يمن مونيتور:
2025-12-13@05:10:40 GMT

غرور القوة والشعب المتحدي

تاريخ النشر: 18th, September 2024 GMT

غرور القوة والشعب المتحدي

لم يستسلم اليمنيون للواقع أبداً، فحياتهم قصة طويلة في مغالبة الصعاب وقهرها، وفلسفة الرفض للأمر الواقع هي الغالبة على طبيعة الإنسان اليمني (فالرفض الدائم والتذمر الدائم أغلب خصائص شعبنا، وإذا كانت غضبة السلاح للكرامة تنهي مهمتها في ساعات أو دقائق فإن الرفض الفكري والتذمر النفسي ثورة دائمة ترفع راية التحدي وتقول لكل واقع: مفروض “أنت مرفوض”) كما يقول البردوني.

امتاز اليمنيون في العديد من الأحداث والصراعات بامتصاصهم للصدمات، وليس التكيف معها، وهي ردة فعل طبيعية في مجتمعنا، الذي مرَّ بالعديد من الأحداث والتجارب العاصفة والشبيهة بما هو حاصل اليوم، فمع كل صدمة سلبية يواجها ابن اليمن فإن ردَّة فعله الأولى لم تكن البحث عن مبررات، ومخارج لقبول الواقع، وانما الترقب للانقضاض.

لاحظ الكاتب الفلسطيني ناصر الدين النشاشيبي في الشخصية اليمنية سمتين من السمات التي تمتاز بهما هذه الشخصية، والتي يجب أن يراعيها كل مهتم بالمجتمع اليمني، والسياسيين قبل غيرهم ليتسنى لهم فهم المجتمع، ومن ثم النجاح في ادارته، وهما سمتا البساطة، والغموض، فيقول إن “طبيعة الأرض الجبلية اليمنية وعرة وطبيعة المجتمع أشد وعورة بالرغم من السهولة والبساطة التي تنطبع في ذهن الزائر منذ أول وهلة تطأ قدماه أرض اليمن … فمن السهولة جداً لأي إنسان قادم أن يتعرف إلى الناس ويخلق معهم لغة مشتركة عن أي موضوع يدور حوله الحوار فالبساطة من العادات التي تميز اليمنيين”.[ناصر الدين النشاشيبي اليمن ذلك المعلوم]

ويضيف الأستاذ النشاشيبي “لكن بمقابل تلك الصفات ثمة جوانب غموض شديدة في الشخصية اليمنية يمكن تسميتها بوعورة المجتمع اليمني الذي يبدو شديد الشبه بجبال المنطقة الوسطى التي تسر خضرتها الناظر ويصعب على غير الخبير تسلقها”.

مع بداية صعود الإمام يحيى ومحاولته فرض سلطته على مناطق شمال الوطن، وسعيه للاستفراد بالسلطة، فقد جوبه موقفه ذلك بالانتفاضات طوال عقدي العشرينات، والثلاثينات من القرن الماضي، بحيث استعرت المواجهات، واشتعلت في مناطق البلد المختلفة، لكن بسبب عدم امتلاك أصحاب تلك التمردات لمشروع تتوحد خلفه الكتل السكانية، فإنه لم يتحقق لها شيء، لذا ظلت انتفاضاتها وتمرداتها مجرد تكرار لدورات الصراع بلا تغيير، وحين كان هناك مشروع  منافس  ووجدت فيه ما يعبر عن مصالحها فإنها كانت تندفع خلفه.

لقد استطاعت قوات الإمام يحيى أن تفرض سلطته على جميع القوى في شمال الوطن، وذلك بفضل ما تحقق لها من تفوق في السلاح، والإمكانات، ولكن ذلك لم يكن بصورة مستمرة، ولا دائمة، بل ظل المجتمع يبحث عن الوسائل التي تمكنه  من كسر هيمنة السلطة الإمامية والتخلص منها.

وبرغم ضراوة الصراع الذي دار بين قوات السلطة الملكية، وبين القوى المحلية الرافضة لسلطته، والطبيعة القاسية التي “طبعت أساليب المواجهة بين الإمام وخصومه السياسيين فإن التمردات الفلاحية والقبلية لم تهدأ وإنما استمرت في التصاعد، فعلى إثر القضاء على انتفاضة حاشد أعلنت القبائل الواقعة غرب صنعاء تمردها ورفضها أسلوب التجنيد الإجباري الذي أقره ١الإمام عام 1919م. ثم تبعتها تمردات قبلية أخرى أهمها عصيان قبائل منطقة الجوف عام 1925م. [د. عبد الملك المقرمي التاريخ الاجتماعي للثورة اليمنية ص 261]. فما إن انتهى من اخماد تمردات القبائل شمال صنعاء، حتى اشتعلت في التهائم، وفي مناطق البيضاء وتعز، بحيث أثبتت التجارب أن الإفراط في القوة لم يضعف القبائل، أو يرغم المناطق الأخرى على الاستسلام، وكانت النتيجة كما يؤكد الدكتور عبدالملك المقرمي أن “الانتفاضات القبلية شكلت مداً ثورياً ضد الدولة الملكية الإمامية، كان رافداً للحركات السياسية اللاحقة، وملهماً لكثير من التيارات المعارضة، فقد أضافت إلى التمردات والثورات الفلاحية حساً جديداً كان أعنف وأقوى أثراً” [د. عبد الملك المقرمي التاريخ الاجتماعي للثورة اليمنية ص 261]

