قال الدكتور صلاح السيد محمد مدير عام إدارة شئون المناطق بمجمع البحوث الإسلامية، إن القرآن الكريم هو كلام الله القديم المعجز بلفظه ومعناه، المنزل على رسوله الخاتم ﷺ بواسطة أمين الوحي سيدنا جبريل-عليه السلام- المُتحدى بأقصر سورة من سوره، المتعبد بتلاوته، المنقول إلينا تواترًا.

القرآن جاء تأييدًا وتصديقًا لرسول الله

وتابع تحت عنوان: "عودوا إلى القرآن": «القرآن الكريم معجزة رسول ﷺ الخالدة الباقية، التي تولى الله –عز وجل- حفظها، ولم يُوكل ذلك إلى نبي مرسل أو ملك مقرب، قال تعالى:[ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ] الحجر:29، لافتا أن هذه المعجزة جاءت تأييدًا وتصديقًا لرسول الله ﷺ في دعوته ورسالته على وجه يعجز المنكرون عن الإتيان بمثلها ولو اجتمعوا لذلك، قال تعالى: [قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ] الإسراء:88.

وأكمل: جاءت هذه المعجزة من جنس ما نبغ فيه العرب وقت نزول القرآن الكريم، فقد بلغت الفصاحة ذروتَها في ذلك العصر؛ حتى إن العرب جعلوا للكلمة سوقًا، وعلقوا القصائد المميزة على جدران الكعبة الشريفة، ومع ذلك لما سمعوا القرآن الكريم أدركوا أنه ليس من كلام البشر؛ بل إن كلام البشر مهما علا في الفصاحة والبلاغة والبيان لا يصل إلى هذا الأسلوب الفريد المتميز عن غيره من الكلام، وقصة عتبة بن ربيعة مشهورة في الدلالة على هذا الأمر.

فقد كان عتبة بن ربيعة سيدًا في قومه وصاحب رأي وبصيرة، فقال لقومه من قريش: ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورًا لعله يقبل بعضها، فنعطيه أيها شاء ويكف عنا، قالوا بلى يا أبا الوليد، فقام عتبة حتى جلس إلى رسول الله ﷺ فقال: يا ابن أخي، إنك منا حيث قد علمت من السطة [الشرف] في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فَرَّقْتَ به جماعتهم، وسَفَّهْتَ به أحلامهم، وعِبْتَ به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أمورًا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها، فقال له رسول الله ﷺ : قل يا أبا الوليد، أسمع، قال: يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالًا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت تريد به شرفًا سودناك علينا، حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيًا تراه لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يُداوَى منه، حتى إذا فرغ عتبة، ورسول الله ﷺ يستمع منه، قال: أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال نعم، قال فاسمع مني، قال: أفعل، فقال رسول الله ﷺ: بسم الله الرحمن الرحيم" حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيًا...".

فمضى رسول الله ﷺ فقرأها عليه، فلما سمعها عتبة أنصت لها وألقى بيديه خلف ظهره معتمدًا عليهما يسمع منه، حتى انتهى رسول الله ﷺ إلى السجدة فسجد فيها، ثم قال سمعت يا أبا الوليد قال: سمعت، قال: فأنت وذاك، فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به، فلما جلس إليهم قالوا: وما وراءك يا أبا الوليد، قال: ورائي أني والله قد سمعت قولًا ما سمعت بمثله قط، والله ما هو بالشعر ولا السحر ولا الكهانة، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي، خَلُّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه واعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به، قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه، فقال: هذا رأيي لكم فاصنعوا ما بدا لكم. (سيرة ابن هشام)

واختتم قائلاً: هذا وأوجه الإعجاز في القرآن الكريم متنوعة متعددة فهو كتاب معجز في بلاغته وفصاحته، معجز في هدايته ودلالته معجز في شموله وعمومه معجز في أخباره وقصصه، معجز في ثبوت حقائقه، معجز في حفظه وصيانته إلى غير ذلك من أوجه الإعجاز في القرآن الكريم.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: القرآن البحوث الإسلامية القرآن الکریم رسول الله ﷺ

