عام على "الطوفان".. كيف تنظر إسرائيل للإبادة الجماعية في غزة؟
تاريخ النشر: 5th, October 2024 GMT
تكمل الحرب على قطاع غزة عامها الأول ولا تزال إسرائيل ترتكب "إبادة جماعية" بحق الفلسطينيين، بزعم الرد على هجوم "طوفان الأقصى" الذي نفذتها حركة حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
في ذلك اليوم، هاجمت حماس قواعد عسكرية ومستوطنات بمحاذاة غزة، فقتلت وأسرت إسرائيليين، ردا على "جرائم الاحتلال الإسرائيلي اليومية بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته، ولا سيما المسجد الأقصى"، وفق الحركة.
وعبر دعوى أمام محكمة العدل الدولية (مقرها في مدينة لاهاي بهولندا)، نجحت جنوب إفريقيا في تسليط الضوء على مأساة غزة؛ باتهامها إسرائيل بارتكاب "أعمال إبادة جماعية".
وإلى حين البت في الدعوى، أصدرت المحكمة أوامر لإسرائيل باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني المزري بغزة، لكن تل أبيب لم تستجب لهذه الأوامر.
وحولت إسرائيل قطاع غزة إلى أكبر سجن في العالم، إذ تحاصره للعام الـ18، وأجبرت حربها نحو مليونين من مواطنيه، البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون فلسطيني، على النزوح في أوضاع كارثية، مع شح شديد ومتعمد في الغذاء والماء والدواء.
وبينما يجري الحديث عن مستويات التطرف غير المسبوقة التي وصلت إليها حكومة إسرائيل الراهنة، يهمل كثيرون التركيز على التفاعل الشعبي مع الإبادة الجارية في غزة.
وتشير استطلاعات عديدة إلى أن أغلبية الإسرائيليين على اختلاف توجهاتهم السياسية والأيديولوجية تؤيد الإبادة في غزة، لكن الاختلافات الراهنة تتعلق بفعل ذلك والأسرى بقبضة الفصائل الفلسطينية، أم بعد تحريرهم ضمن صفقة.
تأييد شعبي لجرائم نتنياهو
بعد "طوفان الأقصى" والفشل المخابراتي والعسكري في إسرائيل انهارت شعبية رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو (74 عاما)، لكنه استعادها بمرور الوقت، بل وتفوق على منافسيه بصورة دراماتيكية، حسب استطلاع للرأي بصحيفة "معاريف" العبرية في 13 سبتمبر/أيلول 2024.
نتائج الاستطلاع أظهرت أن 41 بالمئة من الإسرائيليين يعتقدون أن نتنياهو الأنسب لرئاسة الحكومة، مقابل 40 بالمئة لزعيم حزب "معسكر الدولة" بيني غانتس.
وأفادت بأن حزب غانتس سيحصل على 21 مقعدا من أصل 120 في الكنيست، مقابل 24 لحزب "الليكود" الحاكم بقيادة نتنياهو، حال إجراء الانتخابات يوم الاستطلاع.
الاستطلاع نفسه توصل إلى أن 47 بالمئة من الإسرائيليين يعتبرون نتنياهو الأنسب لرئاسة الحكومة، مقابل 34 بالمئة لزعيم المعارضة يائير لابيد.
تلك النتائج تظهر صعودا في شعبية نتنياهو، وتأييدا ضمنيا لاستمرار "الإبادة الجماعية" في غزة، وذلك مقارنة بنتائج استطلاعات سابقة للرأي.
ففي 13 يوليو/ تموز الماضي، أظهر استطلاع أن 70 بالمئة من الإسرائيليين يطالبون بإقالة نتنياهو، بينهم 44 بالمئة يؤيدون استقالته فورا، حسب "القناة "12" العبرية.
كما أظهر استطلاع في 12 أبريل/نيسان الماضي أن 47 بالمئة من الإسرائيليين يرون غانتس الأنسب لرئاسة الوزراء، مقابل 35 بالمئة لنتنياهو.
