أزمة خطاب الكراهية المتنامية في السودان
تاريخ النشر: 1st, October 2024 GMT
بقلم حسين سعد
برز خطاب الكراهية في السودان كأداة خطيرة، تعمل على تكثيف الانقسامات العرقية وتعقيد جهود السلام. وقد ازدهر خطاب الكراهية، المتجذر في المظالم التاريخية والمتفاقم بسبب الصراعات المستمرة، وخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يؤدي الخطاب التحريضي إلى تصعيد العنف وتعميق الجروح المجتمعية.
على الصعيدين العالمي والمحلي، بُذلت جهود للحد من خطاب الكراهية، والذي يُعرَّف قانونيًا بأنه أي خطاب يحرض على العنف أو التمييز ضد مجموعات معينة.
وكما رأينا تاريخيًا في صراعات مثل يوغوسلافيا ورواندا، حيث لعبت وسائل الإعلام دورًا رئيسيًا في التحريض على العنف، من المؤسف أن الساسة وقادة المجتمع والصحافيين والمؤثرين في السودان ساهموا في هذا الخطاب الانقسامي، حيث انحازوا إما إلى القوات المسلحة السودانية أو قوات الدعم السريع، فيما أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي، التي يهيمن عليها المؤثرون الذين لديهم أجندات شخصية أو سياسية، المساحة الأساسية لتشكيل الرأي العام، وملئت الفجوة التي خلفتها وسائل الإعلام التقليدية.
إن ميزة "عدم الكشف عن الهوية" التي توفرها منصات التواصل الاجتماعي تغذي خطاب الكراهية. وقد ظهرت أنماط مماثلة في دول مثل كينيا وكوت ديفوار وليبيا، حيث عملت وسائل الإعلام، بما في ذلك منصات التواصل الاجتماعي، على تضخيم التوترات حول النزاعات الانتخابية، مما أدى إلى العنف.
الأسباب الجذرية والجهود المبذولة
وفقًا للخبراء، فإن الصراعات العرقية والسياسية التاريخية، والسيطرة على الموارد، والتفاوت الاقتصادي هي المحركات الرئيسية لخطاب الكراهية. وقد أدت هذه العوامل لفترة طويلة إلى تغذية العداء بين الجماعات. كما تؤدي الاختلافات الثقافية، وخاصة حول اللغة والدين، إلى تفاقم التوترات عندما تشعر الجماعات بأن كرامتها أو مصالحها مهددة.
وفي حين أطلقت المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية مبادرات لتعزيز التسامح، فإن جهودها تقوضها ضعف إنفاذ القانون، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تستخدم الجماعات ذات الانتماءات السياسية والعرقية هذه المنصات لتعميق الانقسامات، في وقت يسعى فيه آخرون إلى العدالة والسلام.
المظاهر والعواقب
تكشف المصطلحات المهينة التي يستخدمها كلا الجانبين في الصراع عن عمق العداء العرقي. بالمثل، يستخدم أنصار القوات المسلحة الأوصاف البذيئة لإهانة جنود قوات الدعم السريع، بينما يصور الجانب المعارض أعداءه على أنهم غير سودانيين، وهو ما يعزز بيئة سامة، ويخلق انعدام الثقة ويسمم الخطاب العام.
تحدي معالجة خطاب الكراهية
تسلط الكاتبة السودانية "معزة صالح" الضوء على تعقيد خطاب الكراهية، مؤكدة أنه متجذر بعمق في الصراعات العرقية والسياسية طويلة الأمد في السودان. مشيرة أن مكافحة خطاب الكراهية تحتاج إلى تكثيف الجهود المشتركة لكل المؤسسات الصحفية والإعلامية ونشطاء المجتمع المدني، فرادي وجماعات، كما تحتاج إلى التشبيك وبناء وتعزيز التحالفات لمكافحة خطاب الكراهية، كما تحتاج للعمل الإستراتيجي المستمر والمستدام بدلاً عن الحملات الموسمية المتقطعة، على حد تعبيرها.
