من أمتع الدراسات التى يمكن قراءتها حول قصيدة النثر وما يثار حولها من مفاهيم ومصطلحات، وحالات الانقسام حولها بين من يؤمن بأنها مجلوبة من التجربة الشعرية الغربية، وبين من يجدها تطور طبيعى أتى من تراكمات النصوص الصوفية، تأتى دراسة الدكتور قدور رحمانى أستاذ الأدب بجامعة– المسیلة– الجزائرية المعنونة «قصیدة النثر وملامحها فى الكتابة الصوفیة» التى نشرت فى عام 2007.
ففى البداية يطالب الدكتور قدور رحمانى بتفحص نسيج العلاقات والوشائج بين كتابات المتصوفة كفضاء إبداعى تراثى، وبين ما ترسخ من قيم فنية وجمالية فى ظل قصيدة النثر العربية كفضاء فنى جديد يقال عنه إنه مستجلب من الغرب ولا علاقة بينه وبين أشكال القول الأدبى فى الثقافة العربية الأصيلة.
معتبراً انه قبل البحث فى إمكان وجود علاقات عميقة بين مكنوز بعض الكتابات الصوفية وبين المفهومات الناشئة على أطراف قصيدة النثر وحوافها التى وجدت لها تطبيقات عملية من خلال نصوص شعراء القصيدة النثرية كأدونيس وأنسى الحاج ويوسف الخال ومحمد الماغوط وسواهم. لابد من الوقوف– ولو عاجلا- عند هذا الشكل الشعرى الجديد فاحصين أهم المفهومات المنظرة له كأفق فنى مخالف للشكل الخليلى المستنزف ولقصيدة التفعيلة والشعر المنثور. ثم نعرج– بعد ذلك على فحص شىء من النصوص الصوفية التى رقمها بعض أعلام رجالات الطائفة من أجل الكشف عن ملامح القصيدة النثرية التى لا يراها بعض الشعراء غريبة عن الإرث الثقافى العربى، على حين تراها ثلة أخرى من المثقفين والنقدة والشعراء صناعة غربية خالصة.
يقول الدكتور قدور رحمانى إننا إذا رجعنا إلى ذلك الحوار الذى أجراه جهاد فاضل مع الشاعر الكبير الراحل «نزار قبانى» فيما يتعلق بالحداثة الشعرية والقصيدة النثرية ومستقبل الشعر العربى ألفينا نزاراً لا يعترض على هذا الشكل مبدياً إعجابه به، بل إنه يذهب أبعد من ذلك مستشرفاً أن تكون القصيدة النثرية هى فن الكتابة الشعرية المستقبلية. وإضافة إلى كل ذلك يؤكد أن النثيرة مصطلح جديد لمفهوم قديم. فهى– حسب رأيه- ذات جذور تضرب فى عمق التراث العربى والإنسانى. ومن هنا فإن أصول قصيدة النثر كانت حاضرة حية فى الكتب المقدسة وهى نشيد الإنشاد والمزامير، كما يمكن أن نلامس لها حضور فى القرآن الكريم، خاصة فى قصار السور، وفى طويلها كالرحمن ومريم. وهكذا فإن نزاراً لا يرى القصيدة النثرية وجهاً غريباً عن ميراث اللغة العربية التى يمكن أن تقال فيها العبارة الأدبية الواحدة بصيغ شتى متعددة.
ويتخذ الدكتور قدور رحمانى الشاعر العربى الكبير أدونيس– وهو أبكر منظر لقصيدة النثر ومن أكبر شعرائها– نموذجاً لا يستهان به فى الإقبال على الإرث الأدبى الصوفى وجعله من أهم الروافد فى تشكيل رؤياه الجديدة لفن الشعر وقد ظهر ذلك جلياً من خلال قصائده النثرية ومن خلال كتاباته عن تجارب السادة الصوفية وعن إضافاتهم الخصبة لهذا العالم المتجلية بين تضاعيف إبداعهم الأدبى والفلسفى.
كما تحدث أدونيس فى كتابة (الصوفية والسريالية) عن عظمة التجربة الصوفية ودعا إلى ضرورة استثمار ما فيها من زخم فكرى ومعرفى وجمالى، كما ألمح إلى أن هذه التجربة قد أفاد منها كتاب قصيدة النثر فى بناء أفكارهم وتشكيل آفاقهم الجديدة التى تتجاوز كون الشاعر مجرد تاريخ ومجرد مزمار للواقع المعيشى والحوادث والأحاسيس المفجوعة. وإذا كانت تجربة الكتابة الصوفية جديدة برفضها للتقليد وما هو مستنزف، وبمحاولة خلق لغة داخل اللغة تستطيع أن تستجيب لعمق التجربة، فإن تجربة الشعر الجديد ومنها قصيدة النثر حاولت أن تفيد من هذه التجربة التراثية العظيمة.
