سودانايل:
2025-07-30@02:14:16 GMT

عودة إلى إشكاليات رواية المقريزي للبقط 4

تاريخ النشر: 13th, October 2024 GMT

د. أحمد الياس حسين

[email protected]

الأوضاع في صعيد مصر عند الفتح الإسلامي

نظراً لعدم توفر معلومات عن حملة عبد الله بن سعد على النوبة ووصوله مدينة دنقلة، ولكي نتمكن من التعرف على تلك الحملة بصورة أكثر وضوحا أرى أن الإجابة على سؤالين مهمين تساعد على إلقاء بعض الضوء عليها.

السؤال الأول: كيف كانت الأوضاع في صعيد مصر عندما بدأت غزوات المسلمين المبكرة على منطقة أسوان؟
والسؤال الثاني: يتعلق بالطريق المفترض الذي سلكته حملة عبد الله بن سعد من صعيد مصر حتى وصلت دنقلة
*********
تعرفنا في الموضوع السابق على وجود البليميين كعنصر فاعل ومشاركتهم البيزنطيين السلطة في منطقة ما بين الأقصر وأسوان في صعيد مصر.

ونتابع هنا التعرف على أوضاع الصعيد. فإلى جانب البليميين ذكرت المصادر العربية عدداً من الأجناس عند دخول المسلمين مصر.

كان سكان مصر إبان الفتح الإسلامي خليط من الأجناس، كما عبر المقريزي (ت 845 هـ/ 1445 م):
"أعلم أن أرض مصر لما دخلها المسلمون كانت بأجمعها مشحونة بالنصارى، وهم على جنسين متباينين في أجناسهم وعقائدهم. أحدهما أهل الدولة وكلهم الروم ... وديانتهم بأجمعهم ديانة الملكية. والقسم الآخر عامة أهل مصر، ويقال لهم القبط، وأنسابهم مختلفة، لا يكاد يتميز منهم القبطي، من الحبشي، من النوبي، من الإسرائيلي الأصل، من عيره، وكلهم يعاقبة ... وبينهم وبين الملكية العداوة" (المقريزي، تاريخ الأقباط ص 89)
وتناول الوافدي (ت 207ه/823 م) سكان الصعيد بقوله: "لما فتح عمر بن الخطاب مصر والاسكندرية والبحيرة والوجه البحري كله كان بالصعيد نوبة وبربر وديلم وصقالبة وروم وقبط." فالمصادر العربية بينت بوضوح وجود النوبة في صعيد مصر إلى جانب الأجناس الأخرى.

ويلاحظ أن المقريزي أشار إلى الحبش بين سكان مصر. ومدلول كلمة حبش في المصادر العربية واسع لا يقتصر فقط على بلاد الحبشة (اثيوبيا الحالية) فالمقريزي (المواعظ، الوراق، ج 1 ص 248) ذكر أن البجة "قبيلة من الحبش" ويبدو مقبولاً أن يكون البليميون في صعيد مصر جزء من الحبش الذين ذكرهم المقريزي.

المريــس
ذكرت المصادر العربية أن صعيد مصر كلن يعرف باسم "مريس" فقد ذكر المسعودي أن "أهل مصر يسمون أعالي الصعيد إلى بلاد النوبة" مَرِيس. (ج 2 ص 18 و22) وكان أسم "مريس يطلق على المنطقة وسكانها. فقد أوضح اليعقوبي "ان عجم مصر جميعاً القبط، فمن كان بالصعيد يسمون المريس،" وعن مدينة اسنا، التي تقع على بعد 55 كم جنوب الأقصر، في صعيد مصر ذكر أنه "يقال إن أهلها المريس." (اليعقوبي، كتاب البلدان، ج 2 ص 40 و42) ووردت نفس الاشارات تقريبا عند المقريزي حيث فقال: "كان أهل مصر يسمون من سكن من القبط بالصعيد المريس" وعن مدينة الأقصر ذكر "هذه المدينة من مدائن الصعيد العظيمة، يقال: إنّ أهلها المريس، إنّ أهلها المريس" (المواعظ ج 1 ص161 و254)

