أسوأ من الفحم.. بحث جديد يتحدى التوسع المثير والسريع لصادرات الغاز
تاريخ النشر: 5th, October 2024 GMT
ينتج عن الغاز المُصدّر انبعاثات غازات دفيئة أكثر بكثير من الفحم، على الرغم من ادعاءات صناعة الوقود الأحفوري بأنها بديل أنظف، وفقا لورقة بحثية جديدة رئيسية تتحدى التوسع المثير للجدل والسريع لصادرات الغاز من الولايات المتحدة إلى أوروبا وآسيا.
وذكر تقرير نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، وترجمته "عربي21"، أن الفحم هو أقذر أنواع الوقود الأحفوري عند حرقه للحصول على الطاقة، حيث يروج منتجو النفط والغاز لسنوات للغاز الأكثر نظافة كوقود "جسر" وحتى "حل مناخي" وسط وفرة من محطات الغاز الطبيعي المسال الجديدة (أو LNG)، في المقام الأول في الولايات المتحدة.
لكن البحث، الذي أصبح هو نفسه متورطا في جدال سياسي في الولايات المتحدة، خلص إلى أن الغاز الطبيعي المسال أسوأ بنسبة 33% من حيث انبعاثات تسخين الكوكب على مدى فترة 20 عاما مقارنة بالفحم.
ونقل التقرير عن روبرت هوارث، عالم البيئة بجامعة كورنيل ومؤلف الورقة البحثية الجديدة، قوله إن "فكرة أن الفحم أسوأ للمناخ خاطئة - فالغاز الطبيعي المسال له بصمة غازية دفيئة أكبر من أي وقود آخر".
ولفت التقرير، إلى أن الاعتقاد بأننا يجب أن نشحن هذا الغاز كحل للمناخ هو أمر خاطئ تماما. إنه غسيل أخضر من قبل شركات النفط والغاز التي قللت بشدة من تقدير الانبعاثات من هذا النوع من الطاقة.
وجد البحث أن حفر ونقل وتبريد وشحن الغاز من دولة إلى أخرى يستخدم الكثير من الطاقة لدرجة أن الحرق النهائي الفعلي للغاز في منازل الناس وشركاتهم لا يمثل سوى حوالي ثلث إجمالي الانبعاثات من هذه العملية.
ويقول البحث، إن الانبعاثات الكبيرة الناتجة تعني أنه "لا توجد حاجة للغاز الطبيعي المسال كمصدر طاقة مؤقت"، مضيفا أن "إنهاء استخدام الغاز الطبيعي المسال يجب أن يكون أولوية عالمية".
ويتحدى البحث الذي تمت مراجعته من قبل النظراء، والذي نُشر يوم الخميس في مجلة Energy Science & Engineering، الأساس المنطقي للزيادة الهائلة في مرافق الغاز الطبيعي المسال على طول ساحل خليج المكسيك في الولايات المتحدة، من أجل إرسال الغاز في ناقلات ضخمة إلى الأسواق الخارجية.
ووفقا لـ"الغارديان"، فإن الولايات المتحدة هي أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، تليها أستراليا وقطر.
وأوضح التقرير، أن تقديرات حكومية وصناعية سابقة افترضت أن الغاز الطبيعي المسال أقل انبعاثات من الفحم، ما يوفر الوعد بأنه يمكن أن يحل محله في دول مثل الصين، فضلا عن مساعدة الحلفاء الأوروبيين المهددين بغزو أوكرانيا من قبل روسيا، أحد كبار منتجي الغاز.
وقال داستن ماير، مدير تطوير السوق في معهد البترول الأمريكي، إن "صادرات الغاز الطبيعي المسال الأمريكية يمكن أن تساعد في تسريع التقدم البيئي في جميع أنحاء العالم، وتمكين الدول من الانتقال إلى غاز طبيعي أنظف للحد من الانبعاثات ومعالجة المخاطر العالمية لتغير المناخ"، حسب "الغارديان".
لكن العلماء خلصوا إلى أن توسع الغاز الطبيعي المسال غير متوافق مع تجنب العالم للاحترار العالمي الخطير، حيث وجد الباحثون في السنوات الأخيرة أن تسرب الميثان، وهو مكون أساسي للغاز وعامل قوي لتسخين الكوكب، من عمليات الحفر أعلى بكثير من التقديرات الرسمية.
