تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أثناء تصوير فيلمها الروائي الطويل الأول "سام" (Toxic)، صادفت المخرجة الليتوانية سولي بلوفيت، مقالاً في مجلة "نيويوركر" بعنوان "عصر وجوه إنستجرام". والذي يناقش كيف أن العديد من الوجوه التي نراها على وسائل التواصل الاجتماعي ليست حقيقية، وهذا يخلق معيارًا لا يمكن بلوغه للأشخاص الذين يعيشون حياة عادية ولا يستطيعون تحمل تكاليف هذه الجراحات التجميلية.

ونتيجة لذلك، نجد أنفسنا في عالم منفصل عن الواقع يدفعنا حول مزيد من "السُمية"، خاصة للأجيال الأصغر سنًا الذين يتعرضون لمعايير الجمال غير الواقعية وغالبًا ما يعانون عندما يقارنون أنفسهم بوجوه لا تمثل أشخاصًا حقيقيين.

لعل مصطلح "سام" (Toxic) من المصطلحات الشائعة في مجال علم النفس الحديث لتوصيف العلاقات المؤذية، لكنه بات مترسخًا بكثرة في السنوات الأخيرة داخل أوساط أجيال الألفية وتحديدًا الجيل "زد" (Gen Z)، الذي بات أسيرًا لفكرة الكمال المزيف نتيجة تماهيه مع عوالم افتراضية لها معاييرها الأخلاقية والجمالية القاسية. ولكن هل هذا يعطينا الحق بأن نعتقد أن هذا الجيل أكثر سمية عن غيره من الأجيال؟

إن الإدعاء بأن جيلاً ما بعينه أكثر أو أقل سمية هو اعتقاد خاطئ. فكونك شخصًا سامًا يحتمل معاني مختلفة، فقد تكون العلاقة سامة، وقد يكون رأي الشخص سامًا، وقد نكون سامين تجاه الآخرين. بشكل عام، عادة ما نعتبر شيئًا ما سامًا عندما يبدأ في التأثير على شخص تهتم به أو على صحتك العقلية بشكل سيء. هذه المستويات المتعددة من "السُمية" تختبرها الفتاتين المراهقين ماريا وكريستينا بمفهومها الذاتي والعام.

لقطة من الفيلم

فمع المشهد الافتتاحي لفيلمها "سام"، المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان الجونة السينمائي في نسخته السابعة، تؤطر بلوفيت بطلتها ماريا من خلال زاوية تصوير علوية توحي بشعور سام، مزيج من الوحدة والنبذ الذي تتعرض له هذه الفتاة النحيلة من قبل زميلات الدراسة الذين يتنمرون من زي السباحة الخاصة بها، ناهيك عن عدم شعورهم بالخجل من السخرية من إصابتها بالعرج.

في مدينتها المتداعية ذات الكتل الخرسانية الصماء ومنازل الصفيح والتي تبدو كمكان مهجور من مخلفات الحقبة السوفيتية، تنتقل الفتاة الخجولة ماريا للعيش مع جدتها بائعة الزهور، التي تدفعها في البداية للانخراط مع زملائها وتكوين صداقات، ولكن المعايير الجمالية لا تمنحها سوى القليل من الخيارات الاجتماعية التي تجعلها صيدًا سهلاً لمجتمع من المتنمرين.

وبعد مشاجرة عنيفة، تنجح ماريا في كسب صداقة الفتاة الجامحة والجريئة كريستينا، التي التحقت حديثًا بمدرسة مشبوهة لعارضات الأزياء تستغل أجساد القاصرات وتبتزهم ماديًا من خلال وعود كاذبة بإرسالهم لكبرى بيوت الأزياء في باريس واليابان. وبسبب إعاقتها، لم تفكر ماريا يومًا في العمل كعارضة أزياء، ولكنها حذت حذو صديقتها الجديدة كي تتمكنا من مغادرة هذه المدينة البائسة التي تسلبهم أي أمل في المستقبل.