ولم يكن إطلاق اسم "مريس" منحصراً فقط على صعيد مصر بل كان ممتدّاً إلى الجنوب من أسوان حتى قرية بستو شمال مدينة دنقلة كما أوضح ذلك ابن سليم (في المقريزي، ج 1 / ص 537) حيث ذكر أن قرية: "بيستو هي آخر قرى مريس، وأوّل بلد مقرة." فإقليم مريس جغرافيّاً وسكانيّاً يمتد من صعيد مصر شمالاً حتى الشلال الثالث جنوباً، وسكان هذا الإقليم من القبط والنوبة يعرفون بالمريس.
فبلاد مريس كانت منقسمة إلى قسمين: القسم الشمالي تحت الادارة البيزنطية يقاسمهم البليميين (البجة) إدارة بعض المناطق ويعيش فيه النوبة مع غيرهم من الأجناس. والقسم الجنوبي من بلاد مريس هو مملكة النوباد التي تمتد حدودها حتى الشلال الثالث
النوباد (Nubatae)
ورد أول ذكر لكلمة Nubae أوNūba (النوبة) في القرن الثالث قبل الميلاد حيث ذكره إراتوستين Eratosthene (276-196ق م) الذي كان أمينا لمكتبة الإسكندرية، وعنه نقل سترابو (63 ق م– 24م) ذكر أن Nūba النوبة يسكنون الضفة اليسرى من النيل، وأوضح أنهم قبيلة كبيرة تمتد من مروي جنوباً (مروي القدية شمال مدينة شندي) وحتى انحناءة النيل شمالاً. وأنهم ليسوا تحت حكم المرويين بل ينقسمون إلى ممالك مستقلة متعددة.
وقد تمكن إراتوستين – بحكم عمله – من الاطلاع على المؤلفات السابقة له والتي كتبت عن مروي والمناطق الواقعة جنوبي مصر مثل كتابات داليون وسيمونيد الذي يقال انه زار مروي ومكث فيها عدة سنوات. لذلك يمكن اعتبار أن ما كتبه إراتوستين عن الأوضاع في السودان راجعاً إلى ما قبل القرن الثالث ق.م. وقد وصلت إلينا كتاباته عبر ما نقل عنها كما فعل سترابو. ولذا يمكن اعتبار وجود كلمة "نوبة" في منطقة غرب السودان أقدم من القرن الثالث ق م.
ويرى بدج ، كما نقل عنه ماكمايكل ، أن النوباد Nubatae قبيلة بدوية قوية، موطنها الأصلي كردفان ودارفور، وكانوا قد انتشروا شمالاً حتى الواحة الخارجة. وفي القرن الثالث الميلادي استقروا على النيل في أرض مريس في النوبة السفلي جنوب منطقة البليميين. (Michael, vol. 1 p 25) وقد رجح بعض المؤرخين أن يكون النوباد هم نفس سلالة النوبا الذين هجموا على مروي في القرن الرابع قبل الميلاد وأضعفوها. وعند الاشارة إلى النوباد تستخدم الكلمات: Nobades وNubae وNobatae وNoba كمترادفات وصف بها سكان الصحراء الغربية.
ونمت قوة النوباد إلى جانب البليميين وتحالفوا معاً ضد الرومان. فقد ورد في بردية ترجع إلي الربع الثاني من القرن الخامس الميلادي أن أسقف فيلة وجه نداءً للإمبراطور البيزنطي لحماية كنائسه من غارات البليميين والنوباد. فأرسل الامبراطور Marcianus (450-457 م) حملة كبيرة انتصرت على الحليفين ووقعت معهما معاهدة عدم اعتداء لمائة عام، وسمح لهم بمقتضاها زيارة آلهتهم في معبد جزيرة فيلة بجوار أسوان. وانسحب البليميون جنوبا واتخذوا من كلابشة (Talmis) عاصمة لهم، بينما انسحب النوباد إلى الجنوب من البليميين متخذين من إبريم شمال وادي حلفا عاصمة لهم.) مصطفي مسعد ص19 و36 و(Torok, 1989, 404; Mac Michael, vol. 1 p 25
أسس النوباد مملكتهم في القرن السادس الميلادي على يد زعيمهم سلكو واتخذوا مدينة باخورس (فرس) عاصمة. وتوسعت المملكة بعد هزيمة البليميين في الشمال ومنافسيهم في الجنوب، وتلقب سلكو بلقب "ملك النوباد والاثيوبيين (Mac Michael, vol. 1 p 27) وأصبحت حدود مملكته ممتدة من أسوان شمالآ حتى الشلال الثالث جنوبا.
وبدأ دور النوباد المهم في المنطقة منذ منتصف القرن السادس الميلادي حيث بدأت الأوضاع في النوبة السفلى في التغير عندما اعتنق النوباد المسيحية على المذهب اليعقوبي على يد ثيودور أسقف فيلة وأسوان 526 – 581 معام 543 م. (مصطفى مسعد 57 - 63) وتحسنت علاقة النوباد بالبيزنطيين، فقد وعد الامبراطور البيزنطي جستنيان عام 524 م ملك اكسوم بإرسال جنود بليميين ونوباد من صعيد مصر لمساعدته في حروبه ضد مملكة حمير. (Torok, 1987, p 240) ويدل ذلك أيضاً على أن حدود النوباد في صعيد مصر فقد كانت حدودهم السياسية في منطقة أسوان، أما من ناحية السكان فقد امتدت حدودهم شمالاً في أرض مريس في جنوب مصر.

