الأب بطرس دانيال يكتب: متى يَعُمّ السلام؟
تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT
يعلّمنا السيد المسيح قائلاً: «طوبى لصانعى السلام، فإنهم أبناء الله يُدْعَون» (متى 9: 5). هل سنستيقظ يوماً ما دون أن نسمع أخباراً عن حروب وصراعات ودمار؟ لماذا يعيش الإنسان متربّصاً بأخيه، ساعياً للتخلّص منه؟ ما السبب الحقيقى والدافع للعنف والقتل؟ لماذا فقدت البشرية المعنى الحقيقى للسلام؟
يُحكى عن أبٍ دعا أبناءه الثلاثة ذات يوم قائلاً لهم: «لقد وصلتُ يا أبنائى إلى نهاية حياتى، لذلك أردتُ توزيع ثروتى بينكم».
فقال الأول: «لقد ذهبتُ إلى بلادٍ بعيدة، لا أعرف من سكانها سوى رجل غنى، قام بالترحيب بى وأكرمنى بضيافته، ثم أودعنى ماله وجميع مقتنياته دون كتابة إيصال أمانة، وعندما طلب منى استردادها، سلّمت له المال والمقتنيات كما أعطانى إياها».
فقال الأب لابنه: «قد عملتَ ما هو مطلوب منك، ولا شىء خارقاً، ولو أنك فعلت غير ذلك، لأصبحت غير أمين!»، ثم قال الثانى: «بالنسبة لى فقد قمتُ بعملٍ أفضل من هذا، بينما كنتُ أسير بجوار شاطئ البحر، وكانت الأمواج هائجة، رأيتُ غلاماً يسبح فى البحر ويتخبط شمالاً ويميناً، وكان يصرخ طالباً مَنْ ينقذه، ولكن لا حياة لمن تنادى، كأن قلوب المارة تجمّدت من شدّة البرودة والبلادة، وفى الحال ألقيتُ بنفسى فى الماء وأنقذته من الغرق».
فأجاب الأب: «مما لا شك فيه أن عملك بطولى، ولكنه تصرف عادى يجب أن يقوم به كل شخصٍ ينبض فى عُروقه حُب الإنسانية!»، وأخيراً تقدّم الثالث قائلاً: «يوماً ما كنتُ أتنزه، فالتقيتُ براعٍ كان عدوى اللدود منذ الطفولة، وكان نائماً بالقرب من هوّةٍ عميقة، ولو كان تحرك قليلاً لقضى على حياته، وفى هذه اللحظة تغلّبتُ على ميولى لروح الانتقام منه، وجذبته بلطفٍ عن حافة الهوّة، وهكذا استطعتُ أن أنجّيه من موتٍ محقق».
فصاح الوالد بكل سرور وقال له: «أنت الوحيد الذى يستحق هذه الجوهرة، فقد قمتَ بما يعجز عنه غالبية البشر، لأنك أنقذت حياة عدو لك».
فالإنسان الذى ليس عنده سلام داخلى، لا يستطيع أن يعيش فى سلام مع الآخرين، حتى إنه يختلق الطرق والوسائل التى يعادى بها الناس.
لكن سلامنا الداخلى الحقيقى، لا يستطيع أحدٌ أن ينزعه منّا مهما تغيّرت الظروف والمعاملات.
فالسلام الدائم هو عطية من الله للإنسان، ويشعر به كل شخصٍ يقوم بواجبه بإخلاص وأمانة وحُب وضمير حى، ويعيش فى سلامٍ مع الجميع.
لكن الإنسان فاقد السلام يهدم اللوحة الرائعة التى صنعها الله لخليقته بكل حُب.
وفى هذا الصدد نتأمل الكلمات الرائعة التى صرّح بها البطل الهندى العظيم Vardhamana مؤسس إحدى الديانات الهندية عام 400 ق. م: «أطلبُ العفو والغفران عن العنف الذى ارتكبته فى عقلى، والعنف الذى سببته بأقوالى، والعنف الذى صنعته بأعمالى».
هذه الكلمات الرائعة خرجت من القلب، ولها معانٍ عميقة وصالحة، لأن العنف الموجود فى قلب وعقل الإنسان، ينمو أولاً فى النفس، ويتغذّى بالحقد والكراهية، ثم يخرج للنور ويدفع الإنسان إلى معاداة ومحاربة الآخرين.
لكن لا سبيل إلى قتل العداوة إلا بالحُب، لأن البغض يولّد الكراهية والحقد.
لا يكفينا أن نردد: «لم يصدر عنّا أى شر»؛ بل يجب أن نصنع الخير ونسعى فى طريقه.
لذلك يجب علينا أن نسير فى النور ونخطو للأمام فى علاقتنا مع الآخرين، حتى نتخلّص من الظلام الذى يعمى قلوبنا وعقولنا، ويجعلنا نكره الغير.
ومن هنا نكتسب قبساً من نور الشمس وشعلة الحُب لنستطيع احتواء الجميع، والتعامل معهم بالرحمة والرأفة والإنسانية.
وهنا نستطيع أن نردد مع القديس فرنسيس الأسيزى: «يا رب، اجعلنى أداةً لسلامك، فأضع الحُبَّ حيث البغض، والمغفرة حيث الإساءة، والاتفاق حيث الخلاف، والحقيقة حيث الضلال، والإيمان حيث الشك، والرجاءَ حيث اليأس، والنورَ حيثُ الظلمة، والفرحَ حيث الكآبة».
ما أجمل أن نصبح صانعى السلام مع الجميع فى محيط الأسرة والعمل والمجتمع.
لذا نطلب من الله أن يمنحنا ذاكرة ضعيفة تنسى إساءات الناس، وذاكرة قوية تُسجّل أفضالهم.