المجتمع المدني ودور وسائل الإعلام
يشير الصحفي نادر من الله إلى أن جهود المجتمع المدني لمكافحة خطاب الكراهية تعطلت بسبب الحرب المستمرة، مع تفاقم الانقسامات. كما ينتقد الدولة السودانية لفشلها في معالجة القضية، مشيرًا إلى أن الحكومة، كطرف في الصراع، ساهمت في انتشار خطاب الكراهية، مما أدى إلى تعميق الانقسامات المجتمعية.
يشارك فيصل سعد، الصحفي المقيم في الولايات المتحدة، أنه في حين حاولت بعض منظمات المجتمع المدني احتواء خطاب الكراهية من خلال ورش العمل والمنتديات، إلا أن الجهود الرسمية لا تزال مفقودة. وهو يدعو المسرحيين والشعراء إلى لعب دور أكثر نشاطًا في مكافحة خطاب الكراهية ويقترح التعلم من نجاحات كينيا ورواندا.
من المجموعات المهتمة بمراقبة خطاب الكراهية - على سبيل المثال وليس الحصر - هناك 'صحفيون من أجل حقوق الإنسان (جهر) السودان'، و'نقابة الصحفيين السودانيين'، و'طيبة برس'، و'شبكة الصحفيين السودانيين'، من بين منظمات أخرى من المجتمع المدني.
جهود الصحفيين لمكافحة خطاب الكراهية
يسلط فيصل الباقر، المنسق العام لمنظمة "صحفيون من أجل حقوق الإنسان في السودان"، الضوء على التزام منظمته على مدى عقد من الزمان بمعالجة خطاب الكراهية. وكان مؤتمر قضايا المناصرة - بتنظيم منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان، في نيروبي عام 2014، والذي أنتج "إعلان نيروبي لمكافحة خطاب الكراهية"، بتوقيع صحفيين من السودان وجنوب السودان - يعتبر خطوة أساسية في مواجهة هذه القضية. ومع ذلك، يؤكد الباقر أن التمويل لا يزال غير كاف، وأن الجهود لم تتمكن من مواكبة النفوذ المتزايد لخطاب الكراهية في المشهد الإعلامي السوداني، وخاصة منذ حرب أبريل 2023.
وأكد الباقر أنه يتخلل خطاب الكراهية الآن جميع أشكال الإعلام في السودان، مع تصاعد الخطاب إلى حد تمهيد الطريق للإبادة الجماعية. ويتطلب معالجة هذا الأمر جهودًا شاملة من الصحفيين، الذين يجب تدريبهم على مراقبة وتوثيق خطاب الكراهية مع تعزيز الوعي العام بمخاطره، على حد قوله.
ويأتي ضمن الترتيبات والإجراءات الهامة واللازمة لمكافحة خطاب الكراهية، التأكيد على عدم التسامح مع خطاب الكراهية، في مواثيق الشرف الصحفية ومدونات قواعد السلوك الصحفي.
الفجوات القانونية والدروس الدولية
يؤكد المحامي في مجال حقوق الإنسان عبد الباسط الحاج على الحاجة الملحة إلى أطر قانونية أقوى في السودان لمعالجة خطاب الكراهية، مشيرًا إلى أن القوانين الحالية لا تفي بالمعايير الدولية. ويدعو إلى إصلاحات قانونية تحدد خطاب الكراهية وتعاقب عليه، وخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي.
نهج الصحفيين الكينيين لمكافحة خطاب الكراهية
شاركت كريستين نغوكي، عضو مجلس الصحافة الكيني، رؤى حول كيفية تعامل الصحفيين الكينيين مع خطاب الكراهية ضد الصحفيين، وخاصة خلال فترات الاضطرابات السياسية، حيث أشارت أنهم استخدموا العديد من الاستراتيجيات، بما في ذلك توثيق حالات خطاب الكراهية - التغريدات أو رسائل واتساب (WhatsApp) أو التصريحات العامة - وكشف الجناة من خلال كتابة قصص مفصلة مدعومة بالأدلة.
