قمة الويب 2024.. حضور قياسي وصعود الذكاء الاصطناعي وتعزيز دور المرأة في التكنولوجيا
تاريخ النشر: 14th, November 2024 GMT
اختتمت اليوم فعاليات قمة الويب 2024 في لشبونة بعد أن شهدت حضورا قياسيا من 153 دولة، ممثلين عن الشركات الناشئة، والمستثمرين، والوفود التجارية، ووسائل الإعلام، وغيرهم. وشهد الحدث بيع جميع التذاكر، واستعرضت أكثر من 3 آلاف شركة منتجاتها، مع بروز الذكاء الاصطناعي بوصفه أكثر التقنيات تمثيلا.
أبرز أرقام القمةبيعت جميع التذاكر بحضور 71 ألفا و528 مشاركا من 153 دولة، من بينهم 3050 شركة عارضة في مجال الشركات، و1066 مستثمرا، و953 متحدثا، و2005 إعلاميين.
ووصلت نسبة حضور النساء إلى 42%، حيث ترأست المرأة 44.5% من الشركات الناشئة، وأبرز أسماء الشركات شملت "آي بي إم" (IBM)، و"أميركان إكسبريس" (American Express)، و"أدوبي" (Adobe)، و"ميتا" (Meta)، و"ديل" (Dell)، و"هواوي" (Huawei)، و"كوالكوم" (Qualcomm).
تعزيز دور المرأة في التكنولوجياشهدت القمة زيادة ملحوظة في عدد الشركات الناشئة التي أسستها النساء، إذ بلغ عددها 1261 شركة، أي نحو 44.5% من إجمالي الشركات الناشئة المشاركة، مقارنة بـ29% عام 2023. كما تشكل النساء 42% من الحضور و37% من المتحدثين، في خطوة تعزز الاتجاه نحو تحقيق توازن أكبر في صناعة التكنولوجيا.
وقد أظهر تقرير "المرأة في التكنولوجيا" السنوي لقمة الويب أن أكثر من نصف المشاركات ما زلن يواجهن نقصا في تمثيل النساء في المناصب القيادية، كما تشعر 51% منهن بأنهن يتقاضين أجورا أقل من الرجال.
في هذا العام، تعتمد القمة التي تقام في "ميو أرينا" على برمجيات "محرك القمة" (Summit Engine) لتنظيم 250 لقاء مجتمعيا، تهدف إلى تعزيز الروابط بين الحاضرين وفقا لاهتماماتهم.
سيجتمع الحضور، بدءا من الرؤساء التنفيذيين والمؤسسين وصولا إلى الإعلاميين والمستثمرين، في لقاءات مختلفة تتماشى مع اهتماماتهم ورحلاتهم. سواء كانوا فنانين يستخدمون التكنولوجيا بطرق مبتكرة، أو عشاقا لتكنولوجيا الفضاء، أو رواد أعمال يتبادلون الكتب التي يفضلونها، تساعد هذه اللقاءات الحضور على إيجاد الروابط التي تتناسب مع اهتماماتهم.
وتشمل هذه اللقاءات فعاليات مثل "لقاء تكنولوجيا النظافة"، "لقاء تكنولوجيا الموضة"، "اتصالات المرأة في التكنولوجيا"، و"التكنولوجيا في التعليم". كما تستمر اللقاءات بعد ساعات العرض في مناطق لشبونة المختلفة، مثل "اللقاء المختلط للروبوتات" و"مبتكرو تكنولوجيا الموسيقى".
يقول بادي كوسجريف، الرئيس التنفيذي ومؤسس قمة الويب، إن "قمة الويب تستمر في النمو كل عام، ومع رقم قياسي يبلغ 3 آلاف شركة عارضة، بما في ذلك الشركاء، مثل ميتا وأدوبي وآلاف الشركات الناشئة المبكرة، نحن متحمسون لرؤية الطلب على الابتكار في قمة الويب عند أعلى مستوياته".
ويضيف كوسجريف: "مع هذا الطلب المتزايد، بذلنا جهدا كبيرا لتوسيع دوائر المجتمعات وإضافة مساحات للتواصل. يقوم فريق الهندسة، ودعم المجتمع لدينا بتنظيم مئات اللقاءات حتى لا تقتصر شبكة علاقاتك في قمة الويب على عدد قليل من الأشخاص الذين تعرفت عليهم، بل ستكون جزءا من شيء أكبر، متعدد الأبعاد، وأكثر إثراء ومعنى".