لقطة من الفيلم 

يمكن تصنيف مشروع بلوفيت للوهلة الأولى باعتباره دراما بلوغ سن الرشد (Coming-of-Age)، لكنه يحمل سمات واقعية أصيلة من سينما شرق أوروبا التي لا تغفل الهزات الاقتصادية التي تسببت في دمار حياة الكثيرين. تسعى بلوفيت في "سام" إلى إبراز التباين الصارخ بين موضوعات نابضة بالحياة لهؤلاء الفتيات كالصداقة والحب وصراع الأجيال، وبين أطلال مدينة لا تزال عالقة في الماضي. هذا ما يمنح الفيلم مستويات متعددة من "السُمية"، سواء علي مستوى العلاقات العاطفية السامة أو الأحكام السامة أو المجتمعات التي تنضح بالسُمية تجاه أفرادها.

هذه الحالة من الكساد الاقتصادي التي خلَّفتها الحقبة السوفيتية، نرى ارتدادتها في علاقة كريستينا بوالدها، الذي اضطر لبيع التاكسي الخاص به كي يلبي احتياجات ابنته، لنراه في المشاهد اللاحقة لا يكاد يغادر الحانة قط. هذا الركود هو ما يشكل ضغطًا على الحلقات الأضعف كماريا وكريستينا اللتين تسعيان لتحويل جسديهما إلى سلعة، بل ومقياضته بالمال والاستسلام لمعايير الجمال السامة التي أفرزها واقع مادي وافتراضي. وهو ما نلمحه في أحد مشاهد الفيلم المزعجة حين تقوم كريستينا بالتهام بيض الديدان الشريطية للحصول على قوام أنحف.

يتمتع الفيلم بهوية بصرية مميزة تعتمد على توظيف الألوان الباهتة لتعكس المزاج الكئيب والاضطرابات الداخلية التي تعيشها الفتاتين، وشعورهما بالاختناق داخل مدينتهم السامة. ولتعزيز ذلك الشعور، لم تلجأ بلوفيت إلى نمط التصوير السينمائي السائد في أفلام المراهقين بالاعتماد على الكادرات القريبة، لكنها استخدمت كادرات متوسطة وواسعة لتأطير شخصياتها في ذلك المحيط الصناعي الصديء الذي يعكس رغبة الفتيات في الهروب. فبعيدًا عن العلاقات والأسرة والمدرسة، يمكن أن تنبع السُمية أيضًا من حالة الفراغ والممل والافتقار لمغزى الحياة التي نعيشها.

إن بلوفيت التي تقف على عتبة كلاً من جيل الألفية والجيل "زد"، لا تستند في فحصها الدقيق والعميق إلى قصص من نسج خيالها، بل إلى تجارب حقيقية اختبرتها في سن المراهقة داخل أحياء ليتوانيا المتهالكة، حيث لا تزال تجارة عارضات الأزياء رائجة في دول شرق أوروبا والبلقان. لا تغوص بلوفيت كثيرًا في تفاصيل تلك الصناعة الفاسدة، لكنها تنشغل أكثر بطرح أسئلة حول ماهية الجسد باعتباره ملكية مقدسة أم سلعة، كاشفة عن معايير الجمال المزعجة التي تكبل المرأة منذ نعومة أظافرها، لتتشابك في تشريحها للجسد مع فيلمًا آخر، أثار جدلاً واسعًا هذا العام، وهو "المادة" (The Substance) للفرنسية كورالي فارجييه.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: سام مهرجان الجونة السينمائي المسابقة الرسمية لمهرجان الجونة السينمائي الس میة

إقرأ أيضاً:

صالون دمشق السينمائي يفتتح تظاهرة السينما والسياسة بعرض الفيلم الروائي زد

دمشق-سانا

افتتح “صالون دمشق السينمائي” مساء اليوم في غاليري زوايا فعالية سينمائية خاصة تحت عنوان “السينما والسياسة”، مخصصة لأعمال المخرج الفرنسي-اليوناني كوستا غافراس، وذلك بعرض فيلمه الشهير زد الذي أُنتج عام 1969 ونال جائزة الأوسكار.