وفي 4 يناير/ كانون 2024، بلغت نسبة تأييد نتنياهو، حسب استطلاع، 15 بالمئة فقط، إذ دعت الغالبية العظمى من الإسرائيليين إلى استقالته.
من هنا يتبين أن شعبية نتنياهو كانت في انهيار خلال الأسابيع التي تلت 7 أكتوبر، إلا أنه مع استمراره في "الإبادة الجماعية" بغزة، استعاد شعبيته المفقودة وواصل تمسكه بمنصبه.
وتحتجز تل أبيب في سجونها ما لا يقل عن 9 آلاف و500 فلسطيني، وتقدر وجود نحو 101 أسير إسرائيلي في غزة، في حين أعلنت حماس العشرات منهم في غارات عشوائية إسرائيلية.
ويمنع نتنياهو إبرام اتفاق مع حماس، بإصراره على استمرار احتلال ممر نتساريم، الذي يقسّم قطاع غزة إلى شمال وجنوب، بالإضافة إلى معبر رفح ومحور فيلادلفيا الحدودي مع مصر، وهو ما ترفضه حماس.
إقرار إسرائيلي بالإبادة
"إذا لم تكن هذه إبادة جماعية، فما هي؟".. بهذا التساؤل الاستنكاري عنون الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي مقاله بصحيفة "هآرتس" العبرية في 14 يناير/ كانون الثاني الماضي.
وانتقد ليفي التناقض في إسرائيل بين الأقوال والأفعال خلال مسار الدعوى المرفوعة من جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية.
وتساءل عما "يجري في غزة من قتل جماعي دون تمييز وضبط للنفس، وبشكل لا يمكن تصوره"، مؤكدا أنها "إبادة جماعية لا يمكن تغييرها بتعريف قانوني".
ليفي اعتبر أن "إسرائيل ستتنفس الصعداء إذا أسقطت المحكمة الدولية التهمة عنها، وكأن ضميرنا سيكون نظيفا إذا قالت لاهاي إن هذه لم تكن إبادة جماعية، وسنكون الأكثر أخلاقية في هذا العالم!".
وبعد جلسة لمحكمة العدل الدولية، تحدث الكاتب الإسرائيلي بي ميخال، في مقال بـ"هآرتس" يوم 14 يناير/ كانون الثاني الماضي، عن "المستوى الهائل لكذب فريق الدفاع الإسرائيلي أمام المحكمة".
ومستنكرا، قال ميخال: "لو أوصلنا جهاز كشف الكذب بمحامينا في لاهاي لانهارت شبكة الكهرباء".
وقبل الجلسة، قال الكاتب الإسرائيلي جيرمي شارون، عبر مقال بصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في 10 يناير/ كانون الثاني الماضي، إن إسرائيل ستجد نفسها في قفص الاتهام بتهمة "الإبادة الجماعية" لسكان غزة.
وقال شارون إن "التصريحات التحريضية العديدة التي أدلى بها وزراء إسرائيليون بشأن الفلسطينيين في غزة، مثل (وزير الأمن القومي إيتمار) بن غفير و (ووزير المالية بتسلئيل) سموتريتش عززت موقف جنوب إفريقيا بأن إسرائيل لديها النية لارتكاب إبادة جماعية، وهو جانب حاسم في أي اتهامات بالإبادة الجماعية".
واستندت المحكمة على تصريحات عنصرية لوزراء إسرائيليين، أبرزها تصريح وزير التراث عميحاي إلياهو في 5 يناير/ كانون الثاني الماضي بشأن إمكانية إلقاء قنبلة نووية على غزة.
وأعرب إلياهو عن رفضه دخول أي مساعدات إنسانية إلى غزة؛ بدعوى أن بلاده لن تنقل المساعدات إلى "النازيين"، على حد زعمه، و"لا يوجد شيء اسمه مدنيون غير متورطين في غزة".
تلك الممارسات والتصريحات الإسرائيلية دفعت دولا عديدة إلى تأكيد أن ما يحدث في غزة هو "إبادة جماعية حقيقية".
