التوتر مستمر.. نشر قوات «بيونج يانج» على الجبهة الأوكرانية يزيد من مخاطر الصراع
تاريخ النشر: 7th, November 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
دخل الصراع فى أوكرانيا مرحلة جديدة بقرار كوريا الشمالية إرسال ما يقدر بنحو ١٠ آلاف جندى لدعم الحرب الروسية الجارية. ولم يؤد هذا التطور إلى تكثيف الوضع العسكرى على الأرض فحسب، بل أثار أيضًا مخاوف دولية. إن نشر جنود كوريين شماليين هو خطوة عدوانية من شأنها إعادة تشكيل التحالفات العالمية وإضافة الوقود إلى المواجهة الجيوسياسية المتقلبة بالفعل بين الشرق والغرب.
يمثل تورط كوريا الشمالية فى الصراع فى أوكرانيا تصعيدًا خطيرًا، حيث يربط ساحة المعركة الأوروبية بالتوترات فى شبه الجزيرة الكورية. ووفقًا لافتتاحية صحيفة الأوبزرفر، فإن هذه الخطوة تمثل تحولًا كبيرًا، حيث ينسجم كيم جونج أون علنًا مع أجندة فلاديمير بوتن. وقد أدان وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكين مؤخرًا هذا الإجراء، محذرًا من أن تورط بيونج يانج قد تكون له عواقب مدمرة. لقد سلط المسئولون الأمريكيون، بمن فيهم السفير روبرت وود، الضوء على الخسائر المحتملة التى قد تلحق بالقوات الكورية الشمالية، مؤكدين أنهم "سيعودون بالتأكيد فى أكياس الجثث".
الدعم الغربى المتعثرلقد واجه الجيش الأوكرانى خسائر كبيرة فى منطقة دونباس مؤخرًا، حيث خسر المزيد من الأرض فى أكتوبر مقارنة بأى شهر منذ منتصف عام ٢٠٢٢. يزعم بعض المحللين أن هذه الانتكاسات مرتبطة بتراجع الدعم من الحلفاء الغربيين، مما دفع الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى إلى تجديد دعواته لمزيد من مشاركة الناتو. لقد ترك إحجام الغرب عن تقديم الدعم الشامل أوكرانيا عُرضة للهجوم الروسى المكثف. إن القوات والأسلحة والتكنولوجيا الإضافية لكوريا الشمالية لا تؤدى إلا إلى تفاقم هذه التحديات بالنسبة لأوكرانيا، حيث أصبح الدعم الغربى أكثر أهمية من أى وقت مضى.
دوافع كيم جونج أون وتحالفاته
يتماشى قرار كيم جونج أون بدعم روسيا مع اعتقاده الراسخ بأن الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان معادية لنظامه. فى إطار معاهدة الدفاع المشترك التى تم توقيعها مؤخرا مع روسيا، تفيد التقارير أن كوريا الشمالية تزود كوريا الشمالية بالأسلحة والطائرات بدون طيار، والآن القوات. وفى المقابل، تتلقى بيونج يانج موارد حيوية من موسكو، بما فى ذلك النفط الرخيص، والغذاء، وربما التكنولوجيا النووية - وهو انتهاك مقلق للعقوبات التى تفرضها الأمم المتحدة. تعمل هذه الشراكة الاستراتيجية على تعزيز كل من نظام كيم وطموحات بوتن، وتشكل جزءًا مما وصفه افتتاحية الأوبزرفر بـ "محور الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران".
تجد الصين، الحليف الرئيسى لكوريا الشمالية، نفسها فى موقف معقد. تشعر بكين بالقلق إزاء العلاقة المتعمقة بين كيم وروسيا، والتى تهدد نفوذ الصين الطويل الأمد على كوريا الشمالية. وهناك أيضًا مخاوف من أن تؤدى تحركات بيونج يانج غير المتوقعة، بما فى ذلك اختبار الصواريخ النووية الأخيرة بالقرب من اليابان، إلى زيادة التدخل الأمريكى والأوروبى فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ. إن هذا التوازن الدقيق يزداد تعقيدا بسبب الدور الغامض الذى تلعبه الصين، بعد أن أقامت فى السابق شراكة "بلا حدود" مع روسيا. ووفقا للافتتاحية، فى حين يرى الرئيس شى جين بينج فوائد استراتيجية فى التحالف مع روسيا وكوريا الشمالية، فإنه يخشى أن تؤدى تصرفات كيم وبوتن الاندفاعية إلى تعطيل طموحات الصين طويلة الأجل.
