حماية السيادة الوطنية في ميثاق الأمم المتحدة
تاريخ النشر: 15th, September 2024 GMT
د. فيصل عبدالرحمن علي طه
ftaha39@gmail.com
لقد وفّر ميثاق الأمم المتحدة الحماية للسكسوفيادة الوطنية في فقرتين: الفقرة 4 من المادة 2 ، والفقرة 7 من نفس المادة. وسنتناول فيما يلي هاتين الفقرتين بالتفصيل والتعليق.
(1)
تقضي الفقرة 4 من المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة بأن يمتنعَ أعضاءُ الهيئة في علاقاتهم الدولية عن التهديدِ باستعمال القوّة أو استعمالها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلالِ السياسي لأي دولةٍ أو على أية وجهٍ آخرَ لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة.
(2)
بالرغم مما تقدم، لم تَحمِ الفقرة 4 من المادة 2 سيادة العراق من غزو تحالف (الراغبين) في 20 مارس 2003 بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بدون تفويض من مجلس الأمن. وكان من بين مبررات ذلك الغزو استمرارُ العراق في امتلاك وتصنيع أسلحة الدمار الشامل. كما لم تحمِ الفقرة 4 من المادة 2 سيادة جمهورية يوغسلافيا الاتحادية في مارس 1999 عندما شن حلف شمال الاطلسي غارات جوية على صربيا بدون تفويض من مجلس الأمن بدعوى الحؤول دون وقوع كارثة إنسانية في إقليم كوسوفو.
(3)
كما نوقشت هجمات منظمة حلف شمال الاطلسي على كوسوفو بدون ترخيص من مجلسِ الأمن باعتباره الهيئة المخولة استعمال القوة بموجب القانون الدولي، في اجتماع مجلس الأمن في 24 مارس 1999. في هذا الصدد قال مندوب الاتحاد الروسي إن الاستخدام الانفرادي للقوة ضد جمهورية يوغسلافيا الاتحادية ذات السيادة لا يرتكز على الميثاق ولا على أية قواعد معترف بها في القانون الدولي. ووصف مندوب الصين مسألة كوسوفو بأنها داخلية ويجب أن تتم تسويتها على أساس احترام سيادة جمهورية يوغسلافيا الاتحادية وسلامتها الاقليمية.
(4)
وأما موقف دول حلف شمال الاطلسي فقد عبّر عنه – ضمن آخرين - مندوبُ هولندا بقوله: (( إنه كان من الأفضل الاستناد إلى قرارٍ محددٍ من مجلس الأمن. وإذا لم يكن بالإمكان إتخاذ قرار مثل هذا بسبب التفسير المُتصلِّب لمفهوم الاختصاص الداخلي من قبل عضوٍ أو عضوين في المجلس، فإننا لا يمكن أن نبقى صامتين ونسمح ببساطة بوقوع كارثة إنسانية. ففي هذه الحالة سوف نتصرف على الأساس القانوني المتاح، والأساس المتاح في هذه الحالة أكثر من كافٍ.))
(5)
لاحقاً بتاريخ 15 يونيو 1999 (القرار 1244) قرر مجلس الأمن بموافقة جمهورية يوغسلافيا الاتحادية، نشر وجود مدني وأمني دوليين في كوسوفو تحت رعاية الأمم المتحدة. وقد اعتبر البعض هذا بمثابة تصديق بأثر رجعي على الاجراء الذي قام به حلفُ شمال الاطلسي. وقد امتنعت الصين عن التصويت على القرار حتى لا يُفَسَّر ذلك بأنه اضفاء للشرعية على استخدام حلف الأطلسي للقوة في كوسوفو.
(6)
وأما الفقرة 7 من المادة 2 من الميثاق فإنها تقضي بأن من المبادئ التي تعمل الأمم المتحدة وأعضاؤها وفقاً لها، عدم التدخلِ في المسائل المتعلقة بالاختصاص الداخلي للدول. غير أن هذا القيد لا ينطبق عندما يتخذ مجلس الأمن إجراءاتٍ قمعيةٍ بموجب الفصل السابع من الميثاق.