ففي 9 مايو/ أيار الماضي، حذر وزير الحقوق الاجتماعية الإسباني بابلو بوستندوي شركات بلاده في إسرائيل من "خطر المساهمة في الإبادة الجماعية في فلسطين"؛ مما أثار استياء السفارة الإسرائيلية في مدريد.
وفي 25 سبتمبر/ أيلول الماضي، أكدت صحيفة هآرتس نقلا عن جمعيات حقوقية إسرائيلية، أن القناة 14 (العبرية) اليمينية المتطرفة دعت إلى إبادة الفلسطينيين في غزة أكثر من 50 مرة منذ 7 أكتوبر.
إبادة متواصلة
وفي ضوء الأحاديث عن الإبادة، أكدت منظمة العفو الدولية "أمنستي" في 5 سبتمبر 2024، أن الجنود الإسرائيليون يدمرون منازل ومرافق المدنيين في غزة بشكل غير مبرر.
وفي هذا السياق، سلطت الضوء على مقاطع فيديو نشرها جنود إسرائيليون على وسائل التواصل الاجتماعي خلال الفترة بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 ومايو/أيار 2024.
ويظهر الجنود الإسرائيليون في المقاطع وهم يتهيؤون لالتقاط الصور أو يرفعون الأنخاب من أجل عائلاتهم أو أصدقائهم الأحياء أو الأموات، احتفالًا بالتدمير بينما تُهدم مباني المدنيين في الخلفية.
وعادة ما ترد الخارجية الإسرائيلية على اتهامات "الإبادة الجماعية" بزعم أنها "اتهامات كاذبة يُروجها البعض"، وأن دولا، بينها جنوب إفريقيا، تعمل على "شيطنة" إسرائيل ونزع الشرعية عنها.
وفي 29 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تقدمت جنوب إفريقيا بطلب إلى محكمة العدل الدولية للتحقيق مع إسرائيل في انتهاك بعض مواد اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية المعاقبة عليها.
ومع توالي جلسات المحكمة، طالبت جنوب إفريقيا بالتعليق الفوري للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، مع ضمان حصول سكان القطاع على الغذاء والماء والمساعدات الإنسانية.
غير أن إسرائيل لا تزال مستمرة في "الإبادة الجماعية" للمواطنين الفلسطينيين في غزة، ولم تعر أي اهتمام لأوامر المحكمة ولا المناشدات الدولية بتقديم مساعدات إنسانية كافية.
كما تتحدى تل أبيب طلب مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعها يوآف غالانت، لمسؤوليتهما عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة.
فمع ارتفاع عدد الضحايا في غزة، خلال الحرب المدعومة من الولايات المتحدة، تتزايد شعبية نتنياهو ويضمن الاستمرار في منصبه، في مواجهة ضغوط المعارضة، وكذلك الرأي العام الدولي المندد بالحرب على غزة.
وهي حرب أسفرت عن أكثر من 138 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: بالمئة من الإسرائیلیین کانون الثانی الماضی الإبادة الجماعیة العدل الدولیة جنوب إفریقیا إبادة جماعیة فی غزة
إقرأ أيضاً:
باحث إسرائيلي يؤكد وقوع إبادة جماعية في غزة: على أوروبا التدخل فورًا لوقفها
تتصاعد الاتهامات لإسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة، تنفيها إسرائيل. يؤكد الباحث عمر بارتوف في مقابلة مع يورونيوز وجود نية مبيتة لتدمير الفلسطينيين، ويشدّد على مسؤولية المجتمع الدولي في التدخل لوقف هذه الممارسات. اعلان
تتزايد الدعوات والتحذيرات الدولية التي تصف ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة بأنه "إبادة جماعية ممنهجة ضد الفلسطينيين"، حيث يؤكد عدد متزايد من السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والخبراء القانونيين والمؤرخين أن "هناك نية واضحة ومعلنة لتدمير الشعب الفلسطيني كجماعة عرقية وجعل الحياة في غزة شبه مستحيلة".