التداعيات العالمية المحتملةإن وجود القوات الكورية الشمالية على الأراضى الأوكرانية من شأنه أن يسرع من الصراع الأيديولوجى والجيوسياسى الأوسع نطاقا، مما يثير المخاوف من الانقسام بين الشرق والغرب على نطاق عالمي. ويحذر المحللون الغربيون من أن هذا التحالف الجديد من شأنه أن يشجع الأنظمة الاستبدادية فى حين يزيد من حدة التوترات عبر الديمقراطيات فى جميع أنحاء العالم. وقد أعرب زيلينسكى عن إحباطه مؤخرا، قائلا: "إن العالم يراقب فقط، ويراقب بينما ينمو هذا التهديد". وتدعو افتتاحية الأوبزرفر القوى الغربية إلى منح أوكرانيا الإذن بضرب الأراضى الروسية بأسلحة بعيدة المدى كوسيلة لمواجهة التهديد المتزايد الذى تشكله القوات الكورية الشمالية على الخطوط الأمامية بشكل استباقي.
تعزيز الدعم لأوكرانياإن تورط كوريا الشمالية فى الصراع الأوكرانى يشكل نقطة تحول قد تجتذب المزيد من القوى العالمية إلى المعركة، مما يهدد الاستقرار الدولي. وبينما يحث زيلينسكى الغرب على رفع القيود المفروضة على استخدام الأسلحة المتقدمة، تزداد الحاجة إلى استجابة موحدة. وبدون دعم أقوى، قد تستمر أوكرانيا فى خسارة الأرض، فى حين قد تؤدى تحالفات روسيا المعززة إلى زعزعة استقرار الأمن العالمى بشكل أكبر. وتخلص افتتاحية الأوبزرفر إلى أن الغرب يجب أن يعيد النظر بشكل عاجل فى نهجه تجاه أوكرانيا، مما يسمح لزيلينسكى بنشر جميع الموارد المتاحة للدفاع عن بلاده.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: أوكرانيا كوريا الشمالية الجبهة الأوكرانية کوریا الشمالیة بیونج یانج
إقرأ أيضاً:
السودان بعد حرب أبريل: من مخاطر التقسيم إلى تفكك الدولة!
الواثق كمير
[email protected]
تورونتو، 9 ديسمبر 2025
المقدمة
منذ انفصال جنوب السودان عام 2011، واجه السودان منعطفًا تاريخيًا حاسمًا أصبحت فيه بنية الدولة أكثر هشاشة من أي وقت مضى. وفي مطلع عام 2013، وفي ظل توتر سياسي متصاعد وأزمة اقتصادية خانقة وتنامٍ ملحوظ للنزاعات في الأطراف، نشرت ورقة تحليلية تناولت مستقبل الدولة السودانية عبر ثلاثة سيناريوهات رئيسية: 1) إما بقاء الوضع حينئذٍ على ما هو عليه مع إصلاحات شكلية، أو 2) انزلاق البلاد نحو تفكك مُتدرّج للدولة، أو 3) الوصول إلى تسوية سياسية شاملة تُعيد تأسيس الشرعية وتمنع الانهيار. (الواثق كمير، “الكرة في ملعب الرئيس: تفكك الدولة السودانية ….السيناريو الأكثر ترجيحاً!”، سودانايل، 11 فبراير 2013).
لم تكن الورقة محاولة للتنبؤ بقدر ما كانت قراءة لبُنية الأزمة ولمنطقها الداخلي، حيث أكدت أن تجاهل متطلبات التسوية التاريخية—باعتبارها المدخل الوحيد لمعالجة جذور الصراع—سيجعل من سيناريو التفكك هو الأكثر احتمالاً. ومع اندلاع الحرب في أبريل 2023، وتغير طبيعة النزاع بشكل جذري، تبرز الحاجة لإعادة ربط اللحظة الراهنة بالسيناريوهات التي عُرضت في 2013، ليس للمقارنة التاريخية فحسب، بل لاستخلاص الدروس العملية التي يمكن أن تُسهم في وقف الحرب وصياغة مسار جديد لإعادة تأسيس الدولة.
تفكك الدولة: السيناريو الأكثر ترجيحاً!
حرب أبريل 2023 لم تكن مجرد تصعيد جديد للصراع، بل شكلت منعطفًا نوعيًا في مسار النزاعات السودانية. ظهور لاعب جديد على المسرح، قوات الدعم السريع، وتحالفه العسكري والسياسي مع جهات محلية وإقليمية، وتسيطره على كامل إقليم دارفور وأجزاء من غرب وجنوب وشمال كردفان وجنوب النيل الأزرق، مع إعلان حكومة ودستور لدولة، جعل الواقع السياسي والجغرافي أكثر تعقيدًا. وبينما الانفصال السلمي قد لا يكون ممكنًا—مخالفًا لما حصل في جنوب السودان—يظل سيناريو تفكك الدولة الأكثر ترجيحاً.
