمزيد من التطوير لأدائهن لكى يشكلن الضلع الأقوى فى منظومة الدعوة، والسيطرة على المصليات، ويكنّ قادرات على الوجود الإفتائى والدعوى، وعلينا تشجيع الناجح فى ملف الدعوة فأنا «بنيت نفسى بنفسى وكسبت ثقة المواطنين بفضل الله وبفضل علمى»، لذلك يجب أن نشجع صاحبات الدعوة إلى الله، وصقل فكرهن الدعوى والإفتائى ومعرفة السنة والقرآن الكريم ومعرفة قواعد أصول الفقه، والتفريق بين الحديث الضعيف والحديث الصحيح.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: واعظات مصر الأزهر الشريف وزارة الأوقاف ختان الإناث إلى الله
إقرأ أيضاً:
الغيبيات في الدين
#الغيبيات_في_الدين
مقال الإثنين: 3 /2 /2025 ب
قلم: د. #هاشم_غرايبه
لعل أكثر ما يتحدى العقل البشري هو الإيمان بأمر لا يوجد له في قاعدة البيانات العقلية مرجعية ينتمي إليها، لأن طبيعة الفهم البشري تعتمد على مطابقة الأمر المعروض على العقل مع ما هو مثبت في الذاكرة، وعندما يكون هذا المعروض أمرا جديدا، يتم ربطه بأقرب الصور تشابها، وعندما لا ينجح هذا الربط، تبقى المعلومة مبهمة غير مفهومة.
من سخف التفكير أن يرفض الإنسان تقبل هذا الذي لم ينجح في ربطه، أو يحكم عليه بالتكذيب استنادا الى عدم معقوليته (أي عدم قدرة عقله على استيعابه)، فالعقل البشري ليس حكما موثوقا، لأن القدرات العقلية للبشر مبنية أساسا على مدى اكتساب المعارف، وهذا أمر متطور متوسع على الدوام، فما لا يعرف اليوم قد يعرف غدا، كما أن القدرات العقلية متباينة بين شخص وآخر.
وثبتت هذه الحقيقة مع تطور المعارف وتقدم علوم البشر، ويتبين على الدوام على مر العصور كم تغيرت من مفاهيم كانت تعتبر المعرفة المثلى، وكم نقضت من قناعات اعتبرت حقائق علمية مثبتة.
الدين هو مجموعة من القواعد السلوكية الضابطة لأفعال الأفراد، والمنظمة للعلاقات بينهم (المجتمعات)، التي تهدف لتنظيم الحياة البشرية والحيلولة دون تعدي بعضهم على بعض، والتي هي المنشئة للخلافات والمنازعات المؤدية الى الصراعات وإقلاق الأمن.
ولما كان الدين إلهي المنشأ، لذا فتعاليمه تمثل العدالة المطلقة، ولذلك يرحب به دائما المستضعفون لأنه ينتصر لهم من الظالمين، ويعاديه المترفون لأنه ينتقص من مكتسباتهم غير العادلة، وعلى مر العصور شكّل هؤلاء جبهة ممانعة للدين منذ أن بدأ الله بإنزاله على البشر، واعتمدوا في محاربته بداية على التشكيك في انتمائه الى الله، فقالوا إنه اخترعه مصلحون ادعوا أنهم أنبياء، ثم حاربوا من استجاب وأتبعهم، ثم اخترقوا الرسالات القديمة فقاموا بالتزوير والتحريف لإفساد الدين وحرفه عن غاياته، وفي النهاية انصبت جهودهم على تحييده لمنعه من أن يتبع كمنهج سياسي تطبقه السلطة، بحجة أنه يولد الخلافات ويؤجج الصراعات، فوضعوا بديلا بشريا لتشريعاته، ما سموه بالدساتير والقوانين وأطلق على ذلك المسعى “العلمانية”.
رغم أن البنود المنطقية في دساتيرهم هذه مشتقة من تشريعات الدين، إلا أنها محشوة ببنود تعزز سلطة الحاكم، وتضعف من قدرات المحكومين على الرقابة عليه، وذلك لأن طبقة المترفين طفيلية، تبني غناها على استغلال العامة، ولأنها تملك الثروة فهي تستأثر بالنفوذ أي التأثير على السلطة الحاكمة، والتي تخضع للمترفين فتجعل التشريعات ممالئة لهم وحامية لمصالحهم.
تكتسب تشريعات الدين قوة تأثيرها من أمرين: الأول عدالتها لأن مصدرها الإله القوي الحكيم، فلا تخضع لابتزاز ولا تأثير بشري عليها، والثانية أن الرقيب عليها قوة غيبية لا قدرة للبشر على الإفلات منها.
من هنا نفهم الحكمة من تغييب كثير من الأمور عن إدراك البشر:
1 – لا يمكن للنسبي الإحاطة بالمطلق، فمدارك البشر محدودة بقدرات حواسه، فمثلا قدرة إبصاره محدودة بمسافة معينة، وبعدها تصبح مبهمة، كما أن الأشياء الدقيقة كالجراثيم والذرة ومكوناتها لا يمكنه إبصارها، وكل ذلك جعله الخالق لمصلحته، فلو كان سيرى العوالق الدقيقة في الهواء الذي يتنفسه أو في الماء الذي يشربه لما استساغه ولباتت معيشته صعبة.
2 – إن تغييب الخالق ذاته العلية عن مدركات البشر لمصلحتهم، بدليل جواب الله العملي لموسى عندما طلب رؤيته، فعندما تجلى للجبل العظيم جعله دكا، فكيف لو تجلى للبشر!؟.
3 – إن الغيبيات مثل الملائكة والجن وموعد اليوم الأخر والجنة والنار والروح والأجل والمستقبل والرزق المقسوم ..الخ، غيبها الله عن علم البشر، لأنه لا قدرة لهم على التدخل فيها، وغيبيتها تريحهم من معرفة ما لا قدرة لهم على استيعابه، ولو عرفوها لانقطع الأمل لديهم بالأفضل ولأصبحت حياتهم تعيسة.
4 – معرفة المرء بوجود رقابة خفية ترصد كل أفعاله وأقواله أعظم تأثيرا ضابطا للسلوك من الرقابة الظاهرة له.
مما سبق نستنتج أن الغيبيات عنصر أساسي في الدين، وهي سر قوته وفعاليته في تحقيق صلاح البشر، لذلك هي أكثر ما يهاجمه معادوه، مستندين الى الحجة الباطلة وهي أنهم لا يؤمنون الا بما يروه، وهم كاذبون.. ألم يؤمنوا بالثقب الأسود الذي لا يمكن رؤيته!.