غزة- على رصيف داخل باحة المستشفى المعمداني في مدينة غزة جلست 5 نساء وطفل وصلن للتو من مخيم جباليا شمال قطاع غزة بعد أن أجبرتهن قوات الاحتلال على النزوح اليوم الثلاثاء.

وحاولت مجموعة النسوة الاتصال بأشخاص يبدو أنهم من أقاربهن، وقد كنّ في حالة من الفزع منعت الصحفيين من إجراء حوارات معهن.

وقالت سيدة منهن باقتضاب شديد (رفضت ذكر اسمها) للجزيرة نت إن قوات الاحتلال قتلت عددا من رجال عائلتها في مخيم جباليا، واعتقلت الباقين عبر حاجز أقامته على مدخل المخيم "في الممر الذي تزعم أنه آمن".

وأشارت إلى شابة كانت تبكي بشدة وتلف يدها المصابة بضمادة طبية "اعتقلوا خطيبها ولا تدري شيئا عن مصيره".

وأجبر جيش الاحتلال الإسرائيلي الآلاف من الفلسطينيين الموجودين في مراكز إيواء بشمال قطاع غزة وفي منازلهم يومي الاثنين والثلاثاء على النزوح عبر ممرات حددها لهم، زاعما أنها آمنة.

لكن نازحين من شمال القطاع قالوا للجزيرة نت إن تلك المسارات عبارة عن مصائد محفوفة بـ"الموت والأخطار"، إذ تم اعتقال الكثيرين عبرها، بالإضافة إلى إعدام آخرين.

ويشن جيش الاحتلال منذ 18 يوما حملة إبادة وتطهير عرقي عبر عمليات قصف غير مسبوق لمخيم وبلدة جباليا ومناطق واسعة شمال القطاع منذ إعادة اجتياحه وحصاره في 6 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

ورفض النازحون الذهاب جنوبا، في تحد لإرادة الاحتلال، وقرروا التوجه إلى مدينة غزة ومناطق أخرى في شمال القطاع، وقال بعضهم إنهم تعرضوا لعملية تجويع وتعطيش وإرهاب واسع طوال الأيام الماضية.

أهوال الحصار

وتروي نيفين الدواوسة الممرضة في مركز إسعاف بشمال القطاع "أهوالا" تعرضت لها خلال وجودها في مركز إيواء بمخيم جباليا.

وقالت للجزيرة نت إن قوات الاحتلال أعطت أمس الاثنين النازحين مهلة مدتها ساعة لإخلاء المركز، لكنها غدرت بهم وبدأت في قصفه بعد 10 دقائق فقط، وهو ما تسبب في استشهاد 10 وإصابة 30 آخرين.

ولم تتمكن الدواوسة -التي توجد حاليا في مدينة غزة- من تقديم خدمات الإسعاف للمصابين لعدم توفر أي إمكانيات لديها، وقالت إنها في طريق نزوحها إلى غزة شاهدت العشرات من الجثث ملقاة في الشوارع.

وتنفي الممرضة بشدة أن تكون الممرات التي تحددها قوات الاحتلال "آمنة"، وتضيف "فرزوا الرجال على جنب والنساء على جنب، واعتقلوا أكثر من 20 رجلا، بينهم طبيب"، كما أشارت إلى أن جنود الاحتلال تعاملوا مع النساء "باحتقار وتعمدوا إهانتهن وترويعهن".

وتكمل "قالوا لنا: إما أن تسيروا في طريق حددوه أو سوف يقنصوننا أو يضربوننا بالعصي وسيقذفوننا بالحجارة".

ولفتت إلى أنها صُدمت خلال رحلة نزوحها من كمية الدمار الهائلة في مباني وطرق مخيم جباليا، وتضيف "كل شيء تم تدميره، كل المنازل والأبراج والمحلات التجارية، تم تدمير المخيم كليا".

وتلخص الدواوسة الحصار الذي تعرضت له خلال الأيام الماضية بالقول "أيام من الموت، قصف بطائرات وروبوتات مفخخة و(طائرات) كواد كابتر، هلع، خوف، قصف مدفعي، قصف دور (بيوت)..".

مواطن من مخيم جباليا وصل مستشفى المعمداني مغطى بدماء عائلته التي تعرضت للقصف الإسرائيلي (الأناضول) خلال النزوح

وتمكنت الجزيرة نت من التحدث مع عائلة خلال نزوحها من بلدة جباليا (البلد)، وخلال اتصال هاتفي قال رب العائلة روحي صالح "أجبروني على النزوح، أنا أتحدث معك الآن ونحن نسير في شارع القدس، نحن في جباليا البلد، و(طائرة) الكواد كابتر تطير فوقنا تراقبنا".

ورغم أن جنود الاحتلال أمروا العائلة بالنزوح إلى غرب مدينة غزة فإن صالح يؤكد أنهم سيبقون في جباليا البلد، حيث يحاولون الوصول لبعض أقاربهم الذين بقوا في البلدة والسكن معهم مؤقتا إلى حين انتهاء العدوان.

