قهوة مجانية على رصيف الحمراء.. لبنانيون نازحون يجتمعون في بيروت
تاريخ النشر: 28th, September 2024 GMT
بيروت- تعج العاصمة اللبنانية بالناس بما يتجاوز طاقتها الاستيعابية، إذ يتدفق الآلاف إلى أحيائها بحثا عن ملاذ من الغارات الجوية الإسرائيلية على قرى وبلدات الجنوب.
بدأت الهجمات في الجنوب والبقاع، مع تعرض الضاحية الجنوبية لبيروت للضربات أيضا. ولكن بعد ذلك توسع نطاق الهجوم ليستهدف أيضا مناطق، بينها الشوف وكسروان، وهي منطقة ذات أغلبية مسيحية ويوجد بها عدد قليل من السكان الشيعة.
الضبابية والحيرة تملآن الأجواء بينما تدفق الناس منهكين إلى حي الحمراء في بيروت الثلاثاء الماضي، بعد أن قضى بعض منهم أكثر من 12 ساعة على الطريق لقطع مسافة تستغرق في الأحوال العادية ساعتين فقط، كما رصدت مراسلة الجزيرة الإنجليزية.
غرفة في نزلفي فندق كازا دور، ذي الأربعة نجوم في شارع الحمراء، يقف زوجان عند مكتب الاستقبال، يحاولان التفاوض على سعر الغرفة الأخيرة المتاحة تلك الليلة.
تتحدث إليهم موظفة استقبال تدعى لمى، وتعمل في الفندق منذ 4 سنوات، وتقول إنها لم تره مشغولا كما هو الآن.
"الفندق ممتلئ"، تقول، وتكمل "قبل الأمس، كانت نسبة الإشغال 40%، وقد تم تخفيض الأسعار للنزلاء اللبنانيين" تضيف.
لكن يبدو أن الزوجين لم ينجحا في التفاوض، ويغادران للوقوف على الرصيف، ويبدوان مصدومين قليلا.
في الخارج وبالقرب من زاوية الشارع، في شارع المقدسي الذي يشهد حركة غير عادية، يقول الدكتور عباس، وهو طبيب قلب، إنه تمكن من العثور على غرف له ولزوجته ولابنه، بعد أن قضوا 16 ساعة في زحمة المرور الهائلة القادمة من الجنوب.
في نقطة ما، عندما كانوا قريبين من الحمراء، تخلت العائلة عن سيارتهم وجروا حقائبهم في الشوارع، متجاوزين السيارات على الأقدام.
عباس من المنصوري، وهي إحدى القرى اللبنانية التابعة لقضاء صور في محافظة الجنوب، لكن ابنه الأكبر يدرس الطب في الجامعة الأميركية في بيروت، لذا قرروا المجيء هنا بدلا من التوجه إلى الجبل كما فعلوا عندما هاجمت إسرائيل البلاد عام 2006.
إنهم ليسوا خائفين، لأنهم خبروا الكثير بالفعل، "نحن معتادون هذا، للأسف"، يقول عباس.
ابنه الأصغر، وهو مراهق، يخوض أول حرب له، "إنه في تدريب"، يمزح الطبيب.
تبدو العائلة سعيدة لكونهم جميعا في نفس المدينة، لكنهم ليسوا محصنين من التوتر -أو الغضب- الذي يجتاح البلاد.
"الإسرائيليون كاذبون"، تقول زوجته بازدراء عند سؤالها عن ادعاءات إسرائيل بأن حزب الله يخزن أسلحة في المنازل في الجنوب.
"هل ثمة أمان هنا؟"يسير مجموعة من الأولاد والمراهقين السوريين في الشارع.
عادة ما يعملون في منطقة الحمراء، ويعيشون في بير حسن في جنوب العاصمة، وهو حي قريب من غبيري، حيث قصفت إسرائيل المنطقة الثلاثاء الماضي في أول أيام الغارات.