ويجد الدكتور قدور رحمانى أنه من خلال اطلاعه على كوكبة من نصوص القصائد النثرية خاصة التى رقمها أدونيس وانسى الحاج أكتشف ان هذه الكتابات تتجاوز كون الإنسان مجرد تاريخ متماهية مع اقاعات الكون، ذائبة داخل تنويعات الوجود وما يكتنفها من سحر وغموض.
إن هذا اللون الجديد من الكتابة بالرغم من كثرة المعارضين له يفتحنا على اللامحدود ويضيف شيئاً جديداً إلى هذا العالم، ويدعونا إلى صهر الأنا ودمجها بالوجود، كما يدعونا إلى التخلى عن الحوادث والمجتر والمشترك ويوقظ المجهول فينا واللانهائى والخفى، ويزرع فى حساسيتنا الوحدانية الرغبة فى البحث عن الميئوس من الإحاطة به أملا فى ملامسة ولو لشىء يسير من أسراره المكنونة. وكذلك كانت الكتابة الصوفية لونا خاصا يثير شوقنا إلى استكناه السحر الّذى يتمنع عن وعينا ويتخطى تخوم العقل الذى لم يكن بوسعه كما يرى جلال الدين الرومى وغيره من الصوفية أن يستوعب فيوضات الوجدان وأمواج المشاعر المباغتة والمتجددة، ولم يستطع بصرامته ووضوحه أن يتحمل عميق المعاناة وطوفان الخيالات التى تصطخب فى كيان العاشق الصوفى فتأخذه بعيداً عن الزمن الواقعى والاجتماعى ودنيا الناس التقليدية المكررة. هذا العاشق النوعى الثمل لا يشعر بتحقيق وجوده إلا خارج أحياز العقل والوعى.
يقول الصوفى الكبير جلال الدين الرومى:
أيها العاشق! ويلتا من العقل والوعي
فأنت أيها العقل مثل الماء فابتعد عن نارنا
أو فأقدم لتغلى معنا فى قدرنَا..
فإذا لم ترد أيها العاقل أن يتحطم منك أصغرك
فمت، لا تصارع الأمواج والمحيط.
إذا زعمت أنك عاشق فأمامك امتحانان
فلا تلو رأسك واحتس من خمر الرجال...
ها أنذا أصبح، لكننى من ثمل العشق
مثل قيثارتى، لا خبر لى بالصباح...
أما الشاعر أدونيس فيقول: أعيش يائساً
لكننى يائس كشجرة،
يائس كجبل،
يائس كشلال،
يائس كبحر.
أعيش راسخاً أتطاول واستشرف.
أخسر أصدقاء، أكسب أصدقاء، هذا يفرحنى.
ثمة أشياء وعلاقات يكون موقعها أحياناً
أكثر جمالاً من ولادتها.
ذلك هو، وحده، القتل الضرورى الجميل.
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
وزير الاتصالات يفتتح فعاليات الاحتفالية السنوية لمبادرة قدوة. تك
أكد الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أن استراتيجية مصر الرقمية التى أطلقتها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات منذ أكثر من 7 أعوام تستهدف بناء مجتمع رقمى متكامل يتم من خلاله تمكين كافة المواطنين من استخدام التكنولوجيا والاستفادة من إمكانياتها فى جميع مناحى الحياة؛ مضيفا أن مبادرة قدوة. تك التى أطلقتها الوزارة منذ 6 أعوام تأتى فى إطار تنفيذ هذه الاستراتيجية حيث تستهدف المبادرة تمكين المرأة المصرية فى كافة أنحاء الجمهورية من استخدام تكنولوجيا المعلومات فى تطوير مسارها المهنى وتحقيق طموحاتها.
جاء ذلك فى كلمة الدكتور عمرو طلعت التى ألقاها خلال افتتاحه فعاليات الاحتفالية السنوية الخامسة لمبادرة "قدوة. تك": مستقبل تمكين المرأة فى عصر التحول الرقمى 2025، والتى تعقد هذا العام تحت شعار "شراكات تعزز الأثر". وذلك بالتزامن مع مرور 6 سنوات على انطلاق المبادرة التى تهدف إلى تنمية المهارات الرقمية للمرأة المصرية، من خلال توظيف أحدث تقنيات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وأكثرها توافقًا مع احتياجاتها العملية والمجتمعية. كما تتزامن هذه الاحتفالية مع اليوم العالمى للاتصالات الذى يقام هذا العام تحت شعار "المساواة بين الجنسين فى التحول الرقمى".
وأشار الدكتور عمرو طلعت إلى أن المرأة هى قوام وعماد الأسرة والمجتمع المصرى؛ ومن هذا المنطلق تحرص وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات على إتاحة برامجها التدريبية لكافة السيدات مع إطلاق مبادرات مخصصة للمرأة ومنها مبادرة قدوة. تك التى نجحت على مدار 6 سنوات فى تدريب أكثر من 30 ألف سيدة من مختلف المحافظات، وتدريب 55 رائدة معرفة، أسهمن فى نقل المهارات الرقمية لأكثر من 16 ألف سيدة داخل مجتمعاتهن، بالإضافة إلى رفع الوعى المجتمعى حول استخدام التقنيات الحديثة بما فى ذلك الذكاء الاصطناعى من خلال التعريف بإمكاناته وسبل الاستفادة منه والتحوط من مخاطره.