وفي حال مواصلة انخرط الأفراد بشكل متكرر في خطاب الكراهية، يذَكِّر الصحفيون، الجمهور، بتاريخهم التحريضي، مما يعزز المساءلة. ومن خلال تنسيق جهودهم، تعمل وسائل الإعلام على جعل تلك التصريحات تتصدر مواضيع النقاش العام، لأيام، مع التركيز على خطورتها، بحسب كريستين.
هذا، وحثت كريستين الصحفيين السودانيين على تبني نهج شجاع مماثل، ومقاومة إساءة استخدام حرية التعبير كدرع لنشر خطاب الكراهية. وشددت على أهمية فضح من يستهدف الصحفيين بالخطاب الضار، والتمسك بالمعايير الأخلاقية في ممارسة العمل الإعلامي، مشيرة ان من ضمن الترتيبات والإجراءات الهامة واللازمة لمكافحة خطاب الكراهية في صفوف الصحفيين، التأكيد على عدم التسامح مع خطاب الكراهية، في مواثيق الشرف الصحفية ومدونات قواعد السلوك الصحفي.
تعزيز أصوات المهمشين
يؤكد الصحفي الغاني المخضرم جوزيف روبرت مانسو على مسؤولية الصحفيين السودانيين في تعزيز أصوات المهمشين، وخاصة في أوقات الأزمات. كما يحث الصحفيين على معالجة الروايات التي تغذي الكراهية والعنف، وذلك ليس من خلال تقديم معلومات بديلة ودقيقة، فحسب، بل تفنيد وتفضيح تلك الروايات الإشكالية بشكل نشط. كما يؤكد مانسو على أنه يجب على الصحفيين أن يقدموا تقاريرهم بحساسية للصراع وأن يكونوا على دراية بالعواقب الأوسع لعملهم، في حين تنعدم الثقة وتنتشر فيه الكراهية في المجتمع.
الخلاصة
إن صراع السودان مع خطاب الكراهية متشابك بشكل عميق مع صراعاته السياسية والإثنية، وتلعب وسائل الإعلام دورًا حاسمًا في التخفيف من حدة هذه الانقسامات أو تفاقمها. إن مكافحة خطاب الكراهية لا تتطلب فقط تدابير قانونية أقوى ولكن أيضًا التزامًا من الصحفيين والمجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية بتوفير تغطية مسؤولة وأخلاقية. إن غاية الصحفيين هي تحقيق المصلحة العامة، وذلك من خلال مساعدة الجمهور على فهم القضايا المعقدة، حتى يكونون أكثر استعدادًا للمطالبة بالعدالة والدفع نحو المساءلة، علاوة على توفير منصة للمجتمعات المهمشة أو التي لا صوت لها. ومن خلال الجهود المستدامة المنسقة فقط يمكن للسودان أن يبدأ في التغلب على التأثير السام لخطاب الكراهية والتحرك نحو السلام.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: وسائل التواصل الاجتماعی لمکافحة خطاب الکراهیة الصحفیین السودانیین مع خطاب الکراهیة المجتمع المدنی وسائل الإعلام حقوق الإنسان الکراهیة فی فی السودان من خلال جهود ا
إقرأ أيضاً:
المملكة تؤكد ريادتها في تعزيز التعاون الدولي لمكافحة الجفاف والتصحر باستعراض نتائج رئاستها لـ COP16
أكد نائب وزير البيئة والمياه والزراعة المهندس منصور بن هلال المشيطي أن المملكة تسهم بشكل فعال في العديد من الاتفاقيات البيئية الدولية متعددة الأطراف، وتبذل جهودًا كبيرة لتعزيز هذه الاتفاقيات، وتضافر الجهود الدولية لمواجهة التحديات البيئية العالمية وتحقيق التوازن بين التنمية والبيئة من أجل ازدهار الشعوب وبناء كوكب قادر على الصمود.
جاء ذلك خلال كلمة معاليه اليوم، خلال رئاسة COP16 في اجتماعات الدورة السابعة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة بالعاصمة الكينية نيروبي، إذ استعرض معاليه أبرز نتائج مؤتمر الأطراف السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر COP16، الذي نظمته المملكة خلال شهر ديسمبر 2024م، وشهد مشاركة دولية واسعة.
