الحزب الشيوعي السوداني مخترق أم مختطف (5)
تاريخ النشر: 15th, September 2024 GMT
الحزب الشيوعي السوداني مخترق أم مختطف (5)
الماركسية والحزب
هناك فرضية لينينية تقول (لا حركة ثورية، دون نظرية ثورية)، والنظرية الثورية ضرورتها تكمن في إنتاج معرفة بالواقع المزمع تغييره. والنظرية الثورية التي قامت عليها الأحزاب الشيوعية هي الماركسية ليس فقط من أجل استقراء الواقع وتحليله، بل من أجل العمل على تغييره.
أعتقد أن الحزب فيما مضى توفق تاريخياً إلى حد بعيد في معالجة النظرية الماركسية لتتناسب مع الشأن والواقع السوداني، أي سودنة الماركسية، انعكس ذلك في إسهامات الشهيد عبد الخالق محجوب المتعددة منها ما قدمه في تقرير (الماركسية وقضايا الثورة السودانية)، ومحمد إبراهيم نقد في (قضايا الديمقراطية في السودان) و(حوار حول النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية) و(حوار حول الدولة المدنية). لكن للأسف تلك الجهود لم تستمر طويلاً حيث انقطعت وكأن رحم الحزب أصابه العقم في انتاج المفكرين المجددين، حيث كان من الممكن المضي قدماً في التطوير والبلورة للنظرية الماركسية لمجاراة ومضاهاة الواقع السوداني المتغير والمتقهقر بوتيرة عالية، لكن أصابها الجمود في مقتل بعد الفشل في بلورة المناقشة العامة للنهوض بالحزب والنظرية معاً.
الماركسية في الحزب حقيقة قائمة، ومفاهيمها وأطروحاتها معروفة. لكن الحزب ابتعد عن جوهرها وتمسك بمظهرها. فبدلاً من الانكباب عليها ودراستها لمسايرة مستجدات العصر والأوان، تم إفراغها من محتواها العلمي، وتحولت إلى مجرد كبسولات ثقافية ومجرد شعارات وراية مرفوعة. فلا غرو أن أصابها الجمود، وصار ضررها أكثر من نفعها، وتحولت لعقبة كؤود تحول بين الحزب وطموحه في الانتقال من حزب ثوري صغير الحجم، إلى حزب جماهيري بمئات الآلاف من الأعضاء، وملايين المؤيدين والأصدقاء، تحقيقاً لذلك الشعار الذي رفع في المؤتمر الثالث (اجعلوا من الحزب الشيوعي قوة اجتماعية كبري). التمظهر والمباهاة، حزب ماركسي ... حزب لينيني و"البيرق الأحمر" المرفوع، و"سايرين سايرين في طريق لينين"، تلك الحلاقيم والأبواق لن تخدم القضية التي كافح ونافح كل من لينين وماركس من اجل إرساء دعائمها، وهي قضية الاشتراكية والعدالة الاجتماعية. إنني الآن على ثقة، لو أن ماركس بعث من جديد، وأطلع على برامج الحزب الشيوعي السوداني ولائحته الحالية وشاهد وقرأ المشهد السوداني المتخلف، الذي يقوم (من ساسه لرأسه) على الدين والتدين والقبلية والجهوية والطائفية، لما تردد في تكرار مقولته الساخرة "انه إذا كانت هذه هي الماركسية... فمن المؤكد أنني- أنا-لست ماركسيا". كما من المؤكد بأننا لن نكون ماركسيين أكثر من ماركس نفسه.
