المسرح العائم في انتظار طوق النجاة
تاريخ النشر: 20th, October 2024 GMT
حالة من الجدل أثارتها المعلومات المتداولة عبر مواقع السوشيال ميدايا عن إزالة " المسرح العائم "، فى الأوساط المسرحية وعشاق المسرح من الجمهور، الذين أعتبرو أن هدم المسرح هو هدم منبرا للمنار والفكر ونشر الثقافة، والامر لم يتوقف عند الدور التوعوى للمسرح ، لكنه اثار الجدل بسبب طبيعة المسرح الذى يعد من الأماكن ذات العبق التاريخي، حيث عرض على شاشاته العديد من الاعمال المسرحية المهمه ، وحققت نجاحا كبيرا، بينها عروض "مطلوب زوجه فورا"، و "مساء الخير يا مصر"، "المحطة"، "مولد سيدى المرعب"، "الموضوع كبير أوى"، "البهلوانات"، وعرض مسرحية روايح الذى حقق اعلى ايراد مسرحى وقت عرضه، وتفتح " الوفد" ملف غلق المسارح لتتعرف على تفاصيل خطة هدم المسارح المصرية التى بدءات باخبار عن هدم المسرح العائم وتستمر.
"المسرح العائم"من اهم المسارح المصرية يعود إلى خمسينيات القرن الماضي، وأطلق عليه اسم الفنانة الكبيرة فاطمة رشدي، إحدى رائدات المسرح، وكان عبارة عن "عوامة "، كانت تتحرك كخشبة مسرح متنقلة بين كل محافظات مصر المطلة على النيل، لتقديم العروض المسرحية، وكانت تعود "العوامة" إلى مقرها لتعرف باسم "المسرح العائم " بالمنيل، وكان ذلك في عهد ثروت عكاشة وزير الثقافة والإرشاد القومي، بهدف نشر الفن والثقافة في جميع المحافظات.
وتساءل العديد من عشاق المسرح عن أسباب إزالته، على الرغم من خضوع المسرح قبل ثمانية سنوات للتطوير والصيانة، حيث تم تحديث أجهزة الصوت والإضاءة به، مع مراعاة اشتراطات الحماية المدنية، إلى جانب تجهيز مساحة مشاهدة داخل صالة المسرح العائم الصغير، التابع لفرقة الشباب، والمخصصة للجمهور من ذوى الاحتياجات الخاصة، حتى يصبح أول مسرح يقدم خدمة الترجمة الفورية للغة الإشارة لعروض الصم والبكم المسرحية، إضافة إلى خدمات أخرى لفاقدي البصر.
وزير الثقافة : لم يصدر قرار حتى بشأن هدم المسرح العائمووسط كل هذه الضجيج حول هدم " المسرح العائم" خرج وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو، قائلا إنه لم يصدر قرار حتى بشأن هدم المسرح العائم بالمنيل من عدمه، والأمر كله مجرد تكهنات لا أساس لها من الصحة، ولم يتم إخطار الوزارة رسميا بمخطط الحضري لمنطقة المنيل حتى الآن.
وأكد "هنو"، أن هناك مخططا بالفعل لتطوير وتوسعة المنطقة المحيطة بمستشفيات قصر العيني بجزيرة الروضة من أجل التسهيل على رواد المستشفى، وتوفير مناطق انتظار كافية للأطقم الطبية والمترددين عليها، مشيرا إلى أن مخطط المشروع تنسيقي بين عدد من المؤسسات التنفيذية المسؤولة، إلا أن هذا المخطط لم يعرض على الوزارة حتى الآن، ولم يجلس مع منسق المشروع لاستيضاح مصير المسرح سواء بنقله أو بقائه في موقعه الحالي، مشيرا إلى أن وزارة الثقافة مهتمة بوجود المسرح سواء في مكانه الحالي أو بمكان بديل في نفس المنطقة، مؤكدا أن الوزارة تهدف لزيادة المنصات التفاعلية المسرحية لما لها من قيمة ثقافية وفنية كبيرة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: المسرح غلق المسارح المسرح العائم وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد المسرح العائم هدم المسرح
إقرأ أيضاً:
انجُ بنفسك
سلطان بن محمد القاسمي
لا يزال الإنسان يظن أنَّ النجاة تعني أن تمد له يد من الخارج، أن يأتيه من يخرجه من عمق التيه، أو يوقظه من غفلة طال أمدها، في حين أن أول النجاة تبدأ حين ينهض من داخله، حين يمسك بزمام روحه، ويقول لها: كفى، لا يليق بك هذا الانحدار، ولا يليق بك هذا الكم من التجاهل لذاتك.
وقد قال الله تعالى: ﴿وأنفقوا في سبيل اللَّه ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة﴾ (البقرة: 195)، وهو نداء قرآني عظيم يعلمنا أن ترك النفس في مواضع الضرر دون محاولة الخروج منها هو من التهلكة، وأن النجاة مسؤوليتك، لا مسؤولية غيرك.
وفي الحديث الشريف، يقول النبي- صل الله عليه وسلم-: "لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيق" (رواه الترمذي). وهذا المعنى يعيد ترتيب أولوياتنا، فليس من القوة أن تتحمل ما لا يُطاق؛ بل من الحكمة أن تدرك متى تغادر، ومتى تنقذ نفسك.