(7)
وإذا كان الغرض من الفقرة 7 من المادة 2 حماية السيادة الوطنية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، فمن الجليِّ أنها لم تعد تحقق ذلك في العلاقات الدولية وفي القانون الدولي. وكانت محكمة العدل الدولية الدائمة قد ذكرت في العام 1923م في قضية مراسيم الجنسية في تونس والمغرب أن مسألة ما إذا كان موضوعاً معيناً يقع في الاختصاص الداخلي أم لا مسألة نسبية وتتوقف على تطور العلاقات الدولية.
(8)
ولقد حدثت تطورات كثيرة قلَّصت النطاق الداخلي للدول لأن معظم صراعات اليوم تدور داخل دول وليس بين دول.
كما إن مجلس الأمن قد توسَّع في تفسير مفهوم «تهديد السلام» المنصوص عليه في المادة 39 من الميثاق وتدخَّل المجلس في مسائل كانت تعتبر من صميم الاختصاص الداخلي للدول. وفي البيان الذي أصدره مجلس الأمن في 21 يناير 1992 عندما انعقد على مستوى القمة، ذُكر أن غياب الحروب والنزاعات العسكرية بين الدول لا يعني بالضرورة استتباب السِلم والأمن. وذُكر في البيان كذلك أن المصادر غير العسكرية باتت تشكل تهديداً فِعلياً للسلم والأمن الدوليين، وأن تلك المصادر تتمثل في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والانسانية والبيئية.
(9)
إن التطوُّر في مجال قانون حقوق الانسان والقانون الانساني الدولي قد انعكس بشكل واضح على تكييف مجلس الأمن للحروب والصراعات الداخلية كمهددات للسلم والأمن الدوليين. إذ أصبحت الأزمات الانسانية وعمليات التشريد الجماعي للسكان تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين. وورد في تقرير الأمم المتحدة للعام 1994 أنه في السياق المتغير لعالم اليوم، فإن الأمن لم يعد قاصراً على مسائل السلاح والأرض، بل أصبح يشمل الرفاهية الاقتصادية والاستدامة البيئية وحماية حقوق الانسان.
وسوف نتناول في مقال لاحق معضلة التوفيق بين التدخل الإنساني ومبدأ السيادة الوطنية.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الفقرة 4 من المادة 2 الأمم المتحدة من مجلس الأمن شمال الاطلسی من المیثاق لم والأمن
إقرأ أيضاً:
ايران تطالب بعقد جلسة فورية لمجلس الأمن عقب العدوان الأمريكي
الثورة نت/وكالات طالبت إيران اليوم الأحد، بعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي، على خلفية العدوان الأمريكي السافر على أراضيها وسيادتها ومنشآتها النووية الخاضعة للرقابة الدولية في فوردو ونطنز وأصفهان. وقال السفير والممثل الدائم لإيران لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرواني، في رسالة وجهها إلى مجلس الأمن:” أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومن أجل الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، تطالب بشكل عاجل بعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن دون أي تأخير، للنظر في هذا العمل العدواني الواضح وغير القانوني، وإدانته بأشد العبارات الممكنة، واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة في إطار مسؤوليات المجلس المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة” ،حسبما أفادت وكالة “تسنيم” الإيرانية للأنباء. وجاء في الرسالة: ” كما أن الهجوم الأميركي على المنشآت والمواقع النووية السلمية في إيران يُعد خرقاً لميثاق الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولقرارات مؤتمرها العام، ولقراري مجلس الأمن رقم 487 (1981) و2231 (2015)، وكذلك لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية… “ومن أجل الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، تطالب الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن، دون أي تأخير، لمناقشة هذا العمل العدواني الواضح وغير القانوني، وإدانته بأشد العبارات، واتخاذ جميع الإجراءات الضرورية التي تقع ضمن صلاحيات المجلس بموجب ميثاق الأمم المتحدة، لضمان مساءلة مرتكبي هذه الجرائم الفظيعة، وعدم إفلاتهم من العقاب”.