عمل موظفي السلطة بالداخل المحتل.. كيف يؤثر اقتصاديًا وأمنيًا؟
تاريخ النشر: 10th, August 2023 GMT
الضفة الغربية - خاص - صفا
لأكثر من عام ونصف، تستمر السلطة الفلسطينية بالخصم من رواتب موظفيها، بذريعة "الأزمة المالية" واقتطاع "إسرائيل" من أموال المقاصة.
ويتلقى موظفو السلطة (مدنيين، عسكريين) رواتب بنسبة ٨٠%، في ظل واقع اقتصادي خانق، إذ إن غالبية الموظفين لا تغطي رواتبهم احتياجاتهم المعيشية حتى لو صرفت كاملة.
وفي الآونة الأخيرة، بدأ عدد من موظفي السلطة بالاستقالة من الوظيفة العمومية، فيما عدد آخر أخذ إجازات طويلة غير مدفوعة الراتب، بغرض الانتقال لأعمال أخرى أبرزها العمل في الداخل المحتل، للإيفاء بالتزاماتهم المعيشية.
وعلمت "صفا" من مصادر خاصة أن السلطة بدأت تمنح امتيازات لموظفيها، تحديدًا في قطاع الأمن، مثل منح للطلاب من أبناء الأجهزة الأمنية وقروض بنكية، عدا عن صرف علاوة ٤٠٠ شيقل للعسكريين.
ويقول المحاضر بكلية الاقتصاد بجامعة النجاح نائل موسى لوكالة "صفا" إن السلطة تشهد تضخمًا في عدد الموظفين، ما يرفع فاتورة الرواتب بشكل كبير، قد يسبب عجز في قدرتها على السداد.
ويوضح موسى أن السلطة تغطي بعض العجز إما بالمساعدات أو الاقتراض، وأن خروج الموظفين للعمل خارج الوظيفة العمومية قد يعود ببعض الفائدة عليها في تحريك عجلة الاقتصاد.
ويلفت موسى إلى أن السلطة تستطيع الاستغناء عن جزء كبير من الموظفين، وخروجهم يساهم في توفير مبلغ كبير من الموازنة.
وعن العمل في الداخل المحتل، يرى موسى أن العمل في مشاريع انتاجية فلسطينية أكثر جدوى وفائدة على الاقتصاد الوطني من غيره، إلا أن العمل في الداخل المحتل يتحصل فيه العامل على راتب أعلى".
ورغم عدم تشجيع موسى للعمل لدى الاحتلال وإعطاء الأولوية للمشاريع الخاصة في حال انتقل الموظف من وظيفته العمومية، يشير إلى أن الواقع الاقتصادي والمعيشي والالتزامات اليومية والحياتية هي من تجبر الموظف على هذا العمل.
ويتطرق إلى أن انتاجية أعداد من الموظفين العمومين هي بالأساس قليلة خلال وجودها في القطاع العام، وانتقالها إلى خارج الوظيفة العمومية تحقق دخلاً أفضل، وتخفف من النفقات بحيث تمكن السلطة من صرف الرواتب كاملة.
تنامي الظاهرة
بدوره، يقول المحلل السياسي نجيب مفارجة إن توجه موظفي السلطة للعمل في الداخل المحتل بدأت تشهد ارتفاعًا رغم قلتها، وذلك بسبب تدني رواتب السلطة والخصومات على الرواتب وارتفاع الأجور لدى الكيان.
ويرى مفارجة في حديث لـ"صفا" أن استمرار وتصاعد الظاهرة قد يؤثر على الاستقرار الوظيفي، ويبدأ المواطن بفقدان الثقة في الوظيفة العمومية والبحث عن بدائل أخرى، بحيث يصبح لدى شرائح كبيرة من الشعب عزوف على المدى البعيد عن الوظيفة العمومية، ما يتسبب بحالة نفور وازدراء للسلطة.