فحين أصبحت المشاعر عملة متداولة في أسواق النفع، تساوم وتقايض كأنها لا تحمل وزن الروح، وحين باتت الأرواح تستنزف في حفلات التجمل الإجباري خلف أقنعة المجاملة وتكاليف التواجد، لم يعد إنقاذ النفس ترفا مؤجلا، بل ضرورة ملحة. ولم يعد الحفاظ على نقاء القلب خيارًا ناعمًا؛ بل عبادة صامتة، وفريضة باطنة تمارس في خفاء، حماية للروح من الانطفاء، وضمانا لبقائها حية وسط زيف الشعور، وكثرة المتقنين لفن الادعاء.
انجُ بنفسك من أماكن تطفئك، ومن أشخاصٍ يستهلكون ضوئك ليزدادوا بريقا، ومن أدوار أُلزمت بها دون أن تناسبك. انجُ من محادثات تشعر بعدها أنك بلا طاقة، ومن جلسات تُسفّه أحلامك، وتقلل من رؤيتك، وتعيدك في كل مرة إلى الخلف وأنت تبتسم مجاملة.
انجُ بنفسك من نفسك، من صوت داخلي يجلدك ليل نهار، من شعور مزمن بالذنب لأنك فكرت أن ترتاح، أو أنك قررت أن تنصت لصوتك لا لصوت الآخرين.
ولنا في التاريخ عبرة. ألم يكن يوسف عليه السلام في قصر العزيز؟ في مكان تغدق فيه النعم، وتُقدَّم فيه المناصب، ومع ذلك قال قولته المشهورة: ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ (يوسف: 33). السجن كان في ظاهره ألمًا، لكنه في باطنه نجاة؛ لأن البقاء في مكان يغتال القيم ويهدد الطهارة أشد خطرا من ظلمة الزنزانة. وهذه هي النجاة الحقة: أن تختار ما يبقي روحك حية ولو كلفك ذلك عزلة مؤقتة أو طريقًا شائكًا.
وفي سيرة النبي- صل الله عليه وسلم- ما يُدهشك ويُلهمك؛ إذ خرج من مكة وهي أحب البقاع إليه، لأنها لم تعد تشبهه، لم تعد تتسع لرسالته؛ فاختار الهجرة لا فرارًا؛ بل بقاء للرسالة. لقد نجا بنفسه وبمن آمنوا معه، ليؤسسوا في المدينة وطنًا جديدًا، وميلادًا مختلفًا، وتاريخًا عظيمًا.
وحتى في زماننا، نرى من اختاروا النجاة على حساب الاعتياد، من نهضوا من بين الركام وقرروا ألا يكونوا ضحية لما اعتادوه. هناك من خرجوا من وظائف تآكلت فيها أحلامهم بصمت، ومن صداقات كانت أشبه بعبء يومي يثقل صدورهم كلما حاولوا الابتسام، ومن علاقات تُطفئ ببطء أنوار قلوبهم، حتى كادوا ينسون كيف يبدو وهجهم.
نسمع عمَّن غادروا مدنا بأكملها لا لكرهها، بل لأنهم لم يعودوا يرون أنفسهم فيها. ومنهم من غير عاداته كلها، كمن يغسل روحه من ماضيه، أو أعاد ترتيب تفاصيل حياته كما يرتب أحدهم مكتبا ظل يعاني من الفوضى طويلا، ثم جلس أخيرا ليمنحه النظام الذي يستحقه.
وهناك من لم يهاجر خارجيًا؛ بل خاض هجرته الكبرى داخله، من قاطع جلسات لم يعد فيها شيء يبقيه، واعتذر عن تواجد بلا جدوى، وسحب نفسه من مواقف ترهق روحه في كل مرة.
أحدهم كان يعيش في صخب المجتمع، مُحاطًا بالناس، لكنه كل يوم يعود لبيته أكثر فراغًا. قرر أن يبتعد، أخذ إجازة مفتوحة من كل شيء. هاتفه مُغلق، حساباته في سُبات، واختلى بنفسه. بعد شهور عاد، لكنه لم يعد كما كان؛ عاد ناضجا، صافيا، متصالحا مع ذاته، يعرف حدوده، يختار من يحب، ويبتعد بلباقة عن كل ما يثقله. لم يكن تغيره مفاجئا، كان فقط استجابة لنداء واحد: "انجُ بنفسك".
النجاة هنا لا تعني أن تكون قاسيًا، ولا أن تنغلق، ولا أن تقطع كل شيء، النجاة أن تعرف متى تتوقف، ومتى تقول لا، ومتى تعيد رسم حدودك، وتبني حياة تشبهك، لا تستهلكك.
وإن أعظم الانتصارات ليست تلك التي تصفق لها الجموع؛ بل تلك التي تُعلنها داخلك، بصوتٍ لا يسمعه أحد. تلك اللحظة التي تنتشل فيها ذاتك من غرقٍ صامت، وتنهض من ركامك دون ضجيج، لأنك ببساطة أدركت أن البقاء في المكان الخطأ هو الفقد الحقيقي، وأن الاستمرار فيما يُطفئك هو الخسارة التي لا تُعوّض.
أن تنجو، لا لأن أحدًا مَدَّ لك الحبل؛ بل لأنك قررت أن لا تُكمل الغرق، لأنك اخترت الحياة من جديد بثمنٍ لم يدفعه سواك، وبوعي لم يكتبه أحد لك، سوى قلبك.
انجُ بنفسك.. لأنك حين تفعل، تبدأ الحكاية من جديد، ولكن هذه المرة، بيديك.
رابط مختصر