#واقع_الحال
د. #هاشم_غرايبه
كثيرا ما يخطر في البال تساؤل: لماذا تكون الغلبة في هذه الدنيا للشر؟، ولماذا يسود الظلمة ويُقصى الصالحون؟.
الإجابة نجدها في قوله تعالى مخاطبا رسوله الكريم: “وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ”.
هي من حكمة الخالق التي لا يمكننا الإحاطة بكافة جوانبها، لأنها متداخلة مع حكم أخرى كثيرة أرادها حينما خلق الإنسان.
الأنانية وحب الذات هي السمة الأساسية لطبيعة الكائنات الحية، لأنها مستمدة من غريزة حب البقاء، والإنسان المتميز بينها بالعقل لا يختلف عنها في ذلك، إلا أنه يغلف هذا الطبع بأقنعة تجميلية مختلفة.
لذلك يسود الطمع والظلم أكثر بكثير من الإيثار ونفع الآخر، فيتغلب على الصلاح البشري المستمد من الفطرة التي أوجدها الله في النفوس (الضمير)، ويصبح الميل الى اتباع الهوى وإشباع الغرائز، أقوى بكثير من الميل الى الصلاح والإنصياع الى ضوابط الضمير.
ولما كان الدين أحكاما ضابطة تسعى لتوفيق السلوك مع الفطرة، وكبح نوازع الأنانية، لذلك سيجد معارضة وعداء من متبعي الشهوات والهوى، وممن يربحون من تعميم المفاسد، وهؤلاء هم الغالبية العظمى بين الناس.
طوال التاريخ البشري منذ أن أنزل الله هديه برسالاته، ظلت هذه الفئة أشد المناوئين لرسل الله، ونجحوا في تقليل حجم متبعيهم، لكن مع ذلك ظل تأثير الذين استقاموا في الناس بأضعاف تأثير المعادين، لعلو همتهم ومضاء عزيمتهم ولتسلحهم بالمنطق، ولدعم الله لهم، لذلك طور محاربو الدين أساليب مادية بالمحاربة والحصار والملاحقة، لقمع الدعاة لاتباع منهج الله، وأساليب فكرية بالدعاية والتضليل لرد الناس عن اتباع الدين.
من هذه الأساليب (فصل الدين عن الدولة)، بهدف تحييد الدين عن التأثير، وتحويله الى مجرد معتقدات فردية، وتفريغه من مضامينه لإبقائه بشكل شعائر وطقوس، فيشيع الرافضون لتحكيم شرع الله في أمور الناس وحياتهم أن الدين رجعي، أي يعيد الناس الى الماضي ويعيق انفتاحهم على العلوم والتقنية، وبالتالي مانع من التقدم في عصر السباق التقني والعلمي.
أغلب هؤلاء لم يعتمدوا قناعاتهم هذه من دراسة مقارنة بين التشريعات البشرية والدينية، بل قد لا يكون أغلبهم درس تلك التشريعات ولا يعلم من تفصيلاتها شيئا، ولو سألتهم كيف حكمت إذاً؟، سيقول: من ملاحظتي للدول الإسلامية، فهي تطبق الإسلام ولذلك جميعها متخلفة!.