وجدت ورقة هوارث، أن ما يصل إلى 3.5% من الغاز المسلّم للعملاء يتسرب إلى الغلاف الجوي غير محترق، أكثر بكثير مما كان يُفترض سابقا. يعتبر الميثان أقوى بنحو 80 مرة من ثاني أكسيد الكربون كغاز دفيئة، على الرغم من أنه يستمر لمدة أقل في الغلاف الجوي، وحذر العلماء من أن ارتفاع انبعاثات الميثان العالمية يهدد بتفجير أهداف المناخ المتفق عليها.
وتوصل بحث هاورث إلى أن حوالي نصف إجمالي الانبعاثات أثناء إنتاج الغاز الطبيعي المسال تحدث أثناء الرحلة الطويلة التي يقطعها الغاز أثناء دفعه عبر خطوط الأنابيب إلى المحطات الساحلية بعد حفره لأول مرة، وعادة ما يكون ذلك عن طريق التكسير الهيدروليكي، أو التكسير، من مناطق مثل رواسب الصخر الزيتي الشاسعة في الولايات المتحدة.
ووفقا للتقرير، فإن الطاقة المستخدمة للقيام بذلك، إلى جانب التسريبات، يتسبب بتلوث يتفاقم بمجرد وصول الغاز إلى مرافق التصدير. وهناك، يتم تبريده إلى درجة حرارة -162 درجة مئوية (-260 درجة فهرنهايت) ليصبح سائلا، يتم تحميله في حاويات تخزين ضخمة على متن ناقلات. ثم تسافر الناقلات لمسافات طويلة لتوصيل المنتج إلى البلدان العميلة، حيث يتم تحويله مرة أخرى إلى غاز ثم حرقه.
وقال هاورث، إن "هذه العملية برمتها تتطلب طاقة أكثر بكثير من الفحم. العلم واضح جدا هنا: إنه تفكير متفائل بأن الغاز يتحرك بمعجزة إلى الخارج دون أي انبعاثات.."
وتسببت ورقة هوارث في عاصفة نارية قبل نشرها، حيث سلط نشطاء المناخ مثل بيل ماكيبن الضوء على مسودة الدراسة لدرجة أنه قيل إنها كانت عاملا في قرار اتخذته إدارة بايدن في وقت سابق من هذا العام بإيقاف جميع تصاريح التصدير الجديدة لمشاريع الغاز الطبيعي المسال.
وأثار هذا التوقف غضب صناعة النفط والغاز - مما دفع إلى رفع دعاوى قضائية - وحلفائها السياسيين. في الشهر الماضي، كتب أربعة جمهوريين في الكونغرس إلى وزارة الطاقة الأمريكية يطالبون بالمراسلات بينها وبين هوارث بشأن ما أسموه دراسته "المعيبة" و "الخاطئة".
كما زعمت الجماعات المؤيدة للغاز أن الورقة تبالغ في تقدير الانبعاثات من الغاز الطبيعي المسال، وهو الموقف الذي ردده بعض خبراء الطاقة. قال ديفيد ديسموكس، مستشار الطاقة والباحث الرائد في لويزيانا: "من الصعب تصديق ذلك. هل للغاز تأثير على المناخ؟ بالتأكيد. ولكن هل هو أسوأ من الفحم؟ لنكن جادين".
وقال هاورث، إن نتيجة هذا التدقيق غير المعتاد كانت "مراجعة أقران أكثر مما أتيحت لي من قبل"، حيث أجرى ثمانية علماء آخرين خمس جولات من المراجعة. وقال هاورث: "لا أعتبر الانتقاد صحيحا على الإطلاق - يبدو الأمر وكأنه وظيفة سياسية".
وأضاف هاورث، أن الولايات المتحدة لديها "اختيار ضخم" لتتخذه في الانتخابات الرئاسية، حيث تعهد دونالد ترامب بإلغاء توقف بايدن في أول يوم له في البيت الأبيض للسماح بمجموعة من مشاريع الغاز الطبيعي المسال الجديدة. وفي الوقت نفسه، تراجعت كامالا هاريس عن خطة سابقة لحظر التكسير الهيدروليكي لكنها وعدت باتخاذ إجراءات بشأن أزمة المناخ.
