هل يجوز بيع القطة وتملكها في الشرع؟ دار الإفتاء تجيب
تاريخ النشر: 16th, November 2024 GMT
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (اشتريت قطة من قطط الزينة باهظة الثمن لأقوم بتربيتها، وهذا منذ فترة، وأريد الآن أن أبيعها لشدة انشغالي وعدم قدرتي على الاعتناء بها جيدًا، لكن بعض أصدقائي المتدينين أخبرني بأن هناك نهيًا شرعيًّا عن بيع القطط، وأن أخذ ثمنها حرام، ونصحني بأن أعطيها هدية لمن يمكنه الاعتناء بها، فهل هذا هو الحكم الشرعي الصحيح في مثل هذه الحالة؟
. دار الإفتاء تحسم الجدل
واستشهدت دار الإفتاء في إجابتها على السؤال، بقول الله عز وجل: ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة: 275]؛ فبين سبحانه وتعالى أن جنس البيع حلال، ويؤيد أصالة الحل في البيوع قوله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُم﴾ [النساء: 29].
وأضافت دار الإفتاء أن مما يشترط في صحة عقد البيع أن تتوفر في المبيع شرائط خمسة، وهي: أن يكون المبيع معلومًا، طاهرًا، منتفعًا به، مملوكًا للعاقد، مقدورًا على تسليمه، فلا بد أن يكون المبيع مما ينتفع به حسًّا وشرعًا، وبيع ما لا نفع فيه يكون بيعًا باطلًا سواء لم تكن فيه منفعة أصلًا أو كانت فيه منفعة لكن غير معتبرة شرعًا؛ لأنه حينئذ لا يعتبر مالًا، وذلك كما أسقط الشرع مالية الخمر وإن كان يمكن الانتفاع بها ببعض الصور إلا أن أضرارها لما كانت أكثر من منافعها سقطت ماليتها؛ قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ [البقرة: 219].
وذكرت أن الأصل في الحيوانات الطاهرة المنتفع بها هو جواز اقتنائها والانتفاع بها وتداولها بعقود البيع والشراء ونحوها؛ وذلك لكونها بعضًا مما سخره الله تعالى لمنفعة الإنسان وخدمته وتنعمه؛ قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ [لقمان: 20]، وقال سبحانه: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: 13].
وأوضحت أن الانتفاع بالحيوان كما يكون بالأكل والحلب والركوب وحراثة الأرض، يكون أيضًا بجمال صوته كما في البلابل، وبجمال صورته ولونه كما في الطواويس، فالتنعم بمثل هذا يُعدُّ من الأمور التحسينية المباحة، فهو ضرب من الانتفاع بنعم الله سبحانه وتعالى وباب لتدبر جليل آياته في إبداع الخلق وإتقان الصنع؛ قال تعالى: ﴿ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ۞ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ﴾ [السجدة: 6-7]، وقال سبحانه: ﴿صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل: 88].
وقد جاء في آيات القرآن الكريم ما يدل على جواز اقتناء الحيوانات وغيرها بقصد الانتفاع بحسنها والتحلي بها؛ طلبًا لإدخال السرور على النفس، قال تعالى: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 8]، وقال جل شأنه: ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ [النحل: 14].
وقد روى البخاري ومسلم في "صحيحيهما" أن الصحابيَّ الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه كان له أخُ صغير يقال له: أبو عمير رضي الله عنه، وكان له نُغَرٌ يلعب به -أي طائر صغير يشبه العصفور، أحمر المنقار، وقيل: هو البلبل- فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا جاء فرأى أبا عمير لاطفه وقال له: «أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ».
وفي الحديث دلالة ظاهرة على: جواز لعب الصغير بالطير، وجواز ترك الأبوين ولدهما الصغير يلعب بما أبيح اللعب به، وجواز إنفاق المال فيما يتلهى به الصغير من المباحات، وجواز إمساك الطير في القفص ونحوه وقص جناح الطير؛ إذ لا يخلو حال طير أبي عمير من واحد منهما، وأيهما كان الواقع التحق به الآخر في الحكم.