النوبة
بدأ تواصل المسلمين بالنوباد مع بداية فتح مصر في معاهد عمرو بين العاص لأهل مصر. فقد جاء في المعاهدة: "هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر ... ولا يساكنهم النُّوب ... ومن دخل في صلحهم [صلح أهل مصر] من الرّوم والنّوب فله مثل ما لهم، وعليه مثل ما عليهم، ومن أبى واختار الذّهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه، أو يخرج من سلطاننا ... وعلى النوبة الذين استجابوا أن يعينوا بكذا وكذا رأساً، وكذا وكذا فرساً، على ألاّ يغزوا ولا يمنعوا من تجارة صادرة ولا واردة" (الطبري، ج 2 / ص 363)
ويبدو أن الروم والنوبة كان لهم وجود وأثر واضح في مصر لدرجة تضمنهم المعاهدة. الروم المقصود بهم اليونانيين والرومان. فقد بدأ استقرار اليونانيين في مصر منذ غزو الاسكندر المقدوني لمصر عام 332 ق م، ثم خضعت مصر لحكم الأسرة البطلمية اليونانية حتى عام 31 ق م حيث خضعت مصر للإمبراطورية الرومانية ثم للإمبراطورية البيزنطية ذات التوجه اليوناني. وفي هذه الفترة الطويلة، نحو ألف سنة، بين القرن الثالث ق م والقرن السابع الميلادي ظل استيطان اليونانيين والرومان مستمرّاً وهم الذين عرفوا في المصادر العربية باسم الروم.
أما "النوب" فهم النوبة، إذ جاء في لسان العرب: "قال أبو حنيفة: ومريس أدنى بلاد النوب التي تلي أرض أسوان" كما ذكر الجاحظ أن "النوبة هم المريس المجاورون لأرض الإسلام." ويوضح هذا أن "النوبَ" بفتح الباء وبدون تاء في آخر الكلمة كما ضبطها الزبيدي أعلاه هم النوبة. وقد جاءت كلمة النوب مرادفة النوبة في آخر نص صلح أهل مصر.
ويرُدّ هذا بوضوح على ما وقع فيه لين بول من لبس إذ اعتقد أن "النوب" في نص الاتفاق يراد بهم الجنود الرومان. وقد ناقش بتلر ذلك باستفاضة وبين خطأ لين بول الذي رأى أن "نوب" في النص تشير إلى الجنود الرومان. وتوصل بتلر مستنداً إلى أدلة تاريخية أن "النوب" في النص يراد بهم النوبة. لكنه لم يتعرض لما ورد في المصادر العربية من ترادف كلمتي النوب والنوبة. (Butler, p 39 – 43)
ويلاحظ أن صلح أهل مصر تضمن عدداً من البنود تخص النوبة, فقد تضمن الآتي:
أ‌- ولا يساكنهم النوب (لا يساكن النوبة المصريين)
ب‌- من دخل في صلحهم [صلح أهل مصر] من الرّوم والنّوب فله مثل ما لهم، وعليه مثل ما عليهم
ت‌- ومن أبى [الدخول في الصلح] واختار الذّهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه، أو يخرج من سلطاننا.
ث‌- وعلى النوبة الذين استجابوا أن يعينوا بكذا وكذا رأساً، وكذا وكذا فرساً
ج‌- على ألاّ يغزوا ولا يمنعوا من تجارة صادرة ولا واردة.
فما ورد عن النوبة في معاهدة أهل مصر يوضح الوجود النوبي الواضح في مصر. ونحن هنا لسنا بصدد التوقف مع هذه البنود للتعرف على حقيقة ذلك الوجود النوبي والإجابة على الكثير من الأسئلة المتعلقة بهم مثل: هل شارك النوبة البيزنطيين في مفاوضات الصلح مع المسلمين؟ ومن هم النوبة الذين "لا يساكنون أهل مصر؟" ومن هم النوبة الذين إذا دخلوا في الصلح يعينوا المسلمين بالخيل والبقر ويأمنوا طرق التجار ولا يغزوا المسلمين؟ مثل هذه الأسئلة تتطلب دراسة منفصلة وقد تمت الإشارة إليها مع بعض التفضيل في (أحمد الياس 2012 ج 2 ص 157 - 168)
فالمسلمون تعاملوا مع النوباد مبكراً في صلح أهل مصر، وأطلقوا عليهم اسمهم الذي وجدوه في المنطقة والذي أصبح “النوبة” في اللسان العربي. فيكون اسم "النوبة" في المصادر العربية المبكرة راجعاً إلى النوباد الذين دخلوا منطقة النيل قبل أربعة قرون من فتح المسلمين مصر، وانتشروا في المنطقة الواقعة بين الشلال الثالث جنوباً وصعيد مصر شمالاً وأصبحوا يشكلون ثقلاً سكانيّاً واضحاً في جنوب مصر حتى اختلط الأمر على رواة الطبري حيث ذكر: " أنّ المسلمين لما فتحوا مصر غزوا نوبة مصر، فقفل المسلمون بالجراحات" (الطبري: 310ه/932)

