الثورة نت:
2025-07-31@03:55:36 GMT

التنافر الثقافي والسياسي في اليمن

تاريخ النشر: 6th, September 2024 GMT

 

 

عند إعلان الوحدة عام 1990م، غفل القائمون على صناعة الحدث حينها عن البعد الثقافي ركونا إلى تراكمه، وكان اشتغالهم كل اشتغالهم على البعد السياسي، ولم تكن النتيجة حينها إلا حرب صيف 1994م. وبعد “7 يوليو 1994م” تكرر ذات المنهج وذات الخطأ فلم تكن النتيجة سوى ما شهده الوطن من تنافر وحروب بدءا من حرب صعدة مران في 2004م، ومروراً بتنامي الشعور الغاضب عند شعب الجنوب وتشكل الحراك في 2007م، وانتهاءً بالغضب الشعبي الذي تفجر في مدار عام 2011م .


ويبدو أن حالة الانتقال التي تحاول تشكيل نفسها في مخرجات الحوار الوطني ستقع في ذات الدائرة المغلقة التي يدور فيها هذا الوطن منذ مطلع ستينيات القرن الماضي إلى هذه اللحظة التي تشهد تفاصيل تموجها في سماء المشهد السياسي.
ثلاثة عقود ونيف من عمر الوحدة الوطنية دون أن يحدث أي تجديد في بنية المؤسسة الثقافية حتى تستطيع أن تواكب الحدث الوحدوي وحالة الانتقال التي تتسارع في ‘يقاع العصر وفي بنية المجتمع ونسيجه العام وفي التطور التقني، وكان لذلك أثراً غير محمود كما نقرأ في الواقع اليوم، فالعلاقة بين المثقف والسياسي هي علاقة جدلية، إذ أن علاقة المثقف بالسياسي هي علاقة احتياج، وعلاقة السياسي بالمثقف هي علاقة ضرورة، فالتطور لا يتكامل إلا به، وذلك من خلال إدراكه الواعي لمصيره ودوره المستقبلي ولواقعه وأبعاده المتعددة ومن خلال قدرته على التفكيك وإعادة البناء والصياغة وبما يحقق انزياح مجتمعه وفاعليته فيه .
فالواقع الذي تغيب أو تتعطل فيه معظم أشكال سيادة القانون أو الديمقراطية الحقة أو المساواة أو الحرية أو المواطنة لا يعدو عن كونه مجتمعا مشوهاً لا يكاد يتجاوز ثقافة الاستهلاك والتبعية وأمامه – أي أمام هذا الواقع – يبرز دور المثقف، وهو دور تاريخي لا يقوم على تبرير الوضع القائم بل على ممارسة النقد لما هو كائن التزاما لما سوف يكون وبالوسائط المتاحة وعبر كل أشكال الثقافة والتنويرية التقدمية في الآداب والفنون, وفي ظني أن أمام المثقف الوطني في الراهن ثلاث قضايا تتلخص في التالي :
1- الوقوف أمام الماضي ومساءلة مصادره المعرفية والثقافية، ذلك أن الماضي يعيق نظام الطاقة والقدرة على التجديد.
2 – مساءلة الحاضر البشري الثقافي والسياسي والاجتماعي وتفقد أُثره وإنتاجه وطبيعته الاجتماعية والسياسية والثقافية، من أجل الخلق والابتكار ضمن حدوده النسبية لا المطلقة ومن خلال مكونه ومن خلال منظومته التي هي عليها وإعادة الترتيب والصياغة.
3-الوقوف أمام أسئلة المستقبل وخلق إمكانية التحكم به عبر أدوات ومناهج العلم والتخطيط لا الفوضى والارتجالية التي نعاني منها في المظاهر الحياتية العامة.
فوجود المثقف ضرورة في حياة السياسي، ذلك أن الثقافة والفن من الأهمية بالمكان الذي يترتب عليهما حدوث التطور والنماء والتوازن النفسي للأفراد والمجتمعات باعتبارهما – أي الثقافة والفن- بدائل أو حياة مركزة يستغرق الإنسان ذاته فيها.. يقول أرنست فيشر:
( إن الفن لازم للإنسان حتى يفهم العالم ويغيره وهو لازم أيضا بسبب هذا السحر الكامن فيه ).
ويقول بريخت : ” إن النظرة الجمالية السائدة في مجتمع يحكمه صراع الطبقات تتطلب أن يكون الأثر المباشر للعمل الفني هو إخفاء الفروق الاجتماعية بين المتفرجين بحيث تنشأ منهم جماعة لا تنقسم إلى طبقات وإنما تكون وحدة إنسانية شاملة.”
ومن هنا يمكن القول إن حاجتنا إلى الفن – والفن هو إحدى دوائر التطور عند الفلاسفة وعلماء الاجتماع – تبدو أكثر إلحاحاً وأكثر لزوماً فالصراع ترك فروقا اجتماعية وتمايزاً طبقياً وسياسياً ولا يمكننا – ونحن نمر بمرحلة انتقالية – أن نجتاز تلك العقبات إلا بالفن بحيث نستطيع الوصول إلى وحدة وطنية ووحدة إنسانية مشتركة.
فالكيانات التي تمايزت في الإطار الوطني بعد عام 2011م، تريد أن تتحدث عن شيء أكثر من مجرد “أنا”، شيء خارجي وهو مع ذلك جوهري بالنسبة إليها فهي تريد أن تحوي العالم وتجعله ملك يديها, ومثل ذلك التطلع والتشوق يمكن احتواؤه والسيطرة على أبعاده النفسية والوجدانية والثقافية من خلال الفن الذي يربط تلك الـ(أنا ) بالكيان المشترك للناس وبذلك نتمكن من جعل فرديتها اجتماعية وربما إنسانية, فالفن هو الأداة اللازمة لإتمام الاندماج بين الكيانات المتمايزة والمتنافرة، وبين الآخر المختلف معها، وربما الآخر الذي يحترب معها، فهو يمثل قدرة الإنسان غير المحدودة على الالتقاء بالمختلف وعلى تبادل الرأي والتجربة معه.
فالإنسان بالضرورة يريد أن يكون أكثر اكتمالاً، فهو لا يكتفي بالحالة الانعزالية بل يسعى إلى الخروج من جزئيته الفردية إلى كلية يرجوها ويتطلبها، فهو يحلم بعالم أكثر عدلاً وأقرب إلى العقل والمنطق.
وحتى نستطيع – ونحن على أعتاب مرحلة جديدة – أن نرسم خارطة ثقافية – وتلك مهمة غير سهلة – لا بد من التجديد وتجاوز أخطاء الماضي فالعشوائية لا يمكنها إلا إعادة إنتاج ذات الصراع، والتجديد لا يتم إلا من خلال إعادة البناء وممارسة الحداثة في معطياتها وتاريخها الذي يرتبط بالتطور المادي الحضاري لمجتمعاتنا بما يحفظ الهوية الكلية والهويات الجزئية وهوية الأمكنة.
فالتنافر في البنية العمرانية الذي حدث في الحواضر الجنوبية بعد الوحدة – كمثال -ترك بعداً اغترابياً عند الإنسان، وهو ما نجد التعبير عنه في مضمون العبارة (الاحتلال اليمني)، وتلك العبارة يتحمل وزرها السياسي الذي مال إلى التغطرس والانفراد فلم يكن جهده إلا ذلك التنافر الثقافي والسياسي في النسيج الوطني.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