وأكد الدكتور عمرو طلعت على استمرار الوزارة فى توسيع قاعدة المستفيدات من المبادرة؛ مشيرا إلى أنه يلتقى بشكل مستمر خلال زياراته إلى المحافظات بنماذج ناجحة من السيدات ممن استفدن من مبادرة قدوة. تك ونجحن فى توظيف المهارات الرقمية التى اكتسبنها فى التسويق الرقمى لمنتجاتهن الحرفية.
وفى ختام الجلسة الافتتاحية قام الدكتور عمرو طلعت بتكريم عدد من الخبراء وممثلى الجهات المحلية والدولية الشريكة لمبادرة قدوة. تك، تقديرا لدورهم الفاعل فى تعزيز المهارات الرقمية للمستفيدات من المبادرة خلال العام الماضى.
كما قام بتكريم عدد من القدوات من النماذج الناجحة ممن اكتسبن مهارات رقمية عبر مسارات المبادرة التدريبية؛ إلى جانب تكريم صانعات الأثر من رائدات المعرفة والشركاء، تثمينا لجهودهن المستمرة فى استدامة نشر المعرفة وتعزيز الشمول المجتمعى الرقمى للمستفيدات من المبادرة.
يجدر الإشارة إلى أن مبادرة "قدوة.تك" نجحت خلال 6 سنوات فى تمكين نحو 32 ألف سيدة فى مختلف محافظات الجمهورية، عبر برامج متكاملة لبناء القدرات الرقمية، وتقديم خدمات التوجيه والدعم المستمر لقياس الأثر وحل التحديات باستخدام الحلول التكنولوجية.
كما ساهمت فى رفع الوعى المجتمعى عن التكنولوجيا المالية الرقمية والشمول المالى، وموضوعات ليها ابعاد تنمية مستدامة مثل الصحة الالكترونية والحماية الرقمية من خلال أكثر من 100 فعالية توعوية، وقد رسخت المبادرة نموذجًا مجتمعيًا مستدامًا قائمًا على نقل المعرفة من سيدة إلى أخرى، حيث تؤدى رائدات المعرفة دورًا فاعلًا فى تمكين أقرانهن من استخدام التكنولوجيا وتبادل الخبرات فى مجالات الحرف وإدارة المشروعات، مما يعزز فرص السيدات فى ريادة الأعمال ويسهم فى توسيع نطاق التمكين الرقمى من داخل المجتمع نفسه.
وخلال الاحتفالية؛ ألقى غمار ديب نائب الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى فى مصر، كلمة أشار فيها إلى دور البرنامج فى تعزيز التمكين الاجتماعى والاقتصادى للسيدات والشباب فى محافظات مصر، من خلال التعاون الوثيق والدائم مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ودوره فى خلق المزيد من فرص العمل لكافة الفئات فى المجتمع، وزيادة الاستثمارات من أجل تعزيز المساواة بين الجنسين ودعم جهود الوطنية للدول لتحقيق خطط التنمية المستدامة، انطلاقًا من أهداف التنمية الدولية.
وقدمت المهندسة هدى دحروج مستشار وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات للتنمية المجتمعية الرقمية، عرضاً تناولت فيه أبرز إنجازات مبادرة "قدوة.تك"، مستعرضة مدى توافقها مع الاحتياجات الفعلية للمرأة المصرية، ودورها فى تمكين الكوادر المحلية من صاحبات الاعمال الحرفية والخدمية ؛ وبناء شبكة من القدوات القادرات على قيادة التحول الرقمى فى مجتمعاتهن. حيث سلّط العرض الضوء على الحلول الرقمية المبتكرة التى وفّرتها المبادرة، خاصة فى مجالات الذكاء الاصطناعى، إلى جانب أثر الشراكات الفاعلة التى وفرت فرصًا حقيقية لدمج النساء فى الاقتصاد الرقمى المحلى والإقليمى والدولى، مع تبنى المبادرة للبُعد البيئى فى كافة مراحل التنفيذ. والإشارة إلى الرؤية المستقبلية للمبادرة، التى ترتكز على استراتيجية شاملة للمشاركة المجتمعية، ضمت حتى الآن أكثر من 25 شريكًا وطنيًا وإقليميًا ودوليًا، وأسهمت فى تقديم نماذج تكاملية ناجحة بين الدولة والمجتمع المدنى والقطاع الخاص، بما يضمن استدامة التمكين الرقمى والاقتصادى للمرأة المصرية، ويبرز قصص النجاح والتغيير المجتمعى الناتجة عن هذا التعاون.