ونواصل

المراجـع
- أحمد الياس حسين، السودان: الوعي بالذات وتأصيل الهوية، الخرطوم: مركز بناء الأمة للبحوث والدراسات، 2012.
- اليعقوبي، كتاب البلدان، موقع الوراق
- الزبيدي، لسان العرب، موقع الوراق.
- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، موقع الوراق
- مصطفى محمد مسعد، المكتبة السودانية العربية: مجموعة النصوص والوثائق الحاصة بتاريخ السودان في العصور الوسطى، الخرطوم: جامعة الفاهرة بالخرطوم 1973.
- مصطفى محمد مسعد، الإسلام والنوبة في العصور الوسطى: بحث في تاريخ السودان وحضارته حتى أولئل القرن السادس عشر الميلادي، القاهرة: مكتبة الانجلو المصرية، 1961.
- المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، تحقيق محمد زينهم ومديحة الشرقاوي، القاهرة: مكتبة مدبولي 1998
- المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، موقع الوراق
- المقريزي، تاريخ الأقباط المعروف اثيوبيا الحالية بالقول الإبريزي للعلامة المقريزي، دراسو وتحقيق عبد المجيد عابدين بيروت: دار صادر ب. ت
- الواقدي، فتوح الشام، بيروت: دار الجيل ب. ت.
- Arkell, A.J., A History of the Sudan from the Earliest times to 1821, London: The Athlone Press 1961.
- Butler, Alfred J., 1913, The Treaty of Misr in Tabary an Essay in Historical Criticism, Oxford
- Strabo, Geography Book xvii, Cambridge, 19 17. (online) Mac Michael, H. A., A History of the Arabs in the Sudan. London: Frang Cass & com. Ltd. 1976.
- Torok, L., 1989, “Notes on the Kingdom of the Blymmyes” Studia Aegyptiaca. XII, p 397-412.
- Wacher, John, ed., The Roman World, London: Rutledge, 2002.

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی المصادر العربیة القرن الثالث ق النوبة الذین فی صعید مصر الأوضاع فی النوبة فی فی القرن مثل ما ذکر أن

إقرأ أيضاً:

رواية مدين نجل "صالح" عن مقتل والده برصاص الحوثيين تثير الجدل في اليمن

أثارت رواية مدين صالح نجل الرئيس اليمني الأسبق، عن مقتل والده بنيران جماعة الحوثي، الجدل في اليمن، ليؤكد رواية الحوثيين لحادثة مقتل "صالح" في ديسمبر 2017م، والتي كانت محل شكل كبير في الأوساط اليمنية.

 

وقال مدين علي عبدالله صالح نجل الرئيس السابق "صالح" خلال فيلم وثائقي بثته قناة العربية، إن والده لم يقتل في منزله بصنعاء في الرابع من ديسمبر 2017م، على يد جماعة الحوثي، مشيرا إلى ان "صالح" قتل في قرية الجحشي بعد خروجه من منزله، ومحاولته الذهاب إلى قرية حصن عفاش، التي تعد مسقط رأسه.