إن تحول الحزب إلى قوة اجتماعية كبرى هو الضمان الوحيد لإنجاز البرنامج الوطني الديمقراطي. وذلك ما زال ممكناً، حيث نجد قطاع كبير من المثقفين الثوريين، والكادحين المؤمنين بحقهم في الحرية والعدالة والديمقراطية والتقدم والحياة الكريمة في أمن وطمأنينة، يلتفون حول ذلك البرنامج. وهو برنامج تأخر كثيراً، ويعد متواضعاً قياساً على الإمكانات والثروات والموارد الهائلة للسودان. يهدف إلى النهوض بالإنتاج الزراعي والحيواني والصناعي وتوفير متطلبات الحياة الأساسية من تعليم وصحة وأمن وتنمية وحريات أساسية، وطرق ومواصلات برية وبحرية وجوية ونهرية لربط أجزاء السودان مع بعضه البعض، وربط السودان بالعالم الخارجي. وهو عمل يتطلب تحالف واسع بين مختلف فئات المجتمع وطبقاته من عمال ومزارعين ورعاة وتجار وصناع ورأسماليين وقوات نظامية ... برنامج يسع كل الشعب ولن يرفضه أي سوداني ذو وجدان سليم. وهو ليس بحاجة إلى كل تلك التقعرات الفلسفية البعيدة عن متناول فهم الإنسان العادي، وخير من جسده وعبر عنه في كلمات بسيطة هو الشاعر محجوب شريف الذي لخصه لنا في بيت شعر واحد (حنبنيهو البنحلم بيهو يوماتى ... وطن شامخ وطن عاتى ... وطن خيّر ديمقراطي).
كان من الممكن لتلك المناقشة العامة والعصف الذهني الذي تخللها، والتي استطالت حوالي 14عاماً أن تنتج لنا حزباً ثورياً سودانياً مسلحا بأفضل ما أنتجه الفكر الإنساني لو تمت معالجة أطروحاته الحيوية بواسطة مؤتمرات وحلقات نقاش ولقاءات ومنابر متعددة داخل الحزب وخارجه. لكن الضيق بالرأي الآخر، وعدم قبول تيارات متنوعة الرؤى ومتعددة الآراء داخل الحزب، عصف بكل تلك الأطروحات الحية والآراء التي حوتها المناقشة العامة... حيث كان بعض أفراد من التيار المتشدد قد هدد بأن تغيير اسم الحزب والتخلي عن الماركسية خط أحمر دونه خرط القتاد. وظل عدد من الشيوعيين الأصوليين يرددون عبارة هي لوحدها كافية لتعصف بأي صراع فكري: (لو تبقى ثلاث فقط من الحزب متمسكين بمبادئ الماركسية اللينينية وباسم الحزب الشيوعي ينصبون خيمتهم ويعلقون عليها راية مكتوب عليها "هنا الحزب الشيوعي السوداني").
كان من المتوقع بعد المناقشة العامة أن يحدث انقسام في الحزب لكن لوجود عقلاء في الحزب في كلا التيارين، بوزن محمد إبراهيم نقد والتجاني الطيب بابكر، وعلى الرغم من اختلاف وجهات النظر بينهما، نقد المرن مع التغيير، والتجاني المتشدد مع الثوابت في البرنامج واللائحة، لكن بفضل الروح الرفاقية التي كانت تسود بينهما، تجاوزا ذلك المنعطف في المؤتمر الخامس الذي يمكن تسميته (مؤتمر التسويات)، الذي توصل لصيغة وسطى هدأت الصراع بين التيارين. فكان التخلي في البرامج عن أي ذكر لديكتاتورية البروليتاريا والمجتمع الشيوعي، إسقاط مبدأ المركزية الديمقراطية من الائحة، على أن يظل اسم الحزب كما هو... والماركسية هي الأيديولوجية التي يهتدى بها الحزب في قراءة الواقع وتحليله ومنهجه في مساره النضالي وعمله وسط الجماهير، هكذا كانت أبرز مخرجات تلك التسوية... لكن وكما قال أحد شعراء الجاهلية:
أرى تحت الرماد وميض نار... وأخشى أن يكون لها ضرام.
