سيدة تايلاندية تبني «زنزانة» في منزلها لحماية نفسها والجيران.. ما السر؟
تاريخ النشر: 14th, November 2024 GMT
في خطوة أثارت جدلًا واسعًا عبر منصات التواصل الاجتماعي، لجأت أم تايلاندية مسنة إلى بناء «زنزانة» داخل منزلها لحبس ابنها المدمن على المخدرات والقمار، وهي ما كانت بمثابة خطوة يائسة جاءت بعد سنوات من المعاناة والصراع بسبب إدمان الابن، الذي تسبب في اضطرابات عميقة للأسرة بالكامل.
سبب لجوء الأم إلى بناء زنزانة في منزلهاروت السيدة «أ»، وهي أم مسنة من مقاطعة بوريرام بتايلاند، معاناتها مع ابنها مُدمن المخدرات والقمار في تصريحات صحفية، موضحة أنها لجأت إلى بناء هذه الزنزانة في منزلها بعد أن فشلت كل المحاولات لعلاجه، لا سيما بعد أن أصبح عنيفًا بشكل ملحوظ: «عشت في خوف دائم على مدى عشرين عامًا، ولم أجد أي حل سوى حماية نفسي وجيراني».
وحسب ما ورد على موقع «odditycentral»، فقد تم تجهيز الزنزانة بأسرَة وحمام وخدمة الإنترنت، كما أنها مُحاطة بقضبان حديدية لمنع ابنها من الهروب، كما قامت الأم بتركيب كاميرات لمراقبة سلوك ابنها على مدار الساعة: «أراقبه باستمرار خوفًا من أن يؤذي نفسه أو مَن حوله، وكي لا يتمكن من الخروج».
وعلى الرغم من نية الأم السليمة وحرصها على سلامة ابنها وجيرانها، فقد أثار هذا الأمر استياء الشرطة؛ معتبرة أنه انتهاك لـ حقوق الإنسان، كما حذر رئيس الشرطة من أن هذا الفعل قد يعرض الأم للمساءلة القانونية.
تعاطف رواد الـ«سوشيال ميديا» مع الأمومن جهة أخرى، أثار الحادث تعاطفًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذ عبر العديد عن تفهمهم لموقف الأم المسنة اليائسة، كما طالبوا بتوفير المزيد من الدعم لعائلات المدمنين، لافتين إلى أن هذه القصة تسلط الضوء على المشكلة المتفاقمة لإدمان المخدرات في تايلاند، والتي تؤثر على آلاف الأسر.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: إدمان المخدرات مدمن مخدرات زنزانة سجن علاج الإدمان
إقرأ أيضاً:
محرقة غزة تعيد كتابة التاريخ
في زمنٍ تتكسر فيه المدن تحت الأقدام الثقيلة للحرب، وتتماوج الحقيقة بين دخان القصف وضجيج الإعلام، برزت غزة لا كمساحة صغيرة على خارطةٍ محاصَرة، بل كجبهة سردية كبرى تُعاد عبرها صياغة الوعي العالمي. فالمحرقة التي فُتحت أبوابها في أكتوبر 2023 لم تكن مجرد فصل دموي في الصراع، بل لحظة مفصلية انشقّ فيها المشهد السياسي والأخلاقي أمام عدسات العالم، وبدأت رواية جديدة تتشكل من قلب النار.
منذ 1948، نجحت إسرائيل في بناء هيمنة محكمة على الوعي الغربي، عبر شبكة مركّبة من الإعلام والسينما والجامعات واللوبيات. كانت الرواية الصهيونية تُروَّج كقدر تاريخي لا يُناقش: دولة صغيرة محاطة بالأعداء، تناضل للبقاء في مواجهة “تهديد فلسطيني” دائم. لكن حرب السابع من أكتوبر شقّت هذا الجدار القديم، ليس بسلاح المقاومة فقط، بل بقوة الصورة، وقسوة الحقيقة، وسقوط اللغة الرسمية في امتحان الأخلاق.
