مارسيل بروست، أحد أعظم الروائيين في القرن العشرين، وُلد في 10 يوليو 1871 ورحل عن عالمنا في مثل ذلك اليوم 18 نوفمبر 1922، تاركًا وراءه إرثًا أدبيًا خالدًا أبرز ما فيه رائعته “البحث عن الزمن المفقود”. بروست لم يكن مجرد كاتب، بل كان فيلسوفًا أدبيًا استثنائيًا استعرض أفكاره بأسلوب سردي فريد، حيث استبدل الحبكة الروائية التقليدية برحلة استبطانية عميقة في النفس البشرية.

نشأة مشروع “البحث عن الزمن المفقود”

بدأت رحلة كتابة هذه الملحمة الأدبية عام 1909، عندما استطاع بروست رسم الخطوط العريضة لأفكاره. ومع ذلك، شعر بالعجز عن تحويل هذه الأفكار إلى رواية مكتملة. نقطة التحول جاءت ذات يوم من يناير 1909، عندما كان يتناول الشاي مع الخبز المحمص، فاستعاد ذكريات طفولته في حديقة جده. هذه اللحظة كشفت له عن جوهر مشروعه الأدبي، حيث أدرك أن الانبعاث الفني والذكريات يشكلان العمود الفقري لروايته.

في “البحث عن الزمن المفقود”، ركّز بروست على مراحل نضوجه الشخصي عبر سلسلة من التجارب الذاتية التي عكست أعماق روحه. أراد بروست أن يشارك نظرته الفريدة للحياة، بعيدًا عن تقديم وصف تقليدي للواقع. الرواية لم تكن مجرد أحداث، بل مرآة لذاته الداخلية، تتسم بالتحليل العميق للمشاعر والذكريات.

وزارة الثقافة تحتفل بتخريج الدفعة الثانية لمدرسة "خضير البورسعيدي" بالسحيمي مصطفى خليل رئيس الوزراء الذي غير الحياة السياسية بمصر.. لماذا رفض كتابة مذكراته؟ رحلة نشر الرواية

بدأ بروست كتابة الرواية عام 1909 واستمر في العمل عليها حتى وفاته. في عام 1913، نشر المجلد الأول منها على نفقته الخاصة بعد أن رفضتها العديد من دور النشر. لاحقًا، تبنّت دار نشر أخرى المشروع، حيث نُشر المجلد الثاني عام 1918، ونال جائزة غونكور عام 1919، مما أكسب الرواية شهرة واسعة.

ظل بروست مخلصًا لمشروعه الأدبي حتى لحظاته الأخيرة. كان يضيف أقسامًا جديدة وينقح النصوص باستمرار. وعندما شعر باقتراب أجله، أكمل الرواية، وبدأ تصحيح النسخ النهائية.

“البحث عن الزمن المفقود” ليست مجرد رواية، بل رحلة تأملية في طبيعة الزمن والذكريات والمعنى الأعمق للحياة. بأسلوبه المتفرد، نجح مارسيل بروست في ترك أثر عميق في الأدب العالمي، وجعل من حياته وكتاباته نموذجًا للغوص في أعماق الذات البشرية، في محاولة لاكتشاف جوهرها ومعانيها الخفية.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: جائزة غونكور رواية الأدب العالمي

إقرأ أيضاً:

بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غزة؟

في خضم تزايد الضغوط الدولية على إسرائيل بشأن تفاقم أزمة الجوع في قطاع غزة، بدت زيارة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف إلى رفح جنوبي القطاع وكأنها محاولة مرتّبة بعناية لالتقاط الصورة لا لمعالجة الكارثة.

فالزيارة التي وصفت بأنها لمنح الرئيس الأميركي دونالد ترامب فهما واضحا للوضع الإنساني تحولت في نظر محللين تحدثوا لبرنامج "مسار الأحداث"، إلى فصل جديد من فصول هندسة الرواية الأميركية الإسرائيلية، التي تعيد إنتاج الأزمة كخلفية لإظهار "الجهود الإنسانية" في ظل صمت مطبق عن مسؤولية الاحتلال الفعلية في تجويع الغزيين وقتلهم أثناء انتظار المعونات.