ويضيف صالح "جاء جنود الاحتلال وأخرجونا من المنزل، الرجال والنساء والأطفال، وأمرونا بالتوجه إلى غرب مدينة غزة عبر شارع صلاح الدين، الخطر في كل مكان، لكن الحمد لله ربنا سلمنا".

وأوضح صالح أن أفراد العائلة البالغ عددهم نحو 24 شخصا يعانون من الإعياء الشديد جراء الجوع والعطش الذي عانوا منهم خلال الأيام الماضية.

ويلفت الرجل إلى أن شوارع بلدة جباليا خالية من السكان وموحشة بعد أن أجبرهم الاحتلال على الرحيل، مضيفا "نبحث عن أحد كي يقدم لنا الماء والطعام -خاصة لأطفالنا- لكن لا نجد".

الفتى إبراهيم مقاط مصاب بشظايا القصف الذي أودى بحياة 5 من عائلته في شمال غزة (الجزيرة) شهداء في الطرقات

ومرت عائلة صالح بالعشرات من الجثث المتحللة والملقاة في الطرقات بعد أن أقدمت قوات الاحتلال على إعدام الكثير من السكان بواسطة "القناصة".

وفي هذا الصدد، يقول صالح "مرقنا (مررنا) على الشهداء، أعداد كبيرة، كلها هياكل عظمية بعد أن أكلتها الكلاب".

وقبل إجبار العائلة على الرحيل ذكر صالح أن دبابة أطلقت قذيفة على الطابق الثاني في منزلهم، وهو ما كان سيتسبب في استشهاد وجرح الكثير من أفراد العائلة لولا أنهم كانوا في الطابق الأول حينها، ويضيف "أصبنا بالهلع وأغمي على أختي، وانتشر الغبار والدخان في كل مكان".

وكشف صالح أن الاحتلال أعدم قبل يومين رجلين من جيرانه هما مهند عوض وشخص آخر من عائلة شعبان لا يعرف اسمه الأول.

عوض أبو ليلة جريح من شمال غزة قتل الاحتلال شقيقيه وأحد جيرانه ونجا هو بعد إصابته (الجزيرة) قتلوا شقيقيه وأصابوه

ويعج المستشفى المعمداني بالجرحى النازحين من شمال القطاع جراء المجازر التي يرتكبها الاحتلال، ومن بين هؤلاء الفتى عوض أبو ليلة الذي تعرض لقذيفة دبابة أمام منزله بمخيم جباليا أدت إلى استشهاد شقيقيه أنس وبلال وأحد جيرانه، ونجاته هو بعد إصابته.

ونظرا لعدم توفر سيارات الإسعاف التي يستهدفها الاحتلال اضطر والده إلى نقله على عربة تجرها دابة وأوصله إلى مستشفى العودة، وبعد 5 أيام تم نقله إلى المستشفى المعمداني في غزة عبر سيارة إسعاف.

ويؤكد أبو ليلة أن الطريق إلى غزة لم يكن آمنا كما يزعم الاحتلال، إذ إنه احتاج إلى 10 ساعات حتى يصل إلى المستشفى.

ويضيف "على الحاجز (جنود الاحتلال) نزلونا (من سيارة الإسعاف) وصوروني وأدارت الدبابة مدفعها في وجهي، وسيارة الإسعاف غرزت وتعطلت بسبب دمار الطرق".

محمد مقاط وصل جريحا إلى المستشفى المعمداني جراء القصف العنيف على شمال غزة (الجزيرة)

وفي غرفة مجاورة لهذا الرجل يوجد الفتيان إبراهيم ومحمد مقاط القادمان من شمال القطاع.

ويقول إبراهيم إنه أصيب جراء سقوط صاروخين على منزله الكائن في حي سكني قريب من مخيم جباليا، مما أدى إلى استشهاد 5 من أقاربه -بينهم جده وجدته وعمته واثنان من أبناء أعمامه- وإصابته برفقة 4 آخرين.

أما ابن عمه محمد فيقول "كنت قاعدا على الكنبة، وفجأة أصبت وصرت أصرخ، ونقلوني إلى المستشفى بالإسعاف".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الجامعات المستشفى المعمدانی جنود الاحتلال قوات الاحتلال إلى المستشفى مخیم جبالیا شمال القطاع مدینة غزة شمال غزة من شمال بعد أن

إقرأ أيضاً:

في "مصائد الموت".. هكذا امتهن جيش الاحتلال كرامة نساء غزة

غزة- مدلين خلة - صفا في طابور طويل تحت لهيب الشمس، وقطرات العرق تتصبب من جبين أمهات غزة، بانتظار الحصول على بعض المساعدات من إحدى نقاط مراكز توزيع المساعدات الأمريكية، كانت" أم زهير" تُعد الدقائق لانتهاء كابوس الانتظار والعودة إلى أطفالها ببضع حفنات من الدقيق أو الأرز، كي تسد رمقهم، كونهم لم يتذوقوا الطعام منذ أسبوع. الخمسينية "أم زهير" اعتقدت أن المعاملة هناك ستكون مختلفة عما يحدث مع الرجال، بعد إعلان خُط بحروف عريضة: "نساء غزة نحن في انتظاركن"، إلا أنها وقعت ومثيلاتها من النساء في "مصيدة الموت". الصورة الوردية التي رُسمت في مخيلتهن سرعان ما أصبحت قاتمة، بعدما وجد النساء أرضية المركز تحتوي على عدد قليل من الطرود، التي لا تكفي لذلك العدد من السيدات، تلاها فتح النيران عليهن واستشهاد إحداهن وإصابة أخريات. مصائد الموت مع صباح يوم الخميس الماضي، انطلقت "أم زهير"، من جباليا نحو منطقة الشاكوش غربي مدينة رفح، وسارت مشيًا على الأقدام لساعات طويلة متحاملة على جوعها، لكنها عادت خالية الوفاض محملة بآلام جسدها. تقول لوكالة "صفا": "وقفنا في طوابير طويلة، ولم نرَ سوى أربعة طرود حصلت عليها عشر نساء، ثم طلبوا منا المغادرة، وعندما اعترضنا، رشّونا بغاز الفلفل". وتضيف "إحدى النساء كانت قد أحضرت صغيرها فاحترق جسده ولم تعد الرؤية واضحة، ثم بدأ الرصاص ينهال علينا من كل حدب وصوب حتى سقطت النساء أرضًا من الذعر والخوف والتعب". وتتابع "أخذت النسوة بالركض والنجاة بحياتهن وكأنه يوم القيامة دون النظر خلفهن، لقد كانت مصيدة، وليس مركز لتلقي المساعدات". وتردف "خرجتُ للحصول على بعض الطعام لصغاري كون زوجي كفيف ولا يستطيع إعالة الأسرة، إلا أنني وقعت في شباك الموت لأنجو منه بأعجوبة". وتمنع سلطات الاحتلال تدفق الغذاء والدواء والوقود إلى قطاع غزة، وتفرض قيودًا مشددة على إدخال المساعدات، ثم تحوّل نقاط توزيعها المحدودة إلى ساحات قنص وقصف وقتل جماعي. ذل وإهانة لم تكن "أم زهير" الوحيدة التي اضطرها الجوع للتوجه نحو "مصائد الموت"، بل كانت شبيهاتها كُثر، لتعود الحاجة "إم إسماعيل" (56 عامًا) خالية الوفاض تجر أذيال الخيبة، بعدم حصولها على قوت لأسرتها. تقول "أم إسماعيل" لوكالة "صفا": "لقد رأينا إهانة وذل، ذهبتُ لإحضار الطعام لي ولزوجي، لا نملك شيئًا نأكله، ولم أتخيل أن أتعرض للاهانة بهذه الطريقة". وتضيف "كنت أمنع أولادي من الذهاب هناك، خشية أن يأتيني أحدهم بكيس، وعندما سمعتُ عن يوم النساء، قررت الذهاب إلا أنني عُدت برصاصة في قدمي اليسرى". وتؤكد أن المعاملة هناك كانت وحشية وتتشابه كثيرًا مع ما يحدث للشباب، فالرصاص والدخان والإهانة اللفظية والدهس على المصابات والشهداء كان سيد الموقف. ويشهد القطاع أزمة إنسانية حادة ومجاعة حقيقية، جراء استمرار الحصار الذي تفرضه قوات الاحتلال على الغزيين منذ 2 آذار/مارس الماضي، ومنع إدخال المساعدات والمواد الغذائية وحليب الأطفال. ومنذ بدء عملها في قطاع غزة في نهاية مايو/أيار 2025، شهدت مراكز توزيع المساعدات الأميركية الإسرائيلية بشكل شبه يومي عمليات قتل واستهداف للمجوّعين. وحسب وزارة الصحة في غزة، بلغ إجمالي شهداء لقمة العيش ممن وصلوا المستشفيات إلى 1,179 شهيدًا وأكثر من 7,957 إصابة.

مقالات مشابهة

  • ارتفاع ضحايا الإبادة الإسرائيلية في غزة إلى 60 ألفا و249 شهيدا
  • الممثل الإقليمي للفاو: لا يمكن إيصال المساعدات لغزة دون ممرات آمنة
  • عاجل | المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: الاحتلال ارتكب مجزرة دموية في السودانية شمال القطاع خلفت 51 شهيدا و648 مصابا
  • العشائر بغزة تطالب مصر بفتح ممرات إنسانية دائمة للمساعدات
  • في "مصائد الموت".. هكذا امتهن جيش الاحتلال كرامة نساء غزة
  • 51 شهيدًا ومصابون في غارات إسرائيلية على القطاع
  • 34 شهيدًا ومصابون في غارات إسرائيلية على القطاع
  • دموع لا تجفّ في غزة..وداع مؤلم لضحايا الغارات الإسرائيلية الأخيرة
  • مأساة متكررة.. وداع مؤلم لضحايا الغارات الإسرائيلية الأخيرة في قطاع غزة
  • دموع لا تجفّ في غزة: وداع مؤلم لضحايا الغارات الإسرائيلية الأخيرة