كما أن القط الأليف أو الهرة الأهلية "المستأنسة" ينطبق عليها ما سبق ذكره بحكم الأصل؛ إذ هي حيوان طاهر يجوز حيازته واقتنائه وتملكه، ويقدر على تسليمه وعلى العلم به وبحاله وصفته، كما أنه يُنتفع بجمال خلقته وبحصول الاستئناس به، وكذلك يُنتفع به في الخدمة؛ لأنها تصطاد الفأرة والهوام المؤذية. انظر: "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" (6/ 187، ط. دار الكتاب الإسلامي).
ومما يدل على طهارة الهرة ما رواه أصحاب السنن الأربعة: عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَتْ عِنْدَ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ، أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا، قَالَتْ: فَسَكَبْتُ لَهُ وَضُوءًا. قَالَتْ: فَجَاءَتْ هِرَّةٌ تَشْرَبُ، فَأَصْغَى لَهَا الإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ، قَالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا بِنْتَ أَخِي؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إِنَّمَا هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ، أَوِ الطَّوَّافَاتِ» رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتابعين ومن بعدهم مثل الشافعي، وأحمد، وإسحاق: لم يروا بسؤر الهرة بأسًا، وهذا أحسن شيء في هذا الباب. انظر: "قوت المغتذي على جامع الترمذي" (1/ 80).
ويدل على صحة تملُّك الهرَّة ما رواه الإمامان البخاري ومسلم واللفظ له عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ مِنْ جَرَّاءِ هِرَّةٍ لَهَا -أَوْ هِرٍّ- رَبَطَتْهَا فَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا، وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تُرَمْرِمُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ هَزلًا»؛ فاللام في قوله: «هِرَّةٍ لَهَا»، تدل بظاهرها على ثبوت ملكية المرأة للهرة؛ لأن الأصل في اللام الملك.
وأجاب جمهور العلماء عن احتجاج المانعين بالحديث بأن المراد بالهرة هنا هي: الهرة الوحشية؛ لعدم الانتفاع بها بخلاف الهرة الأهلية، وأيضًا أجابوا بأن النهي الوارد في الحديث نهي تنزيه لا نهي حرمة؛ فالغاية من هذا النهي هو أن يتسامح في تداول الهرة الأهلية، وإعارته بلا مقابل مالي كما هي عادة الناس فيه.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: دار الإفتاء بيع القطط البيع والشراء دار الإفتاء قال تعالى م ا ف ی ال ى الله الله ع
إقرأ أيضاً:
هل قئ المرأة الحامل يبطل الوضوء؟.. الإفتاء توضح
الوضوء.. أوضحت دار الإفتاء المصرية إن فترة حمل المرآة مشقة من الوَهَن والألم، كما وصفها الحق تبارك وتعالى في غير موضِع في كتابه العزيز مُبَيِّنًا حالها أثناء حمل جنينها، وذلك في نحو قوله تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ﴾ [لقمان: 14]، وقوله تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا﴾ [الأحقاف: 15].
حكم نقض الوضوء بقئ المرأة الحامل:وقالت الإفتاء إن المُخْتارَ للفتوى هو القول بعدم انتقاض الوضوء بالقيء مطلقًا، مع استحباب تجديد الوضوء منه متى تَيَسَّر ذلك، ولا تُكَلَّف الحاملُ -أو مَن هو في مثل حالها- عناء البحث والنَّظَرِ عن كمية القيء ونوعه، وهذا هو الأوفق لسِمَة التخفيف والتيسير ورفع الحرج عن المكلفين؛ لعموم قول الله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 28]، وقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78].
وعن السَّيِّدة عائشة أم المؤمنين رَضِيَ اللهُ عَنْها أنَّها قالت: «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ» متفق عليه.
وعن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللهُ عَنْه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ» أخرجه الإمام البُخَارِي.