ومنذ أن قدمت جنوب أفريقيا دعوى رسمية أمام محكمة العدل الدولية في ديسمبر/ كانون الأول 2023، تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية، تصاعد الجدل القانوني والسياسي حول ما إذا كانت أفعال الجيش الإسرائيلي تندرج تحت هذا التصنيف الخطير. إسرائيل من جهتها رفضت هذه الاتهامات ووصفتها بأنها "باطلة ولا أساس لها من الصحة".
وفي هذا السياق، تحدثت يورونيوز مع البروفيسور عمر بارتوف، عميد دراسات الهولوكوست والإبادة الجماعية في جامعة براون الأميركية، الذي أكد أن ما يحدث في غزة "يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية"، وفق تعبيره.
وفي مقابل هذا الرأي، استطلعت يورونيوز موقف الدكتور ستيفان تالمون، أستاذ القانون الدولي في جامعة بون الألمانية، والباحث الزائر في جامعة أكسفورد البريطانية، الذي يرى أن ما يجري في غزة لا ينطبق عليه تعريف الإبادة الجماعية قانونيًا. (يمكنكم قراءة المقابلة الكاملة مع تالمون عبر هذا الرابط).
وقد وصف عمر بارتوف، الباحث المتخصص في دراسات الإبادة الجماعية والهولوكوست، ردّ إسرائيل على هجمات 7 أكتوبر التي نفذتها حركة حماس بأنه كان رد فعل غير متناسب، واعتبر أن ما حدث يمكن تصنيفه كـ"جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".
ومع مرور الوقت، وتحديدًا في مايو/ أيار 2024، غيّر بارتوف تقييمه للحملة العسكرية الإسرائيلية، وبدأ يصفها بأنها إبادة جماعية، مستندًا إلى ما اعتبره أدلة متزايدة تدل على وجود نية مبيتة لدى إسرائيل في أفعالها.
في تلك المرحلة، أمر الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين بمغادرة مدينة رفح الواقعة في الطرف الجنوبي من قطاع غزة، ونقلهم إلى منطقة المواصي الساحلية التي تفتقر تقريبًا إلى أي مأوى أو ملاذ آمن، في خطوة اتُخذت قبل أن يبدأ الجيش في تسوية رفح بالأرض.
وقال عمر بارتوف في حديثه مع يورونيوز إن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأعضاء حكومته تشكل دليلاً واضحًا على نيتهم تدمير الشعب الفلسطيني وجعل قطاع غزة غير صالح للسكن. فقد وصف المسؤولون الإسرائيليون الفلسطينيين بـ"الحيوانات البشرية"، وأكدوا عزمهم على تحويل غزة إلى ركام وأنقاض، مما يعكس موقفًا عدائيًا واضحًا.
وبموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948، يُعتبر وجود "نية التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو دينية" دليلًا كافيًا على وقوع جريمة إبادة جماعية. وبذلك، ترتبط تصريحات القيادة الإسرائيلية ارتباطًا مباشرًا بمفهوم هذه الجريمة الدولية.
لكن رغم وضوح هذا التعريف، تظل محاكمة المسؤولين عن الإبادة الجماعية قضية قانونية معقدة للغاية، حيث تستغرق الإجراءات في المحاكم الدولية سنوات طويلة قد تصل إلى 14 عامًا، كما حدث في محاكمات الإبادة الجماعية في البوسنة بسريبرينيتسا، مما يعقد مسار تحقيق العدالة.
وعلى الرغم من أن بعض الخبراء يعتبرون الإبادة الجماعية "الجريمة الأشد خطورة من بين الجرائم الدولية"، إلا أن آخرين يؤكدون أنها تصنيف قانوني لا ينبغي أن يُعطى أولوية على جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية، محذرين في الوقت ذاته من أن طول أمد المحاكمات قد يؤدي إلى تأجيل تحقيق العدالة والإنصاف.
وأوضح بارتوف أن إثبات وقوع إبادة جماعية يتطلب إثبات وجود نية مبيتة واضحة، بحيث لا تكون هناك أي دوافع أخرى سوى الرغبة في تدمير الجماعة بشكل كامل أو جزئي.