وبحسب مفارجة، فإن الارتفاع الفاحش للأسعار والضرائب، أثقل من كاهل المواطنين، ما اضطرهم للبحث عن بدائل للتكيف مع الوضع المعيشي، وكان بالتوجه للعمل في الداخل.
ويقول: "إن ترك الموظف لعمله والتوجه للعمل لدى الاحتلال، يتسبب بأثر سلبي للوضع الفلسطيني، في مقابل استقرارٍ وأثرٍ أمني إيجابي للاحتلال، من خلال ربط الموظف بتصريح العمل وتأمين الدخول والذي ينتج تحقيق الأمن والإحجام عن الحالة الثورية، عدا عن التوفير على الاحتلال استقدام عمالة أجنبية بكلفة أكثر من العامل الفلسطيني".
المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية
كلمات دلالية: فی الداخل المحتل العمل فی
إقرأ أيضاً:
المقاومة ليست خيارا ديمقراطيا
في زمن خُلطت فيه المفاهيم، وغُيّبت فيه المعايير، باتت المقاومة تُساءل كما تُساءل الحكومات، ويُحاكم المقاوم كما يُحاكم الفاسد، ويُطلب منه ما لا يُطلب حتى من المحتل. وهي مفارقة أخلاقية قبل أن تكون سياسية.
المقاومة، في جوهرها، ليست خيارا ديمقراطيا، ولا خاضعة لمعادلات التصويت وصناديق الاقتراع، ولا ينتظر أصحابها نتائج استطلاع رأي ليقرروا ما إذا كان من "اللائق" أن يقاوموا أم لا. هذا المنطق، في ذاته، يحمل كارثة فكرية وإنسانية؛ لأنك ببساطة تساوي بين شعب واقع تحت الاحتلال، ومحتلٍ غاصبٍ يستبيح الأرض والإنسان.
من قرر أن يقاوم لا يحتاج إلى تفويض من أحد، ولا يستأذن المقهورين في الدفاع عنهم.. لا ينتظر أن يُنصَّب رسميّا على مشروع الدفاع، فالمقاومة ليست وظيفة تُرشَّح لها، بل هي فعل ينبثق من أعماق الروح الحرة التي ترفض الذل. حتى لو قرر الناس كلهم أن يرضخوا، فمن حق الفرد أن يتمرد، ولو خضع الملايين تحت نير الاستعمار، فصوت واحد يصرخ في وجه الباطل كافٍ ليبدأ التغيير.
يُساءل المقاوم عن مصير المدنيين، بينما يُعفى المحتل من أي مساءلة وهو يقصف البيوت، ويدفن العائلات تحت الأنقاض، ويهدم المدارس والمساجد والمستشفيات
تاريخ الأمم يعلّمنا أن التحرر لا يُنتزع بتوقيع العرائض، ولا يُنال ببلاغات الشجب وحدها.. لم يُقم ثوار الجزائر استفتاء عاما قبل أن يبدأوا ثورتهم ضد المستعمر الفرنسي، ولم ينظّم الفيتناميون مؤتمرات حوار قبل أن يخرجوا لمواجهة المحتل الأمريكي، ولم يكن الجيش الجمهوري الأيرلندي بحاجة إلى أغلبية برلمانية لكي يدافع عن حقوق شعبه. هذه النماذج وغيرها لم تفكر بمفردات "التوافق الوطني" تحت وطأة الاحتلال؛ لأنها ببساطة كانت تعرف أن الحرية لا تأتي على طبق من فضة، ولا تهبط عبر البريد السياسي.