بالطبع من العبث إزالة هذه الفكرة الغبية من عقول معادي منهج الله، حتى بالاستدلال بوقائع التاريخ، التي تؤكد أنه لا دولة في العالم تطبق الإسلام منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى، لأنه أمر محظور، فجميع الدول المؤهلة لذلك (من كانت في نطاق دار الإسلام)، جميعها وقعت تحت الهيمنة الغربية المباشرة، حيث كانت سابقا أوروبية: بريطانية أو فرنسية أو إيطالية أو اسبانية، ثم تسلمتها أمريكا منها بعد الحرب العالمية الثانية، وحافظت على النهج ذاته: منع قيام نظام حكم إسلامي، ولو حاول أي نظام إظهار نوايا لذلك يتم استبداله فورا، والتجارب التاريخية شاهدة مثل الإنقلاب على عدنان مندريس (1961) وإعدامه، واعدام ذوالفقار علي بوتو(1979) بعد الانقلاب عليه من قبل ضياء الحق، والإنقلاب على أربكان(1997)، والإنقلاب على مرسي (2013) ثم تدبير مقتله في السجن، والإنقلاب الفاشل على أردوغان(2016)، وأخيرا وليست آخرا، محاولتهم القضاء على النظام الوحيد الباقي مصرا على انتهاج الإسلام في القطاع، فحاصروه عشرين عاما، ثم أغروا الكيان اللقيط بالتدخل العسكري الدموي، فمولوه وغطوا على جرائمه، حالمين باجتثاثه نهائيا.
يتبين لنا أنه يسمح للدول التي أنشأت على أنقاض الدولة الإسلامية التاريخية أن تعلن أنها إسلامية لكن من غير تطبيق النظام الإسلامي، وتظل تحت المراقبة المشددة طوال الوقت، ولا تحصل على حسن السلوك إلا إذا بطشت بكل من يدعو الى تطبيق الإسلام.
القوى الكبرى تستخدم طوابير من العلمانيين اختارتهم من أبناء الأمة، دربتهم في معاهدها، وتشربوا الولاء لقيمها ومبادئها، فهم يحاربون الدين نيابة عنها، مقابل أن يتم اختيار الإدارات والقيادات من بينهم، لحرمان ذوي التوجهات الإسلامية منها.
بذلك استطاعوا أن يسجنوا الأمة في أقبية التخلف، وحراسها أنظمة مستبدة مستأجرة، وذلك لأننا أطعنا الغرب بمسمى خادع هوالتقدم، فأضلونا عن سبيل الله، الذي أرادنا خير أمة، فأبى أكثرنا الا كفورا. مقالات ذات صلة الأزمة المتوقعة بين الحكومة والبرلمان 2024/09/08
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: واقع الحال هاشم غرايبه
إقرأ أيضاً:
عندما يكون هناك «خداع بصري وتلوث صوتي»!
بدر بن صالح القاسمي
أحتاج في بعض الأحيان إلى حالة صمت طويلة، وإلى سكون أشبه بجمود نفسي وعقلي من أجل أن أستوعب ما يأتي به بعض البشر أو بالأحرى ما يروجونه من أفكار مسمومة وحديث لبق منمق، لكنه عبارة عن «خداع بصري وتلوث صوتي» لا يسمن ولا يغني من جوع.
عندما أستفيق مما أنا فيه، أشرع في صب أعمدة الأسئلة في مكانها الصحيح، هل الذين يدعون معرفة كل شيء في هذا الوجود هم أشخاص عقلاء مثل بقية البشر أم أن حديث الوهم والخداع الذي يلفظونه بألسنتهم الطويلة، يأتي من أدمغة غسلت تماما من أي فكر مستنير؟! في بعض الأحيان أعلن ما بيني وبين نفسي، أن ثمة خطأ بشريا يرتكبه البعض عندما يدعون الناس إلى الاستسلام والتخلص من كل طاقتهم وتحطيم إرادتهم بأيديهم، معربين لهم عن ثقتهم بأن «الحياة ليس بها مستقبل»، وبأن الذي منحهم الله إياه من نعم، عليهم التخلص منه وأن يذروه بعيدا عنهم لأنهم «سيموتون»!.
لا أعتقد بأن حتمية الموت هي من يجب أن تدفعنا نحو اعتزال كل شكل من أشكال الحياة، وأعتقد بأن مثل هذه النداءات مضللة وإن كان أصحابها ينعقون فوق كل شجرة وحجر، الحياة لم توجد من أجل جلب التعاسة للبشر، بل هي أرض خصبة للعمل والجد والاجتهاد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ثم توضع الموازين ويثاب المجد ويعاقب المخطئ، أما حتمية الموت فهي الحقيقة التي لا مناص منها وهي القدر الذي يلاقيه كل البشر والكائنات الحية الأخرى، فلما نرمي كل شيء على هذه الحقيقة أي «الموت»!.
تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي مجموعة من المقاطع الصوتية والمرئية لبعض الأشخاص الذين يدعون المعرفة بالحياة، ويدعون الناس إلى التراخي والاستسلام للقدر المحتوم، بل يطالبونهم بان يكبلوا أنفسهم بالأغلال والأصفاد، ويصطفون في طابور انتظار لحظة خروج الروح.
الموت هو اللحظة التي لا نعرف متى ستأتي لاي شخص منا، أما الترويج للأفكار السوداء فهي فعل شيطاني لا يمت للواقع بصلة، وما الذين يرفعون أصواتهم ويدعون المعرفة ويلبسون ثوب النصح والإرشاد ما هم إلا زوابع تأتي وتذهب مع الوقت!.
والبعض يهرف بما لا يعرف، يفتي في كل الأمور دون وعي أو يقين أو دراية علمية أو دينية، يصدحون ليل نهار فقط من أجل أن يتابعهم الملايين، ويتأثر بحديثهم الناس، يجدون في البحث عن «ضحايا» يصغون إلى تخاريفهم ومسرحياتهم الهزلية.
منذ فترة زمنية ماضية سمعنا عن شخص فارق الحياة، ثم اكتشف أمره بأنه أنفق كل ما كان يملك من مال، تاركا أبناءه في عوز ومشقة وبلاء، لكنه لم يترك الدنيا مديونا لأحد، بل ترك أبناءه يطلبون العون والمساعدة من الآخرين!.
عندما بحث الأبناء عن أموال أبيهم التي كان يدخرها على مدى سنوات طويلة، اكتشفوا أن ثمة شخص «أفتى له بأن الإنسان يعذب على المال الذي يتركه بعد موته حتى وإن كان حلالا»، وعليه صدق الرجل حديثه، وقام بإنفاق كل ما يملك لوجه الله، ولم يترك شيئا لأولاده!.
وهذا الذي أفتى بهذه الفتوى، نسي ما ورد في السيرة النبوية الشريفة: فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال: «يا رسول الله، أنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنه لي واحدة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا، قلت: أفأتصدق بشطره ؟ قال: لا، قلت: أفأتصدق بثلثه؟ قال: الثلث، والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس» متفق عليه.
قرأت ذات مرة حديثا يقول: «الدنيا لا تستحق أي حرب نفسية سواء كانت مع نفسك أو مع أي شخص آخر، لأنها تتقلب من لحظة إلى أخرى، صحتك قد تخونك واحبابك سيتركونك لا محالة، لا يوجد ضمان لا يشي ولو لدقيقة واحدة، فالأحوال كلها تتبدل في ثوان معدودة، لذا لا داعي مطلقا لإشعال الصراعات في حياتك»..، كلام جميل، ولكن هذا ليس معناه أن يتخلى الإنسان عن أي رابط يربطه بالحياة، ويلقي بكل الهزائم على القدر أو الآخرين.
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: «لقد خلقنا الإنسان في كبد»، فمكابدة الحياة ليس معناها الاستسلام والانهزام من مواجهة الأزمات والصعوبات، ولكن طالما أن الانسان لا يزال على قيد الحياة عليه بالعمل، وأن يصارع رغباته ونزواته من أجل أن يخرج من دار الفناء إلى دار القرار آمنا مطمئنا.
هناك الكثير من الحقائق التي لا يتحدث عنها الناس، بل يركزون على نقطة سواء واحدة، يلفون حولها الحبال غليظة، وينصبون المشانق في رقاب البسطاء، يخرجوهم من رحلة الكفاح والنجاح إلى طرق المظلمة التي لا ترى فيها شمسا ولا قمرا.