التظاهرة التي تمتد لثلاثة أيام، وتتضمن  أيضاً عرض فيلمي اعتراف ومفقود وهي أبرز أفلام غافراس، وتهدف إلى تسليط الضوء على العلاقة بين السينما والسياسة من خلال أعمال سينمائية، عُرف بمقاربته السياسية الحادة للواقع، ويُعد من أبرز المخرجين الذين استخدموا السينما كأداة لنقد السلطات وكشف القضايا الاجتماعية.

جورج أشقر، أحد مؤسسي صالون دمشق السينمائي، قال في تصريح لـ سانا: الصالون انطلق بعد التحرير وسقوط النظام البائد، وكان منذ بدايته يحمل توجهاً سياسياً من خلال عرض أفلام سبق أن مُنعت رقابياً خلال حكم الأسد.

وأضاف أشقر: هدفنا هو أن نحكي سينما، ونتناول السياسة والمجتمع والقضايا التي تمس واقعنا، دون أن ينخفض سقف الحرية مرة أخرى، موضحاً أن فيلم زد مستوحى من حادثة اغتيال سياسية، ويعتمد مقاربة سينمائية واقعية تكشف التلاعب بالحقيقة والتعتيم الإعلامي، حيث إن غافراس يؤكد أن أي تشابه بين شخصيات الفيلم والواقع ليس مجرد مصادفة، بل هو مقصود.

من جهته، عبّر وسام الدلول، أحد الحضور ودارس علم النفس السريري في جامعة دمشق، عن إعجابه بالفيلم الذي أثار قضايا مهمة، أبرزها التعتيم الإعلامي والتلاعب بالحقائق، كما أن شخصية بطل الفيلم القاضي التي كانت تحاول كشف الحقيقة رُغم الضغوط، عكست صراع السلطة مع العدالة، معتبراً أن صالون دمشق السينمائي يركز على السينما غير التجارية، وهي برأيه مبادرة ثقافية رائعة.

بدورها، أوضحت رولا سليمان، مديرة غاليري زوايا، أن الفعالية تقام بالتعاون مع صالون دمشق السينمائي، ضمن مسعى الغاليري في التركيز على الأنشطة الثقافية، والسينما هو أحدها، بشرط ألا تكون الأفلام تجارية وأن تحمل فكرة تثير النقاش بعد كل عرض.

يُشار إلى أن المخرج كوستا غافراس سيلتقي جمهور دمشق أونلاين يوم السبت المقبل في حوار مفتوح بعد عرض فيلمه المفقود وذلك في ختام التظاهرة.

وتأتي الفعالية ضمن سلسلة من الأنشطة الثقافية التي ينظمها صالون دمشق السينمائي لتعزيز الحوار والانفتاح من خلال الفن السابع، في ظل مناخ جديد من الحريات الثقافية بعد انتصار الثورة وسقوط النظام البائد.

تابعوا أخبار سانا على 

مقالات مشابهة

  • أول ظهور رسمي لـ شيماء سيف مع زوجها بعد عودتهما
  • مهرجان كان السينمائي الدولي.. موعد انطلاق الدورة 79
  • صالون دمشق السينمائي يفتتح تظاهرة السينما والسياسة بعرض الفيلم الروائي زد
  • بالكاجوال.. إطلالة لافتة لـ دينا فؤاد عبر إنستجرام
  • رومانسي أوي.. روجينا تشارك أجواء المصيف مع زوجها
  • الدورة السادسة لمهرجان عمّان السينمائي الدولي.. يوليو المقبل
  • انتصار: موسم رمضان 2025 ليه طعم تاني
  • المخرج الفرنسي كوستا غافراس في ضيافة صالون دمشق السينمائي
  • بين الذهبي والأبيض... ماريا كاري تتألّق بإطلالتين ساحرتين خلال حفل BET Awards 2025
  • هنري بركات.. المخرج الذي فتّح أبواب المجد السينمائي بـ"الشريد" وقدم سعاد حسني للنجومية