 

وتطابق رواية نجل صالح مع رواية جماعة الحوثي التي أكدت وقتها أن صالح لقي مصرعه خلال محاولته الفرار، في إشارة منها إلى أنه فر من المواجهة، فيما ذهبت روايات أخرى إلى القول أنه قتل في منزله بصنعاء، بعد محاصرته.

 

ويعد هذا أول تأكيد من عائلة صالح عن مكان مقتله، على يد حلفائه في جماعة الحوثي، بعد تصادم بين الطرفين، انتهى بمصرعه.

 

وأحدث الفيلم ردود فعل من نشطاء يمنيين، سارعوا للتعليق على ما قدمه الفيلم، وقال الصحفي ماجد الداعري إن الفيلم قدم خلاصة تؤكد أن صالح قتل بقرية الجحشي قرب حصن عفاش بسنحان.

 

نهايته عبرة للتاريخ

 

الصحفي شاكر خالد، أكد أن معركة صالح الأخيرة أو نهايته ستظل عبرة للتاريخ. فجيل كامل كان يتسائل، كيف سينتهي هذا الحكم والهيلمان، حتى ظنوا بأنه سيخلد.

 

وقال: "حتى لو كان صالح، قتل في منزله وليس في الطريق أثناء محاولته الفرار إلى قريته، وهي الرواية التي أكدها وثبتها نجله في الفيلم الوثائقي".

 

وتساءل الصحفي شاكر خالد: ما البطولة التي تستدعيها مناسبة حاكم لأكثر من ثلاثين سنة، وهو ينسفها بخيانة عظمى للجمهورية ولتاريخه وتاريخ أسرته، بشهوة انتقام جبان لحثالة التاريخ؟.

 

وأضاف: "مخازن سلاح ومعسكرات وقيادات عسكرية وقبلية، وأكثر من ذلك، كل شيء، وضعه في خدمة التمرد والانتقام. هذه خيانات موثقة بالصوت والصورة ولا زالت طرية، بدون وثائقيات من جار أذي للبلد".

 

وحمل صالح المسؤولية الكاملة عن الأوضاع التي تشهدها البلاد، مع الرئيس السابق عبده ربه منصور هادي بالقول: "روائح الدم والخراب المبذور في جغرافيا البلد، يتحملها كاملة مكتملة مع هادي عن سبق إصرار وترصد".

 

تأكيد لرواية الحوثيين

 

أما المنهمي عبدالله فقد أشار هو الأخر إلى أن نجل صالح أكد رواية جماعة الحوثي، حول مقتل والده، بأنه مات في الطريق منسحبا من المعركة.

 

وعلق بالقول: "لا يهم إن كانت وجهته حصن عفاش كما قال مدين، أو مارب كما قال الحوثيون يومها. كلا الأمرين سواء".

 

بعد سقوط عمران لم يكن هنالك من مفاجأة

 

الصحفي عامر الدميني، كتب في صفحته على منصة فيسبوك: "بالنسبة لي لم أعد أتفاجئ من أي إخفاق عسكري أو مقتل شخصية كبيرة، منذ استشهاد العميد حميد القشيبي في عمران 2014م. كان خبر استشهاده صادما ونحن في ذروة مخاوفنا من القادم، وذروة طموحنا أن الدولة ستتدخل لإيقاف هرولة الحوثيين ولجم تمددهم".

 

وأضاف: "كان الأمل مرتفعا في أن يتدارك الحكام قبل المعارضين الأمر، ولا يسمحوا لهؤلاء بالتقدم، خاصة أن ملامح حكم الحوثي كانت واضحة في صعدة التي أسقطها مبكرا وسلخها من جسد الدولة. لكن كانت الأوضاع تزداد قتامة، وكأنها تمضي في مخطط واضح ومعلوم سلفا، سقطت عمران واستشهد القشيبي، وكان ذلك بداية الهبوط والانتكاسة".

 

ووصف الدميني يوم مقتل القشيبي بالقول: "كان يوما مظلما، ولا زلت أرى صنعاء من يومها مظلمة وموحشة بعد ذلك السقوط، الذي امتد لها، ولازال. كنا نتألم بقهر بينما كان حلفاء تلك اللحظة من صالح والحوثيين يتشفون ويتغنون ويرحبون، ووصف صالح القشيبي بالكلب، وفق تسجيلات صوتية منشورة".

 

وأردف: من بعدها لم أعد أشعر بالصدمة من أي حدث آخر، كانت صدمة مستنجد مؤمل لكنه شعر بالخذلان النهائي. وللمفارقة نفس الجهة التي قتلت القشيبي قتلت صالح، وتسببت بطرد هادي وكادت أن تقتله".