وكتب أكثر من 125 عالما في المناخ والبيئة والصحة، وفقا للتقرير، إلى إدارة بايدن الشهر الماضي للدفاع عن بحث هاورث وحثوا على استمرار التوقف المؤقت على صادرات الغاز الطبيعي المسال.
وقال درو شينديل، عالم المناخ في جامعة ديوك، الذي لم يشارك في البحث، إن نتائج ورقة هاورث "معقولة".
وأضاف، أن "دراسة بوب تضيف إلى الكثير من الدراسات التي تظهر أن حجة الصناعة لصالح الغاز يقوضها خيار التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة. لكن المناقشة لا تدور حقا حول ما إذا كان الغاز أفضل أو أسوأ قليلا من الفحم. بل ينبغي أن تدور حول مدى سوء كليهما وأننا بحاجة إلى التخلص منهما".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الغاز الفحم الولايات المتحدة الولايات المتحدة الغاز الفحم صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الغاز الطبیعی المسال فی الولایات المتحدة انبعاثات من من الفحم إلى أن من قبل
إقرأ أيضاً:
متى تتراجع الولايات المتحدة؟
لم تُعرف الولايات المتحدة يوما بتقديم تنازلات سياسية أو إنسانية طوعية، لا تجاه الشعوب ولا حتى تجاه حلفائها. سياستها الخارجية قائمة على منطق الهيمنة، واستخدام كل أدوات الضغط: الحروب، والحصار، والانقلابات، والقواعد العسكرية، والإعلام، والابتزاز الاقتصادي، والاغتيالات. ومع ذلك، يعلّمنا التاريخ الحديث أن هذا الوحش الجبّار لا يعرف الانحناء إلا إذا كُسرت إحدى أذرعه، ولا يتراجع خطوة إلا إذا أُجبر على التراجع.
من فيتنام إلى العراق، ومن أفغانستان إلى غزة واليمن.. أمريكا لا تفاوض إلا تحت النار، ولا تعترف بالخصم إلا إذا فشلت في سحقه.
في غزة.. قنابل أمريكا لا تنتصر
منذ أكثر من عام ونصف، تشنّ إسرائيل حرب إبادة على قطاع غزة، بدعم مباشر من أمريكا عسكريا وسياسيا. مئات آلاف القنابل أُلقيت على السكان المدنيين، عشرات آلاف الشهداء، وتجويع وتدمير ممنهج، ومع ذلك لم تُحقق إسرائيل أيا من أهدافها العسكرية: لا القضاء على حماس، ولا تحرير الأسرى، ولا إعادة السيطرة على غزة.
صمود المقاومة مستمر، والقدرة القتالية لم تنهَر، بل أُعيد تنظيمها رغم شدة الضربات.
الدعم الأمريكي بلغ ذروته: حاملات طائرات، جسر جوي عسكري، فيتو سياسي، ومع ذلك.. الفشل واضح.
ثم جاءت لحظة الاعتراف: "أمريكا تفاوض حماس!" الصفعة الكبرى لهيبة أمريكا جاءت عندما بدأت واشنطن، عبر مدير "CIA" وغيره من الوسطاء، التفاوض غير المباشر مع حماس نفسها -من كانت تصفها بالإرهاب المطلق- بهدف تحرير أسير أمريكي لدى المقاومة.
هنا انكسر القناع: من تقصفه بالصواريخ وبالفيتو، تجلس إليه لتفاوضه من أجل رهينة أمريكية واحدة! وكأن أرواح آلاف الفلسطينيين لا تهم.
وفي اليمن.. من نار الحرب إلى موائد التفاوض
1- الدعم الأمريكي لحرب اليمن: منذ انطلاق "عاصفة الحزم" في 2015، دعمت الولايات المتحدة التحالف السعودي- الإماراتي سياسيا وعسكريا ولوجستيا، عبر صفقات سلاح ضخمة، وتزويد الطائرات بالوقود، وتوفير الغطاء الدولي في مجلس الأمن. الحرب أدّت إلى أكبر كارثة إنسانية في العصر الحديث، قُتل فيها عشرات الآلاف من المدنيين، ودُمرت البنية التحتية، وفُرض حصار خانق على الشعب اليمني. ورغم كل هذه الأدوات، لم تستطع أمريكا ولا حلفاؤها القضاء على أنصار الله (الحوثيين) ولا السيطرة على الشمال اليمني. بل على العكس، تطورت قدرات الحوثيين لتصل إلى ضرب العمق السعودي والإماراتي، واستهدفت حتى مواقع استراتيجية في أبو ظبي والرياض.
