أحمد يحيى الديلمي
في الذكرى الـ61 لثورة 14 أكتوبر المجيدة، هُناك حقائق لا بد أن نعود إليها لكي يتعمق في النفوس محتوى هذه الثورة التي كانت البداية لإشعال الثورة ضد المحتل البريطاني، والتي أطلق شرارتها المجاهد الكبير المرحوم راجح غالب لبوزة من جبال ردفان، وبذلك شكلت أكتوبر أول محتوى للقوى الوطنية المناهضة للاستعمار وجعلت هذا المحتل البغيض يبحث عن مرتكزات محلية كعملاء يمكنونه من الاستمرار في الاحتلال، عبر وسائل انتهازية ومصطلحات حديثة، ومن تلك المرتكزات طبعاً ما سُمي – آنذاك – بالمجلس التشريعي، وعقب الإعلان عنه بعد أن أنطوى تحت مظلته أصحاب دعوة عدن للعدنيين بحسب رغبة المُحتل، فخرج المواطنون الشرفاء إلى شوارع عدن يصرخون بملء أفواههم لا للمجلس التشريعي العميل، ما لبثت هذه الفكرة أن انتقلت إلى صنعاء حيث أمر الإمام أحمد والذي كان يستمع إلى صدى كلمات الرفض كونه عائش في تعز، فوجه بتخصيص برنامج الجنوب المُحتل الذي كان يقدمه الأستاذ المرحوم عبدالله حمود حمران، وكان البرنامج بالفعل إضافة هامة حددت معنى الرفض المُطلق لكل هذه الأعمال الاستعمارية المُبطنة وكان صوت حمران يُجلجل من إذاعة صنعاء “لا يا با شراحيل لا للمجلس التشريعي العميل”، القصد هُنا الأستاذ محمد علي باشراحيل الذي نصبته بريطانيا رئيساً لهذا المجلس .
واليوم ونحن نحتفل بهذه الذكرى الخالدة للأسف الشديد نجد أنفسنا بحاجة إلى عدة لاءاتّ لرفض الهياكل المماثلة والأكثر عمالة وخيانة التي صنعها نفس المُحتل وإن كانت بتمويل وأيادٍ أخرى لها وجود في المنطقة مثل السعودية والإمارات، وبالتالي علينا أن نصرخ بملء أفواهنا لا لمجلس القيادة العميل لا للمجلس الانتقالي لا لمجالس المحافظات المناطقية، فكلها مجرد وسائل يحاول مُحتل الأمس البغيض من خلالها إعادة إنتاج نفسه وإن عبر جوقة العملاء والمرتزقة وقوى ما يُسمى بالتحالف العربي، إذاً هنا ندرك المأساة، فلا الرفض الواحدة تحولت إلى عدة لاءات يجب أن نقولها بصراحة ونترجمها على أرض الواقع بتنفيذ توجهات قيادة الثورة الهادفة إلى تحرير كل شبر من أرض الوطن من دنس العملاء والمرتزقة الخونة، فبريطانيا بعد أن غربت شمسها حيث كانت توصف بالمملكة التي لا تغيب عنها الشمس، وبعد أن فشلت في تحقيق ما تتطلع إليه عبر ما سُمي بـ”الربيع العبري” وبالآليات التي أسقطتها الثورة الشعبية في 21سبتمبر 2014م المباركة لتُلغي كل محاولة الفدرلة والتمزيق التي سعت بريطانيا من خلال أذنابها في المنطقة إلى تكريسها على أرض الواقع وإن بمصطلحات حديثة كما هو الحال مع الديمقراطية وما إلى ذلك من المسميات التي ما أنزل الله بها من سلطان والتي نكتشف مع مرور الأيام أنها مجرد آليات لتنفيذ الرغبات الخاصة وإخضاع الشعوب للإرادة البريطانية والهيمنة الأمريكية كآخر صيحات الاستعمار المُبطن الذي يصول ويجول في أرضنا العربية واستطاع أن يلوي أعناق كل القادة والمسؤولين الرخوة ليصبحوا مجرد أدوات لخدمته .
وها هي النتائج تظهر اليوم كما هو الحال في فلسطين المحتلة ولبنان الجريحة، فدولة الكيان الصهيوني التي زرعها المستعمرون في أرض العرب اليوم تُمارس أبشع جرائم الإبادة ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني بمباركة للأسف من هؤلاء القادة الذين تحولوا إلى نعال تُسيرهم أمريكا كيفما شاءت، ولعل المفارقة العظيمة هُنا تتمثل في أن طوفان الأقصى المبارك جاء في نفس الشهر الذي انطلقت فيه شرارة الـ14 من أكتوبر وفي هذا تأكيد صريح على واحدية النضال والثورة في الوطن العربي، وأن الجميع يتوقون إلى لحظة الانعتاق من الهيمنة والاستعمار البغيض وهذا ما سيحدث في اليمن إن شاء الله بفضل سواعد الرجال الأبطال الميامين وتوجيه القيادة الحكيمة التي تنطلق من مواقف إيمانية صريحة تؤكد أهمية جهاد الأعداء المحتلين باعتباره موقفاً إيمانياً لا يقبل الشك أو المزايدة .