إقرأ أيضاً:

حكم كتابة القرآن على الأرض من أجل حفظه وتعلمه.. الإفتاء: تجوز بشروط

تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا مضمونه: ما حكم كتابة القرآن الكريم على الأرض للمساعدة على الحفظ؟ ففي بعض الكتاتيب في البلاد الإسلامية لا يتوفر لدى التلاميذ أو بعضهم ألواح لكتابة القرآن الكريم عليها بغرض حفظه وتعلمه، ولا وسيلة أمامهم إلا أن يكتبوه على الأرض، وإلا سيضيع على كثيرٍ منهم فرصة الحفظ في الكتاتيب. فهل يجوز ذلك شرعًا؟.

وأجابت الإفتاء عبر موقعها الرسمى عن السؤال قائلة: ما دامت الكتابة على الأرض هي الوسيلة المتاحة لهؤلاء التلاميذ لحفظ القرآن الكريم في البلدان المسؤول عنها ولم تتوفر الألواح اللازمة لهم أو لبعضهم للكتابة عليها فإنه يجوز شرعًا الكتابة على الأرض للضرورة، بشروط.

شروط كتابة القرآن على الأرض

وأوضحت ان هذه الشروط هى: أن يكون ذلك في بقعةٍ تُحمَى من وطئها أو الجلوس عليها أو وضع شيء فوقها، وتكون الكتابة بطاهرٍ وعلى طاهر، ويكون محو الكتابة بالأيدي لا بالأرجل، بحيث يُتَعامَل مع هذه الكتابة وموضعها بمنتهى الاحترام والتقدير الواجبين لآيات القرآن الكريم، هذا مع التنبيه على أن ذلك موضع حاجة وضرورة يزول بزوالها، ونهيب بالمسلمين أن ينفقوا في مثل هذه المصارف ولو من الزكاة؛ فإن تعلُّم القرآن الكريم وتعليمه من الجهاد في سبيل الله.

ما حكم ترك المسكن في فترة العدة بسبب عدم الأمن؟.. الإفتاء تجيبكيف يتطهر المريض الذي يركب قسطرة البول للصلاة؟..الإفتاء تجيبما حكم الإنفاق من أموال الزكاة على ذوي الهمم لتعليمهم؟.. الإفتاء تجيبسبب دخول والد البنات الجنة .. الإفتاء توضح

أدوات تدوين القرآن الكريم

وبينت ان الصحابة استخدموا الكتابة في تدوين القرآن الكريم وحفظه؛ فكانوا يكتبونه على ما يتيسر لهم الكتابة عليه؛ من العُسُب (جمع عَسِيب، وهو جريد النخل)، واللِّخاف (جمع لَخْفة، وهي الحجارة العريضة الرقيقة)، والرِّقَاع (جمع رُقعة، من جلد أو ورق أو كاغد)، كما رواه البخاري في "صحيحه" عن زيد بن ثابت رضي الله عنه في جمع القرآن حيث قال: "فتتبعت القرآن أجمعه من العُسُبِ والرِّقاع واللِّخاف وصدور الرجال"، وإنما عمدوا إلى الكتابة على مثل هذه الأدوات -التي قد لا تصلح لكتابة القرآن الكريم في عصرنا-؛ لأنها كانت هي المتاحة لهم في عصرهم.