كان الضرام بسبب غياب المعالجة الصحيحة للصراع الفكري الذي أبرزته المناقشة العامة، بعد التهديد بالانقسام. اتخذ الصراع سمات الصراع الشخصي وكانت نتيجة تلك التسوية الضيزى خروج عدد كبير من التيار الداعي للتغيير عن الحزب على رأسهم الخاتم عدلان الذي أسس حركة حق، وخالد الكد، ود. عبد السلام سيد أحمد، وعبد اللطيف عثمان، الذين ابتعدوا عن الممارسة الحزبية المباشرة. وكان الأخيران، عبد السلام وعبد اللطيف، قد توليا مهام السكرتير العام للجبهة الديمقراطية للطلاب السودانيين أكبر وأهم واجهة للعمل الجماهيري والثوري للحزب الشيوعي. وكان من المتوقع لكليهما، لو ظلا في الحزب، أن يشكلا امتداداً طبيعياً لؤلئك المفكرين الأفذاذ الذين طوروا وأضافوا الكثير للماركسية والاشتراكية العلمية أمثال عبد الخالق محجوب ومحمد إبراهيم نقد. لكن خروجهما عن الحزب لن يقدح في نجاحهما في الحياة أو في العمل العام فالأول أستاذ جامعي عمل كمدير لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في أكبر منظمة لحقوق الإنسان (هيومن رايتس ووتش) (Human Rights Watch)، والثاني خبير اقتصادي يشار له بالبنان ويكفي نجاحه في محفظة السلع الاستراتيجية، وتنمية صندوق المعاشات خلال حكومة حمدوك.
وللحديث بقية ...
في اللقاء القادم (6) المركزية الديمقراطية ... أُس العِلَّة
عاطف عبدالله
atifgassim@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحزب الشیوعی السودانی المناقشة العامة فی الحزب کان من
إقرأ أيضاً:
ساناي تاكايتشي أول امرأة ترأس الحزب الحاكم في اليابان
سياسية يابانية من الحزب الليبرالي الديمقراطي، ولدت عام 1961 في محافظة نارا، وشغلت عددا من المناصب أبرزها وزيرة الشؤون الداخلية والاتصالات. وعام 2025 أصبحت أول امرأة تُنتخب زعيمة للحزب الحاكم، مما جعلها أبرز المرشحين لتكون أول رئيسة وزراء في تاريخ اليابان.
المولد والنشأةوُلدت ساناي تاكايتشي يوم 7 مارس/آذار 1961 بمحافظة نارا في اليابان. وكان والدها يعمل في إحدى الشركات التابعة لمجموعة تويوتا للسيارات، كما شغلت والدتها وظيفة في شرطة محافظة نارا.
وعام 2004 تزوّجت من النائب في الحزب الليبرالي الديمقراطي تاكو ياماموتو، لكن الزواج انتهى بالانفصال عام 2017 إثر خلافات سياسية، لكنهما أعلنا زواجهما مجددا عام 2021.
الدراسة والتكوين العلميتخرّجت تاكايتشي عام 1980 من المدرسة الثانوية، وقُبلت في جامعتي واسيدا وكيئو، وهما من أعرق الجامعات الخاصة في اليابان، غير أن والديها فضّلا التحاقها بجامعة وطنية، فاختارت جامعة كوبه.
وعام 1984 نالت درجة البكالوريوس من كلية إدارة الأعمال بالجامعة ذاتها، ثم التحقت بمعهد ماتسوشيتا للسياسة والاقتصاد.
وعام 1987 سافرت إلى الولايات المتحدة للعمل، ثم عادت إلى اليابان عام 1989. وفي مارس/آذار من العام ذاته بدأت عملها مقدمة برامج في قناة أساهي التلفزيونية، ثم انتقلت عام 1990 إلى قناة فوجي.
المسار المهنيبدأت تاكايتشي مسيرتها السياسية مطلع تسعينيات القرن الـ20 حين خاضت عام 1992 انتخابات مجلس الشيوخ، غير أنها لم تحصل على ترشيح رسمي من الحزب الليبرالي الديمقراطي. وفي العام التالي ترشحت مستقلة في الانتخابات العامة الأربعين لمجلس النواب، وفازت بالمقعد فانطلقت مسيرتها البرلمانية.
وبعد إعادة انتخابها عام 1996، انسحبت تاكايتشي من الحزب الذي كانت تنتمي إليه بسبب خلافات سياسية داخلية، والتحقت بالحزب الليبرالي الديمقراطي. وفي يوليو/تموز 1998، عُيّنت نائبة لوزير التجارة والصناعة في حكومة رئيس الوزراء كيزو أوبوتشي، وهو أول منصب تنفيذي تتولاه.
وواصلت تاكايتشي حضورها البرلماني بفوزها عام 2000 في الانتخابات العامة الـ42، والعام التالي تولت رئاسة لجنة التعليم والثقافة والعلوم في مجلس النواب، ثم إدارة قسم الخطب العامة بالحزب الليبرالي الديمقراطي في فبراير/شباط 2002.
