صدى البلد:
2025-12-14@20:46:44 GMT

عبد السلام فاروق يكتب: غزة نص شعري مفتوح

تاريخ النشر: 6th, July 2025 GMT

في قلب العاصفة التي تجتاح غزة، حيث تختلط أصوات القذائف بهمسات الأمل، تطل أنطولوجيا "غزة.. أهناك حياة قبل الموت؟" كشاهد على صمود الروح الإنسانية في وجه الدمار. 

هذا العمل، الذي أعده الشاعران المغربيان: عبد اللطيف اللعبي وياسين عدنان، ليس مجرد مجموعة قصائد، بل هو وثيقة شعرية تحول الألم إلى فن، والواقع المأساوي إلى بصيص من الجمال المقاوم.

وقد استلهمت الأنطولوجيا عنوانها من قصيدة الراحل مريد البرغوثي، الذي تساءل بمرارة: "أهناك حياة قبل الموت؟"، محولًا السؤال الفلسفي إلى صرخة تعكس واقعًا معيشًا. هنا، يعيد 26 شاعرًا وشاعرةً من غزة صياغة هذا السؤال عبر قصائد تمزج بين الحنين والألم، بين التفاصيل اليومية المدمرة وحلمٍ بمستقبل يليق بالإنسان. فالشاعر نور الدين حجاج، الذي قتِل في القصف، كتب:  "لا تكترثوا للمشهد الأخير... في غزة نحن نموت عدة مرات قبل هذا" .  
هذه الكلمات لا تسجل الموت فحسب، بل تجسد تكراره كجزء من الهوية الغزاوية.

الشعر: سلاح الذاكرة والهوية 

في زمن تختزل فيه غزة إلى أخبار عاجلة، تتحول القصائد إلى أرشيف حي. الشاعرة ضحى الكحلوت تقول: "الحرف مقصلة راضية، والذكريات قاض يعرف" ، بينما يصف ياسين عدنان الشعر بأنه "بلسم" في مواجهة الاكتئاب الناجم عن متابعة الحرب . لا يكتفي الشعراء بتوثيق الأحداث؛ بل يعيدون تشكيلها فنّيًا، كما في قصيدة رفعت العرعير الشهيد:  "إذا كان لا بد أن أموت... فليصبح حكاية" .  
هنا، يتحول الموت إلى سرد مقاوم، يخلد الذات الجماعيةَ في مواجهة النسيان.

تتحدث الأنطولوجيا بصوت الغزيين أنفسهم، متجنبة الخطابات الخارجية حتى لو كانت تعاطفيه. تقول المقدمة: "هذه الأصوات لا تحتاج إلى تحاليلنا المتعالمة... دعونا نتكلم" . هذا الاختيار يعيد للشعراء سلطةَ رواية حكايتهم، كما في قصيدة هند جودة:  "يا إلهي، لا أريد أن أكون شاعرة في زمن الحرب!" ،  
صرخة تفضح تناقض الكتابة تحت القصف، حيث يصبح الشعر ترفًا وضرورة في آن.
كما تبرِز الأنطولوجيا دور الشاعرات في كسر التابوهات، كتلك المتعلقة بالجسد والحرمان. الشاعرة نعمة حسن تنسج قصيدتها من تفاصيل يومية:  
"شاعرٌ كل يوم يرسم قمحًا على شجرته الميتة.. وتصدقه العصافير" .  
هنا، تحول المرأة الغزاوية الرمز الزراعي (القمح) إلى استعارة عن الاستمرارية، بينما تعلق الشاعرة رجاء غانم على ثنائية الحب والعنف المجتمعي بقسوة:  
"تمرّ يداك على نهديّ... أربعون جلدةً" .  