 

وختم بالقول: "لقد سقطنا هناك في عمران، ومن بعدها لم يعد سوى ارتدادات، ومن توطأ دفع الثمن، ومن بارك شرب من نفس الكأس، بينما لايزال القاتل حرا طليقا يعبث بالجميع".

 

الصحفي سمير النمري، كتب قائلا: "لم يكن علي عبد الله صالح رئيسًا لدولة بقدر ما كان شيخًا لقبيلة مترامية الأطراف اسمها اليمن. لم يحكم بقوة القانون، بل بسلطة العُرف؛ ذلك الميثاق غير المكتوب الذي يقدّس الهيبة الشخصية ويُعلي الولاء فوق كل اعتبار".

 

وتحدث عن طريقة إدارة صالح للبلاد، فقال إنها كانت تتم بـ "عقلية الشيخ المُحنّك. الشيخ في اليمن كريم، شهم، شجاع، لكنه عصبيّ يُستفز بسرعة، ويدير حياته باستراتيجية اللحظة لا بالضوابط والسلوكيات المنمقة. وهكذا، كان الشيخ صالح يمدّ يده بالكرم لشراء الولاءات، ويضرب بقبضته الحديدية لسحق الخصوم".

 

وأضاف: "كان يتقن عبارته الشهيرة التي يقولها في كل مناسبة "الرقص على رؤوس الثعابين"، وهي ليست مجرد استعارة سياسية، بل استراتيجيته الجوهرية للبقاء.

 

وأوضح أن صالح "حوّل المشهد السياسي إلى شبكة معقدة من التحالفات الهشة والمصالح المتقاطعة، حيث كان هو الخيط الوحيد الذي يربطها جميعًا. هذه الحكمة القبلية كانت هي نفسها التي قادت الدولة إلى حتفها".

 

وأشار إلى أنه وفي "ظل حكم “الشيخ الأكبر”، تآكل مفهوم الدولة الحديثة بشكل ممنهج. تم إفراغ المؤسسات من جوهرها وتحويلها إلى مجرد واجهات شكلية، بينما كانت القرارات المصيرية تُطبخ في مجالسه الخاصة وتُحسم وفقًا لموازين القوى القبلية ومزاجه الشخصي. لم يعد الولاء للوطن قيمة، صار الولاء للشيخ علي صالح هو معيار المواطنة الصالحة، ومفتاح الثروة والسلطة".

 

وأردف: "الصبر والدهاء اللذين مكّناه من الحكم لثلاثة وثلاثين عامًا، كانا هما نفسهما معاول الهدم التي حفرت قبر الدولة اليمنية. بنى نظامًا شديد المركزية حول شخصه، لدرجة أنه عندما سقط، انهار الهيكل بأكمله".

 

وعن نهايته المحتومة، قال النمري، إن صالح ظل "وفيًا لهويته كشيخ قبيلة. لم يتنازل أو يستسلم كما يفعل الساسة، بل اختار المواجهة حتى الموت. في قاموس العُرف القبلي، الشرف يقتضي أن يموت الشيخ مدافعًا عن مكانته، مهما كانت الكلفة".

 

ووصف نهاية صالح بأنها كانت لحظة "خلع فيها عن نفسه آخر أثواب “الرئيس”، ليموت كما عاش: شيخًا عنيدًا، في معركته الأخيرة مع قبيلته التي لم يفهمها ولم تفهمه إلا بلغة القوة".

 

وختم بالقول: "الخسارة الكبيرة أننا خسرنا اليمن كدولة.. وإعادة بناءها سيحتاج محو جيل كامل وربما أكثر".

 

تراشق أنصار صالح والإصلاح

 

الجدل الذي أثير عقب بث قناة العربية للفيلم، زاد حدته بين أنصار صالح ومنتسبي حزب الإصلاح، حيث هاجم أنصار صالح حزب الإصلاح بشراسة وحدة كبيرة خصوصا وأن بعض ناشطي الإصلاح حملوا صالح المسؤولية عن خراب البلاد وتسليم الجمهورية للحوثيين، نكاية بأعداء صالح خصوصا حزب الإصلاح الذي ناله النصيب الوافر من عملية الإنتقام التي كانت أحد أهداف صالح الرئيسية.