ولا يريد الصبية العودة إلى مكان سكنهم الليلة، بل يفضلون الذهاب للعثور على أصدقاء في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين.
"هل الحي هنا آمن؟" يسألون، ويشاركهم الجميع السؤال ذاته الجميع، سواء أبدوه أم لا.
يتحرك الأولاد بعيدا، متجهين نحو شاتيلا، حيث يأملون أن يكونوا أكثر أمانا هذه الليلة.
تظهر امرأتان تبدوان قليلا في حالة اضطراب.
هما من الجنوب وقد أتيتا إلى بيروت من صور، حيث كانتا تقيمان هناك منذ العام الماضي.
في الحمراء، وجدتا غرفا في فندق الماي فلاور، لكن اكتشفتا بذهول أنه لا يمكنهما العثور على خبز.
يجذب اضطرابهما انتباه المارة الطيبين الذين ينضمون إليهما للبحث عن خبز لهاتين السيدتين.
يقول صاحب متجر بقالة إنه لا يوجد خبز، لذا يتوجه فريق البحث إلى محل فلافل ليسأل إذا كان بإمكان السيدتين شراء خبز عادي.
يعتذر بائع الفلافل قائلا إن لديه ما يكفي فقط للفلافل التي سيصنعها تلك الليلة.
ينضم مزيد من الأشخاص إلى البحث وأخيرا، يتمكن شخصان مختلفان من العثور على أكياس من الخبز.
ورفضت المجموعة قبول ثمن الخبز من النساء، واحتفت المجموعة بأن أحدهم قد أمكن مساعدته في ظل تلك الظروف الصعبة والاستثنائية.
ويتدخل شخص من المنطقة مشيرا إلى كراسي بلاستيكية، تم إعدادها بين أواني الزهور الكبيرة على الرصيف، ويطلب من السيدات الجلوس بينما يجلب شخص آخر قهوة لهما.
كانتا على الطريق لمدة 15 ساعة للوصول إلى بيروت، والآن تحتاجان إلى استراحة وفرصة لتحظيا برعاية لبنانيين من سكان العاصمة، بدون أن يسألهم أحد عن اسميهما أبدا.
"الفتنة لن تنجح"
"تحاول (إسرائيل) إحداث فتنة، وجعل السنة ضد الشيعة"، يقول سليم ريس في مخبز المقدسي الذي لا يقع بالضبط في شارع المقدسي، رغم أنه قريب منه.
"لكنها لن تنجح" يتابع مشيرا إلى أن النزاع أو الحرب الأهلية لن تحدث.
من خلال متابعته العادية، يقول ريس -من دون اطلاع على ما يقوله عدة محللين عن هجمات إسرائيل على لبنان- إن "إسرائيل تريد ممارسة الضغط حتى ينقلب اللبنانيون على بعضهم بعضا، ويحاولون الابتعاد عن حزب الله".
يشارك ريس في جهود أهل بيروت لمساعدة الوافدين الجدد بكل طريقة ممكنة.
ويقدم مخبز المقدسي مئات المناقيش إلى مدرسة الحكمة في كليمنصو، التي تؤوي النازحين القادمين إلى بيروت.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات
إقرأ أيضاً:
الما عارف يقول لساتك
بقلم: الريح عبد القادر
مِن أخشى ما أخشاه يوم نقف أمام ربنا سبحانه وتعالى أن يسألنا كيف تركنا أهل الجهالة يمارسون القتل وسفك الدماء وتشريد الأبرياء، ثم يمجدون ذلك الفعل الشائن، ممثلاً في البندقية، أداة القتل والدمار، التي لا يوجهونها نحو صدور الأعداء، بل نحو صدور أبناء شعبهم وبلدهم؟
بماذا سوف تنفعنا، يومئذٍ، صلاتنا وصيامنا وسائر عباداتنا وقد ضيعنا بلدنا وشعبنا؟!