بين الترجمة والتضامن  
ولعل إصدار الأنطولوجيا بالعربية والفرنسية (بترجمة عبد اللطيف اللعبي) قد يخرِج صوت غزة من الحصار الجغرافي إلى فضاء عالمي . هذا الاختيار يذكر بمشاريع سابقة للشاعرين، مثل أنطولوجيا "أن تكون فلسطينيًا" (2022)، التي سعت لتجاوز الصورة النمطية للفلسطيني كـ"لاجئ" أو "مقاتل" . الشعر هنا ليس أداة تضامن فحسب، بل إعادة تعريف للهوية خارج إطار الضحية.

بالطبع هذه الأنطولوجيا، برغم ثقل موضوعها، تؤكد أن غزة ليست رمزًا للموت، بل فضاء للحياة المتجددة. قصائدها تشبه "زقزقة العصافير" التي وصفها ناصر رباح: تواصل الغناء حتى بعد انتهاء القصف . في هذا السياق، يصبح السؤال "أهناك حياة قبل الموت؟" تحديًا وجوديًا: نعم، هناك حياة تكتشف في الكتابة ذاتها، في القدرة على تحويل الركام إلى كلماتٍ تُضيء دربًا نحو عالمٍ أكثر إنسانية.
وفي قصائد الأنطولوجيا، يصبح الزمن كيانًا سائلًا: ذكريات الطفولة تتصادم مع لحظات القصف، وحلم المستقبل يشكل فوق أنقاض الحاضر. الشاعر يوسف القدرة يكتب:  
"كلّ صباحٍ أفتح نوافذ الذاكرة، فأرى غزةَ التي لن تعود" .  
هنا، لا يحاول الشاعر استعادة الماضي بل يوثق انزياحه تحت ضربات الحرب. الزمن الغزاوي، بحسب القصائد، ليس خطيا بل حلزوني: كل دورة جديدة تعيد إنتاج الألم مع بصيصٍ مختلف من المقاومة. الشهيد رفعت العرعير يلخص هذا الانزياح:  

"مات جدي تحت شجرة تين... وأنا أموت تحتَ طائرةٍ بلا طيّار" .  
الاختلاف في أدوات الموت لا يلغي التشابه في الجوهر: استمرارية الحياة رغم تغير أشكال الموت.  
في سياق تفرغ فيه الكلمات من معانيها (كـ"سلام" أو "عدالة")، يعيد الشعراء شحن اللغة بدلالات جديدة. قصيدة نور بعلوشة تقدم مثالًا:  
"الوطنُ ليس جغرافيا... بل حذاءٌ ممزقٌ يحمل طفلًا إلى لا مكان" .  

اللغة هنا تتحول إلى فضاءٍ مرنٍ يعيد تعريف المفاهيم المبتذلة. حتى كلمة "غزة" نفسها، التي صارت في الإعلام مرادفةً للصراع، تستعيد في القصائد بعدها الإنساني عبر تفاصيل كـ"رائحة القهوة في الصباح" أو "لهاث الأطفال خلف كرة بالية" (حسب أشرف فياض). هذه "المفردات اليومية المقاومة" تشكل ردا على محاولات تجريد المدينة من هويتها.
كذلك لا تحتفي الأنطولوجيا بالكلمات فحسب، بل بالصمت أيضًا. الشاعر حسام معروف يكتب:  
"أحيانًا... أفضل أن ألقي قصيدتي في بحرٍ من العتمة" ،  
في إشارة إلى عجز اللغة عن احتواء الفاجعة. لكن هذا الصمت ليس استسلامًا، بل احتجاجًا على ضجيج العالم الذي يناقش مصير غزة دون أن يسمعها. الشاعرة إيناس سلطان ترفع الصمت إلى مرتبة الشعر ذاته:  
"ما لم أقلهُ أثقلُ ممّا كتبته" .  
هنا يصبح الصمت لغة موازية، كتلك المساحات البيضاء في لوحة تشكيلية، ضرورية لفهم ما بين السطور. فالجسد الغزاوي، المحكوم بالحصار والمراقبة، يتحول في القصائد إلى استعارة مركبة. الشاعر حيدر الغزالي يدمج بين جسد المدينة وجسد الإنسان:  
"غزةُ تشبهني: كليهما يحمل ندوبًا لا تظهر في الأشعة" .  
أمّا الشاعرات، مثل كوثر أبو هاني، فيربطنَ بين حصار الجسد الأنثوي وحصار الأرض:  
"أحبس أنفاسي كي لا تُسرق الطائراتُ صوتَ أنثوي" .  
الجسد هنا ليس ضحيّةً سلبية، بل أرشيف حي للانتهاكات وأداة لإعادة إنتاج الذات.

