جريدة الرؤية العمانية:
2025-07-30@13:35:06 GMT

منطقة الأمان الخادع

تاريخ النشر: 29th, September 2024 GMT

منطقة الأمان الخادع

 

 

ماجد المرهون

[email protected]

 

 

الأمان من أُسس الحياة وقاعدة العيش الرئيسة في طمأنينةٍ وسلام، وهو النَزعة الطبيعية الأولى للبقاء طويلًا عند المخلوقات وكُل بحسب سلوكه وما يُمليه عليه وعيه الخفي منه والمُدرك، وبالطبع فإنَّ الإنسان كامل التكليف على رأس القائمة لقُدرته الطبيعية والمُكتسبة على التمييز بين ما ينفعه وما يضره، لذلك ينحى إلى مواطن الأمان من خلال تهيئةِ نفسه وظروفه ومحيطه وسُبل معيشته بما يؤمن له حياةً خالية من المُنغِّصات، ويُكافئ كل ذلك مساعي تقليل الأخطار الطارئة وتجنب المخاطر المُحتملة التي قد تنشأ بشكلٍ مُباشر أو بالتبعية جراء أحداث مُركَّبة قد ينتج عنها أي ضرر وإن كان ضعيف الاحتمال أو بعيد المدى، وينعكس تأثيره على دائرة الأمان الوهمية الصغيرة التي يُحيط بها الإنسان نفسه بغرض البقاء في مُعتقد السيطرة الكاملة وتفاديًا لخروجه منها كي لايقع في دائرة الخوف المحاذية وقد يُفني حياته كُلها وهو يتجنبها، وبلا شك فإنه سيرضى هنا بالقليل اليسير والمتواضع وربما يركن للكسل أو التقاعس حتى يستمر بقاءُه في منطقة الأمان لأطول فترةٍ ممكنة.

كُل مخلوقٍ مفطورٍ على الشعور بالخوف وقيل حتى الأشجار، وبلاريب فإن الإنسان على قمة هرم كل الأنواع، وننزِع كُلنا إلى كراهية الشعور بالخوف مع أنه من القيم العليا إلا أن الطبيعة تُواصل الحث على الهروب منه وتجنب وقوعه أو الوقوع فيه ولكن خُصاصةٍ قليلة من الناس تستطيع تحييده، فينبُّذ أحدهم في لحظةٍ ما ضَجر منطقة الأمان التي تكتنفهُ ليواجه مخاوفه الجاثمة حائلًا بينه وبين رحابةِ ماورائها مما قد يتحقق إذا ما أقتحم عقبة الخوف الكؤود ومن البديهي أنه سيتاخم المجهول والإنسان عدو ما يجهل، ولا أتحدث هنا عن المغامرة أو المجازفة وإنما بذل دفعة جهد كبيرة كمحاولة تسارع مبدئية من الصفر للخروج من تمويه منطقة الأمان والراحة بإقصاء بعض العادات المُثبِّطة للانطلاقة الأولى والساحبة للعودة والبقاء في نفس الدائرة، والتي غالبًا ما تكون محدودة الموارد محصورة المقومات شديدة البساطة وخالية من التعقيدات وتشابك العلاقات.

إن العقل الباطِن يكره كل ماهو غير مألوف له ويحاول إغراق صاحبهِ في حالة عميقة من الحماية ولذلك يُعتبر هو المُثبط الأكبر لاجتياز سياج منطقة الشعور بالأمان، وحتى يألف ويعتاد أمراً ما فلابد من خوض غِماره في تجرِبةٍ جديدة تُجبره على التعامل معها، وقد يصعب على الكثير من الناس الانتفاض لتحقيق الحلم بسبب المُماطلة ومخافة كسر حاجز التكيف الذهني الذي يُسيطر عليهم، وهذا من أعقد مسوغات الحد من التطور وأحد بواعث تقزيم سعة الأفق واختبار تجارب جديدة في حياة الإنسان؛ إذ إن الخروج من منطقة الأمان سيُدخله مباشرةً في منطقة الخوف والتي غالبًا ما تكون مليئةً بالأعذار وإلقاء اللوم على الآخرين من حيث تغيير وتيرة النمط الثابت والنهج المألوف ودخول بعض التشابكات غير المُعتادة، ولكن مع قليلٍ من الثقةِ بالنفس والإصرار والمواصلة فإنه من السهل تجاوز مرحلة هذه المنطقة والخروج منها.

