كلاس: استسهال إسباغ اللقب وإنتحال الصفَة
تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT
كتب وزير الشباب والرياضة جورج كلاس:
إستسهال إسباغ اللقب و إنتحال الصفة..!
"في لبنان تختلط الأوراق و تحترق القيم ، و يختبئ منتحلو الصفة خلف ستارة التزوير المعنوي و المهني المحمي من مافيات الألقاب الوهمية و بائعي الشهادات المزورة و أصحاب الجامعات المزورة ، و كأن مشاعات توزيع الالقاب الاكاديمية و الإستراتيجية ، أمست معروضة بالجاروفة على بسطات الحسبة.
من أغرب الإنتحالات التي تلاقي رواجا في أسواق الكذب المفتوحة على منابر المحطات التلفزيونية ، هو إتاحة الفرص لإدعاء بعض محترفي الكلام و الكتابات الإتهامية والتعليقات الخفيفة والمسيئة ، أنهم ( إعلاميون ) و ( قادة رأي ) و ( محللون إستراتيجيون ) يختبئون وراء خدمتهم الوظيفية و رتبهم العسكرية ، من دون أي صفة مهنية و خارج أي منظومة نقابية ، مع إحترام ذوي المكانة الرصينة من الخبراء العسكريين و المفكرين الاستراتيجيين !
ليس الحق على من يقول و يدعي أنه ( إعلامي او خبير استراتيجي) ، بل الحق كل الحق ، على نقابتي المحررين و مالكي الصحف و المجلس الوطني للإعلام و اصحاب المحطات لأنهم جعلوا حقول الإعلام مشاعات سائبة ، نبت الشوك فيها و كاد أن يقتل المواسم..!
فحرصا على كرامة ( الإعلام ) ،
و صونا لرصانة الرأي الحر ) ،
و منعا للتسلح ( بحرية الرأي ) ،
و إحتراما لمقام القضاء والكرامات الشخصية ،
نسأل و نطالب بملاحقة منتحلي صفة ( إعلامي و صحافي ) ، وضبط ألسنة السوء..منعا للإنهيارات الخلقية المتهاوية..!
ليس كل من فتح فاه بكلمة هو إعلامي.. وليس من إعلامي خارج الانتظام داخل وسيلة اعلامية..!
وليس من ( صحافي) خارج الصحيفة ..!
ولا من (إعلامي ) خارج العمل التحريري في وسيلة إعلامية. مع الاشارة الى ان تحرير الاخبار و صناعة المواد وانتاج البرامج السياسية والمتخصصة في الإذاعات والتليفزيونات ، هي وحدها و دون غيرها يمكن تصنيف من يعمل فيها بأنهم ( إعلاميون )..!
(التغريد )..ليس من الإعلام بشيء..!
(التدوين) ... ليس من الإعلام أبدا
من يعيد للإعلام كرامته ؟
من يحفظ للرأي حصانته ؟
من يحمي ( الإعلاميين ) من المتطفلين عليهم..؟
كلاهما ( التغريد و التدوين ) فنان في الدردشات اللفظية لا أكثر..!
الإعلام مسؤولية و ليس هواية و لا منصة للتقنيص والإدعاء اللفظي الرخيص..!
و الخطر الأكبر في ازمنة المصير و لحظات الحروب و القلق الاجتماعي ، هو ( إعلام الميدان ) المتروك التحكم بقيادته و الإمساك بأعصاب الناس ، لمراسلين ، بعضهم يختبرون مهاراتهم بالجمهور و بعض يتحكم بالصوت و المشهد و يسترسل بالتعليق و تقديم التنبؤات ، و يسجل إصابات مباشرة بأعصاب المشاهدين و معنوياتهم ..كل ذلك و المسؤولية الاولى واقعة على من لا يحترف ( إدارة اللحظة الإعلامية ) و كيفية إستثمار الكلام القليل لإنتاج أخبار كثيرة بأقصر وقت و من دون إطالات مقززة و ساقطة ، و غالبا ما تحمل معها ، قصدا او براءة ، أضرارا بليغة و كلوما بليغة ، تنعكس كلها على صدقية المؤسسة و تعرض تراثها الخبري و المعرفي للغبار و الإندثار في عكاظيات التباري بين المحطات..!