المشهد بدا من البداية أقرب إلى "مسرحية ميدانية" منها إلى تفقد ميداني حقيقي، كما وصفها الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني وسام عفيفة، الذي رأى في الجولة الخاطفة لوفد يتقدمهم ويتكوف والسفير الأميركي لدى تل أبيب استعراضا صوريا يراد به تأثيث السردية الأميركية لا تفكيك الواقع.

فغزة، كما قال ليست بحاجة إلى من "ينقل مشاهد الجوع"، بل إلى من يعترف بأن التجويع سياسة ممنهجة ومقصودة تُدار عبر "مؤسسة غزة الإنسانية"، التي تحولت بنظره من جهة توزيع إلى أداة حرب ووسيلة تهجير عبر أقفاص الموت.

هذه المؤسسة التي امتدحها السفير الأميركي مايك هاكابي بوصفها تقدم "مليون وجبة يوميا"، لم تسلم من الانتقادات الدولية، بل كانت محور اتهامات موثقة من منظمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش، التي أكدت أن المساعدات توزع في مناطق تتحول إلى مسارح دم يومية بفعل إطلاق النار الإسرائيلي.

ويبدو أن صمت ويتكوف وتجاهله لهذه الحقائق في زيارته لم يكن عفويا، بل جزءا من سردية رسمية تتجاهل جذور المأساة، وتبحث عن سرد جديد يدير الأزمة دون معالجتها.

في المقابل، لم تخلُ مواقف الإدارة الأميركية من التناقض، فالرئيس ترامب، وفي تعليقات تالية للزيارة، عاود تكرار اتهامه لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالمسؤولية عن "نهب المساعدات"، في حين ظل صامتا بشأن التقارير الدولية المتزايدة التي تحمّل إسرائيل مسؤولية التجويع المتعمد.

تسييس فارغ المضمون

هذا التناقض، بحسب الدكتور مهند مصطفى، الخبير في الشأن الإسرائيلي، يندرج في إطار "تسييس أخلاقي مفرغ من المضمون"، إذ يجري تحويل النقاش من مسؤولية الاحتلال إلى ادعاءات بلا أدلة تُوظّف لنزع الشرعية عن الفلسطينيين ومقاومتهم.

إعلان

ما يعزز هذه القراءة هو أن الرواية الأميركية الرسمية لا تزال تعوّل على مؤسسة وحيدة تموّلها واشنطن وتل أبيب في توزيع المساعدات، في وقت تُقصى فيه منظمات الأمم المتحدة والمساعدات الدولية من المسار.

واللافت أن تصريحات ويتكوف لم تُشر من قريب أو بعيد إلى اللقاء بأي جهة فلسطينية، سواء من الأهالي أو مؤسسات المجتمع المدني، وهو ما رأى فيه عفيفة تجسيدا لعقلية استعمارية حديثة تعيد مشهد "الرجل الأبيض الذي يوزع الطعام على الجياع" في إطار من الفوقية والإذلال.

وبينما تنشغل واشنطن بتجميل صورتها من بوابة "إيصال الغذاء"، تبرز أصوات من داخل أميركا وإسرائيل ذاتها تتهم تل أبيب بارتكاب إبادة جماعية، وتصف سياسات التجويع بأنها وصمة عار أخلاقية.

الروائي الإسرائيلي البارز ديفيد غروسمان، الذي فقد نجله في حرب لبنان عام 2006، عبّر عن ذلك بوضوح حين قال إن "ما يجري في غزة لا يمكن لشعب مرّ بالمحرقة أن يقبله"، بينما تظاهر في نيويورك، يهود أميركيون للتنديد بسياسة تجويع الغزيين، مؤكدين أن هذه المجاعة لا يمكن تبريرها باسم اليهودية أو إسرائيل.

هذا التململ في الداخل اليهودي لا يُغيّر كثيرا من المعادلة على الأرض، كما يشير مهند مصطفى، لكنه يسهم في تفكيك الخطاب الذي طالما وظّف معاداة السامية لقمع أي انتقاد لسياسات الاحتلال.

فحين تنتقد أصوات يهودية من الداخل سياسات التجويع والقتل، تفقد إسرائيل تدريجيا القدرة على شيطنة خصومها بوصمهم باللاسامية، وتُدفع نحو مواجهة أسئلة أخلاقية عميقة باتت تتردد في المنابر الدولية.