ثلاثة عوامل رئيسة تعزز هذا الترجيح:
التدخل الإقليمي وتضارب المصالح: تشاد وإثيوبيا وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان، بدعم من الإمارات، من جهة، ومصر وإرتريا من جهة أخرى، تشارك في الصراع بشكل مباشر وغير مباشر. خاصة بعد سيطرة الدعم السريع على حقول النفط في منطقة هجليج، وخروج الفرقة العسكرية للجيش السوداني، ودخول الجيش الشعبي من جنوب السودان والتنسيق المشترك مع الدعم السريع لحماية المنشآت الحيوية. هذا التعقيد الإقليمي يجعل من إدارة الأزمة الداخلية دون تفكك الدولة أمراً بالغ الصعوبة.
إمكانية انفجار صراعات محلية جديدة:
بافتراض سيطرة الدعم السريع على كل دارفور وأجزاء من كردفان، وحتى في حال توجهه نحو انفصال هذه المناطق، فإن غياب توافق شعبي وسياسي حول تقرير المصير كما حدث في الجنوب يفتح الباب أمام حرب “أهلية” جديدة بين مجموعات دارفور الأخرى ذات الأصول الأفريقية (الزغاوة، الفور، المساليت، البرتي، الداجو، التنجر، التامة، الميدوب، الفلاتة، القرعان، وغيرهم) وبين حواضن الدعم السريع الاجتماعية من ذوي الأصول العربية. ذلك، بجانب أنّ هناك الحركات المسلحة التي تتباين مواقفها السياسية من هذه الحرب ومستقبل دارفور، مما قد يُنبئِ باستمرار النزاع. هذا الصدام الداخلي يزيد احتمالات التفكك ويؤكد هشاشة الدولة.
الشروخ داخل التحالفات العسكرية والسياسية: تبرز احتمالات تصدع داخل التحالف الحكومي بين الجيش السوداني والحركات المُشكلّة ل “القوة المشتركة”، بجانبِ المجموعات المسلحة الأخرى المُقاتلة مع الجيش في شرق ووسط وشمال البلاد، في سياق التنافس على الأنصبة في السلطة والثروة. بينما ليس من المستبعد أنّ هذا التصدع قد يُصيب التحالف العسكري لقوات الدعم السريع مع الجيش الشعبي شمال وحركات دارفور المنشقة النى انضمت إلى تحالف “تأسيس”، ما ينذر بتفكك الدولة على الصعيد العسكري والسياسي، ويعقد جهود السيطرة على كامل التراب الوطني وإعادة الشرعية، حيث تصبح الولاءات متناقضة والمصالح متضاربة، مما يُضعف القدرة على إدارة الدولة بشكلٍ موحد وفعال.
بالنظر إلى هذه العوامل، يبدو أن السودان بعد أبريل ليس على حافة الانقسام فحسب، بل على طريق خطير نحو تفكك الدولة—الذي طرحته في ورقة 2013— الذي ما زال هو السيناريو الأكثر ترجيحاً بعد حرب أبريل، يعكسه واقعٌ متناميٌ على الأرض.
الخاتمة
ما كشفته الحرب ليس مجرد أزمة عابرة بل تحذير صارخ بأن وحدة الدولة السودانية مهددة على نحوٍ غير مسبوقٍ. فبعد مرور أكثر من عقد على السيناريو الذي رسمته في الورقة التحليلية لعام 2013، حول تفكك الدولة أصبح أقرب من أي وقتٍ مضى، مُعززاً بتدخلات إقليمية مُعقدة، صراعات داخلية حادة بين المكونات المجتمعية والسياسية، وشروخ في التحالفات العسكرية. اليوم لا يمكن معالجة الوضع عبر الإجراءات الشكلية أو الحلول الجزئية. إنّ ترجيح كفة تفكك الدولة يُحتم على القيادات السياسية وصانعي القرار التفكير بجدية في مسارات حل سلمي شامل، يُعيد تأسيس الشرعية، ويضع الأسس لانتقال مستدام يحمي السودان من الانهيار الكامل.
فبدون تبني مسار تسوية سياسية شاملة قادرة على دمج كل الأطراف، واستعادة الدولة من جديد، ستظل المخاطر قائمة، والبدائل محدودة، فيما يعاني الشعب السوداني من آثار النزاع وتشتت السلطة وفقدان المؤسسات. إنّه اختبار حقيقي لقدرة الدولة السودانية على تجاوز أخطر أزماتها منذ الاستقلال.