في المقابل، نحن نعيش اليوم حالة غريبة من "الترف السياسي"، حيث يُطلب من المقاوم أن يقدم تقريرا شاملا عن جدوى فعله، وتكلفته، وتداعياته الاقتصادية والدبلوماسية. يُساءل المقاوم عن مصير المدنيين، بينما يُعفى المحتل من أي مساءلة وهو يقصف البيوت، ويدفن العائلات تحت الأنقاض، ويهدم المدارس والمساجد والمستشفيات. يُطلب من المقاوم أن "يُراعي"، وأن "يتأنى"، وأن "يفكر بعقل الدولة"، مع أنه لا يملك دولة أصلا، ولا أرضا آمنة، ولا سيادة على شبر واحد من بلاده.
صحيح أننا نحب أن يُراعي المقاوم شعبه، وأن يحفظ ما استطاع من الأرواح، ولكن لا يمكن أن نحمّله وحده مسؤولية جرائم عدوه، ولا يجوز أن نخضعه لمقاييس الدولة المستقرة وهو يواجه كيانا عدوانيّا مسلحا مدعوما من أقوى القوى على وجه الأرض. من الظلم أن يُساءل من يدافع، بينما يُترك من يعتدي.
ليست القضية هنا أن نقدّس المقاومة أو نمنع انتقادها، ولكن أن نُعيد الأمور إلى نصابها، أن نفهم أن الاحتلال هو أصل الجريمة، وأن كل ما يتبعه من دم ودمار، هو نتيجة مباشرة له. ومن الظلم أن تُلقى الفاتورة على من يقاوم بدل أن تُحاسب من يحتل
ثم ما البديل؟ هل يُطلب من الناس أن ينتظروا رحمة المحتل؟ أم أن يقيموا مؤتمرات "سلام داخلي" وهو يذبح أبناءهم؟ هل المطلوب أن يُجروا انتخابات تحت الحراب ليقرروا إن كانوا يحبون المقاومة أم لا؟! وهل يفترض بالمقاوم أن يختبر شعبيته تحت القصف؟ هذا العبث لا يُقال في سياق الاحتلال، بل في أروقة دول تعيش استقرارا نسبيّا وتملِك قرارها السيادي، أما نحن، فالمعادلة مختلفة تماما.
أحيانا، حين تكثر الأصوات التي تُسائل المقاومة، أشعر أن البعض يتمنى لو لم تكن هناك مقاومة أصلا، كي لا يُحرَج أمام العالم، أو كي لا يضطر لتبرير موقفه. وهنا يصبح الخطاب الإنساني أداة للهروب من المعركة، بدل أن يكون حافزا لها. نريد مقاوما بلا معركة، ونضالا بلا ثمن، وتحررا بلا مواجهة. وهذا لا يحدث إلا في الخيال أو في كتب الأطفال.
إن المقاومة، بطبيعتها، مكلفة، وكل مقاومة حقيقية تحمل في طياتها ثمنا باهظا. هذا لا يعني أن نستسلم للفجائع، ولا أن نحتفي بالألم، ولكن أن نُدرك أن الصراع مع المحتل ليس مباراة متكافئة، بل هو معركة وجود، ومن يطالب المقاوم بأن يتصرف كما لو أنه يعيش في دولة ذات سيادة فإنه ببساطة لا يفهم معنى الاحتلال.
ليست القضية هنا أن نقدّس المقاومة أو نمنع انتقادها، ولكن أن نُعيد الأمور إلى نصابها، أن نفهم أن الاحتلال هو أصل الجريمة، وأن كل ما يتبعه من دم ودمار، هو نتيجة مباشرة له. ومن الظلم أن تُلقى الفاتورة على من يقاوم بدل أن تُحاسب من يحتل.
إن من حق كل شعب واقع تحت الاحتلال أن يختار طريقه نحو الحرية، ومن حقه أن يخطئ، وأن يتعلم، ولكن لا أحد يملك الحق أن يسلبه هذا الخيار باسم الديمقراطية أو الواقعية السياسية؛ لأن الحرية لا تُقاس بحسابات صندوق، ولا تُمنح بإجماع النخب، بل تنتزع بقرار فردٍ يرفض أن يعيش عبدا.