أبو الغيط: الأرشيف الوثائقي يمثل أحد مقومات الهوية الوطنية للأمة
تاريخ النشر: 17th, October 2024 GMT
أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أهمية الوثيقة العربية باعتبارها من القواعد الأصيلة التي ترتكز عليها هوية الأمم والشعوب وشاهداً على التاريخ، وذاكرة الأجيال المقبلة، مشيرا إلى أن الأرشيف الوثائقي يمثل جزءاً لا يتجزأ من الموروث الثقافي العربي وأحد مقومات الهوية الوطنية للأمة العربية.
جاء ذلك في كلمة الأمين العام لجامعة الدول العربية خلال الفعالية التي أقامتها الأمانة العامة اليوم الخميس، احتفالا بيوم الوثيقة العربية لعام 2024 والتي ألقاها نيابة عنه السفير حسين الهنداوي الأمين العام المساعد رئيس قطاع الرقابة الادارية.
وقال أبو الغيط إن الحفاظ على هذا الإرث وصونه ليس فقط واجبا مقدسا وأصيلا، بل مسئولية قومية باتت ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى، خاصة في ظل هذا المنعطف التاريخي الحاسم الذي تتعرض فيه منطقتنا العربية لتحديات غير مسبوقة تهدد أمنها واستقرارها، وتفرض علينا أن نتنبه الى خطورة الأوضاع التي تواجه الأرشيفات العربية من محاولات طمس هويتها وتزوير مضمونها التاريخي وتشويه التراث الفكري للأمة العربية.
وأضاف "أنه في ضوء الدور المهم الذي يقوم به الفرع الإقليمي العربي للمجلس الدولي للأرشيف في الحفاظ على الأرشيفات العربية وصونها، ندعوه للاهتمام بإثراء سجل ذاكرة العالم بالمساهمات الوثائقية العربية المتميزة والفريدة والتي تحفظ حقوق الأمم والشعوب العربية وتسهم في اثراء الحضارة البشرية والعمل على دعم الحفاظ على المخطوطات والمحفوظات والصور والخرائط القيمة في العالم العربي بكافة الأساليب التكنولوجية الحديثة وخلق بيئة مستدامة لهذا الإرث النفيس لمواجهة المخاطر المحدقة به".
وتابع: "لقد مضى عام كامل على الحرب الدامية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي الوحشي على غزة وسائر الأراضي الفلسطينية عام من الإبادة والتطهير العرقي جراء مجازر الاحتلال التي تعوق أفق السلام.. مستطردا: "ولعل تزامن احتفالنا اليوم مع ذكرى الاحتفال بيوم التراث الفلسطيني يُمثل فرصة سانحة لتسليط الضوء على أنه ثمة ذاكرة كاملة للشعب الفلسطيني تتعرض للتدمير الممنهج والنهب والسلب والاغتصاب، الأمر الذي يتطلب انتفاضة مجتمع الأرشيفيين والوثائقيين في شتى أنحاء العالم للحفاظ على تلك الذاكرة الحية للشعب الفلسطيني.
وذكر ان جامعة الدول العربية قدمت في عام 2016 الدعم السياسي والمعنوي اللازم لهذه القضية المهمة، حيث وضعت استراتيجية عربية موحدة لاستعادة الأرشيفات العربية المنهوبة والمسلوبة لدى الدول الأجنبية والاستعمارية بهدف توفير الحماية اللازمة لهذه الأرشيفات من التدهور والاندثار والتهريب ووضع الأطر القانونية لمنع سوء التصرف بها ، باعتبارها أحد ركائز ومقومات الهوية العربية في وقت أصبح تزوير الهوية وتفكيكها احدى أدوات السيطرة على الشعوب واستعمارها .