سؤال المرحلة : من يحمي المستعلم من اللإعلام الفراغي ، و حاملي سلاح أكبر منهم؟؟
رحم الله الصحافي الكبير إدمون_صعب الذي وقع بدمع الحسرة كتابه { العهر الاعلامي} و رحل..!
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: لیس من
إقرأ أيضاً:
حرية التعبير بين الحق والاختبار المجتمعي
د. أحمد بن موسى البلوشي
في كل مُجتمع، تُعد حرية التعبير من أهم ركائز التقدم الفكري والنقاش الصحي، فهي التي تتيح للفرد أن يُعبّر عن آرائه ومعتقداته دون خوف من القمع أو الإقصاء. بل إن المجتمعات المتحضّرة تُقاس بدرجة انفتاحها على الأصوات المختلفة وقدرتها على استيعاب التنوّع الفكري وبكل أطيافه. غير أن هذا المبدأ كثيرًا ما يُصبح محل اختبار حقيقي عندما تُطرح آراء غير تقليدية أو أفكار تتحدى المفاهيم السائدة.
وفي اللحظة التي يُعبِّر فيها شخص ما عن رأي يُخالف ما تعود النَّاس عليه، أو يُعيد قراءة القضايا المألوفة بمنظور جديد، يجد نفسه في مواجهة موجة من الانتقادات وربما الهجوم العنيف، فبدلًا من أن يُستقبل رأيه كجزء من حوار مفتوح، يُفهم على أنه تهجم على الهوية أو القيم، ويُفسّر أحيانًا على أنَّه خروج عن الإجماع أو تهديد للنسيج الاجتماعي.
هذا التوتر لا يعني بالضرورة أن المجتمع ضد حرية التعبير من حيث المبدأ والفكرة، لكنّه يكشف عن التباين بين القيم النظرية والتطبيق العملي لها. فقبول الرأي المُخالف يتطلب نضجًا ثقافيًا واستعدادًا نفسيًا لسماع ما لا يُوافق قناعاتنا، وهو أمر لا يتوفّر دائمًا، لا على مستوى الأفراد ولا المؤسسات.
إضافة إلى ذلك، فإن البعض يُسيء استخدام مفهوم "حرية التعبير"، فيطرح آراءً صادمة أو مستفزة دون ضوابط؛ مما يُسهّل على الآخرين رفض الفكرة ومهاجمتها، لا بسبب مضمونها فقط، بل بسبب طريقة طرحها، وهنا تبرُز إشكالية: هل حرية التعبير تعني قول كل شيء بأي طريقة وأسلوب، أم أنها مسؤولية تتطلب وعيًا ثقافيًا؟
حرية التعبير لا تعني إطلاق العنان لقول كل شيء بأي طريقة وأسلوب؛ بل هي مسؤولية تتطلب وعيًا ثقافيًا وأخلاقيًا؛ ففي المجتمعات المُتحضِّرة، تُعد حرية التعبير من القيم الأساسية التي تتيح للفرد أن يُعبّر عن آرائه ومعتقداته، لكنها لا تُمنح بمعزل عن الضوابط التي تحمي كرامة الآخرين وتصون السلم الاجتماعي. والتعبير الذي يتجاهل القيم الثقافية أو يستفز المشاعر العامة قد يضر أكثر مما ينفع، ويؤدي إلى النفور من الفكرة بدلًا من مُناقشتها. لذا، فإنَّ حرية التعبير الحقيقية تتطلب قدرة على إيصال الرأي بذكاء، واحتراماً للآخر، ووعياً بأن الكلمة قد تبني أو تهدم، تُقنع أو تُقصي، تُصلح أو تُؤجج.