زيارة لالتقاط الصور

وفي هذا السياق، يرى المستشار السابق للأمن القومي الأميركي مارك فايفل أن زيارة ويتكوف لن تُسفر عن تحول جذري، لأنها افتقرت للخبراء وللخطة الواقعية، مشددا على أن الولايات المتحدة بحاجة إلى فرق متخصصة وليس إلى دبلوماسيين يلتقطون الصور.

فايفل لم يتنكر للرواية الأميركية الإسرائيلية بتحميل حماس المسؤولية عن بعض الحالات، لكنه أكد أن المشكلة الجوهرية هي استمرار المأساة دون مبادرات حقيقية لأجل وقف إطلاق النار أو إنشاء آليات فعالة لإيصال الغذاء والدواء.

تحت هذا الواقع، تظهر المبادرة الأميركية كجزء من "إدارة للأزمة" لا لإنهائها، وهي إدارة تتوازى مع إستراتيجية إسرائيلية تقضي بالإبقاء على الوضع في غزة تحت الحد الأدنى للحياة، عبر تقييد دخول المساعدات وإدامة الفوضى المجتمعية، كما أشار عفيفة.

فالجوع هنا ليس عرضا، بل أداة لإعادة تركيب البنية الاجتماعية، وإنتاج مشهد من الفوضى المنظمة التي تضعف تماسك الفلسطينيين، وتخلق ما سماه بـ"تجار الحرب" و"العصابات"، مما يُحوّل المجاعة من كارثة إنسانية إلى مشروع سياسي كامل.

هذا "المشروع" يرتبط، بحسب تصريحات مشاركين في الحلقة، برؤية إستراتيجية أميركية-إسرائيلية تسعى لتثبيت منطقة عازلة تتحكم بها منظومة أمنية وإنسانية هجينة، لا تخلو من الطابع العسكري، بل تُبنى على تكنولوجيا السيطرة الميدانية من دون احتلال مباشر.

وهو ما عبّر عنه لاحقا مفوض الأونروا فيليب لازاريني حين قال إن الحل الحقيقي ليس في الإسقاط الجوي الباهظ عديم الجدوى، بل في فتح المعابر وإغراق القطاع بالمساعدات، وهو المطلب الذي تتجاهله تل أبيب وتلتف عليه واشنطن بمؤسسات بديلة مشبوهة التمويل والدور.

إعلان

على المدى القصير، لا تبدو إسرائيل مقبلة على مراجعة جذرية، كما يرى مهند مصطفى، حتى في ظل أصوات معارضة داخلية متزايدة، فالمجتمع الإسرائيلي، برأيه، لا يعترف أصلا بشيء اسمه النكبة الفلسطينية ولا بمسؤولياته التاريخية.

لكن على المدى البعيد، فإن إسرائيل والولايات المتحدة معا قد تدفعان ثمنا باهظا في ميزان الشرعية الدولية، بعدما أصبحت سردية الضحية تواجَه بتساؤلات العالم حول من يصنع الجوع، ومن يلتقط الصور فوق الركام، حسب تقديره.

مقالات مشابهة

  • ماذا تعرف عن الاشتراكي الأخير في بكين الذي يحارب الديمقراطية والنسيان؟
  • ماذا تعرف عن اقتصاد النرويج.. أغنى دولة نفطية في أوروبا؟
  • كاش كوش.. حين تعيد العظام المطمورة كتابة تاريخ المغرب القديم
  • تشيلي تسابق الزمن لإنقاذ عالقين داخل أكبر منجم نحاس
  • بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غزة؟
  • «الشارقة الثقافية» ترصد سؤال الهوية في الرواية العربية
  • برلماني: مصر تسابق الزمن لدعم غزة
  • أزمة حادة بين فرنسا والجزائر.. ماذا تعرف عن حرب الحقائب الدبلوماسية؟
  • الترجمة الأدبية.. جسر غزة الإنساني إلى العالم
  • “تريندز” و”إقامة دبي” ينظمان محاضرة بعنوان: “من الملاحظة إلى النشر: رحلة البحث العلمي”