الترجمة " عبور مضاعف!

اختيار النص الفرنسي بجانب العربي يطرح أسئلة عن دور الترجمة كجسر ثقافي. لكن المترجم عبد اللطيف اللعبي، بحكم تجربته السابقة في ترجمة شعر المقاومة الفلسطينية (كأعمال محمود درويش)، يدرك مخاطر "التمرير الثقافي" التي قد تهدر الخصوصية. الترجمة هنا ليست نقلًا حرفيًا، بل إعادة كتابة تلتقط روح النص. قصيدة آلاء القطراوي: 

"أكتب بالعربية كي أفهم، وبالفرنسية كي يسمعني من أعمتهم أصوات قنابلهم" ،  
تظهر وعي الشعراء بضرورة اختراق الحواجز اللغوية دون التنازل عن الهوية.

السؤال  الآن  هو: هل يمكن للشعر أن يغير الواقع؟  الأنطولوجيا لا تتجنب نقد الذات. الشاعر وليد الهليس يسأل:  
"لماذا نكتبُ شعرًا بينما الأطفال يموتون؟" ،  
سؤال يفضح التناقض الداخلي للشاعر الذي يحمل قلماً بدل حجر. لكن القصائد نفسها تجيب: الشعر هنا ليس بديلًا عن الفعل، بل تأكيد على أن الإبداع هو آخر حدود الحرية المتبقية. قصيدة ناصر رباح:  
"سأزرع قصيدتي في حقل ألغام... لعلّ الحروف تنفجرُ نورًا" ،  
تعيد الاعتبار لدور الفن كشكل من أشكال المقاومة الوجودية.

الأنطولوجيا، في مجموعها، تعيد تعريف غزة من "مكان محتضر" إلى "نص مفتوح" يكتب يوميًا. كل قصيدة هي إصرار على أن الحياة لا تسبق الموت فحسب، بل تتجاوزه. كما يكتب مصعب أبو توهة:  
"حتى الموتُ في غزة... يموت قبل أوانه" .  

هنا، حيث يعاد تشكيل الموت نفسه، يصبح السؤال الأصلي لمريد البرغوثي مجرد بوابة لتساؤلات أعمق: كيف نعيد اكتشاف الإنسان داخل ركام الحرب؟ وكيف يحول الشعر اليأس إلى إرادة للخلق؟  

هذه الأصوات الستة والعشرون لا تطلب من العالم أن ينقذها، بل أن يصمت قليلًا ليسمع هدير الحياة الذي ينبعث من تحت أنقاض الإجابات الجاهزة. لأن غزة.. النص الذي لا يختتم .
 

طباعة شارك غزة عبد اللطيف اللعبي ياسين عدنان الأنطولوجيا

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: غزة هنا لیس

إقرأ أيضاً:

فاروق فلوكس: حاربت مع الفدائيين.. وجلست على مائدة الملك فاروق

كشف الفنان القدير فاروق فلوكس جوانب مختلفة من رحلته مع الحياة خلال ظهوره مع الإعلامي إيهاب الخطيب في بودكاست «بوب كاست» ولأول مرة بعد غياب طويل عن الساحة الإعلامية.

تحدث فلوكس لـ«بوب كاست» المذاع عبر منصات برزنتيشن لايف عن ميلاده بحي عابدين بعد انتقال والده للعمل بمحافظة القاهرة قادمًا من محافظة المنيا مسقط رأسه، وهو الأمر الذي فتح الباب أمامه للنشأة بالقرب من قصر عابدين خلال فترة حكم الملك فاروق في نهاية الثلاثينيات وبداية الأربعينيات.

