بقلم : فالح حسون الدراجي ..

ونحن نستعد ونتهيأ للمشاركة في الإحتفال بمهرجان جريدة طريق الشعب الذي يصادف يوم السبت ٩ تشرين الثاني، سألني أحد الزملاء بابتسامة أراد من خلالها التخفيف من وطأة السؤال قائلاً: أبا حسون، أراك تتذكر عيد تأسيس جريدة طريق الشعب أكثر من تذكرك لأعياد ميلاد أولادك، وتحتفل كذلك بمناسبات هذه الجريدة ومهرجاناتها أكثر من احتفالك بتأسيس جريدتك -الحقيقة- فضلاً عن الاهتمام غير الطبيعي والاستثنائي الذي تبديه تجاه أي دعوة تصلك من هذه الجريدة دون غيرها من الصحف العراقية الأخرى ؟!

نظرت في عينَي زميلي، وقلت له: في سؤالك شقان، شق يتعلق بجريدة طريق الشعب، وشق يتعلق بالصحف الأخرى .

. لذلك سأجيبك عن (سؤالين) وليس عن سؤال واحد ..

بالنسبة لفرحي الاستثنائي بمهرجانات وأعياد جريدة طريق الشعب، فهو أمر شخصي بحت، ليس لأنها جريدة الحزب الشيوعي الذي أحببته منذ صباي، ومعزتها تأتي من معزته فحسب، إنما لأنها أيضاً مدرستي، التي شربت من نهرها العذب سلسبيل الحب والجمال والثقة، ودرست في صفوفها أبجدية الصحافة والوعي الفكري رغم قصر الفترة التي عملت فيها متطوعاً في مطلع سبعينيات القرن الماضي.. لقد دخلتها (أطرش بالزفة ) كما يقولون، وغادرتها وأنا (أسطه) قياساً إلى ما كنت عليه، لذلك صار لي بعدها (وجه) صحفي، وجرأة، وثقة، و(تجربة) تشجعني على طلب العمل في أبرز الصحف العراقية مثل صحيفة (الجمهورية) التي كانت واحدة من الصحف التي لايسمح لغير الصحفيين الموهوبين والمميزين بالعمل فيها، إذ وبفضل (دراستي ) في طريق الشعب، صرت مؤهلاً للعمل محرراً وكاتباً في (الجمهورية) ..!

هذا على الصعيد الشخصي، أما على الصعيد العام، فإن طريق الشعب لم تكن يوماً رقماً سهلاً في حساب الصحف، إنما كانت – حتى وهي في أقسى الظروف – الرقم الأهم والأصعب في جميع المعادلات السياسية والإعلامية الحكومية والشعبية على حد سواء.. فأجهزة الرقابة الإعلامية والأمنية في السلطات الدكتاتورية السابقة مثلاً -كانت تدخل في الانذار صباح كل يوم من أيام إصدار جريدة طريق الشعب (المزعجة)، لتتفحص كل خبر منشور فيها، وتحلل كل مقال وتحقيق، بل وكل قصيدة وخاطرة وصورة وعنوان، حتى أن (النائب) آنذاك ، صدام حسين كان يطالعها شخصياً، بدليل أنه طلب من قيادة الحزب الشيوعي العراقي إيقاف نشر مقالات الراحل الكبير شمران الياسري (أبو گاطع) في جريدة طريق الشعب، مهدداً (بتفليش) الجبهة الوطنية، وقطع العلاقة مع الحزب الشيوعي، إن لم يستجب لطلبه، ويتوقف هذا العمود الذي كان يزعجه ويعكر مزاجه يومياً. لقد كان الناس – من شدة إعجابهم بمقال أبي گاطع – يبدؤون بقراءة الجريدة من الصفحة الأخيرة قبل الصفحة الاولى، ليتعرفوا على ما كتبه (أبو گاطع) في عموده الصحفي قبل أن يطالعوا عناوين الصفحة الأولى وما فيها من أخبار مهمة..!

قاطعني زميلي بقوله: نعم، لكن هذا الأمر في الماضي، أي في العصر الذهبي لطريق الشعب، أيام كان يديرها ويحررها ويكتب فيها عمالقة الصحافة والثقافة العراقية، اما اليوم فالجريدة باتت بلا أسماء كبيرة، ولا أعمدة أو موضوعات فخمة، ولا قراء متعطشين، يقرؤون الجريدة من الصفحة الأخيرة، ( فأبو گاطع) رحل لأبدية خلوده ولم تستطع ادارة جريدة طريق الشعب سد فراغه حتى الان ..
أكمل زميلي كلامه قائلاً : أختم سؤالي واقول لك: بربك أين هي الان طريق الشعب؟!

قلت له: سأجيب على سؤالك بسؤال أيضاً، وأقول لك: أليست الأرض تدور، والأنهار تجري دون توقف، والحياة تتقدم، والخرائط تتغير كل حين، وملايين الناس يولدون، وغيرهم يموتون، فلماذا لا تتغير الصحف، وتتغير الوسائل الأخرى مثل بقية الأشياء، خاصة ونحن في عصر السرعة.. والجميع يتغير بحكم التطور التقني والفني والتاريخي ايضاً، وكتحصيل حاصل، فإن طريق الشعب مهما كان حجمها وقدراتها معرضة للتغيير كذلك.. ومثال على ذلك: الم تكن المانيا عظيمة في زمن هتلر، والإتحاد السوفيتي كان إحدى القوتين العظيمتين في العالم قبل ثلاثة عقود، فلماذا تراجع هذان البلدان العظيمان، ومثلهما تراجعت بريطانيا وفرنسا وغيرهما الكثير ؟

وقبل أن يجيبني، قلت له:

ولكن، رغم كل ذلك فإن المانيا لم تزل على قيد الحياة ولو بنصف قوتها.. وكذلك الاتحاد السوفيتي، فهو موجود في صورة روسيا، رغم أن روسيا التي هي جذر الاتحاد السوفيتي قد فقدت الكثير من قوتها وبريقها.. لكنها موجودة ومؤثرة.. والشيء نفسه يقال عن الصحف العالمية الكبرى، أمثال الواشنطن بوست، وول ستريت جورنال، ونيويورك تايمز، وغيرها، فهذه الصحف العظيمة التي كانت توزع بعشرات الملايين من النسخ يومياً لم يعد لديها أسواق وبورصات تتسع لنصف مليون نسخة، فهل نقول مثلاً إن هذه الصحف غير مؤثرة اليوم، ولا تصلح ان تكون قدوة لصحف أخرى، بل ولا يجدر الاحتفال بمهرجاناتها لأن مردودها قد تقلص؟!

ثم التفتُّ لزميلي قائلاً : أو تظن أن (طريق الشعب) تخلت عن دورها التنويري ونهجها الثقافي والإعلامي المنير، أو أنها لم تعد عميدة الصحف، ومدرسة أكاديمية جامعة للصحافة والصحفيين بمختلف أعمارهم وتجاربهم، لمجرد ان عدد قرائها قد تقلص، أو تظن مثلاً أني توقفت عن تناول دروسها بعد أن صرت رئيساً لتحرير جريدة الحقيقة؟!

لا أبداً، فأنا رغم عمري الذي تجاوز السبعين لم أزل طالباً يتعلم في مدرسة طريق الشعب.. أتعلم ما لم أتعلمه في مواقع ومناهج أخرى.. فالكبير يبقى كبيراً يا صاحبي، وعميدة الصحف لم تزل عميدة بماضيها وحاضرها رغم كل ما حصل ويحصل من أزمات تكسر الظهر .. وثق لو قلت إن أغنية ( ياطريق الشعب يا أم الجرايد) التي كتبتها قبل سنوات ولحنها الفنان يوسف نصار، وما كتبته من مقالات عن طريق الشعب هو أقل مما تستحقه من حقوق في عنقي.. وقبل أن تستغرب من استمرارية مهرجانات طريق الشعب، أحب أن أذكّرك بأن شوارع باريس تزدحم بالزوار، والسيارات، والدراجات، والملصقات الإعلانية التي تشير إلى بدء مهرجان اللومانيتيه العالمي، ذلك المهرجان السنوي الذي تقيمه صحيفة اللومانيتيه – صحيفة الحزب الشيوعي الفرنسي – منذ أكثر من تسعين عاماً بحيث تشاهد سنوياً، الحشود المليونية والخيم والمسارح، واللافتات والاعلام الشيوعية، وترى في يد كل زائر لباريس غصن زيتون، او حمامة سلام، من أجل السلام والمحبة بين شعوب العالم..علماً بأن لجريدة طريق الشعب خيمة سنوية كبيرة ومميزة وثابتة في مهرجان اللومانيتيه الفرنسية..

وعلى الرغم من أن مهرجان اللومانيتيه انطلق عام 1930, إلا أنه لم يتوقف قط، رغم الحروب وقسوة النضال السري للحزب الشيوعي الفرنسي

والأهم أن هذا المهرجان يتواصل دون أن يعترض (صحفي) مثلك على إقامته، كما لم يقل أحد مثلك أن جريدة اللومانيتيه قد تقلصت صفحاتها ونسخها وتراجع عدد قرائها.. ختاماً أقول:

المنارة العالية تبقى عالية ومضاءة وشاخصة رغم البنايات العالية الجديدة التي تحيط بها، واصطفاف ناطحة السحاب حولها.. وطريق الشعب منارتنا العالية إلى الأبد رغماً عن أنف ( التنكه لوجيا) ..!

فالح حسون الدراجي

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات الحزب الشیوعی

إقرأ أيضاً:

الشوربجي: الثورة الرقمية بدأت في الصحف القومية.. والأرباح تطرق الأبواب

أكد المهندس عبد الصادق الشوربجي، رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، أن جميع المؤسسات الصحفية القومية تسير بخطى ثابتة نحو التحول الرقمي الكامل، بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، مع استمرار إصدار النسخة الورقية. 

وقال إن هذا التحول بدأ يؤتي ثماره بالفعل، ضارباً المثل بجريدة "الأهرام" التي تحقق أرباحاً بملايين الجنيهات من نسختها الرقمية.

جاء ذلك خلال اجتماع لجنة الثقافة والإعلام والسياحة بمجلس الشيوخ، برئاسة الكاتب الصحفي محمود مسلم، اليوم الأحد، لمناقشة خطة تطوير الصحافة القومية.

تعليم الأقصر يحصد 4 مراكز جمهورية في مسابقات المجال الصناعي والصحافةفوز الدكتور سامح اللبودي الأستاذ بلغات الأزهر بجائزة دبي للصحافة العربيةفاز بكل شيء.. محمد صلاح يتصدر عناوين الصحافة العالمية بعد موسم أسطوري في البريميرليجصدى البلد يهنئ أنغام الجنايني لحصولها على الماجستير في الصحافة الرقمية

وشدد "الشوربجي" على أن التطوير لا يقتصر على التكنولوجيا، بل يمتد إلى العنصر البشري، حيث أولى تدريب العاملين أولوية قصوى، قائلاً: "أعمل على الجبهتين.. الورقي والرقمي، والتطوير يبدأ من الكوادر".

وفي سياق متصل، كشف رئيس الهيئة عن وجود خلل كبير في الهياكل الوظيفية داخل المؤسسات الصحفية، مشيراً إلى انتقال أعداد كبيرة من الإداريين إلى جداول الصحفيين دون معايير واضحة، وهو ما وصفه بـ"الكارثة التي تهدد المهنة". وأكد أنه اتخذ قراراً بعدم نقل أي موظف إلى العمل الصحفي إلا بعد مراجعة لجنة متخصصة من شيوخ المهنة.

وتابع أن المؤسسات الصحفية تواجه تحديات مالية ضخمة، تصل إلى 250 مليون جنيه شهرياً، في ظل تراجع التوزيع والإعلانات، دون زيادة في الدعم الحكومي. وأوضح: "لا أطلب دعماً إضافياً، بل أعمل على تعظيم الإيرادات من داخل المؤسسات، وبدأنا بتحقيق نتائج إيجابية في الأهرام".

وفيما يخص الحلول، دعا الشوربجي إلى تدخل تشريعي لمعالجة ملف الضرائب المتراكمة، مشيراً إلى أن "الأهرام" ستكون أول مؤسسة تصل للتوازن المالي الكامل حال صدور هذا التشريع.

من جانبه، أكد الكاتب الصحفي محمود مسلم، رئيس اللجنة، أن الفصل بين أشكال الميديا لم يعد قائماً، مما يتطلب إعداد كوادر قادرة على العمل بجميع الأدوات الإعلامية الحديثة. ولفت إلى أن الصحافة القومية تأخرت في مواكبة التطور لأسباب متعددة، إلا أن هناك تحسناً ملحوظاً في الأداء بفضل جهود الهيئة الوطنية للصحافة.

وتساءل الكاتب الصحفي عماد الدين حسين عن مستقبل الكوادر البشرية في ظل توقف التعيينات، مشدداً على أهمية إدخال دماء جديدة للمؤسسات الصحفية، وتقديم محتوى يبرر تكلفة النسخة الورقية.

كما دعت البرلمانية نادية مبروك إلى استغلال الإمكانيات الكبيرة المتاحة داخل المؤسسات بدلاً من الاعتماد فقط على إنشاء كيانات تعليمية جديدة، مؤكدة أن الصحافة المصرية كانت يوماً منارة للمنطقة بأكملها.

واختتمت اللجنة بالتأكيد على أن تطوير الصحف القومية يجب أن يندرج ضمن رؤية شاملة لإصلاح الإعلام الوطني، تشمل البنية التحتية، والكوادر، والمحتوى، والإدارة المالية.

طباعة شارك الهيئة الوطنية للصحافة المهندس عبد الصادق الشوربجي المؤسسات الصحفية القومية التحول الرقمي الكامل وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات النسخة الورقية

مقالات مشابهة

  • قيادي بالشعب الجمهوري: توجيهات الرئيس السيسي تعكس رؤية إستراتيجية لبناء الجمهورية الجديدة
  • من بياض الإحرام إلى تبييض الصحف.. أسرار الحج في حكم وحكمة
  • مطابقة مياه المنارة والصالحة للمواصفات الصحية
  • بوريطة: الموقف الذي عبرت عنه المملكة المتحدة بشأن قضية الصحراء المغربية سيعزز الدينامية التي يعرفها هذا الملف
  • على طريق دبل عيتا الشعب.. استهداف سيارة وسقوط اصابات
  • الشوربجي أمام الشيوخ: الصحف الورقية مستمرة بالتوازي مع الصحافة الرقمية
  • الشوربجي: الثورة الرقمية بدأت في الصحف القومية.. والأرباح تطرق الأبواب
  • امريكا ترفض ردّ “حماس” الذي يؤكد على حقوق الشعب الفلسطيني
  • البرهان: المعركة مستمرة ولن تتوقف ويتحدث عن خارطة طريق الحكومة الجديدة ومطلوبات الفترة الإنتقالية
  • صحيفة إسرائيلية: تركيا أصبحت القوة الجديدة التي تُقلق إسرائيل في الشرق الأوسط!