إعلانوفي أكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته، أصبحت نائبة لرئيس الوزراء مكلفة بشؤون الاقتصاد والتجارة والصناعة ضمن حكومة جونيتشيرو كويزومي بعد التعديل الوزاري.
وفي انتخابات عام 2003 خسرت مقعدها النيابي أمام مرشح الحزب الديمقراطي الياباني، لكنها استعادت موقعها السياسي عام 2005 في الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي عينتها قيادته في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه رئيسة لمكتب الأبحاث والمعلومات في الحزب.
وبين عامي 2006 و2008، توسعت مهامها التنفيذية والحزبية، إذ تولّت في سبتمبر/أيلول 2006 منصب وزيرة دولة لشؤون أوكيناوا والأراضي الشمالية، والسياسات العلمية والتكنولوجية، والشؤون الاجتماعية وسلامة الغذاء ضمن حكومة شينزو آبي الأولى.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2007، قادت اللجنة الفرعية للسياسات الصناعية في قطاع النسيج، إلى جانب اللجنة الخاصة بالشباب في مجلس أبحاث السياسات بالحزب الليبرالي الديمقراطي.
وبعد فقدان الحزب أغلبيته عام 2009، خسرت تاكايتشي مقعدها في الدائرة الفردية، لكنها عادت إلى البرلمان عبر نظام التمثيل النسبي، وأصبحت عضوا في مجلس النواب للمرة الخامسة، كما تم تعيينها عضوا في لجنة الاتهام القضائي. وفي انتخابات سبتمبر/أيلول 2009 العامة، أعيد انتخابها لعضوية مجلس النواب في دورته رقم 45.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2012، تولّت رئاسة مكتب العلاقات العامة للحزب الليبرالي الديمقراطي، ثم أصبحت في ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته رئيسة لمجلس أبحاث السياسات بالحزب، إلى جانب إعادة انتخابها لعضوية مجلس النواب في الدورة الـ46.
وفي سبتمبر/أيلول 2014 عينها آبي وزيرة للشؤون الداخلية والاتصالات في حكومته الثانية بعد التعديل الوزاري، وتولت مسؤوليات إدارية وتواصلية واسعة. وأعيد انتخابها مجددا في ديسمبر/كانون الأول 2014 لعضوية مجلس النواب في دورته الـ47، محافظة على منصبها الوزاري في الحكومة الثالثة لآبي.
وواصلت تاكايتشي تولّي وزارة الشؤون الداخلية والاتصالات بعد التعديل الوزاري عام 2015، ثم أُعيد تعيينها العام التالي في المنصب نفسه، إلى جانب مسؤوليات الضمان الاجتماعي ونظام الرقم الضريبي.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، ترأست مقر الأمن السيبراني في الحزب الليبرالي الديمقراطي، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2018 أصبحت رئيسة لجنة القواعد والإدارة في مجلس النواب.
وعام 2021 انتُخبت رئيسة لمجلس أبحاث السياسات في الحزب الليبرالي الديمقراطي، وهو منصب رفيع مكّنها من الإشراف على صياغة السياسات العامة للحزب وتحديد أولوياته الوطنية.
وفي أغسطس/آب 2022 توسعت مهامها ضمن الحكومة الثانية لرئيس الوزراء فوميو كيشيدا بعد التعديل الوزاري، وتولّت منصب وزيرة الأمن الاقتصادي ثم وزيرة الدولة لسياسة العلوم والتكنولوجيا والفضاء.
رئاسة الحزب الليبرالي الديمقراطيوفي 11 سبتمبر/أيلول 2025 أعلنت رسميا تاكايتشي ترشّحها لرئاسة الحزب الليبرالي الديمقراطي، وبعد منافسة قوية فازت في الجولة الثانية من الانتخابات في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2025.
إعلانوفازت تاكايتشي على وزير الزراعة شينجيرو كوازومي، ابن رئيس الوزراء الأسبق جونيتشيرو كوازومي، وهي المرة الثانية التي تصل فيها إلى جولة حاسمة لانتخابات رئاسة الحزب.