لجريدة عمان:
2025-06-27@17:01:15 GMT

حرف «الجيم» المفترى عليه

تاريخ النشر: 15th, August 2023 GMT

قد يبدو هذا موضوعًا دقيقًا لا يهم سوى المتخصصين في اللغة، ولكنه موضوع نعايشه في الواقع من خلال استخدام اللغة. وربما يكون من اللائق أن نبدأ أولًا بالإشارة إلى بعض الخلافات النظرية حول حرف «الجيم»، ومن هذه المسائل النظرية التي يكثر فيها الجدال: هل الجيم حرف حلقي أم شجري، أي: هل هو حرف يُنطق من أقصى الحلق كما في لفظها القاهري أم يُنطق من طرف اللسان والشفاه كما في الجيم الشامية التي تُنطَق مُعطَّشة، وتسمى أيضًا الجيم المثلثة (وفقًا لطريقة كتابتها) تمييزًا لها عن الجيم القاهرية؟ فما الأصل في نطق هذا الحرف؟ الواقع أن الجيم الشجرية أو المعطَّشة توجد في وسط الجزيرة العربية وغربها وشمالها، فضلًا عن كثير من مناطق الشام، والمناصرون لنطق الجيم على هذا النحو يظنون أن هذا النطق هو الأصل؛ ومن ثم يرون أن هذا النطق هو الذي ينتمي إلى العربية الفصحى.

ومع ذلك، فإننا ينبغي أن نميز بين ما هو أصل وما هو فصيح، وذلك بأن نلاحظ أن الفصحى ما هي إلا اللغة التي كان ينطقها أهل قريش في صدر الإسلام والتي تطورت عن لهجات عربية سابقة، فقد كانت هناك لهجات عربية أخرى ترجع في أصلها إلى السامية، وليس في اللغات السامية أي أصل للجيم الشجرية، وعندما استقر أهل اللغة السامية في جزيرة العرب وتفرعوا شيعًا وقبائل وبطون تعددت لهجاتهم ولكن ظلت الجيم تنطق حلقية كما في أصلها السامي؛ ولهذا قيل إن الجيم القاهرية هي الأصل وإن لم تكن من الفصحى، وهي أيضًا الجيم التي ينطقها أيضًا أغلب أهل عُمان واليمن؛ وقيل إنها عربية لأن أصلها عربي يمني قديم.

ولكن الخلاف حول أصول حرف الجيم ومدى مشروعيتها قد امتد إلى مسائل أخرى من قبيل هل يجوز قراءة القرآن بالجيم القاهرية؟ وفي حين أن يرى البعض أن ذلك لا يجوز، فإن البعض الآخر يرى أنه لا يجوز تعطيش الجيم في قراءة القرآن لأن ذلك يفقد ما تتميز به من طابع الشدة والجهر والقلقلة. ولقد حظيت هذه الجيم القاهرية باهتمام الدارسين والباحثين بما تنطوي عليه من خصوصيات صوتية وقدرات تعبيرية ودلالات جمالية. وربما تكون تلك الخصوصيات التي تميز هذا الحرف هي التي دفعت الشاعر الكبير حسن طِلِب إلى كتابة ديوانه الشهير بعنوان «آية جيم»، الذي يصف فيه قوة هذا الحرف في التعبير عن الحالات المختلفة من الشدة كما في جيم «الجهر» وجيم «الزجر» وجيم «الجيشان»، إلخ. حيث يقول فيه: «باسم الجيم والجنة والجحيم ومجتمع النجوم... إنكم اليوم ستُفجأون»، ويقول:

«فالجيم مُعجبة إذا نجحتْ

ومُرجِفة إذا رجحتْ

ومفجِعة إذا جنحتْ

ومُجحِفة إذا جمحتْ

ومُجرِمة إذا جرحتْ»

ولكن بصرف النظر عن المسائل التأملية والجدالية حول حرف «الجيم»، فإن الخلاف حولها لا ينبغي النظر إليه من خلال المفاضلة بين موقفين، وإنما باعتباره خلافًا بين اللهجات العربية التي تختلف باختلاف أهلها وموطنها، ولا أكثر من ذلك. وعلى هذا، فإن الإصرار على استخدام الجيم الشجرية في بعض المواضع ينطوي على نوع من الحذلقة التي تجعل صاحبها يقع في الخطأ، ومن ذلك الإصرار على استخدام الجيم الشجرية حتى في نطق أسماء الأعلام الأجنبية التي تُنطَق فيها الجيم حلقية.

أما المشكلة الحقيقية فيما يتعلق باستخدام «الجيم»، فتتمثل في قلب «الجيم» إلى حرف «الغين» حتى فيما يتعلق بنطق أسماء الأعلام الأجنبية وكتابتها، حين تكون فيها الجيم حلقية، فنجد على سبيل المثال: اسم هَيدِجر يُكتب هيدغر، واسم جادامر Gadamer يُكتب غادامر وغادمير، وهيجل Hegel تُكتب هيغل، والهيجلية تكتب الهيغلية، وغير ذلك كثير من الكلمات التي تشير إلى أسماء الأعلام والمفاهيم أو المصطلحات. ومكمن الخطورة هنا هو شيوع هذا الخطأ، ليس فقط في الكتابات الأكاديمية، وإنما أيضًا في المقالات الصحفية وعلى شاشات التليفزيون كما تَرِد على ألسنة المذيعين حتى في القنوات الرصينة التي يجيد مذيعوها التحدث بعربية سليمة (كما في قناة الجزيرة على سبيل المثال). وربما يكون مصدر هذا الخطأ آتٍ من أهل الشام، وربما يكون آتيًا من المغاربة، وهذا الاحتمال الثاني هو الأرجح؛ فلسان المغاربة متأثر في لكنته بالفرنسية التي يكثر فيها استخدام حرف الغين، فتراهم ينطقون أسماء الأعلام ويكتبونها وفقًا لنطقها في الفرنسية، حتى لو كانت أسماء أعلام ألمانية أو إنجليزية: ففي الألمانية- على سبيل المثال- تنطق الجيم حلقية أو مجهورة، أما حرف الغين فيها فلا ينطق إلا مختلطًا بحرف الراء R حينما يأتي وسط الكلمة.

وعلى هذا، ينبغي أن نحرر لغتنا العربية المستخدمة أكاديميًّا والمتداولة إعلاميًّا من مثل هذه الأخطاء: ذلك أن الأسماء في أية لغة حينما تُترجَم إلى أية لغة أخرى؛ فإنها ينبغي أن تُنطق في اللغة المنقولة إليها كما تُنطق في لغتها الأصلية؛ وهي تُكتب على هذا الأساس من النطق وفقًا للإمكانيات الصوتية لحروفها. وهذا الكلام يصدق على اللغة العربية مثلما يصدق على أية لغة أخرى؛ فلا يجوز نطق الأصلي للأسماء وفقًا للغة أخرى مختلفة عن لغتها الأصلية. هذه قاعدة عامة لا يجوز الاستثناء منها إلا إذا كانت هذه الأسماء قد تم تعريب نطقها منذ زمن طويل حتى أصبح تعريب نطقها مستقرًا في اللغة نطقًا وكتابةً وتداولًا، على نحو ما نتداول اسم أفلاطون وأرسطو على سبيل المثال.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: على سبیل المثال لا یجوز على هذا ا الجیم کما فی التی ت

إقرأ أيضاً:

تعلن محكمة ذي السفال الابتدائية أن على المدعى عليه/ صدام محمد الصفواني الحضور إلى المحكمة

تعلن محكمة ذي السفال الابتدائية أن على المدعى عليه/ صدام محمد الصفواني الحضور إلى المحكمة

مقالات مشابهة

  • أنوار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
  • وزير دفاع إسرائيل عن خامنئي: لو أبصرناه لقضينا عليه
  • من الجيم .. نسرين طافش تتألق بإطلالة جريئة
  • أنوار الصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام
  • هاجر أحمد تتألق داخل الجيم
  • محمد صلاح يشارك جمهوره صورا من الجيم
  • السوداني: صنع في العراق مشروع وطني نراهن عليه
  • في السرد واللغة والخطاب
  • تعلن محكمة ذي السفال الابتدائية أن على المدعى عليه/ صدام محمد الصفواني الحضور إلى المحكمة
  • تعلن محكمة باجل الأبتدائية ان على المدعى عليه / عبده خير عفن دوش الحضور إلى المحكمة