وأشار أيضًا إلى أن العمليات العسكرية الإسرائيلية الممنهجة تستهدف هدم المستشفيات والمساجد والمتاحف، معتبراً أن الهدف من هذه الإجراءات هو إجبار السكان على المغادرة، رغم أن "الناس لن يغادروا ولا يستطيعون المغادرة، وليس لديهم مكان يذهبون إليه".
وعلى الرغم من هذه الاتهامات، رفضت إسرائيل مرارًا وتكرارًا أن تكون حملتها حملة إبادة جماعية، مؤكدة أن هدفها هو فقط إضعاف حركة حماس والقضاء عليها. كما نفت إسرائيل استهداف المدنيين عن قصد، متهمةً في الوقت نفسه حماس باستخدام المدنيين كـ"دروع بشرية".
ورأى بارتوف أن ما يميز العملية الإسرائيلية في غزة عن التطهير العرقي هو أنها تسعى إلى جعل من المستحيل على الفلسطينيين إعادة إعادة تشكيل جماعتهم من جديد، وهو ما يشير إليه القسم (د) من اتفاقية منع الإبادة الجماعية، حيث يتعلق الأمر بفرض تدابير تمنع الولادات داخل الجماعة.
واستند بارتوف في تقييمه إلى تقرير صادر مؤخرًا عن منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان الإسرائيلية غير الحكومية، والذي يمتد لـ65 صفحة، حيث يؤكد أن أفعال إسرائيل في غزة ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية.
ويوثق التقرير العدد الكبير من حالات الإجهاض بين نساء غزة، بالإضافة إلى ارتفاع عدد الأطفال الذين يولدون ناقصي الوزن أو الخُدج، كما يُشير إلى ارتفاع وفيات الأمهات في ظل المجاعة ونقص الرعاية الصحية.
ويعتقد بارتوف أن العملية الإسرائيلية في غزة ليست موجهة فقط للقضاء على حركة حماس، بل تهدف بشكل أوسع إلى إفراغ غزة من سكانها الفلسطينيين، خاصة مع رفض إسرائيل المتزايد لفكرة قيام الدولة الفلسطينية.
وينص القسم (أ) من اتفاقية منع الإبادة الجماعية على أن قتل أعضاء الجماعة بقصد تدميرها بشكل كامل أو جزئي يُعد إبادة جماعية. كما يشير القسم (ب) إلى التسبب في أذى جسدي أو نفسي شديد لأفراد الجماعة. ويرى بارتوف أن كلا هذين الشرطين ينطبقان على العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة.
وقال بارتوف: "الأمر واضح، نحن نتحدث عن ما بين60 ألف إلى 100 ألف قتيل"، مشيرًا كذلك إلى وجود حوالي 140 ألف جريح، بالإضافة إلى المصابين بالأمراض المزمنة الذين توفوا نتيجة تعطل المستشفيات، والفلسطينيين الذين تعرضوا لإرهاق شديد بسبب الجوع ونقص الموارد.
ورفض بارتوف الحجة التي تقول إن أرقام ضحايا وزارة الصحة التي تديرها حركة حماس، والتي لا تفرق بين المدنيين والمقاتلين، قد تكون غير دقيقة أو مبالغ فيها كما تدعي إسرائيل، مؤكدًا أن أرقام حماس "موثوقة" و"موثقة بشكل جيد" وحتى "متحفظة"، خاصة مع وجود آلاف الجثث التي لا تزال تحت الأنقاض.
وأضاف: "دعوا جيش الدفاع الإسرائيلي يقدم أرقامه الخاصة، ويُسمح للصحافة الأجنبية بالدخول، فعبء الإثبات يقع على عاتق جيش الدفاع الإسرائيلي". لكنه شدد في الوقت ذاته على أن عدد الضحايا الفعلي ليس العامل الحاسم في إثبات وقوع الإبادة الجماعية.
وأشار إلى أن "الاتفاقية تتعلق بقتل أشخاص من داخل الجماعة، وليس بالضرورة قتل جميع أفراد الجماعة".