قد نجد أحدهم وغيره آخرون كُثر حين يُقرر السفر للسياحة مثلًا أو الخروج في رحلةٍ خلوية وهو يعد لها العدة وبشكلٍ مُفرطٍ أحيانًا يصل به إلى التفاصيل الفرعية في اتخاذ التدابير اللازمة وغير اللازمة، ويتكبد من حمل الأمتعة الشيء الكثير متجاوزًا مبدأ الضروريات والأساسيات وهو في الواقع يحمل معه منطقة أمانه دون أن يشعر كحماية نفسية وضمان عدم الخروج منها والوقوع في منطقة الخوف المُربكة والمُسببة لنقص الطمأنينة، بينما الواقع ليس كذلك في معظم الأحيان لو أنه تمكن من شحذ همته وتحدى نفسه لتجاوز مرحلة القلق ومايعتِلق بها من معوقاتٍ كابحةٍ لوجد نفسه في منطقة التعلُّم التي ستُعينه في التغلب على مخاوفه من ناحية التكيف مع التحديات الطارئة كمكاسب لمهارات جديدة تدخل ضمن توسيع منطقة الأمان ودائرتها القديمة الضيِّقة، وسيجد نفسه قد تخلص تدريجيًا من رتابة العادات البسيطة التي كان يستحسنُها سابقًا بسبب مخاوفه.

ولنقس على ذلك المشروع التجاري الصغير الذي يحاول أحد الشباب الإنخِراط به، بعد أن قرر مُغادرة دائرة الأمان الوهمية والتمرد على دثارة جلباب بعض المُعتقدات الذاتية وتكبُّد شيءٍ من الصِعاب مع إصرار صلبٍ على تجاوزها ونبذ الرضوخ للمثبطات الجاذبة للنكوص في دائرةِ الخوف التالية، وما أن يتجاوزهما إلى مساحة التعلم الأكثر رحابة سيكون قد قطع شوطًا كبيرًا في مرحلة التنفيذ وبلاشك فإن مرحلة النمو الأخيرة ستكون بانتظارة وآفاقها اللا محدودة تُرحب به لكسب طموحاته وتحقيق أحلامه، وسوف يكتشف حينها أن هناك مزيدًا من الأهداف تتولد باستمرار ويجب السعي لإحرازها ومن الطبيعي في هذا المستوى أن يبذل مزيدًا من الجهود نظير ماوجده وسينبذ الأفكار التي كانت تساوره سابقًا للبقاء في منطقة الأمان الزائفة ذات مقومات العيش الدنيا بأقل الموارد والتي كانت تبقيه فقط على قيد الحياة.

عزيزي الشاب/ عزيزتي الشابة، إذا ما أردتم تحقيق أحلامكم بكسب الأهداف وملامسة سقف الطموحات فعليكم التفكير عمليًا في هجر منطقة الأمان المتواضعة التي تحيط بعقولكم الباطنة، ولن يتسنى لكم ذلك إلا من خلال دفقة قناعة صارمة لشحذ الهمم وتحدي النفس والنفور من بعض العادات الشخصية الرتيبة والمعتقدات الظرفية المُرتابة، ولكن بشكلٍ مدروس ومُجدول دون تهورٍ أو مُجازفة، مع مراعاة الأصول الدينية الثابتة والثقافة المجتمعية السائدة ثم المواصلة والاستمرار، وأجزم غير مُتحيز أن النتيجة ستكون أكثر من رائعة وأن أمثلة النجاح في هذا المقام كثيرة والشواهد مُبرهنة، وتأكدوا بأن معظم الناجحون اليوم كانوا ضمن دائرة منطقة الأمان الخادع في يوم من الأيام.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ويسألونك عن دائرة الرعاية العمالية

حمود بن علي الطوقي

ما يُثلج الصدر أنه ما زال هناك من يعتقد أن الصحافة، كونها السلطة الرابعة، هي الوسيلة الأنسب في نقل هموم المواطنين. ولهذا نجد أن هناك من يلجأ إلى الكُتّاب والصحفيين ومنصات الإعلام الرسمية في إيصال مطالبه إلى جهات الاختصاص. ومن بين الجهات التي يُطرق بابها من قِبل المواطنين دائرة الرعاية العمالية في وزارة العمل، والتي لا شك أن هذه الوزارة تبذل جهودًا مستمرة لحماية سوق العمل وضمان بيئة عادلة تحفظ الحقوق وتنظم العلاقة بين جميع الأطراف، سواء العامل أو صاحب العمل. فهذه المنظومة تسعى لتحقيق التوازن القانوني والاجتماعي في ظل التغيرات الاقتصادية والمجتمعية المتسارعة.

ونجزم بأن إنشاء دائرة الرعاية العمالية بوزارة العمل كمحطة أولى لحل النزاعات قبل إحالتها إلى القضاء، هو خطوة مهمة في إطار العدالة التوفيقية. لكن الواقع العملي -حسب ما يؤكده أصحاب الأعمال- يكشف عن تحديات تواجهها الشركات العُمانية، لا سيما عندما تُستخدم الشكاوى من قِبل بعض العمال الوافدين كأداة لتعطيل سير الأعمال أو كوسيلة للبقاء في البلاد رغم انتهاء العلاقة التعاقدية.