أطباء بلا حدود: ارتفاع حاد في حالات الإسهال المائي في اليمن

أعلنت منظمة أطباء بلا حدود، الاثنين، عن تسجيل ارتفاع مقلق في حالات الإسهال المائي الحاد في مختلف أنحاء اليمن، بلغت ذروتها في مستشفى السلام بمدينة خمر بمحافظة عمران خلال شهر يونيو الماضي، في ظل ظروف صحية متدهورة وأزمة تمويل متفاقمة.

وذكرت المنظمة، أن تفشي الإسهال المائي بدأ في أواخر أبريل 2025، وتم خلال الفترة من 20 أبريل إلى 20 يوليو علاج أكثر من 2700 حالة، تطلب ثلثاها الدخول إلى المستشفى، في مؤشر على شدة الأعراض وتدهور الوضع الصحي العام.

واستجابةً لتزايد أعداد المصابين، أعادت المنظمة فتح مركز علاج مخصص في المنطقة، ما ساهم في زيادة عدد الأسرّة المخصصة للعلاج بأكثر من 30%، بهدف تحسين الوصول إلى الرعاية الطبية وضمان تلقي المرضى للدعم في الوقت المناسب، رغم استمرار تدفق الحالات الجديدة يومياً، ونقل نصفها إلى المستشفى لتلقي العلاج.

ولفتت المنظمة إلى أن الأطفال دون سن الخامسة يمثلون 29% من إجمالي الحالات، وهي نسبة مرتفعة تعكس حجم الهشاشة الصحية في أوساط هذه الفئة، خصوصاً مع معاناتهم من سوء التغذية وضعف المناعة.

وتأتي هذه الموجة الجديدة في سياق أزمة تمويل خانقة، بدأت مطلع العام الجاري، وأثرت سلباً على قدرة العديد من المنظمات الإنسانية على الاستجابة للاحتياجات الطبية في اليمن، حيث انخفض عدد مراكز علاج الإسهال المائي بشكل كبير خلال العام الماضي.

وحذّرت "أطباء بلا حدود" من أن هذا الوضع يتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة، وانقطاع الكهرباء على نطاق واسع، ما أدى إلى تقليص فرص الحصول على مياه شرب آمنة، وتفاقم انهيار خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، الأمر الذي يزيد من خطر انتشار الأمراض المنقولة عبر المياه.

وأكدت المنظمة، أنها ستواصل تقديم الدعم الطبي في المناطق المتضررة، داعية الجهات المانحة إلى التدخل العاجل لتلافي كارثة صحية وشيكة تهدد آلاف اليمنيين، لا سيما الأطفال.

مقالات مشابهة

  • ما الذي دفع ترامب لتغيير موقفه من المجاعة في غزة خلال 48 ساعة؟
  • لماذا يريد الغرب تعميم نموذجه الفكري والسياسي؟
  • القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: القمة التي جمعت السيدين الرئيسين أحمد الشرع وإلهام علييف في العاصمة باكو في الـ 12 من تموز الجاري خلال الزيارة الرسمية للرئيس الشرع إلى أذربيجان، أثمرت عن هذا الحدث التاريخي الذي سيسهم في تعزيز التعاون ا
  • وزيرة التضامن تكشف حجم المساعدات التي قدمتها مصر لـ غزة خلال 4 أيام
  • عاصم الجزار: لا مكان للمال السياسي في اختيار مرشحينا.. وبعضهم فوجئوا بالإشارة إليهم
  • هآرتس تكشف خطة نتنياهو التي سيطرحها على الكابينت بشأن غزة
  • أطباء بلا حدود: ارتفاع حاد في حالات الإسهال المائي في اليمن
  • رواندا وتنزانيا توقعان اتفاقيات لتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي
  • فضيحة مدوية.. شاهد ما الذي كانت تحمله شاحنات المساعدات الإماراتية التي دخلت غزة (فيديو+تفاصيل)
  • نجلاء العسيلي: مصر درع فلسطين الإنساني والسياسي.. والرئيس السيسي يقود ملحمة تاريخية لدعم غزة