وأبرز أن فعالية اليوم وما تتضمنه من جلسات علمية مهمة، تعقد تحت عنوان "الأرشيف الأخضر : نحو أرشيف عربي مستدام ، ليس فقط لتسليط الضوء على التكنولوجيا الحديثة واستخداماتها في قطاع الأرشيف مثل الذكاء الاصطناعي والوثائق والسجلات الرقمية، بل للتركيز أيضاً على مفهوم المعرفة المستدامة وتطوير قطاع الأرشيف محلياً وإقليمياً، وكذلك أهمية تبني ممارسات بيئية مسئولة في قطاع الأرشيف والوثائق في ظل التغيرات المناخية التي نشهدها اليوم، والتحولات المتلاحقة في قطاع تكنولوجيا المعلومات من خلال تبادل التجارب الناجحة والخبرات المتراكمة بين قادة قطاع الأرشيف والوثائق والخبراء والأكاديميين في الوطن العربي.
واشار في هذا الصدد الى أن الميثاق العربي للأرشيف الذي أقرته جامعة الدول العربية في عام 2016، أكد على ضرورة تطوير قطاع الأرشيف مواكبة للتطورات التكنولوجية الحديثة، كما تبنت الجامعة العربية وأجهزتها الفنية سياسات لتعزيز التكنولوجيا الخضراء والابتكار، وذلك من خلال دعم المبادرات العربية للمشروعات الخضراء الذكية التي تعتمدها وتقرها اللجنة العربية لمتابعة تنفيذ أهداف التنمية المستدامة 2030، ودعم الاقتصاد الأخضر وتشجيع الشراكات المبتكرة بين القطاعين الحكومي والخاص لبلورة مشاريع مستدامة ومبتكرة للتوجه نحو الأخضر في كافة المجالات الحياتية.
وأعرب عن أمله في أن تتكلل الجلسات العلمية التي ستعقد اليوم بالخروج بوثيقة استشرافية حول التقنيات والحلول الإلكترونية لأرشيف مستدام، وصياغة سبل وأساليب ناجعة للتعاون في مجال تطوير الأرشيف والتوثيق على الصعيدين المحلي والإقليمي، وصون الأرشيف خلال النزاعات والحروب في المنطقة العربية.
ونوه الامين العام الى ان الآونة الأخيرة شهدت اهتماماً متزايداً عالمياً وإقليمياً بالحفاظ على الأرشيف الوثائقي، فأطلقت الجامعة العربية في عام 2014 مشروع توثيق ذاكرة جامعة الدول العربية على أساس حفظ الذاكرة العربية الجماعية من خلال توظيف تقنيات المعلومات ودمجها بفن التوثيق المرقمن.. هذا المشروع الذي اعتبرته الدول الأعضاء بجامعة الدول العربية بمثابة مشروع قومي عربي يوثق حقبة زمنية مهمة في الذاكرة الوطنية.
كما أعرب عن سعادته أن تشهد فعالية يوم الوثيقة العربية لعام 2024 التوقيع على مذكرتي تفاهم بين الأمانة العامة لجامعة الدول العربية ومركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري، ومركز التوثيق الملكي الأردني الهاشمي، لإنجاز مشروعات توثق ذاكرة مصر والأردن في مسيرة الذاكرة العربية الجماعية، مشجعا مراكز ومؤسسات التوثيق في الدول العربية للانضمام الى هذا الحراك، فذاكرة الجامعة العربية جزء لا يتجزأ من الذاكرة الوطنية لدولها الأعضاء .
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أبو الغيط الجامعة العربية الوفد بوابة الوفد جامعة الدول العربية الدول العربیة قطاع الأرشیف
إقرأ أيضاً:
الاقتصادات العربية من التكيّف إلى صناعة المستقبل
يمرّ الاقتصاد العربي في طور دقيق من التغير تتداخل فيها الأزمات العالمية مع التحديات الإقليمية. أسواق الطاقة غير المستقرة، وحركة التجارة العالمية التي تعاني من توترات متواصلة، والمراكز الصناعية الجديدة في آسيا التي تزداد تأثيراً في الأسواق العالمية، كلها مجتمعة أصبحت تغيّر موازين الاقتصاد الدولي. في هذا المشهد المتقلب، تحتاج المنطقة العربية إلى نموذج اقتصادي قادر على الصمود والتطور، يقوم على مبادئ التنويع والإنتاج والمعرفة.