الحصيلة: القوة المفرطة والنتائج الهزيلة.
2- فشل الاستراتيجية الأمريكية وتحول الموقف: مع تراكم الفشل، والانقسام داخل التحالف، والضغوط الحقوقية والإعلامية العالمية، بدأت أمريكا تغير خطابها، وانتقلت من مربع "دعم الحرب" إلى مربع "الدعوة للسلام"، ومن تصنيف الحوثيين كـ"إرهابيين" إلى التفاوض معهم بشكل غير مباشر. تراجعت واشنطن، ودعمت اتفاقيات الهدنة، وبدأت تروج لخطاب "إنهاء الحرب" حفاظا على ماء وجهها، في وقتٍ لم تحقق فيه أية نتائج استراتيجية تبرر كل هذا الدمار والدماء.
3- التفاوض مع الحوثيين بعد التجاهل والتصنيف: من كانت أمريكا تنكر شرعيتهم وتدعو لعزلهم، باتت ترسل عبر وسطاء من سلطنة عمان رسائل تفاوضية مباشرة، بل وتضغط على السعودية للقبول باتفاقات طويلة المدى معهم، بعد أن فشلت في إخضاعهم بالقوة. هذا التراجع لا يعكس تغيرا في المبادئ، بل هو ترجمة عملية لفشل الخيارات العسكرية، وكأن أمريكا تقول: "نحن لا نتحدث معكم إلا إذا فشلنا في سحقكم"، وهذا ما حدث.
أفغانستان والعراق
في أفغانستان: بعد 20 عاما من الاحتلال، وإنفاق تريليونات الدولارات، انسحبت أمريكا ذليلة من كابل، ووقّعت اتفاقية مع "طالبان"، بعد أن فشلت في إنهائها رغم كل التفوق الجوي والتكنولوجي.
وفي العراق: رغم الاحتلال الشامل، ما زالت أمريكا غير قادرة على فرض إرادتها السياسية كاملة، واضطرت إلى الانسحاب جزئيا، بينما تتعرض قواعدها لضربات متواصلة حتى اليوم.
ما الذي نتوقعه؟
من المقاومة:
- الثبات والتطوير.
- عدم الاستسلام للضغوط الدولية.
- تطوير أدوات المقاومة، إعلاميا وعسكريا.
- فضح التناقض في المواقف الأمريكية أمام العالم.
- استخدام كل انتصار ميداني لفرض وقائع سياسية جديدة.
من الشعوب:
- كسر الوهم الأمريكي.
- فضح الهيمنة الأمريكية بوصفها مصدر الحروب والفقر في منطقتنا.
- دعم قضايا التحرر لا كـ"تضامن إنساني" بل كـ"صراع وجودي".
- الضغط على الحكومات المتواطئة، ورفض كل تطبيع أو اصطفاف مع واشنطن.
ومن الحكومات:
- عدم الثقة بالقاتل.
- من يتخلى عن عملائه في كابل وبغداد لن يدافع عنكم إن حانت لحظة الحقيقة.
- الاعتماد على القوة الذاتية والشراكات العادلة، لا على الوعود الأمريكية.
- دعم المقاومة لا يضعف الأمن، بل يُعزز التوازن ويمنع الانهيار الكلي أمام إسرائيل.
الخلاصة: ما جرى ويجري في فيتنام، والعراق، وأفغانستان، وغزة، واليمن؛ يؤكد نفس المعادلة: أمريكا لا تتراجع إلا إذا عجزت عن التقدم خطوة أخرى. فما تسميه "تفاوضا" هو غالبا نتيجة لهزيمة ميدانية أو مأزق سياسي لا مخرج منه إلا ببوابة من كانت تحاربه، بينما التوسل إلى "عدالة واشنطن" هو وهْم سقط في كل الميادين.