وكشف فاروق فلوكس: "اختار والدي اسم فاروق بسبب الملك وقتذاك، ونشأت بالقرب من القصر في عابدين وتناولت الإفطار في شهر رمضان خلال فترة الأربعينيات على مائدة الملك في خيمة كانت تقام كل عام أمام القصر".

وأوضح: "كنت وحيد عائلتي، ولكن بعد قيام ثورة عام 1952، وبعد دخولنا في حروب مع العدو هالني منظر طائراته في سمائنا، فتطوعت مع الفدائيين أثناء دراستي للهندسة وذهبت حينها للدكتور ميشيل باخوم ووجهني".

وتابع فلوكس: "أتذكر لحظة تحركنا بالسيارات من رمسيس إلى بورسعيد ومنطقة القنال، وودعتنا جموع المارة بهتافات النصر، وكانت مرحلة شديدة الصعوبة في حياتي تعلمت فيها الكثير وسط الفدائيين".

وأشاد الفنان القدير فاروق فلوكس بمجهودات الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤكدًا أنه يبذل الكثير والكثير من الجهد لأجل هذا الوطن ولكي تحيا مصر بكل رقي وأمان وتقدم وتطور.

ملك النغم .. دولة التلاوة تكرم الشيخ حمدي محمود الزامل عبد الله السيد يتألق في "دولة التلاوة".. ولجنة التحكيم تشيد بتطوره الكبير أسرة صلاح تاج الدين بالبحيرة تحصد مركزًا عالميًا مشرفًا انطلاق جولة الإعادة من انتخابات مجلس النواب 2025 للمصريين بالخارج يومي 15 و16 ديسمبر نشأت الديهي يكشف حقيقة الأنباء بشأن زيارة محتملة للسيسي إلى واشنطن نشأت الديهي منفعلًا: الشائعات واستهداف إنجازات الدولة خطر على المجتمع المصري زكاة الذهب.. هل يجب إخراجها عن السنوات الماضية؟ المبعوث الأمريكي يؤكد التزام بلاده بهزيمة الإرهاب بعد هجوم تدمر دعاء الشفاء.. أمل المؤمن وراحة القلب في وقت المرض موعد حفل صابر الرباعي فى رأس السنة مع رحمة محسن ورضا البحراوي ودينا رامي إمام يكشف رد فعل والده الزعيم على فيلم “البحث عن فضيحة” الاتصالات والنيابة العامة تطلقان مرحلة جديدة من العدالة الرقمية في مصر «رحلات المهندسين» تختتم أعمالها بحفل تكريم.. نجاحات بالأرقام وخدمات بشفافية كاملة رئيس جامعة الأزهر يشهد تخريج 3 دفعات من طب أسنان

مقالات مشابهة

  • عبد السلام فاروق يكتب: ارتقاء وسط العواصف
  • الموت يفجع الزعيم.. عادل إمام يودع الغالية
  • ميدان سباقات الخيل بنجران يُنظّم اليوم حفل سباقه الـ12 للموسم الحالي
  • زيت جوز الهند: فوائد مذهلة للجسم والشعر والبشرة
  • فاروق فلوكس: حاربت مع الفدائيين.. وجلست على مائدة الملك فاروق
  • القبض على '' فاروق فاضل'' أحد أبرز المطلوبين في تعز
  • علي جمعة: باب التوبة مفتوح ما لم يغرغر الإنسان
  • موضوع هيطلعلي شعري.. عمرو أديب: الزمالك يرفض الأرض البديلة ويتمسك بالأصلية
  • طريق بهادة| جرح مفتوح في قلب القناطر الخيرية ينتظر الإنقاذ.. فيديو
  • بدون أدوية.. مشروبات تساعد على نمو الشعر