فهل سنترك رجال البنادق والمشانق يُضيّعون علينا وعلى شعبنا دنيانا وآخرتنا؟
كلا. سنفعل كل ما في وسعنا للوقوف في وجه الجهالة، والجهلاء، وفي وجه حب البندقية، وتمجيد البندقية، لأننا نؤمن إيماناً قاطعاً بأن البندقية لا تبنى الأوطان، بل تحرسها!
ولا آخرةَ لمن أضاع أهله وبلده!
ومن خاف نار الله الموقدة لا يخشى نار البندقية الخاسئة!
ونؤمن كذلك أنّ من أراد صالحَ أهلِه نالَهُ من أذاهم ما لا ينال من أراد ضرَّهم!
ومن أراد صالح أهله لا يُبالي بأذاهم.
سيمضي غير هيّاب ولو نبحته كلابُ الأرضِ جميعاً.
****
كتبتُ بالأمس ألتمس مقاضاة الجنرال البرهان في المحافل القانونية الدولية بسبب تصريحه الذي مجد فيه البندقية وحقّر فيه اللساتك.
فهاجمني رجال فضلاء ونساء فضليات. غافلون وغافلات.
البندقية معروفة. لكن اللساتك في هذا السياق لا تعني أعيان الإطارات التي تحرق في المظاهرات. بل هي ترمز للعمل السلمي المطالب بالحق في الحرية والعدالة والسلام.
اللساتك، أيها الغافلون والغافلات، هي نقيض البندقية عندما توجه البندقية نحو صدور الشباب العُزّل، فتقصّر أيامهم، وتحرق أحلامهم، مثلما تحرق قلوب أمهاتهم!
ما أخف دخان اللساتك المحروقة مقارنةً بدخان البنادق!
إنّ تمجيد البندقية مسؤول عن كل الحروب التي شهدتها بلادنا.
لقد تركنا الحوار والعمل السلمي ورفعنا البندقية.
وأطلقنا الأعيرة على أقدامنا، فقعدت بلادنا.
تمجيد البندقية مسؤول عن فساد نظام الحكم في بلادنا.
فهاهم العسكر يتغوّلون، بسبب تسلطهم على البنادق المخصصة لحماية الوطن والشعب، على الدولة ومواردها ويحتكرون السلطة عنوةً.
فتسبّب هذا التظالم بين فئات أبناء الوطن في أن تحوّل المدنيون "الملكية" إلى ضباط وجنود في الحركات المسلحة والمليسشيات والكتائب.
وظهر جنرالات "الخلا"!
وتحوّل البقارة والأبّالة والغنّامة..إلى دعّامة!
ومن شدة غفلتنا ظننا أن مشكلتنا في البقارة وبقية القائمة.
كلا! أيها الغافلون! إن مشكلتنا الجديّة في تمجيد البندقية!
وإذا كانت البندقية تؤدي إلى السلطة والثورة فما أسهل الحصول عليها!
الحصول على البندقية أسهل من الحصول على الشهادات الجامعية، وبراءات الاختراع.
إنه أسهل من السهر في المكتبات والمعامل ومن العمل في المصانع والحقول!
فأي ذنب جنينا حين قلنا لا للبندقية! ولا للحرب! ولا لحكم العسكر!
سنقول ذلك حتى ينتهي مجد البندقية، وحتى تنتهي آخر الحروب، وحتى يعود العسكر للثكنات والجنجويد ينحل.
****
سنقول لأبناء وبنات شعبنا إنّ الأوطان لا تبنى بالبندقية. بل تُحرس بالبندقية.
لكن البندقية نفسها تحتاج إلى حراسة.
إنها تُحرس بالعمل وبالعلم وبالحرية!
وتُحرس بالقلوب الكبيرة والعقول الكبيرة.
--------------------------------ـ
*الرسم مع التحية للفنان التشكيلي السوداني العالمي حسن موسى***
alrayyah@hotmail.com