المشهد الدولي المتغيّر
من الواضح بأن الاقتصاد العالمي يشهد انتقالاً تدريجياً في مراكز النفوذ الاقتصادي. فالصين والهند أصبحتا من أبرز القوى المحركة للإنتاج والتكنولوجيا والاستثمار، بينما توسّع تكتلات مثل "بريكس" ومنظمة "شنغهاي" مجالات التعاون بين الاقتصادات الصاعدة. هذا التحول يُغيّر خريطة النمو العالمي، ويمنح الدول خيارات أوسع لبناء شراكات جديدة خارج النفوذ الغربي التقليدي.
وتقع الاقتصادات العربية في دائرة التأثر المباشر بهذه التحولات. اعتماد العديد من دول المنطقة على صادرات النفط والغاز يجعل موازناتها مرتبطة بأسعار الطاقة العالمية. أكثر من ثلثي الإيرادات الحكومية في بعض الدول الخليجية ما زالت تأتي من قطاع الطاقة، مما يجعل أي تراجع في الطلب أو تشدد في سياسات خفض الانبعاثات عاملاً مؤثرًا في الاستقرار المالي.
وتزيد الاضطرابات الجيوسياسية في مناطق العبور البحري - مثل البحر الأسود وبحر الصين الجنوبي - من كلفة النقل والتأمين، وهو ما ينعكس على حركة التجارة العالمية، خصوصًا في الدول التي تعتمد على استيراد المواد الأساسية وتصدير الطاقة عبر هذه الممرات.
ورغم هذه التحديات، يحمل التحول العالمي في مجالات عدة فرص مهمة أمام المنطقة العربية. فالتوسع على سبيل المثال في الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر يمكن أن يشكّل أساسًا لمرحلة جديدة من النمو، ويمنح الاقتصادات العربية موقع متقدم في منظومة الطاقة المستقبلية، خاصة إذا ارتبط هذا التوجه بسياسات واضحة للبحث العلمي والتصنيع المحلي.
الأوضاع الإقليمية وضعف التكامل
البيئة الاقتصادية العربية ما زالت تواجه أزمات سياسية وأمنية في عدد من الدول، مثل اليمن وسوريا وليبيا والسودان، وهي نزاعات تستنزف الموارد وتضعف ثقة المستثمرين. كما أن محدودية التعاون بين الدول العربية تقلل من فرص بناء سوق إقليمية متكاملة. فالتجارة البينية لا تشكّل سوى نحو 10% من إجمالي التجارة العربية، وهي نسبة منخفضة جداً مقارنة بالمستويات التي حققها الاتحاد الأوروبي، حيث تتجاوز التبادلات الداخلية بين دوله 60% من حجم تجارته. هذا التفاوت يوضح حجم الفجوة في التكامل الاقتصادي، ومدى ما يمكن أن يحققه التعاون العربي إذا توفرت الإرادة السياسية والإطار المؤسسي الفاعل.
في الوقت نفسه، يزداد الضغط على الأمن الغذائي والمائي. ندرة المياه، والجفاف، وتراجع المساحات الزراعية، تفرض تحديات وجودية على بعض الدول. الاعتماد الكبير على استيراد الغذاء يجعل المنطقة عرضة لتقلبات الأسعار العالمية. لذلك، فإن التعاون في مجالات الزراعة الحديثة وإدارة المياه يصبح شرطًا أساسيًا لاستمرار التنمية واستقرارها.
عناصر القوة وفرص المنافسة
رغم هذه التحديات، تمتلك المنطقة العربية مقومات قوية يمكن أن تشكل أساساً للنهوض الاقتصادي. فهي تملك أكبر احتياطي من النفط في العالم ونسبة عالية من الغاز الطبيعي، إضافة إلى موقع جغرافي يربط آسيا بأوروبا وإفريقيا ويمر عبره جزء كبير من تجارة الطاقة العالمية.