 

القيادي الإصلاحي عبده سالم كتب في سياق الدفاع عن الإصلاحيين من شتائم أنصار صالح، حيث خاطب الأخيرين بود كبير قائلا: "يا أحبابنا في المؤتمر الشعبي العام: الإصلاحيون لا أنتجوا فيلم "المعركة الأخيرة"، ولا كتبوا له السيناريو، ولا حددوا موعد عرضه! ... ليش مصرّين تلبّسوها لهم؟".

 

وأضاف: الفيلم من إنتاج قناة "العربية"، والمتحدّثين فيه هم نجل الزعيم، وأقاربه، وقادة حزبه، وحراسته الخاصة… يعني من بيتهم وفيهم! أما الإصلاح؟ والله ما لهم فيه لا صوت ولا صورة، ولا ريحا ولا نفسا! لكن الظاهر أنكم مش قادرين تتخلّصوا من عقدة الإصلاح، حتى وهم خارج المشهد. تخافوهم وهم ساكتين، وتتهموهم في بلاوي أنتم صنعتوها بأيديكم!".

 

وتابع: "لا أحد يرغب في الإساءة للزعيم، ويكفيه شرفاً أنه قُتل على يد أعداء الوطن، بصرف النظر عن الكيفية، هارباً كان أو مقاوماً… فقد أفضى إلى ربه، فدعوه في ذمّة الله، ولا تُحمّلوه حصائد ألسنتكم وأقلامكم".

 

وأردف: "ورغم أننا لا نعرف بالضبط ما هو الثقب الذي فتحه هذا الفيلم، ولا ما ستكون عليه تداعياته في قابل الأيام، إلا أن "الإصلاح" — كما يبدو — قد تحوّلوا عند البعض من خصم سياسي إلى فزّاعة نفسية، وهكذا المرعوب يشوف خصمه في كل ظل، والمذعور يحسب الهواء مؤامرة، - الى ان يقضي الله امرا كان مفعولا. سُنّة الله في خلقه. الرحمة للزعيم ... والعافية "للإصلاح"!".

 

أما الناشط عبداللطيف ياسين فكتب قائلا: "الإصلاح ليس لقمة صائغة يا أيتام صالح الإصلاح في أوج قوته ولو كل كفيل يتخلى عن مكفوله وقالوا سدوا لحسمها الإصلاحيين لصالحهم هزة من سالم إلى المخا وهزة من لعكب إلى عدن وانتهى الأمر".

 

غاغة

 

الصحفي حمود هزاع، علق قائلا: "استعادة صنعاء لا تستوجب تمجيد صالح أو مهاجمته.. ووحدة الصف تتحقق بوحدة القضية، وليس بوحدة الرأي والموقف حول شخص سواء كان صالح او عبدربه او علي محسن او حميد الاحمر او طارق صالح او غيرهم..".

 

وأوضح أن "الإصطفاف الوطني لا يلغِ حق نقد حزب سياسي أو مكون او شخصيات.. الاصطفافات الوطنية ومعارك الخلاص تحتاج قادة كبار يهتمون بالهدف وهو مواجهة الحوثيين والقضاء عليهم ويعملون من اجل ذلك لا يلتفتون لما دون ذلك".

 

الناشط نبيل الفقيه أقسم أن ما يجري عبارة عن "غاغة"، حيث قال: "أكملت مشاهدة الفلم الوثائقي لقناة العربية حول اللحظات الأخيرة لصالح. ولا يوجد مبرر واحد أو نقطة تبرر ان تتحول الحلقة لمهاترات بينتا".

 

وأضاف: "الأصل كانت تعزز تقوية سهامنا ضد الحوثي. ودليل على أنه غدار وعدو للجميع. لكن معي عبارة دائما اختم بها مداخلتي لأي قناة. "استوا واعتدلوا رصوا الصفوف لا تجعلوا فرجة للحوثي".

 

صالح توقع مصيره على يد الحوثيين

 

وفي ذات السياق، قال وزير الخارجية اليمني السابق أبو بكر القربي إن الرئيس السابق علي عبدالله صالح، لذي قتل على يد جماعة الحوثي قبل ثماني سنوات، كان يتوقع مصيره على أيدي الجماعة.

 

وأضاف القربي في مقابلة مطولة مع صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية أن "المواقف التي بدأت بعد أن أعلن الشراكة مع الحوثيين وشعوره بأن الحوثيين رغم شراكة حزب "المؤتمر الشعبي العام" في الحكومة. إلا أن وزراء المؤتمر في الحكومة لم تكن لديهم جميع الصلاحيات، وكان المشرفون من الحوثيين هم الذين يديرون الوزارات، فبدا التوتر واضحاً بإقصاء الحزب من دوره السياسي في اليمن، وبدأت الخلافات أيضاً عندما بدأ المؤتمر يكثف من نشاطه السياسي والاحتفاء بذكرى تأسيسه في 2017.