لم يعد الفلسطيني مجرّد موضوعٍ يُغطّيه مراسل أجنبي؛ صار هو المراسل والشاهد والضحية وصاحب الرواية. من هواتف محمولة ترتجف بين الأنقاض، خرجت صور لا يمكن لأي غرفة أخبار أن تُهذّبها، ولا لأي دعاية أن تطمسها. وفي تلك اللحظة، بدأت توازنات السرد في الانقلاب: شبكات عالمية اضطرت لمراجعة مسلّماتها، وصحف كبرى تخلّت عن كثير من احترازها اللغوي، ومنظمات أممية وجدت نفسها أمام وقائع لا تستطيع أن تُخفيها خلف مفردات “الاشتباكات” و”التوترات”.
في المقابل، واجهت إسرائيل تحديًا وجوديًا في المجال الأهم: المجال الرمزي. فالسردية التي بنتها على مدى عقود—بالقوة والدعاية—بدأت تتهاوى أمام عين طفل يبكي أمام كاميرا هاتفه، وأمام أم تبحث عن فلذات أكبادها تحت الركام. سقطت روايات “تحرير الرهائن” و”القضاء على حماس” أمام الأدلة الدامغة على المجازر؛ وتورّطت منظومة الاحتلال في تناقضات أحرجت حلفاءها قبل خصومها. حتى الإعلام العربي، الذي وقع كثير منه في فخ الحياد المزيّف، بدا عاجزًا عن ملاحقة حجم الحقيقة التي تفجّرت من غزة.
لكن التحول الأكبر تجلّى في الشارع العالمي. من نيويورك إلى باريس، من الجامعات الأميركية إلى النقابات البريطانية، خرجت الجماهير لا بوصفها مؤيدة لفصيل، بل بوصفها شهودًا على جرح إنساني أكبر من كل الحسابات السياسية. لم يعد الدعم لإسرائيل بديهيًا في الغرب، ولا النقد محرّمًا. تفككت القداسة القديمة وعاد السؤال الأخلاقي إلى الواجهة: من يقتل من؟ ومن يعيش فوق دم من؟ وفي هذا السياق، جاء قرار إدارة ترامب بربط المساعدات الفيدرالية للمدن الأميركية بعدم مقاطعة إسرائيل، لا كقانون إداري، بل كوثيقة خوفٍ سياسي من انهيار السردية الصهيونية داخل الحاضنة الغربية نفسها.
في هذه المعركة، لم تنتصر غزة لأنها الأقوى عسكريًا، بل لأنها الأصدق. لأن الرواية حين تخرج من قلب المجزرة لا تحتاج إلى زخرفة أو وسيط. ولأن الدم الذي يصبح صورة، يتحول إلى وثيقة، ثم إلى موقف، ثم إلى تاريخ يُدرَّس للأجيال. لقد أعادت غزة تعريف معنى القوة في زمنٍ تحكمه الصور، حيث لم تعد الغلبة لمن يمتلك الدبابة، بل لمن يمتلك الحقيقة.
اليوم، يقف الكيان الإسرائيلي أمام أخطر تهديدٍ في تاريخه الحديث: فقدان السيطرة على الرواية. فكم من جيش هُزم في الوعي قبل أن يُهزم في الميدان، وكم من دولة سقطت عندما سقطت شرعيتها الأخلاقية أمام العالم. ومع كل مقطع يُبث من غزة، تتراكم حجارة جديدة في جدار الحقيقة، وتنهار طبقات جديدة من الزيف الذي بُني على امتداد عقود.
أما غزة، فهي في هذه اللحظة ليست مدينة محاصرة، بل مركز جاذبية أخلاقية وسياسية. مدينة صغيرة تعيد ترتيب خرائط القوى الكبرى، وتفرض على العالم درسًا جديدًا: أن السردية ليست ملحقًا بالحرب، بل هي الحرب نفسها؛ وأن من يمتلك الحكاية يمتلك التاريخ؛ وأن من يكتب وجعه بيده لا يمكن لأحد أن يسرق صوته.
وهكذا، بينما ينهار الصمت العالمي وتتشكل تحالفات الوعي الجديدة، تكتب غزة—بدم الشهداء وصمود الأحياء—فصلًا جديدًا في ملحمة الإنسانية. فصلًا لا يمكن محوه، ولا يمكن تزويره، لأنه خرج من مكانٍ لا تستطيع الدعاية الوصول إليه: من قلب الحقيقة.
*كاتب ومحلل سياسي فلسطيني