حكم كتابة القرآن على الأرض

ونوهت انه إذا كانت الكتابة على الأرض هي الوسيلة المتاحة لتحفيظ القرآن في هذه البلدان ولم تتوفر الألواح للطلبة أو بعضهم في هذه الكتاتيب فإنه لا مانع حينئذٍ من الكتابة على الأرض؛ بشرط أن لا يوطَأ المكان الذي يُكتَب فيه القرآن ولا يُوضَع عليه شيء.
ولا يشكل على ذلك الآثار الواردة في النهي عن كتابة القرآن الكريم على الأرض؛ من مثل ما رواه ابن بطة في "الإبانة" والمستغفري في "فضائل القرآن" وغيرهما عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنهما، قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يُكْتَبَ القرآنُ على الأرض"؛ فإن علَّة النهي هي: أنَّ ذلك مَظِنَّةُ وَطْئِه؛ لأن الأرض من شأنها أن توطأ، وفي هذا امتهان للقرآن الكريم، وهو من الكبائر، وتعمد فعله كفرٌ.
 

ومقتضى ذلك أنه حيث تنتفي مظنة الوطء فلا تحريم؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، فحيث وُجِدَ الامتهانُ حرُم الفعل، وحيث انتفى انتفت الحرمة.


وهذا يوضحه ما رواه أبو عُبَيْد القاسم بن سلَّام في "فضائل القرآن" (ص: 121، ط. دار ابن كثير)، وابن بطة في "الإبانة" (5/ 325، ط. دار الراية)، والمستغفري في "فضائل القرآن" (1/ 200) عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه قال: "لا تكتبوا القرآنَ حيثُ يُوطَأُ"، وبوَّب له الحافظ المستغفري بقوله: "باب ما جاء في النهي عن كتابة القرآن على الأرض أو على شيء يُوطَأ؛ تعظيمًا له".


وقال العلامة الشيخ الضباع في رسالته "فتح الكريم المنان في آداب حملة القرآن": [ولا يجوز كتبه على الأرض، ولا على بساط، ونحوه مما يُوطَأُ بالأقدام] اهـ.

هل كتابة القرآن على الأرض تدخل تحت الامتهان؟

ولفتت الى أن الامتهان غير متصور في هذا الموضع؛ فإن الكتابةَ على الأرض المفروضةَ هنا -حيث لا ألواح يُحفَظُ أو يُكتَب عليها- إنما هي وسيلة لتعليمه وتَعَلُّمه، ليظل محفوظًا بين المسلمين في هذه البلدة أو ذلك الموضع الذي لا يجد أهله من وسائل الكتابة لأولادهم غير ذلك، مع الحفاظ على الأرض المكتوبة عليها من أن تُوطَأ أو أن يُجلَس عليها.


وليس مجرد كتابة القرآن على الأرض من غير امتهان حرامًا؛ فكتابة آيات القرآن الكريم على القبر -مثلًا- ليست حرامًا في المعتمد عند الشافعية، مع أنها كتابة على الأرض، وقد علَّلُوا ذلك بإمكان تلافي المحاذير التي تؤدي إلى الامتهان.


قال العلامة الشمس الرملي الشافعي في "نهاية المحتاج" (3/ 34، ط. دار الفكر): [وما ذكره الأذرعي من أن القياسَ تحريمُ كتابة القرآن على القبر؛ لتعرضِه للدوس عليه والنجاسِة والتلويثِ بصديد الموتى عند تكرار النبش في المقبرة المسبلة: مردود بإطلاقهم، لاسيما والمحذورُ غيرُ محقَّق] اهـ.


ويشهد لجواز كتابة الذكر على الأرض عند انتفاء الامتهان ما رُوِيَ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى - حكايةً عن زكريَّا على نبينا وعليه الصلاة والسلام-: ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مريم: 11]، قال: "كتب لهم على الأرض: أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا"، نقله عنه الآلوسي في "روح المعاني" (8/ 391، ط. دار الكتب العلمية)، ثم قال: [وهو الرواية الأخرى عن مجاهد، لكن بلفظ: "على التراب"، بدل على الأرض] اهـ.


وفي هذا كتابة نبي من الأنبياء لشيء من ذكر الله تعالى على الأرض؛ توصُّلًا بذلك إلى إرشاد قومه ووعظهم.