لا توجد علاقة بين تخفيف الأزمة الإنسانية والاتهام بالإبادة الجماعيةعلى الرغم من اتفاقات وقف إطلاق النار السابقة التي وافقت عليها إسرائيل، بالإضافة إلى تخفيف الحصار الغذائي الأخير وسط تقارير متزايدة عن المجاعة في غزة، فإن ذلك لا يُغيّر من اتهامات بارتوف بوقوع إبادة جماعية.
في الواقع، جادل بارتوف بأن وقف إطلاق النار كان مفروضًا على إسرائيل، وليس نتيجة إرادة حقيقية منها.
وأوضح قائلاً: "آخر وقف لإطلاق النار فرضه الرئيس ترامب عند توليه المنصب، وفي مارس/آذار، خرقت إسرائيل وقف إطلاق النار من جانب واحد، وفي غضون دقائق معدودة قتلت بضع مئات من المدنيين".
وأضاف: "هذا ليس له علاقة بالنية الرئيسية للإبادة الجماعية... إنه ليس شيئًا يتم القيام به عن طيب خاطر على الإطلاق".
وزعم بارتوف أن الحكومة الإسرائيلية برئاسة نتنياهو تعلن علنًا أمام الجمهور الإسرائيلي قبولها لما تُسمى بـ"الهدنة الإنسانية"، خاصةً تحت ضغوط الرئيس ترامب، باعتبارها إجراءات مؤقتة تتيح لإسرائيل الاستمرار في عملياتها العسكرية.
ومع ذلك، أشار إلى أن الفلسطينيين في غزة لا يزالون يُقتلون في هذه الأثناء، رغم وجود تلك الهدنة.
عندما أصدرت المنظمتان غير الحكوميتان الإسرائيليتان "بتسيلم" و"أطباء من أجل حقوق الإنسان" تقريريهما يوم الإثنين، أطلقتا نداءً مشتركًا دعتا فيه الإسرائيليين والمجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات فورية لوقف ما وصفوه بالإبادة الجماعية، مستندتين إلى استخدام جميع الأدوات القانونية المتاحة بموجب القانون الدولي.
وفي هذا السياق، طرحنا السؤال على عمر بارتوف، المواطن الإسرائيلي الذي خدم في الجيش الإسرائيلي، حول طبيعة الرأي العام داخل إسرائيل تجاه ما يحدث في غزة.
فأجاب بارتوف قائلاً: "بالطبع، الجميع على علم، فلا يمكن لأحد أن يكون غير مدرك لما يجري، لكن معظم الإسرائيليين يفضلون عدم المعرفة".
وأضاف: "في الأمس، بثت قناة 'كان 11' الحكومية تقريرًا استثنائيًا عرض للمرة الأولى صورًا لأطفال يتضورون جوعًا في غزة، لكن بعد ذلك نفت تلك الصور ووصفتها بأنها أخبار كاذبة، مرفقة بلقطات تظهر أشخاصًا يبيعون الفواكه والخضروات في سوق بمدينة غزة".
من جانبها، تحققت يورونيوز من صحة لقطات قناة "كان 11"، لكنها لاحظت أن بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية تزعم أن الصور التي تظهر الأطفال الفلسطينيين في حالة جوع شديدة قد تم التلاعب بها.
الولايات المتحدة وأوروبا "ملزمتان" بوقف الحرب في غزةورأى عمر بارتوف أن من الضروري الاعتراف بما تقوم به إسرائيل في غزة على أنه إبادة جماعية، مشيرًا إلى أن جميع الدول الموقعة على اتفاقية الإبادة الجماعية، والتي تشمل جميع الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، ملزمة قانونيًا بـ"فعل شيء ما" لمنع هذه الجرائم ووقفها ومحاسبة المسؤولين عنها.
ومع ذلك، لفت بارتوف إلى أن الواقع يعكس عكس ذلك تمامًا، حيث تظل كل من الولايات المتحدة وأوروبا متواطئة مع ما يحدث في غزة، دون اتخاذ خطوات حقيقية لوقف الحرب.