فبمجرد تقديم الشكوى من العامل -حتى دون وجود أدلة موثقة- تبدأ سلسلة من الجلسات تُعقد في دائرة الرعاية العمالية، وقد تمتد لثلاث جلسات يحضرها طرفا النزاع، ويفترض أن تُحسم خلالها القضية. لكن في كثير من الحالات، وبسبب عدم البت الحاسم، تُحال القضية إلى القضاء، ما يؤدي إلى تعطيل البت فيها لسنوات قد تصل إلى ثلاث أو أربع، وهي فترة قد يستغلها العامل الوافد للبقاء والعمل بحرية دون التزام، متحصنًا بأن ملفه "قيد النظر".

في المقابل، عندما يتقدم رب العمل العُماني بشكوى ضد عامل وافد -كالهروب أو إساءة الأمانة- يُطالَب بإثباتات، وبتقديم تذكرة سفر، ودفع حقوق العامل، فيما يظل العامل متخفيًا أو متنقلًا من ولاية لأخرى، مستفيدًا من معرفته المسبقة بأنه في حال القبض عليه سيتم ترحيله دون وجود محاكمة ضده.

وهنا يظهر خللٌ جوهري، إذ إن دائرة الرعاية العمالية، التي أُنشئت من أجل تحقيق العدالة، أصبحت -دون قصد- طرفًا في إطالة أمد القضايا، ما يُرهق القطاع الخاص، ويضر بثقة المستثمر، ويزيد من كُلفة إدارة المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

ولتحقيق العدالة المنشودة، نقترح في هذا السياق أن يكون القاضي الحاضر في جلسات التسوية ذا صلاحية واضحة لحسم القضايا دون إطالة أو تحويلها للمحاكم إلا في أضيق الحدود. كما نقترح تمكين دائرة الرعاية العمالية من إغلاق الملفات التي لا تستند إلى أدلة موثوقة، وعدم قبول الشكاوى التي تتضح كيديتها أو التي تُقدّم بعد تسوية الحقوق المالية.

كما نتطلع من الدائرة إلى تفعيل نظام إلكتروني يتابع سلوك العمال بعد تقديم الشكاوى، لضمان عدم استغلالهم للوضع القانوني المؤقت، وأن يُطلب من العامل قبل سفره إثبات براءة الذمة من كفيله.

وعلى سبيل المقارنة، نرى أن بعض دول الخليج -مثل الإمارات والسعودية- بدأت تعتمد أنظمة التسوية السريعة، حيث تُفصل القضايا العمالية البسيطة خلال 10 إلى 15 يومًا فقط، مما يقلل من الضغط على القضاء، ويمنع استخدام القوانين كغطاء للهروب أو العبث.

وخلاصة القول، نقول إن حماية حقوق العمال مسؤولية لا جدال فيها، لكنها يجب أن تتوازن مع حقوق أرباب العمل الذين يمثلون عصب الاقتصاد الوطني. فكل تأخير في البت في القضايا، وكل شكوى كيدية تُهمل دون ردع، ينعكس سلبًا على سمعة السلطنة في مؤشرات الاستثمار، ويشكّل صورة مشوشة عن مدى كفاءة نظام التقاضي لدينا.

ولهذا نؤكد أن سرعة الحسم في القضايا تعكس مكانة الاقتصاد، وتمثل رسالة ثقة للمستثمر والمواطن على حد سواء.

 

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • أمير منطقة الجوف: القيادة تولي اهتمامًا بالغًا بحقوق الإنسان
  • تقلب الموازيين.. تحديثات كبيرة في هواتف OnePlus 12R
  • روسيا تعلن حالة الطوارئ في الجزر التي ضربها تسونامي بعد الزلزال
  • السبر يوضح حكم من يتحدث في الناس بسوء داخل نفسه فقط .. فيديو
  • علي جمعة: الخطأ من شيم النفس البشرية وعلى المسلم أن يتوب ويتسامح مع نفسه والآخرين
  • مسرح يتحوّل إلى صرخة.. اسمي غزة يفرض نفسه على كرنفال إسبانيا
  • ويسألونك عن دائرة الرعاية العمالية
  • بسبب ظروف أسرية .. طفل ينهي حياته حزنا على نفسه بالأقصر
  • من هو فتى أحلام هدى المفتي؟ تصريحات جريئة مع «صاحبة السعادة»
  • «أبوظبي للتراث» تكرم شركاء نجاح «ليوا للرطب»