فاستخدام القوة في اليمن قد يدفع المجتمع، لمهادنة الوضع القائم لفترة معينة، ولكن دون القبول به، بحيث تثبت التجارب التاريخية لطبيعة السلطة في البلد ،بأنه ليس بإمكان طرف أو جماعة الاستحواذ على عوامل القوة في المجتمع، مهما اتيحت لها من إمكانات، كما تؤكد الخبرة التاريخية لليمنيين باستحالة استسلامهم ورضوخهم لأي واقع مفروض عليهم، فرغم التخادم الذي تم بين الإمامة، والاستعمار، وانقسام جنوب البلاد الى 24 سلطنة ومشيخة وإمارة، قبل ثورة سبتمبر وأكتوبر، إلا أن تلك الأوضاع لم تفت من عضد اليمنيين، وتحول بينهم وبين التخلص من الإمامة، والاستعمار والتفكك، وإقامة النظام الجمهوري الذي يكفل مشاركة الجميع في السلطة، والحكم، وقد كانت الأوضاع في البلد حينها كما قال أحد العرب الذين زاروا صنعاء في ثلاثينات القرن العشرين شبيهة بما كانت تعيشه البشرية قبل 500عام. ويستطيع القارئ لتاريخ اليمن، أن يلمح بين جنبات هذه الأرض شعباً ما زال يمتلك الحلم، ويتوق إلى غد أفضل، ولم يستسلم بعد، رغم كل مآسيه.

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: الإنسان اليمني

إقرأ أيضاً:

البحر الأحمر يكشف المستور.. لماذا شيطن الغرب العمليات اليمنية المساندة لغزة؟

يمانيون | تقرير
تتجلى الازدواجية الغربية بأوضح صورها على مسارح البحار والممرات الدولية، حيث تتعامل القوى الأمريكية والأوروبية مع الهجمات البحرية وفق معايير متباينة تصاغ بما يخدم مصالحها السياسية والاقتصادية.

فمن البحر الأسود مروراً بالبحر الكاريبي وصولاً إلى البحر الأحمر، تتبدى المنهجية ذاتها: شيطنة أي فعل يضر بمصالح الغرب، وتلميع أو مباركة أي اعتداء يخدم مطامعه، حتى لو اصطدم بالقانون الدولي أو شكّل تعدياً صريحاً على سيادة الدول.

هذا المشهد العالمي المتشابك يكشف أن الغرب لا يتحرك وفق قواعد ثابتة أو مبادئ قانونية راسخة، بل وفق هوية الفاعل ومدى انسجام الفعل مع الأجندة الأمريكية والأوروبية والصهيونية.

ومن هنا تبدأ ملامح المقارنة بين ثلاث ساحات بحرية مختلفة، يجمعها خيط واحد: سياسة الغرب الانتقائية.

البحر الأسود: الهجمات الأوكرانية بين التبرير والتضليل

في الأسابيع الأخيرة، نفذت أوكرانيا ثلاثة هجمات متتالية ضد ناقلات نفط روسية، استهدفت ما يصفه الإعلام الغربي بـ”أسطول الظل” الخاص بموسكو.

ورغم أن هذه الناقلات مدنية وتعمل ضمن مسار تجاري طبيعي، إلا أن العواصم الغربية امتنعت عن إصدار أي إدانة، واكتفت بتقديم الهجمات باعتبارها “جزءاً من الضغط المشروع على الاقتصاد الروسي”.

لم تتحدث أي دولة غربية عن تهديد الملاحة، ولم يخرج أي تحذير من الركون إلى استخدام الأسلحة ضد سفن غير عسكرية.

هذه المفارقة تكشف طبيعة المعايير الغربية التي تعتبر الهجوم على سفن الخصم ضرباً من الشرعية، ما دام يخدم هدف إضعاف روسيا اقتصادياً ومالياً.

الكاريبي: حين تتحول القرصنة إلى قانون أمريكي

وعلى الطرف الآخر من العالم، وفي البحر الكاريبي تحديداً، نفذت الولايات المتحدة عملية مصادرة كاملة لناقلة نفط فنزويلية، في خطوة وصفتها كاراكاس بأنها “قرصنة دولية” واعتداء على سيادتها.