ولعل السؤال الذي يتكرر في كل مرة كذلك: لماذا يُنتقد البعض ويُهاجمون لمجرد أنهم عبّروا عن وجهة نظرهم؟ الجواب ليس بسيطًا؛ فالهجوم قد يكون أحيانًا رفضًا للفكرة، وأحيانًا أخرى رفضًا للطريقة، أو حتى للشخص نفسه بسبب خلفيته أو مواقفه السابقة، وفي أحيان كثيرة، يكون الهجوم ناتجًا عن خوف دفين من التغيير.
المجتمعات تميل بطبيعتها إلى الاستقرار الفكري والثقافي، لذلك فإنَّ أي فكرة تُهدد هذا الاستقرار تُواجه بموجة من الدفاع والرفض. عندما يطرح شخص ما رأيًا مخالفًا عن المألوف، يُنظر إليه على أنَّه "مُزعزع" للمنظومة، وليس كمفكّر حر أو باحث عن التغيير.
ليس كل من يُثير الجدل يُعد مفكرًا حرًّا أو صاحب رؤية؛ فهناك من يطرح أفكارًا غير عقلانية أو سلبية بشكل متعمد، بغرض لفت الانتباه أو إثارة الرأي العام دون مراعاة للتبعات الأخلاقية أو المجتمعية. هؤلاء لا يسعون لتقديم حلول أو إثارة حوار بنّاء؛ بل يُغذّون التوتر والانقسام عبر خطاب صادم أو طروحات تتجاوز حدود المنطق والمسؤولية.
غالبًا ما تعتمد هذه النوعية من الطروحات على الاستفزاز المقصود، والتعميم، والتشكيك في الثوابت، دون تقديم أدلة واضحة أو رؤية متماسكة، وهذا النوع من الكلام قد يجد صدًى سريعًا في بيئة يسهل فيها الانتشار عبر وسائل التواصل، لكنه لا يخدم إلا الفوضى الفكرية، ويُربك الرأي العام بدل أن يوجّهه نحو التفكير الهادئ والبنّاء.
الخطر الحقيقي هنا أن هذه الطروحات قد تُسهِم في زعزعة الثقة العامة، ونشر الإحباط، أو تأجيج الصراعات، لا سيما حين تتناول قضايا حساسة تمس الدين أو الهوية أو الأمن المجتمعي. لذلك، لا بد من التمييز بين من يُحاول كسر الجمود الفكري بوعي، ومن يُمارس التشويش الفكري بدافع الظهور أو السلبية.
في مجتمعاتنا، توجد العديد من المواضيع والقضايا الجوهرية التي تستحق الطرح والنقاش الجاد، لأنها تمس حياة الناس اليومية وتؤثر في استقرارهم الاجتماعي، هذه المواضيع لا يجب أن نتجاهلها ونركنها؛ بل ينبغي تناولها ومُعالجتها بعمق ومسؤولية من خلال منصات إعلامية وفكرية رشيدة، وبمشاركة مجتمعية واعية، والفرق الجوهري هو في طريقة الطرح: فبينما يسعى البعض لإثارة الرأي العام من أجل إثارة الجدل فقط، هناك من يفتح هذه الملفات بحس وطني وأسلوب موضوعي، يستعرض المشكلة ويقترح الحلول، ويُسهم في بناء وعي جماعي، مثل هذا الطرح لا يُحدث تُوترًا؛ بل يُحدث حراكًا فكريًا صحيًا، ويدفع بالمجتمع نحو التطوير والإصلاح.
إنَّ مناقشة قضايا النَّاس بعمقٍ لا تعني التحريض أو الهدم؛ بل تعني الإصلاح الحقيقي، خاصة إذا بُني النقاش على معلومات دقيقة، ونوايا صادقة، وأسلوب يحترم عقول الناس ويبتعد عن التهويل والتضليل، وإن النقد والهجوم ليسا دائمًا علامة على خطأ الطرح؛ بل قد يكونان دليلًا على أهمية القضية التي طرحت، ولكن مسؤولية الفكرة لا تقل عن مسؤولية رد الفعل عليها، وعليه نحتاج إلى مجتمعات تحتمل الاختلاف، وأفراد يعرفون كيف يُعبّرون دون أن يجرحوا، ويُناقشون دون أن يلغوا الآخر.