شارك في هذا الإصدار من قمة الويب 45 شريكا مجتمعيا، من بينهم "ديجاسي أفريقيا"، ومؤسسة "آغا خان"، والمنظمة الوطنية للنساء، واستضافت عديدا من الأنشطة خلال الحدث. على سبيل المثال، "ديجاسي أفريقيا" استضافت لقاء للتواصل بين المؤسسين والقادة والمستثمرين الأفارقة، وأيضا "مشروع لشبونة" استضاف لقاء لرواد الأعمال المهاجرين في البرتغال ضمن فعاليات قمة الويب.
شارك هذا العام 1066 مستثمرا من 58 دولة، بإجمالي أصول تقدر بـ14.7 تريليون دولار، ويشمل ذلك صناديق ثروة سيادية بارزة مثل صندوق الاستثمار القطري، وصندوق الاستثمار العماني، وشركة مبادلة للاستثمار.
ساهمت برامج القمة في تعزيز فرص اللقاءات بين المستثمرين والشركات الناشئة، مما يفتح الأفق أمام عديد من الشركات الناشئة للحصول على استثمارات مهمة.
الذكاء الاصطناعي يهيمن على التقنيات المعروضةمن بين 3050 شركة عارضة، برز الذكاء الاصطناعي كأكبر تقنية تمثيلا، بنسبة زيادة تصل إلى 16%. وتفيد التقارير بأن الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي التي حضرت القمة العام الماضي قد جمعت تمويلا بلغ 72.6 مليون دولار، مما يعكس زخما متزايدا في هذا المجال.
وتشترك مع الذكاء الاصطناعي صناعات أخرى مثل التكنولوجيا المالية، والتكنولوجيا الصحية، والتكنولوجيا النظيفة.
قائمة مميزة من المتحدثين وتغطية إعلامية واسعةشملت قائمة المتحدثين في القمة هذا العام 953 متحدثا، من بينهم الفنان فاريل ويليامز، ورئيس مايكروسوفت براد سميث، ونجم الدوري الأميركي لكرة السلة كارميلو أنتوني.
وغطى القمة نحو 2005 صحفيين من 76 دولة، عرضوا أبرز المستجدات في مجالات الذكاء الاصطناعي، والاستثمار، والتنظيمات، وأثر الانتخابات الأميركية على الصناعة.
وقد تعاونت قمة الويب هذا العام مع 18 وسيلة إعلامية، من بينها واشنطن بوست، و"سي إن بي سي"، وفورتشن، وفاست كومباني، ويورونيوز، والجزيرة، و"أو غلوبو".
بهذه الأرقام تستمر قمة الويب 2024 في تأكيد دورها الريادي بوصفها منصة تجمع بين الابتكار والتواصل، وتضع أسسا جديدة نحو صناعة تكنولوجية أكثر شمولية وتنوعا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات المرأة فی التکنولوجیا الذکاء الاصطناعی الشرکات الناشئة قمة الویب هذا العام من بین
إقرأ أيضاً:
حوارٌ مثيرٌ مع الذكاء الاصطناعي
كثر الحديث مؤخرًا عن لجوء بعض الكتّاب إلى «الذكاء الاصطناعي»؛ ليكتب عنهم المقالات الصحفيَّة في ثوان قليلة، ما اختصر لهم الوقت، وأراحهم من عناء الجهد والبحث. والنتيجةُ أنّ تلك المقالات افتقدت الروح، وغاب عنها الكاتب، فصارت كلُّ المقالات متشابهة في الشكل والمضمون، لدرجة أن أصبح القارئ يستطيع أن يميّز بين مقال الكاتب والمقال المنقول حرفيًّا من الذكاء.