واشنطن، من جهتها، سوقت العملية بوصفها “إجراء قانونياً” يستهدف شبكات نفطية غير شرعية وفق مزاعمها.

الناقلة كانت تعمل بإشراف رسمي من فنزويلا، والدولة صاحبة السيادة لم ترتكب أي مخالفة بحرية.

لكن ذلك لم يشكل فارقاً في التصور الأمريكي. فحين تكون الدولة المستهدفة خارجة عن الفلك الغربي، يصبح السطو البحري “قانوناً”، وتغدو إجراءات المصادرة جزءاً من حرب اقتصادية بغطاء شرعي مزعوم.

هنا أيضاً تتضح قاعدة أخرى: القانون الدولي مرن بما يكفي ليطوعه الغرب كما يشاء، ويشدده فقط عندما يريد ضبط الآخرين وتهديدهم.

البحر الأحمر: من النصرة لغزة إلى اتهامات الإرهاب

وعلى الضفة العربية، في البحر الأحمر، تواجه القوات اليمنية السفن المرتبطة بالعدو الصهيوني، ضمن موقف معلن نصرة لغزة ورفضاً لجرائم الاحتلال.

ورغم وضوح بيانات العمليات التي أوضحت أكثر من مرة أن الاستهداف محصور بالسفن المرتبطة بالكيان الصهيوني فقط، ورغم إقرار شركات الشحن والتأمين الدولية بهذه الحقيقة، إلا أن الغرب اختار سردية أخرى تماماً.

سارعت واشنطن ولندن والاتحاد الأوروبي إلى شيطنة العمليات اليمنية وتقديمها كـ”إرهاب بحري” و”تهديد للتجارة العالمية”.

ثم تبع ذلك استنفار غربي شامل داخل مجلس الأمن الذي أصدر قرارات تدين اليمن وتطالبه بوقف عملياته فوراً، في حين لم يصدر أي قرار مشابه بخصوص الهجمات الأوكرانية أو القرصنة الأمريكية في الكاريبي.

المشهد لا يقف هنا؛ فقد شكّل الغرب تحالفات عسكرية ضخمة، وأنفق مليارات الدولارات في عمليات وصفها بـ”حماية حرية الملاحة”.

وهي الشعارات ذاتها التي تتلاشى حين يتعرض الروسي أو الفنزويلي لاعتداء مباشر، أو حين يهدد العدوان الصهيوني حياة الشعوب في المنطقة.

خلاصة تسلسلية: معيار الهوية لا القانون

من خلال هذه الساحات الثلاث، يبرز خيط واحد يربط مواقف الغرب:

 الهجمات على ناقلات روسية: ضغط مشروع  مصادرة ناقلة فنزويلية: إجراء قانوني  استهداف سفن مرتبطة بالعدو الصهيوني: إرهاب وقرصنة

كل ذلك يفضح أن “القانون الدولي” عند الغرب ليس سوى أداة سياسية تُستخدم ضد الخصوم وتُستبعد حين يُراد حماية الحلفاء.

وأن حماية الملاحة ليست مبدأً، بل غطاءً حين تتضرر المشاريع الأمريكية والأوروبية والصهيونية.

بذلك، لا يمكن قراءة هذه الأحداث إلا باعتبارها جزءاً من سياسة عالمية تقوم على الانتقائية، حيث تكال المعايير بميزانين، وتُفرض القرارات تبعاً لهوية الفاعل لا لمشروعية الفعل.

مقالات مشابهة

  • هيئة الآثار تنشر القائمة الـ30 بالآثار اليمنية المنهوبة
  • عمق الأزمة اليمنية في حضرموت والمهرة
  • “قداسة البابا “: من الأسرة يخرج القديسون وهي التي تحفظ المجتمع بترسيخ القيم الإنسانية لدى أعضائها
  • البحر الأحمر يكشف المستور.. لماذا شيطن الغرب العمليات اليمنية المساندة لغزة؟
  • أحمد زيور باشا.. الحاكم الذي جمع القوة والعقل والإنسانية
  • لجنة حماية الصحفيين: حرب غزة كانت الأكثر دموية للصحفيين
  • تفاصيل اليوم الذي غيرت فيه القبائل اليمنية كل شيء
  • «نحو رؤية شاملة لاستعادة الدولة اليمنية».. إصدار جديد للدكتور علي غانم الشيباني
  • الناصري والإشتراكي واتحاد القوى في بيان: نرفض عبث بعض الأشقاء وتصفية حساباتهم في اليمن
  • كيف لتحول السلطة في جنوب اليمن أن يفاقم المخاطر في المنطقة المضطربة