العنصر البشري يمثل ثروة أخرى مهمة، فمعظم سكان المنطقة من فئة الشباب. هذه الطاقة البشرية قادرة على دفع التنمية إذا تم الاستثمار فيها من خلال التعليم الموجه نحو المهارات والتقنيات وريادة الأعمال. بعض الدول العربية بدأت بالفعل في هذا الاتجاه، مثل الإمارات والسعودية والمغرب، التي توسعت في مجالات التكنولوجيا والطاقة النظيفة والسياحة والصناعة الحديثة، بينما لا زالت بقية الدول العربية في طور ترجمة الخطط التنموية إلى برامج إنتاج حقيقية قابلة للتنفيذ.
التحديات العميقة
معدلات البطالة في المنطقة العربية ما زالت مرتفعة، وتتجاوز في بعض الدول 30%. الفقر ينتشر في عدد من الدول، والإنفاق على البحث العلمي لا يصل إلى واحد في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. هذه الأرقام تعكس ضعف القدرة على بناء اقتصاد معرفي متنوع.
كما أن الطابع الريعي للاقتصادات العربية ما زال يقيّد النمو المستدام. الاعتماد على الموارد الطبيعية دون تطوير الصناعة والخدمات ذات القيمة المضافة يجعل الاقتصادات أكثر عرضة لتقلبات الأسعار العالمية. كما أن البيروقراطية وكثرة الإجراءات الحكومية وضعف الشفافية تعيق الاستثمار المحلي والأجنبي، وتحدّ من قدرة القطاع الخاص على التوسع والابتكار.
خطوات التحول الاقتصادي
التغيير المطلوب لا يمكن أن يتحقق بالمعالجات السطحية، بل بخطط شاملة تعيد تنظيم العلاقة بين التعليم والإنتاج، وتفتح المجال أمام الابتكار والتكامل الإقليمي. البدء بتقليل الاعتماد على النفط ضرورة أساسية من خلال تطوير الصناعات التحويلية والزراعة الحديثة والسياحة المستدامة. إدماج التكنولوجيا في إدارة المؤسسات العامة والخاصة يسهم في تقليل التكاليف وتحسين الأداء. كما أن التعاون العربي في مجالات الطاقة والغذاء والمياه والبيانات يمكن أن يخلق شبكة اقتصادية واسعة قادرة على مواجهة الأزمات الخارجية.
تنويع الشراكات مع آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية يمكن أن يمنح الاقتصادات العربية مرونة أكبر، ويتيح فرصاً جديدة في مجالات البنية التحتية والتقنيات الخضراء. أما الاستثمار في التنمية البشرية، فيبقى الأساس لأي تحول حقيقي. الخطوة الأولى تبدأ من منظومة التعليم التي ينبغي أن تتحول إلى أداة لبناء المهارات والإبداع، عبر برامج تطبيقية ترتبط مباشرة بسوق العمل ومشاريع ريادة الأعمال.
الرؤية المستقبلية
الاقتصاد العربي يواجه تحديات صعبة، لكنه يمتلك في الوقت نفسه فرصة نادرة لإعادة بناء نفسه على أسس جديدة. المرحلة المقبلة تتطلب سياسات أكثر وضوحاً واستقراراً، ومؤسسات تملك صلاحيات حقيقية لإدارة التنمية ومراقبة تنفيذها. الشفافية في إدارة الموارد والالتزام بالحوكمة هما الطريق إلى استعادة الثقة وبناء قاعدة اقتصادية قوية.
المنطقة العربية تمتلك كل ما تحتاجه لتكون شريكاً فاعلاً في الاقتصاد العالمي إذا استطاعت تحويل مواردها الطبيعية والبشرية إلى طاقة إنتاجية حقيقية. لكن ما يجب إدراكه هو أن الاقتصادات الوطنية العربية لن تتقدم بمواردها فقط، وإنما بقدرة مجتمعاتها على توجيهها بوعي وكفاءة. العالم يعيش تغيرًا سريع الإيقاع، ومن يتباطأ أو لا يواكب هذا التغيير بوعي يفقد موقعه في حركة التاريخ.
أمام الدول العربية فرصة للانتقال من مرحلة التكيّف مع الأزمات إلى مرحلة صنع السياسات التي تحدد مستقبلها. المرحلة القادمة تحتاج إلى مشروع تنموي يجعل من المعرفة والإنتاج أساس القوة الاقتصادية الجديدة في المنطقة.