إزاء تنامي الجدل حول الموضوع؛ هل هو انتحال وسرقة أم أنه بحكم التطور وضع طبيعي؟ قررتُ أن أخوض حوارًا مباشرًا مع أحد هذه الأنظمة؛ بحثًا عن فهم أعمق لهذا الكائن الرقمي. كانت المفاجأة أني كنتُ في حوار أقرب ما يكون مع إنسان وليس مع آلة، وبدا لي أنّ الذكاء الاصطناعي أداة ذات قدرات هائلة تفيد الكاتب في جوانب كثيرة في البحث عن المعلومة والترجمة وفي تقييم المقال نفسه، لكنه مهما كان من أمر فإنه لا يمكن أن يعوّض عن حضور الكاتب. سألتُ الذكاء عن هذا الأمر، فأقرّ بأنّ البعض يستخدمه لأداء المهمة كاملة دون تحرير أو إضافة ذاتية ما يجعل النص أقرب للانتحال، حتى لو لم يكن هناك مؤلف بشري يُنسب له المحتوى. سألتُ: هل يمكن أن يُقدّم الذكاء المقال نفسه لشخص آخر؟ فردّ بأنّ ذلك ممكن، خاصةً إذا كانت الأسئلة متشابهة أو عامة، ما يُظهر أهمية التفرّد في الطرح، والحرص على أن تكون الكتابةُ نابعةً من هوية الكاتب نفسه. هنا سألته: ماذا يمكن أن يفيد الذكاء الكتّاب والصحفيين؟ كان الرد: «دعم الكتابة والتحرير عن طريق صياغة الأفكار، وتوليد المحتوى، واقتراح زوايا مختلفة للموضوع أو حتى تقديم مسودة أولية. ويمكن الذكاء الاصطناعي تحليل كميات ضخمة من المعلومات في وقت قصير، واستخلاص النقاط المهمة». وأهم نقطة ذكرها أنّه بترجمته الفورية السريعة يسهل التواصل مع مصادر من ثقافات مختلفة، ويمكنه استخراج الخلاصة من مقابلات طويلة، أو من وثائق كثيرة.
تشعّب الحديث بيننا - وكأني أمام صديق مثقف - سألتُه: كيف نضمن أن يبقى الذكاء الاصطناعي خادمًا للإنسان لا سيدًا عليه؟ فردّ قائلًا: «إنّ الحفاظ على هذا التوازن يتطلب ترسيخ القيم الإنسانية في تصميم الأنظمة، وسن تشريعات ذكية، وتوعية الناس بعدم الاستسلام المطلق للأداة».
انتقلنا في الحديث عن الكتابة إلى الطب، فسألتُه سؤالًا سبق أن أثار جدلًا واسعًا: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُلغي وظيفة الطبيب العام مثل الكثير من الوظائف التي ستُلغى؟ أجاب أنّ دوره سيتغيّر، لكنه لن يُلغى، فبينما يستطيع الذكاء دعم التشخيص، وتحليل البيانات يظل الطبيب البشري يتمتع بقدرة لا يمكن للآلة أن تمتلكها، وهي التعاطف، والحدس، والتعامل مع تعقيدات النفس البشرية.
طرحتُ عليه سؤالًا يحمل بُعدًا أمنيًا وأخلاقيًا، وقد تردّد كثيرًا عبر المنصات: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُعلّم الناس صناعة القنابل أو الأسلحة؟ فكان جوابه حازمًا: «الشركات المطوّرة تضع فلاتر صارمة لمنع هذه الاستخدامات، لكن يبقى الخطر قائمًا إذا تم التحايل أو إساءة الاستخدام. وهنا تزداد الحاجة إلى يقظة قانونية ومجتمعية تتجاوز التطوّر التقني نفسه».
أخذني الحماس فسألتُه عن أغرب طلب وُجِّه إليه فقال: «هناك من طلب مني أن أكتب خطابًا يعتذر فيه عن حادثة كسر كوب زجاجي أمام مجلس تنفيذي لشركة كبرى، ويجب أن يتضمن استعارات عن تحطم الأحلام والزجاج المعشق». وواصل: «هناك من يسألني عن أسرار الكون، ومن يطلب صياغة قصيدة غزلية، ومن يبحث عن دعم نفسي في لحظة صعبة، وحتى من يطلب نصيحة قبل أن يُقدِم على مغامرة جديدة. وهناك من يريد أن أفسّر له الأحلام. أشعرُ وكأنّي كتابٌ حيّ مفتوح دومًا مليء بالمفاجآت». ولم ينس أن يسألني: هل لديك سؤالٌ غريب يا زاهر؟!