الطهارة والوضوء شرطان لصحة الصلاة:
وحرص الشرع الشريف على دوام الصلة بين العبد وربه من خلال الصلاة التي هي من أوجب الواجبات، وأجَلِّ الطاعات، وآكد الأركان بعد الشهادتين، ففيها يقف المسلمُ بين يَدَي ربه عَزَّ وَجَلَّ وهو خاشِعٌ له بقلبه، خاضِعٌ بجوارحه، مستحضِرٌ لجلاله سبحانه وعَظَمته، مُقْبِل بكُلِّيته على الله تعالى، إلا أن هذه العبادة لا تَتَأَتَّى إلَّا مع الطهارة من الحدثين الأكبر والأصغر التي هي شرط لصحة الصلاة، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة: 6].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» أخرجه الشيخان.
حكم نقض الوضوء بالقيء:
وأضافت الإفتاء أن من أكثر الأعراض المُصاحبة للحمل ذيوعًا وانتشارًا: "القيء" الذي يحدث عادة بسبب التَّغيُّرات الهرمونية في جسد المرأة أثناء الحمل، والقيء من جملة النَّجاسات شرعًا، كما نَصَّ على ذلك جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشَّافعية والحنابلة، مع قصر المالكية أمر الحُكم بنجاسة القيء على المُتغير منه عن حالة الطعام -وذلك بتغيُّر أحد أوصافه- دون غيره.
أمَّا بالنسبة لكونه ناقضًا للوضوء من عدمه، وما إذا كان هذا النقض على إطلاقه أو مُتَوَقفًا على أمر آخر، فذلك محل خلافٍ بين الفقهاء على أقوال ثلاثة، ولكل منهم مُتَّكأ شرعي استند إليه، وبيان هذه الأقوال ما يأتي:
القول الأول: التَّفرقة بين قليل قيء الطَّعام وكثيره، وهو مذهب الحنفية، والحنابلة في المشهور، على ٩تفصيل بينهم في ذلك.م
فأمَّا كثير القيء فإنَّه ناقض للوضوء، على خلافٍ بينهم أيضًا في حد الكثرة الذي يَحصل به نقض الوضوء.
فالحنفية قد جعلوه ناقضًا للوضوء حال امتلاء فم المُتَقَيِّءِ به، مع اختلافهم في الضَّابِط الذي يحصل به الامتلاء من عدمه، فالصحيح أنه يُقَدَّر بوصول الإنسان إلى حالة يَغْلبه خروج القيءِ فيها، بحيث لا يستطيع إطباق الفم عليه فيتسارع ما في فمه إلى الخروج، والأصح أنه يُقَدَّر بما يَحُول دون قدرة الإنسان على الكلام.
الوضوء:
وأمَّا الحنابلة في المشهور فجعلوا حدَّ الكثرة منوطًا بما يأنفه كلُّ إنسان ويَسْتَهْجِنه من نفسه، وبذلك يكون معيارُ القلة والكثرة عندهم معيارًا شخصيًّا يتفاوت بتفاوت الأشخاص، على أن المُعتبر في ذلك هو نفوسُ أَوَاسِطِ النَّاس، أي: أصحاب الطِّباعِ السَّليمة دون المُوَسْوِسِين ونحوهم.
وأمَّا قليل القيء -وهو ما دون ذلك- فإنَّه غير ناقض للوضوء.
القول الثاني: عدم انتقاض الوضوء بالقيء مُطْلقًا، دون قيدٍ أو شرطٍ أو نظرٍ في قدر القيء أو كميته أو نوعه أو غير ذلك، وهو مذهب المالكية والشَّافعية، مع استحباب تجديد الوضوء منه عند الشَّافعية.
قال الشيخ عليُّ بن خَلَفٍ المُنُوفِي المالكي في "كفاية الطالب الرباني" (1/ 129، مع "حاشية العلامة العَدَوِي"): [(الوضوء يجب) وجوب الفرائض (لِمَا) أي: لأجْل الشيء الذي (يخرج) معتادًا على وفق العادة (من أحد المَخْرَجَين) المُعتادَين: القُبُل والدُّبُر، وقيدنا.. بالمُعتادَين؛ لنحترز عما يخرج من غيرهما، كدم الفصادة والحجامة، والقيء المتغير عن حالة الطعام] اهـ.
قال الإمام العَدَوِي مُحَشِّيًا عليه: [(قوله: والقيء المتغير.. إلخ) أي: فلا ينقض] اهـ.