وأضاف بارتوف أن الوضع في ألمانيا "مروع بشكل خاص"، ليس فقط لأنها القوة الأوروبية الكبرى والمورد الرئيسي للأسلحة لإسرائيل، بل لأنها تقوم بذلك تحت شعور بالمسؤولية عن المحرقة (الهولوكوست).
وأكد بارتوف أن ألمانيا، بوصفيها دولة تعترف بمسؤوليتها التاريخية عن الهولوكوست، يجب أن تكون في طليعة الدول التي تمنع الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، وليس في حماية دولة تمثل "الدولة التي ارتكبت المحرقة نفسها بينما تنفذ اليوم إبادة جماعية".
ووصف بارتوف هذا الأمر بأنه "تشويه كامل لدروس الحرب العالمية الثانية والنازية والهولوكوست"، مشددًا على أهمية التعلم من التاريخ لمنع تكرار مثل هذه الجرائم.
وأظهر عمر بارتوف الحاجة الماسة لاتخاذ إجراءات عاجلة من أجل وقف العنف في غزة، معبراً في الوقت نفسه عن خوفه من أن تكون إحدى التداعيات طويلة الأمد لهذا الصراع هي أن "إسرائيل ستصبح دولة منبوذة" إذا سُمح لها بالإفلات من العقاب على ما تقوم به.
وأشار بارتوف إلى أنه "إذا كان هناك مصلحة حقيقية في حماية إسرائيل ومساعدتها على أن تكون مكانًا آمنًا وذا سمعة جيدة، فلا بد من فرض إجراءات الآن توقف ليس فقط قتل الفلسطينيين، بل أيضًا التآكل السريع للديمقراطية داخل إسرائيل".
وفي نفس السياق، أعرب عن مخاوفه من أن تحوّل إسرائيل إلى دولة منبوذة سيؤدي إلى تأثيرات عميقة على المجتمعات اليهودية حول العالم، حيث من المتوقع أن يتصاعد معها بشكل ملحوظ خطاب معاداة السامية، وهو ما يُشكّل تهديدًا خطيرًا على هذه المجتمعات.
وعبّر بارتوف، الذي كرّس جزءًا كبيرًا من أبحاثه لدراسة الجرائم النازية، عن أسفه إزاء صمت المؤسسات التي أُنشئت لإحياء ذكرى المحرقة، مثل المراكز التذكارية والمتاحف، التي لم تصدر أي موقف واضح بشأن الأحداث الجارية في غزة. كما يؤكد أن مهمة هذه المؤسسات لا تقتصر فقط على تذكير الجمهور بأهوال الهولوكوست، بل تشمل أيضًا منع الفظائع المستقبلية من خلال تعزيز التعليم والتوعية والتذكر المستمر.
وحذر بارتوف من أن فشل هذه المؤسسات في اتخاذ موقف علني وواضح يؤثر سلبًا على مصداقيتها، قائلاً: "لن يتمكنوا بعد الآن من تقديم أنفسهم كمؤسسات تعنى فقط بما قام به النازيون تجاه اليهود، متجاهلين كل ما يحدث الآن".
وعند السؤال عن إمكانية وصف الهجمات التي نفذتها حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والتي أسفرت عن مقتل ما يقرب من 1200 إسرائيلي، بالإبادة الجماعية، أوضح عمر بارتوف: "من الواضح أن هذه الأحداث تشكل جريمة حرب، كما أنها جريمة ضد الإنسانية نظراً للأعداد الكبيرة من المدنيين الذين قُتلوا".
وأضاف بارتوف: "يجب أن يتم تقييم هذه المسألة بعناية، ولكن إذا كانت مرتبطة بميثاق حماس في أواخر الثمانينيات، والذي يعد وثيقة معادية للسامية وتحمل سمات الإبادة الجماعية، فقد يُعتبر ذلك عملًا من أعمال الإبادة الجماعية".
ومع ذلك، عبّر بارتوف عن بعض الشكوك قائلاً: "أنا متردد قليلاً في هذا التقييم، خاصة أن حماس قد أصدرت فيما بعد وثائق مختلفة قد تغير من هذا التصنيف".
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة