الجزيرة:
2025-05-26@03:43:49 GMT

هل ستندلع حرب أهلية قريباً في إسرائيل؟

تاريخ النشر: 14th, November 2024 GMT

هل ستندلع حرب أهلية قريباً في إسرائيل؟

قبل انطلاق "طوفان الأقصى" كان في إسرائيل تحذير مرتفع النبرة من اندلاع حرب أهلية جراء سياسات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهي ليست المرة الأولى التي تعلو فيها أصوات تتحدث هكذا في بعض المحطات والأوقات داخل إسرائيل، التي تفادت وقت تأسيسها حربًا من هذا النوع، كان يمكن أن تندلع لو شرعت الدولة العبرية في وضع دستور لها، إذ أدرك مؤسسوها أن بسببه قد يحتدم جدل بين العلمانيين والمتدينين، قد يتصاعد إلى شقاق يؤدي إلى انهيار المشروع منذ بدايته.

فطوال الوقت، يموج المجتمع الإسرائيلي بالعديد من أسباب الصراع، حيث هناك خلافات عميقة وممتدة بين المتدينين والعلمانيين حول قضايا عدة تتعلق بمسائل من قبيل: قداسة يوم السبت، والأطعمة والذبائح، ووضع النساء، والزواج المختلط، والتعليم والخدمة العسكرية، والاستيطان، أضيفت إليها قضايا أخرى مع الزمن، مثل: قانون تشريح الجثث وزراعة الأعضاء، وقانون حقوق الإنسان، وتجنيد الفتيات المتدينات، والتسوية مع الفلسطينيين.

وهي صراعات تبلغ من الحدة المكتومة إلى درجة أن بين الإسرائيليين من يراها أسبابًا دائمة لاندلاع شرارة حرب أهلية في أي وقت.

يحكي الدبلوماسي المصري رفعت الأنصاري في مذكراته عن فترة خدمته في إسرائيل أن بعض جمهور اليمين الديني المتطرف قد عزموا على تنظيم مظاهرة أمام مبنى السفارة في تل أبيب بعد أسابيع من اغتيال الرئيس المصري أنور السادات؛ احتجاجًا على اتفاقية السلام المصرية-الإسرائيلية، ووقتها سمع من السفير محمد بسيوني – أول سفير لمصر في تل أبيب – عبارة لافتة قال فيها: "إذا ما اندلعت حرب أهلية في إسرائيل سيكون مائير كهانا زعيم حركة كاخ وراء ذلك". ولم يأتِ هذا الحكم من فراغ إنما كان مستندًا إلى تقدير معطيات واقعية ظاهرة للعيان.

فالأحداث اللاحقة برهنت على أن مثل هذا التقدير لم يكن جزافيًا، من منطلق إدراك صاحبه رفض اليهود المتدينين للتخلي عن حلم "إسرائيل الكبرى"، ولذا يرون دومًا أن أي تسوية سلمية تعيد إلى العرب أرضهم السليبة يجب رفضها على الفور.

لهذا رأينا حركات مثل "جوش أمونيوم" و"كاخ"، اللتين تحالفتا مع بيغن وشامير زعيمي حزب الليكود، تهددان بحرب أهلية إذا انسحبت إسرائيل بشكل كامل من الأرض العربية المحتلة، وفق مبدأ "الأرض مقابل السلام" الذي رُفع في مؤتمر مدريد عام 1991.

وتجدد هذا الوضع مع الانسحابات الأحادية لإسرائيل من جنوب لبنان عام 2000، وقطاع غزة عام 2004، إذ تحدث البعض وقتها عن احتمال قيام الجيش، الذي تصاعد فيه وجود الضباط المتدينين المتشددين، بانقلاب على الحكومة؛ لأنهم يرونها قد فرطت في مشروع "إسرائيل الكبرى".

وهنا ينقل الباحث الإسرائيلي تسفكيه عميت في كتابه "انقلاب عسكري في إسرائيل.. الاحتمالات والواقع" عن أحد الأكاديميين الإسرائيليين المنتمين إلى اليمين قوله: "لقد كانت هناك مخاطر حقيقية لاحتمال نشوب حرب أهلية في إسرائيل.. التطرف الحادث لدى الجانبين، وعدم الصبر والعداء بينهما، دفعت بإسرائيل إلى الجلوس على برميل بارود، يمكن لأي شرارة أن تفجره وتجعله يمزق الدولة أشلاء وينثرها في الهواء. وأنا أعتقد أنه يجب علينا أن نشكر أولئك الذين أحدثوا الانقلاب".

ومن بين الإسرائيليين من فكر في هذه الحرب الأهلية من زاوية أخرى، متوقعًا أن يطلقها فلسطينيو الداخل أو عرب الـ48، فها هو رحبعام زئيفي رئيس حركة مولديت، الذي قُتل أثناء انتفاضة الأقصى عام 2000، كان يرى أن نمو الحركة الإسلامية في إسرائيل سيقود ذات يوم إلى حرب أهلية.

وزاد هذا الاعتقاد وقت التمرد الواسع لفلسطينيي الداخل عام 2021 مع اندلاع عملية "سيف القدس"، فما جرى وقتها نُظر إليه على أنه أشبه بحرب أهلية، حيث فقدت الشرطة وقوات حرس الحدود السيطرة على بعض المدن، وخصوصًا اللد، واضطرتا إلى إخلاء بعض الأسر اليهودية منها.

قبيل "طوفان الأقصى" كانت إسرائيل على شفا "حرب أهلية" بالفعل، وهو أمر أكده أستاذ العلوم السياسية في جامعة "بار إيلان" مناحم كلاين، إذ اعتبر الاحتجاجات التي شهدتها ضد اتجاه نتنياهو إلى تعديلات قضائية ترسخ الدكتاتورية، أنها تمثل المراحل الأولى من حرب أهلية.

وهي مسألة أكدها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت في معرض تعليقه على إقرار الكنيست مشروع قانون "الحد من المعقولية" المتعلق بالتعديلات القضائية، واصفًا القانون الجديد بأنه يمثل تهديدًا خطيرًا لأمن إسرائيل.

بناءً على هذا، لم يكن مستغربًا أن يحذر تقرير لموقع "كاونتر باتش" الأميركي من مخاطر اندلاع حرب أهلية إثر استقالة عدد من قادة إسرائيل، مثل بيني غانتس، وغادي آيزنكوت، حيث كشف هذا عن انقسامات عميقة، تختلف عن الاستقطابات العادية التي تشهدها الديمقراطيات الغربية، ليس فقط لأن إسرائيل ليست دولة ديمقراطية في جوهرها، ولكن لأن التكوين السياسي لها فريد من نوعه، لا سيما في ظل سعي نتنياهو وحلفائه إلى إعادة تشكيل الطبيعة السياسية لإسرائيل، بما يختلف عما جرت عليه العادة منذ قيامها عام 1948.

فنتنياهو أراد تغيير علاقة السلطة السياسية بالجيش، خارجًا على القاعدة التقليدية التي ترى أن الجيش هو جوهر النظام السياسي، حين قال: "إسرائيل دولة لها جيش، وليست جيشًا له دولة". بينما الحقيقة التاريخية والسارية تبين أن إسرائيل تأسست واستمرت من خلال الحرب، وأن الجيش له مكانة خاصة في المجتمع، سواء من خلال تمتعه بامتيازات مهمة عندما يتعلق الأمر بصناعة القرار السياسي، أو كون كبار قادة الجيش هم من تولوا المناصب السياسية الرفيعة.

ثم جاء "طوفان الأقصى" ليحدث تحولًا جذريًا في المشهد السياسي الإسرائيلي، وفق تقرير لصحيفة "جيروزاليم بوست"، حيث تضررت ثقة إسرائيل بنفسها وفي قادتها السياسيين والعسكريين، وتراجع إحساسها بالأمن، وبات من المرجح حدوث زلزال في المشهد السياسي بعد الحرب.

في الثالث عشر من أغسطس/ آب 2024، عاد الحديث عن حرب أهلية من جديد، حين حذر رئيس حزب "معسكر الدولة" بيني غانتس من اندلاعها قائلًا: "إذا لم نعد إلى رشدنا فستندلع هنا حرب أهلية، ويجب عدم طمس الحقيقة، هناك قيادة تنفر الناس، وتسمم البئر التي نعيش منها.. تندلع الحرب الأهلية عندما يتم إهدار كرامة العائلات الثكلى وأهالي المختطفين عبر قوات الشرطة خلال المظاهرات، وعندما يتم تصنيف الموظفين الحكوميين المخلصين على أنهم خونة".

كان غانتس يعلق في هذا على حادثة اقتحام جمهور وجنود ملثمين من اليمين الديني المتطرف يقودهم نواب في الكنيست، قاعدةَ "سدي تيمان" في النقب جنوب إسرائيل؛ احتجاجًا على اعتقال الشرطة العسكرية تسعة جنود متهمين بالاعتداء الجنسي على أسير فلسطيني، ومحاولة الغاضبين إطلاق سراحهم بالقوة.

حين تضع الحرب أوزارها ستطفو على السطح من جديد آثار خطة نتنياهو لتهميش دور الجيش في الحياة السياسية، حتى لو أخلَّ هذا بالركيزة الأساسية للتوازن في مجتمع يوصف بأنه "جيش له دولة"، لكن الجيش، على الأرجح، لن يصمت على تقليص دوره، وسيصارع في سبيل الحفاظ على موقعه وموضعه، وستكون مواجهة حامية بعد تسلل المتدينين المتشددين إلى المناصب القيادية في الجيش، والذي صار ظاهرة حدَت بالبعض إلى المطالبة بعدم جمع الضباط المتدينين في الوحدات العسكرية نفسها.

لقد سبق أن نشب صراع مسلح بين الجيش الذي كانت تهيمن عليه عصابات "الهاغاناه" خلال حكم بن غوريون، وبين قيادات مليشيات مسلحة عندما قصف الجيش سفينة كانت تحمل أسلحة إلى عصابة "الأرجون" وقتل واعتقل العديد من عناصرها، وليس هناك ما يحول تمامًا دون تكرار هذا بين وحدات الجيش بعد الحرب، فإن جرى ذلك، في ظل الدور المحوري للجيش في المجتمع، فقد يفتح الباب أمام حرب أهلية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات فی إسرائیل حرب أهلیة

إقرأ أيضاً:

الكيمياء تكشف عن أول علاج بالبخور في الجزيرة العربية قبل 2700 سنة

في واحة نائية شمال غرب المملكة العربية السعودية، وبينما كان فريق من الباحثين ينقب عن آثار حضارة قديمة، لم يتوقع أحد أن تقودهم حفريات صغيرة إلى اكتشاف مذهل يعيد كتابة تاريخ الطب الشعبي في المنطقة.

حيث كشفت دراسة جديدة عن أول دليل موثق على استخدام نبات "الحرمل"، المعروف علميا باسم "بيجانوم هارمالا"، كبخور علاجي ونفسي قبل نحو 2700 عام، أي في العصر الحديدي، لتصبح هذه هي أقدم ممارسة معروفة من نوعها في العالم.

هذا الاكتشاف، الذي نشر في 23 مايو/أيار في مجلة "كوميونيكيشن بيولوجي"، نتج عن تعاون مشترك بين معهد ماكس بلانك لعلوم الإنسان القديم بألمانيا، وجامعة فيينا بالنمسا، وهيئة التراث السعودية.

عثر داخل هذه الأواني على بقايا عضوية دقيقة (باربرا هوبر) بخور علاجي في أوان فخارية

تقول قائدة فريق البحث باربرا هوبر -الباحثة المشاركة في علم الكيمياء الآثارية، في معهد ماكس بلانك لدراسة الجيو-أنثروبولوجي- إن الحفريات عثر عليها في موقع مستوطنة قديمة (واحة القرية) تقع في شمال غرب السعودية، وتعرف حاليا بأوانيها المزخرفة التي أطلق عليها علماء الآثار اسم "فخار قرية المصبوغ".

وعثر داخل هذه الأواني على بقايا عضوية دقيقة، فقرر الباحثون فحصها باستخدام تقنية تحليل متطورة تعرف "بالكروماتوغرافيا السائلة عالية الأداء مع مطياف الكتلة الترادفية"، وهي تقنية قادرة على اكتشاف المركبات النباتية حتى في أضعف العينات.

وكانت النتيجة مفاجئة، إذ إن المركبات الكيميائية التي تم اكتشافها تعود لنبات "الحرمل"، المعروف في الطب الشعبي بخصائصه المطهرة، والمضادة للبكتيريا، والمسببة لتأثيرات نفسية عند استنشاقه كبخور.

إعلان

وتوضح هوبر في تصريحات للجزيرة نت: "أظهرت تحليلاتنا أن هذه هي أقدم حالة موثقة لاستخدام نبات الحرمل كبخور في الجزيرة العربية، بل في العالم بأسره. هذا ليس مجرد اكتشاف أثري، بل نافذة حقيقية على معارف القدماء بعلم النباتات، وكيف استخدموا الطبيعة لعلاج أنفسهم وتنقية أرواحهم".

الحفريات عثر عليها في موقع مستوطنة قديمة (واحة القرية) تقع في شمال غرب السعودية (باربرا هوبر) تقاليد باقية حتى اليوم

لا يزال الحرمل يستخدم حتى اليوم في بعض المناطق العربية، سواء في الطب الشعبي أو في طقوس تبخير البيوت، ربما لمنع الحسد، أو لتطهير المكان. ويشير هذا الاكتشاف إلى أن تلك الممارسات ليست جديدة، بل تمتد جذورها إلى آلاف السنين.

توضح الباحثة أن دمج التحليل الكيميائي مع علم الآثار سمح بفهم أعمق للثقافات القديمة، إذ إن المعتاد ألا تبقى آثار مثل هذه الممارسات محفوظة، لكن باستخدام تقنيات التحليل الجزيئي تمكن الفريق البحثي من معرفة ليس فقط نوع النبات، بل كيفية استخدامه ومتى ولماذا. هذه المعلومات تعطينا لمحة حقيقية عن الحياة اليومية في العصور القديمة.

يعتقد المؤلفون أن مثل هذه الاكتشافات لا تحافظ فقط على قطع أثرية، بل تعيد إحياء تراث ثقافي غير مادي، وتربط بين المعارف القديمة والممارسات التي ما زال الناس في المنطقة يمارسونها حتى اليوم. كما يفتح هذا الاكتشاف بابا واسعا أمام الباحثين في مجالات متعددة، مثل الأنثروبولوجيا، وعلم الأدوية، والتاريخ الثقافي. فهو لا يكشف فقط عن استخدام نبات معين، بل عن منظومة متكاملة من المعرفة والمعتقدات المرتبطة بالنباتات والروح والصحة.

مقالات مشابهة

  • رابطة أهلية يمنية تدين أحكام الحوثيين بحق الصحفي المياحي والمهندس الحرازي
  • الجيش الإسرائيلي يعلن رصد صاروخ أطلق من اليمن باتجاه إسرائيل ويعمل على اعتراضه
  • عاجل | الجيش الإسرائيلي: رصدنا إطلاق صاروخ من اليمن باتجاه إسرائيل
  • الكيمياء تكشف عن أول علاج بالبخور في الجزيرة العربية قبل 2700 سنة
  • الجيش الإيراني يتوعد إسرائيل: جاهزون لرد يفوق التوقعات
  • جهود أهلية في بهلا لمكافحة المسكيت
  • دراسة: استخدام نبات الحرمل في الجزيرة العربية قبل 2700 عام
  • 12 جامعة أهلية جديدة داخل الخدمة .. أكتوبر القادم
  • تحذير من حرب أهلية بعد تعيين زيني رئيسا للشاباك والجيش الإسرائيلي يعلق
  • الجزيرة نت ترصد حقيقة المعادن النادرة في جزيرة غرينلاند