الرحمة لكل الشهداء اليمنيين والفلسطينيين واللبنانيين والنصر المؤزر إن شاء الله لمحور المقاومة ولكل الشرفاء في وطننا العربي، والله من وراء القصد ..
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
السودان الرجل الصالح .. والله في !
الإقصاء الأمريكي لبريطانيا من ملف السودان وتداعياته الجيوسياسية
في خطوة تحمل دلالات عميقة، أبعدت الولايات المتحدة الأمريكية بريطانيا عن ملف السودان في اجتماعات “الرباعية” المعنية بالشأن السوداني، والتي تضم كلاً من الولايات المتحدة، السعودية، مصر، والإمارات. ورغم أن هذه الخطوة قد تبدو تكتيكية في ظاهرها، إلا أن خلفها قراءة استراتيجية تُعبر عن تحوّل في موازين التأثير الغربي في المنطقة، وربما تعكس رغبة أمريكية في احتكار مفاتيح التغيير والتحكم بالمشهد السوداني بعيدًا عن “شريكها التاريخي” الذي كان يحتل السودان بالأمس القريب.
أولاً: السياق التاريخي والرمزية
بريطانيا ليست مجرد دولة أوروبية عادية في ما يخص السودان، بل هي الدولة التي استعمرت السودان منذ عام 1898 عبر الحكم الثنائي (الإنجليزي-المصري)، وشكلت جزءاً محورياً في تشكيل بنيته السياسية والإدارية، وأخرجته إلى الاستقلال على طريقة “الفخاخ المزروعة” كما حدث في تقسيم الجنوب، وتكريس المركزية، وتمكين النخب التابعة. هذا الإرث لا يمكن عزله عن أي محاولة لفهم علاقة بريطانيا بالسودان أو تحليل موقعها في أي ترتيبات دولية تخصه.
وبالتالي، فإن إقصاءها بهذه الطريقة من الرباعية، ليس مجرد مسألة “تنظيم طاولة” بل إشارة ناعمة من واشنطن مفادها أن زمن لندن في الخرطوم قد ولّى، وأن الهيمنة على قرار السودان الإقليمي والدولي بات أمريكياً صرفاً، ولو بشراكة شكلية مع حلفاء من “الصف الثاني”.
ثانيًا: الرد البريطاني.. اعتراف بفلسطين
ولأن الدول لا تصمت طويلاً على الإهانة الدبلوماسية، جاء الرد البريطاني سريعًا ومفاجئًا: اعتراف رسمي بالدولة الفلسطينية. وهو اعتراف يبدو في ظاهره “دعمًا للعدالة وحقوق الشعوب”، لكنه من منظور العلاقات الدولية ليس إلا ورقة ضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل، ومحاولة لاستعادة بعض الوزن الأخلاقي والاستراتيجي الذي فقدته بريطانيا في المنطقة.
ومن سخرية القدر أن هذه هي ذات بريطانيا التي منحت إسرائيل “الحق في وطن قومي” عبر وعد بلفور المشؤوم في 1917، أي أنها الدولة التي زرعت بذرة الأزمة، وتأتي اليوم لتعلن -بكل صفاقة سياسية– أنها تحاول إنصاف الشعب الفلسطيني. هذا الاعتراف ليس أكثر من محاولة لترميم موقعها في الشرق الأوسط، بعد أن أخرجتها واشنطن من بوابة السودان.
ثالثًا: ترامب والتبسيط الرأسمالي للسياسة
أما دونالد ترامب، التاجر الذي تسلل إلى البيت الأبيض، فقد مثّل قطيعة أخلاقية وعقلية عن مسار الدبلوماسية الأمريكية الكلاسيكية. لم يكن يرى العالم إلا من نافذة الصفقات: صفقة القرن، صفقة التطبيع، صفقة الانسحاب… رجل أعمال بقالة أكثر من كونه رجل دولة، اختزل قضايا الشعوب ودماءها في أرقام وإيصالات شراء.
سياسات ترامب كانت ولا تزال جزءًا من هذه الفوضى الموجهة التي أفضت إلى تعقيد المشهد السوداني والإقليمي، عبر ترك ملفات ملتهبة دون معالجة جذرية، بل وإشعال بعضها بهدف ابتزاز الحلفاء واستنزاف الخصوم.
خاتمة: الصراع ليس على السودان فقط
ما يحدث اليوم ليس مجرد تنافس دبلوماسي حول السودان، بل هو صراع على النفوذ في قلب أفريقيا، في منطقة تقاطع الموارد والثورات والصراعات. إبعاد بريطانيا من ملف السودان قد يبدو انتصاراً أمريكياً تكتيكياً، لكنه في حقيقته فتح الباب أمام تحالفات جديدة، وتحركات انتقامية ناعمة، كاعتراف لندن بفلسطين.
وبين طموحات واشنطن، وردود لندن، وارتجال ترامب، لن يكون السودان هو الضحية، ولن تُعاد صناعته خارج حدوده، ولن تُرسم له الأقدار على طاولات لا وجود لممثليه فيها، ولن تُختبر عليه معادلات النفوذ العالمي، ونحن سنرسم وطننا وحدنا .
وليد محمد المبارك
وليد محمدالمبارك احمد