حقيقة أنّ الذكاء الاصطناعي الآن قوي، ومع الأسف صار الكثيرون يعتمدون عليه في الكتابة الحرفية فقط، وتركوا الإمكانيات الهائلة التي يمكن أن يقدّمها. وفي تصوري أنّ ما ينتظره العالم منه في المستقبل يفوق التصوّر، وهو ما أكده لي عندما سألتُه عمَّا هو متوقع منه في المستقبل؟ فأجاب: «سيصبح الذكاء الاصطناعي مثل «سكرتير رقمي» يعرف جدولك، وشخصيتك، ومزاجك، حتى نواياك، يتوقع احتياجاتك قبل أن تطلبها، ويُقدِّم خيارات حياتية مصممة لك بالذكاء. أما في المجال الطبي فسيتمكن من تحليل الحمض النووي لكلِّ فرد وإعطاء علاج خاص به، وقد يُساعد في اكتشاف الأمراض قبل ظهور أعراضها بسنوات». أما عن مجال التعليم فقد قال: «تخيّل فصلًا دراسيًّا لكلّ طالب على حدة، يُدرّسه الذكاء الاصطناعي حسب سرعة فهمه واهتمامه. سيساعد الذكاء في ردم الفجوة التعليمية بين المناطق المختلفة».
ولكن المثير أنه قال: «ستجري روبوتات عمليات جراحية، وترعى كبار السن، وتُناقشك في الفلسفة، تمزج بين الحس العاطفي والذكاء التحليلي. سيشارك الذكاء الاصطناعي في تأليف الموسيقى، كتابة الروايات، رسم اللوحات، وحتى ابتكار نكات».
لكن هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن «يفهم» المشاعر؟ كان الرد: «إنّ الأبحاث تتجه نحو أنظمة تُدرك نبرة الصوت، وتعابير الوجه حتى المزاج!».
الذكاء الاصطناعي يشكّل قفزة كبيرة تُشبه القفزات النوعية في التاريخ، مثل اختراع الطباعة أو الإنترنت. وكلُّ هذا مجرد بداية رغم أنّ الناس باتوا يرونه من الآن مستشارًا، وشريكًا معرفيًّا، ومُحفِّزًا للإبداع، وأحيانًا صديقًا للدردشة.
كشفَتْ لي تجربةُ الحوار المطول، قدرات الذكاء الاصطناعي، وصرتُ على يقين بأنّ محرِّكات البحث مثل «جوجل» قد تصبح من الماضي؛ لأنّ البديل قوي، ويتيح ميزات لا توجد في تلك المحرِّكات، كالنقاش، وعمق البحث عن المعلومة، والترجمة الفورية من أيِّ لغة كانت. وما خرجتُ به من هذا الحوار - رغم انبهاري الشديد - هو أنّ الأداة لا تُغني عن الإلهام، وأنّ الكلمة لا تُولَد من الآلة فقط، بل من الأفكار، ومن التجارب الإنسانية، ومن المواقف، ولكن لا بأس أن تكون التقنية مساعِدة، وليست بديلة، فهي مهما كانت مغوية بالاختصار وتوفير الجهد والوقت؛ فستبقى تُنتج محتوىً بلا روح ولا ذاكرة ولا انفعالات، وهذه كلها من أساسيات نجاح أيِّ كتاب أو مقال أو حتى الخطب. وربما أقرب صورة لتوضيح ذلك خطبة الجمعة - على سبيل المثال -؛ فعندما يكون الخطيب ارتجاليًّا يخطب في الناس بما يؤمن به فسيصل إلى قلوب مستمعيه أكثر من خطبة بليغة مكتوبة يقرأها الخطيب نيابةً عن كاتبها.
وبعد نقاشي المطول معه، واكتشافي لإمكانياته أخشى أن يُضعف هذا (الذكاء) قدرات الإنسان التحليلية والإبداعية في آن واحد؛ بسبب الاعتماد المفرط عليه، خاصة أني سألتُه: هل يمكن لك أن تجهِّز لي كتابًا؟ كان الرد سريعًا: نعم.
في كلِّ الأحوال لا غنى عن الذكاء الاصطناعي الآن، لكلِّ من يبحث عن المعلومة، ويريد أن يقويَّ بها كتبه ومقالاته وأبحاثه. لكن النقطة المهمة هنا هي أنه يجب أن يبقى خادمًا للإنسان لا سيدًا عليه، كأن يتجاوز أدواره - مثلًا -، ويحل محله في أمور تتطلب الحكمة، أو الوجدان، أو الأخلاق. ويجب أن يبقى معاونًا وشريكًا، ولكن ليس بديلًا كاملًا عن الإنسان كما يريده البعض.