يا ليت الشعوب تتحلّى بالسلام الحقيقى فيما بينها، وليست الهدنة التى فيها يستعد كل طرفٍ لإعداد عُدّة الحرب وتهيئة نفسه للانتصار.
ونختم بكلمات الأديب عباس محمود العقاد: «إن الحرب تبدأ فى قلب الإنسان، قبل أن تنزل إلى الميدان».
المصدر: الوطن
إقرأ أيضاً:
إسحق أحمد فضل الله يكتب: (كوشة العالم واللغة)
وقبل الحرب بعام تدعونا إذاعة القرآن والإخربن للحديث حول:
(كيف يكون الحديث جذابًا؟)
ونمسك الميكروفون ونقول:
“عجب، عجب… عجب عجب…
بقر تمشي ولها ذنب
ولها في ثدييها لبن
يبدو للناس إذا حلبوا
لا تغضب يومًا إن شتمت
والناس إذا شتموا غضبوا
…”
ونمضي في القصيدة ونسكت نتأمل دهشة الناس، وكانت وجوههم تقول إن الشيخ قد جنّ. ونقول لهم:
لو إني سكبتُ عليكم ديوانَ المعرِّي وحديثَ الفلاسفة لم تدهشوا، لكنكم كنتم تسمعون حديثي من هنا وتنسونه… لكن لا أحد منكم سوف ينسى هذه القصيدة.
ونقول: الحديث هو أن تمسك بأذان وعيون… ثم عقل المستمع… وصفقوا.
والكتابة، خصوصًا في أيام الشدة—أيام يكون الفهم ضرورة—الكتابة للناس الذين يشيلون الطرف الآخر من القفة يجب أن تكون بكل أسلوب يصل إلى الناس… ومفهومة وسريعة ومهضومة… وهذه أشياء هي صفات العسل، لهذا فيه شفاء للناس.
والآن الأيام هي: أيام هروب الكاتب من سجن القارئ الغبي… ومن سجن التصور الغبي عنده للعالم… ومن سجن الشيوخ الذين كلسوا الإسلام… ومن سجن حشروا فيه تفسيرًا عاجزًا أبلهًا كسيحًا للإسلام… والناس لن يتخلصوا من السجن إلا بعد شيء هو أن السلاح التدميري الأعظم الآن هو: معرفة أن الجريمة الأولى في التاريخ هي… العُري.
والآن ما يدير العالم هو… التطبيق للعرْي، وهو الجنس.
والآن ما يزحم الدنيا حولك هو: الأغاني. والأغاني جنس. والملابس جنس. والسينما جنس. والنكات جنس. والجرائم جنس. والمال جنس…
واحذف الجنس من العالم ثم انظر ماذا بقي؟؟؟ لا شيء…
ومخطط إغراق الناس هو المخطط هذا؛ لا يمكن بناء المتاريس ضده.
الحائط الوحيد الذي يصلح — وأهل الخطة عارفين — هو الإسلام.
لهذا غمسوا الإسلام في قدور الجهل والجنس، والإعلام الذي يجعل الإسلام هو الهبوط داخل المرحاض.
إذن… كيف يمكن لكاتب أن يتخطى هذا كله ويكتب؟
البعض يغمس الآن قلمه في ما تحت السراويل ليكتب…. لا… لا… هناك حل رائع نعود إليه…
بريد عبد العظيم: في قصة بوليسية المجرم يرسل رسالة للشرطة فيها كل تفاصيل الجريمة… يقول فيها كيف أن المجرم فعل، وأنه فعل كذا، وأنه فعل كذا… والشرطة تطلق أكبر حملة للبحث عنه دون نجاح.
وضابط يلاحظ أن كل نقطة تبدأ بعد نقطة حبر سوداء. ويعجب ويفحص ليجد أن كل نقطة من نقاط الحبر تغطي حرف الـ (s). وفي الإنجليزية ما يفرّق بين المذكر والمؤنث هو هذا الحرف. ويكتشفون أن من ارتكب الجريمة هي (She) … امرأة، وليس (He) … رجل. وحرف صغير واحد دوّخ ألف خبير.
في الاتفاقيات شيء مماثل، ونموذجه في تاريخنا هو:
“(انسحاب إسرائيل من الأراضي…)”
و”(انسحاب إسرائيل من أراض…)”.
إسحق أحمد فضل الله
إنضم لقناة النيلين على واتسابPromotion Content
أعشاب ونباتات رجيم وأنظمة غذائية لحوم وأسماك
2025/11/30 فيسبوك X لينكدإن واتساب تيلقرام مشاركة عبر البريد طباعة مقالات ذات صلة إبراهيم شقلاوي يكتب: أمن المعلومات واستراتيجية إعادة البناء2025/11/30 وزير الخير اسم يستحقه وزير الموارد البشرية والرعاية الاجتماعية2025/11/28 معهد واشنطن للسودان الجديد الذي يرأسه نصر الدين عبد الباري2025/11/28 ثار لغط كثير حول فقرة في مقال البرهان في وول ستريت جورنال2025/11/28 ليست هدنة بل مشروع إنقاذ للمليشيا2025/11/28 علي يوسف: إسلاميو السودان ليسوا جزءا من المنظومة الدولية للإخوان2025/11/28شاهد أيضاً إغلاق رأي ومقالات كنت هناك.. ليلة السودان 2025/11/28الحقوق محفوظة النيلين 2025بنود الاستخدامسياسة الخصوصيةروابطة مهمة فيسبوك X ماسنجر ماسنجر واتساب إغلاق البحث عن: فيسبوك إغلاق بحث عن