 

وتأتي تصريحات القربي غداة يوم من بث قناة العربية فيلم وثائقي المعركة الأخير لصالح في العاصمة صنعاء، بشهادات نجله مدين وأقرب المقربين منه حراسته الشخصية الذي كانوا معه لحظة مقتله على يد الحوثيين في الراربع من ديمسبر 2017م.

 

ونفى القربي نية صالح ومساعيه لتوريث الحكم لنجله أحمد، وقال إن "هذا الحلم أعتقد لم يكن مطروحاً جدياً، وأعتقد أن المعارضة ضخّمت الموضوع، وللأسف أيضاً أن بعض قيادات الحزب كانت تدلي بتصريحات توحي بهذا الأمر".

 

وأضاف "لكن صالح قال مباشرة إن ولده من حقه أن يرشح نفسه إذا هو أراد لأن هناك انتخابات والشعب يقرر مَن سيختار لكن في الوقت نفسه قال: أنا لن أترشح للانتخابات المقبلة ولن يترشح ولدي".

 

وتحدث القربي عن مشكلة الحوثيين منذ 2004 وعن ثورات الربيع العربي وثورة 11 فبراير عام 2011، وكيف تبدّل تحالف صالح ونائبه عبد ربه منصور هادي، ولماذا تحوّل الحوثيون إلى إيران.

 

كما نفى تحالف صالح مع الحوثيين وقال "لا نستطيع القول إنه تحالف مع الجماعة، ربما في بداية الأمر عندما بدأ الحوثيون بالتقدم نحو صنعاء، ربما كان يعتقد أنه ستأتي مرحلة تقوم فيها الحكومة بقيادة هادي في ذلك الوقت، بوقف تقدمهم. لأن الرئيس هادي كان رئيس الجمهورية في ذلك الوقت وهو المسيطر على الجيش والقوات المسلحة".

وأردف "كان صالح ربما يرى أن ما يجري في المناطق القبلية من قبل الحوثيين هو تصفية حسابات بينهم، وربما يرى فيها من جانبه أنها أضرت بخصومهم من مشايخ القبائل في المنطقة".

 

وزاد "لكن عندما تقدموا إلى عمران كان واضحاً أن الخطر قادم، لذلك طلب من الرئيس هادي، وذهبت مجموعات من حزب «المؤتمر الشعبي» وطلبت من الرئيس هادي التدخل لوقف تقدمهم لأنهم إذا وصلوا إلى عمران فسيصلون إلى صنعاء.

 

وحسب القربي فإن صالح كان لديه شعور أن هادي غدر به، وتعزز هذا الشعور خاصة عندما بدأ التعامل مع "المؤتمر الشعبي" في أثناء مؤتمر الحوار الوطني الشامل في تمثيل المؤتمر والشخصيات التي تشارك في المؤتمر،

 

وأضاف "شعر بأن الرئيس هادي يحاول أن يزيحه من الدور الذي له الحق فيه كرئيس للمؤتمر. اتخذ هادي القرارات، وشعر صالح كأنه يريد أن يستبعده من رئاسة المؤتمر، فبدأت الحساسيات.


مقالات مشابهة

  • الأندية العشرة الأكثر إنفاقا على الصفقات في القرن 21
  • الجيش السوداني ينفتح ويحكم قبضته على منطقة حيوية في كردفان
  • تسع قطع من آثار اليمن القديم تباع بمزاد في بريطانيا خلال سبتمبر القادم
  • مجاعة القرن تحصد 14 روحا في يوم والشفاء يدق ناقوس الخطر
  • رواية مغايرة لمقتل شادماني.. ابنته تتحدث عن عملية إسرائيلية مباشرة
  • إسبانيا.. اكتشاف كنيس قديم يعيد كتابة التاريخ اليهودي المبكر في شبه الجزيرة الإيبيرية
  • محمد فراج.. «في رواية أحدهم»
  • تناول التطورات في غزة و منطقة القرن الإفريقي.. اتصال هاتفي لوزير الخارجية ونظيره الإيطالي
  • رواية مدين نجل "صالح" عن مقتل والده برصاص الحوثيين تثير الجدل في اليمن
  • حُكّام العرب أضحوكة القرن، ونصر غزة سيأتي من اليمن