وقد نص الفقهاء على أن الامتهان إنما يتحقق بالقدرة على الحالة الكاملة مع العدول عنها، وأن وجود الضرورة ينفي الامتهان؛ فأجازوا لمن لا يستطيع كتابة القرآن بيديه أن يكتبه برجله، مع أنهم قد نصوا على أنه لا يجوز محو الكتابة من اللوح بالقدم.


قال الشيخ عبد الحميد الشرواني الشافعي في "حواشيه" على "تحفة المحتاج" لابن حجر (9/ 91، ط. المكتبة التجارية): [وقع السؤال عن شخص يكتب القرآن برجله؛ لكونه لا يمكنه أن يكتب بيديه؛ لمانع بهما. والجواب عنه -كما أجاب به شيخنا الشوبري-: أنه لا يحرم عليه ذلك -والحالة هذه-؛ لأنه لا يعد إزراءً؛ لأن الإزراء أن يقدر على الحالة الكاملة وينتقل عنها إلى غيرها، وهذا ليس كذلك. اهـ. ع. ش] اهـ.
كما أجازوا بعض الصور التي ظاهرها الامتهان؛ حفاظًا على الكليات الخمس؛ وذلك لأن وجود الضرورة يمنع مِن كون ذلك امتهانًا.


قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار على الدر المختار" (1/ 177، ط. دار الكتب العلمية): [سُئِل بعضُ الشافعية عمن اضطُر إلى مأكول ولا يتوصل إليه إلا بوضع المصحف تحت رجله. فأجاب: الظاهر الجواز؛ لأن حفظ الروح مُقَدَّمٌ ولو من غير الآدمي؛ ولذا لو أشرفت سفينة على الغرق واحتيج إلى الإلقاء أُلقِيَ المصحفُ؛ حفظًا للروح، والضرورة تمنع كونَه امتهانًا، كما لو اضطر إلى السجود لصنم؛ حفظًا لروحه] اهـ.


كما أن الامتهان لا يكون كذلك إلا بتحقق القصد إليه؛ ولذلك نص الفقهاء على أن بصق أولاد الكتاتيب على ألواح القرآن لمسح للكتابة لا يُعَدُّ امتهانًا؛ لوجود الحاجة الداعية إلى ذلك مع عدم قصد الامتهان، ومن المقرر أن "الحاجة تُنَزَّل منزلة الضرورة".


جاء في "فتاوى العلامة الشهاب الرملي الشافعي" (1/ 31، ط. المكتبة الإسلامية): [سُئِل عما تفعله أولاد الكتاتيب من البصق على ألواح القرآن والعلم؛ لأجل المسح؛ هل يجب على من يراهم منعهم من ذلك؟ وإذا فعله بالغ أثم أو لا؟ فأجاب: بأنَّ الحاجة داعية إلى ذلك، ولم يقصد به المكلَّفُ الامتهانَ] اهـ.

طباعة شارك شروط كتابة القرآن على الأرض كتابة القرآن على الأرض القرآن أدوات تدوين القرآن الكريم تدوين القرآن حكم كتابة القرآن على الأرض هل كتابة القرآن على الأرض تدخل تحت الامتهان حفظ القرآن

مقالات مشابهة

  • فضائل قراءة سورة السجدة في القرآن والأحاديث
  • حكم الدعاء بآية من القرآن الكريم أثناء السجود
  • فضل قراءة القران بعد صلاة الفجر
  • فضل قراءة سورة يس بعد صلاة العصر.. 5 أسباب تجعلك لا تضيعها
  • تعرف على الفرق بين اللهو واللعب المذكور فى القرآن الكريم
  • علي جمعة يكشف عن أثر العفو فى الدنيا والآخرة
  • ما حكم إلقاء السلام على قارئ القرآن؟.. الإفتاء تجيب
  • عالم أزهري يوضح حديث لن يفلح قوم: الإسلام لا يمنع تولي المرأة المناصب
  • حكم كتابة القرآن على الأرض من أجل حفظه وتعلمه.. الإفتاء: تجوز بشروط
  • 7 محطات في القرآن لراحة البال والسكينة.. يغفلها الكثيرون