وأوضح المهندس المشيطي أن المملكة تعمل على المستوى الوطني والإقليمي والدولي من خلال الإستراتيجية الوطنية للبيئة، ومبادرة السعودية الخضراء، ومبادرة الشرق الأوسط، وغيرها من الجهود التي تبذلها؛ لمجابهة التحديات الدولية، منوهًا معاليه بنتائج المؤتمر التي أسهمت في تعزيز التعاون الدولي للحد من تدهور الأراضي، لما له من أثر بالغ على الأمن المائي والغذائي والتنوع الأحيائي والرفاه الاجتماعي، إذ يتأثر أكثر من 3 مليارات نسمة حول العالم من آثار تدهور الأراضي.
وأضاف أن المؤتمر شهد تبني 37 قرارًا غطت جوانب عديدة ومهمة؛ لتعزيز العمل على تحقيق مستهدفات الاتفاقية، من ضمنها: قرارات لتعزيز الحفاظ على الأراضي الزراعية وإدارتها المستدامة وتعزيز المحافظة على أراضي المراعي لأهميتها البيئية والاجتماعية الكبيرة، إضافة إلى الحث على التعاون المشترك؛ لتعزيز بناء القاعدة المعرفية من خلال البحث والابتكار، ودعم المجتمعات المحلية والمرأة والشباب، ومؤسسات المجتمع المدني وآليات التمويل.
وأبان نائب وزير "البيئة" أن المؤتمر تضمن أيضًا العديد من المخرجات ذات الأثر الكبير على تعزيز العمل الدولي، كما عُزز الجانب التنفيذي لتحقيق مستهدفات الاتفاقية من خلال إطلاق جدول أعمال عمل الرياض، الذي ضم قرابة 40 مبادرة للحد من تدهور الأراضي وآثار الجفاف، وفي مقدمتها مبادرة شراكة الرياض العالمية للاستعداد للجفاف، التي تستهدف تعزيز القدرة على مواجهة الجفاف لدى الدول النامية الأكثر عرضة من خلال تبني نهج استباقي في مواجهة الجفاف قبل وقوعه، إذ يؤثر الجفاف حاليًّا على حوالي ربع سكان العالم، كما تحقق تقدم كبير في المفاوضات المرتبطة بالإطار التنظيمي للجفاف، مؤكدًا مواصلة رئاسة المملكة رعايتها لاستمرار الحوار بين مختلف الإقليم حول هذا المسار المهم.
وأشار إلى أنه تم العمل على تعزيز دور القطاع الخاص في الحفاظ على الأراضي واستعادتها من خلال إطلاق مبادرة رجال أعمال من أجل الأرض، بالتعاون مع أمانة الاتفاقية، والعديد من الجهات ذات العلاقة بالقطاع الخاص؛ لحث القطاع الخاص في العالم على تبني مستهدفات وخطط عمل شمولية تمكن القطاع من الاستمرار في المساهمة في النمو الاقتصادي، مع تعزيز المحافظة على الأراضي والحد من تدهورها، منوهًا بأهمية التعاون الدولي بشكل شمولي مع جميع الاتفاقيات البيئية الدولية متعددة الأطراف، ودعم والتكامل بينها من خلال تبني آليات التمويل المناسبة التي تمكن من تيسير وصول التمويل بالمستوى المناسب لتحقيق مستهدفات هذه الاتفاقيات.
وفي ختام كلمته، أكد نائب وزير "البيئة" أهمية تضمين مستهدفات هذه الاتفاقيات ضمن أطر تكاملية وفق الخطط الوطنية للدول وربطها بالخطط التنموية، إضافة لتعزيز نقل المعرفة وبناء القدرات للدول النامية، وتعزيز التنسيق بين أمانات هذه الاتفاقيات؛ لتعظيم الفوائد الناجمة عن تنفيذها بشكل شمولي، يسهم في استدامة بيئة كوكبنا للأجيال القادمة.
اخبار السعوديةأخر اخبار السعوديةمكافحة الجفافقد يعجبك أيضاًNo stories found.