صحيفة البلاد:
2025-06-21@04:56:43 GMT

جمع الطوابع

تاريخ النشر: 20th, November 2024 GMT

جمع الطوابع

يقول الشاعر الإنجليزي جون دون (توفي 1631) في قصيدة شهيرة تحت عنوان: “تشريح العالم” ما يلي:
تدعو الفلسفة الجديدة الجميع نحو الشك.
عنصر النار خامد تماما؛
فُقِدت الشمس والأرض، ولا يستطيع ذكاء أي أحد
أن يرشده للبحث عنها.
لقد انهار كل شيء إلى أشلاء،
ذهب كل الترابط والانسجام.

انتهى كلام الشاعر الذي كان يتحدث عن أوروبا في القرن السابع عشر المليء بالاضطراب والخلافات حيث كان الناس على عتبة نموذج جديد أحدثته العلوم الطبيعية والرياضيات والمعرفة الجديدة التي تكشف عن أن الأرض تدور بحرّية في الفضاء، كما صاحب ذلك، بحسب الناقد والفيلسوف التربوي ويليم دول، أحداثا سياسية واضطرابات وخلافات دينية وفكرية حيث اغتيل هنري الخامس وبدأت حرب الثلاثين عاما، وفي إنجلترا فقد تشارلز الأول عرشه ورأسه.

كان الجميع بحاجة ماسة للثبات الاجتماعي والسياسي والديني، وهذا ما جعل علماء مثل إسحق نيوتن وديكارت يروّجان في تعزيز هذا “الصراع نحو الاستقرار” كما أسماه أحدهم، وهي السمة الرئيسة في عصر الحداثة الذي كان وقتها يتشكّل.

الآن، لا أحد يشك أن العالم قد تجاوز عصر الحداثة وأننا إزاء نموذج جديد بدأ يتشكّل منذ منتصف القرن العشرين ولم يأخذ اسماً واضحاً يمكن تحديد معالمه بدقة، وإنما يمكن وصفه بأنه عصر ما بعد الحداثة فقط. الآن يبدو أنه يطل برأسه وكاشفا عن نفسه أمام الجميع ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا. هذا العصر الذي نعيشه أكثر دراماتيكية من عصر الحداثة الذي استمر زهاء ثلاثة قرون أو تزيد منذ بداية الثورة الصناعية الأولى ويبدو أنه يلفظ أنفاسه الأخيرة مع بداية القرن الواحد والعشرين.

كان لعلم الفيزياء الكلمة العليا في عصر الحداثة ولعل القنبلة النووية التي ألقتها أمريكا على اليابان تمثّل ذروة هذا العصر. لم يقصّر علم الفيزياء في اكتشاف الدمار ووصل به الأمر إلى الوصول إلى أسلحة قادرة على إنهاء حياة البشر على الأرض في حال لو تم استخدام أكثر من 12500 رأس نووي يمتلكها العالم (أمريكا وروسيا يملكان معظمها). لهذا السبب، كانت العبارة التي يردّدها عالم الفيزياء رذرفورد والتي تقول ” كل العلوم إما أن تكون فيزياء أو جمعا للطوابع” تحمل الكثير من التبريرات والتهديدات.

الآن، تغيّر الوضع وأصبح العالم يهتم بنموذج جديد فرض نفسه وهو الاسم الذي كان يبحث عنه عصر ما بعد الحداثة. إنه عصر الذكاء الإصطناعي. ربما الجيل الجديد، أو جيل الذكاءالإصطناعي، لن يفهم مصطلح “جمع الطوابع” الذي تحدّث عنه رذرفورد ولن أقوم بشرحه لهم لأن الأمر يبدو مضحكا لجيل رقمي حياته الافتراضية قضت على حياته الحقيقية.

لدي فضول كبير للذهاب لكليات العلوم في جامعاتنا والمرور على أقسام الفيزياء هناك والتسكّع في ردهاتها وممرّاتها وقاعاتها لمعرفة أعداد الطلاب فيها وفي نفس الوقت تناول القهوة الأمريكية من مقاهي دنكن دونتس التي ربما تكون موجودة فيها كشاهد على العصر، ثم الحديث مع طلّابها وتطّييب خواطرهم والتهوين عليهم. هذه حال الدنيا ولا عزاء لذرفورد.

khaledalawadh @

المصدر: صحيفة البلاد

إقرأ أيضاً:

صمود إيران في مواجهة العدوان.. نهاية العصر الأمريكي

 

في العام 1945م انتهت الحرب العالمية الثانية مؤذنة بنهاية مرحلة من تاريخ العلاقات الدولية وبداية أخرى. لقد شكلت نهاية الحرب انتهاء المرحلة الانتقالية من عالم قديم تهيمن عليه قوى الاستعمار القديم المتمركزة في أوروبا الغربية إلى عالم جديد تهيمن عليه قوتان غير أوروبيتين هما الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.
وكان على هذا العالم الجديد أن يمر بمرحلة انتقالية يستطيع من خلالها أن يحل محل قوى الاستعمار القديم خصوصاً في أفريقيا، فكانت مرحلة التحرر من الاستعمار القديم بالدرجة الأولى في القارة السمراء، وكان مقدرا لمصر في ظل جمال عبدالناصر، أن تلعب دوراً محورياً في تحرير الأقطار العربية وشعوب أفريقيا.
مصر عبدالناصر والعدوان الثلاثي
استشعرت قوى الاستعمار القديم وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا الخطر الذي كانت تمثله مصر في ظل عبدالناصر، فسعتا لاحتوائه عبر محاولة إغوائه للدخول في حلف غربي ضد الاتحاد السوفيتي وهو ما رفضه.
ومن أجل الضغط عليه، قامت بريطانيا والولايات المتحدة بسحب عرض تمويل السد العالي، الذي كان عبدالناصر يريد بناءه ليتمكن من تحقيق تنمية اقتصادية في بلاده الغارقة في الفقر المدقع. ورداً على ذلك، قام عبدالناصر بتأميم قناة السويس، بغية تأمين مصدر التمويل لمشروعه التنموي.
عند التأميم كانت الحسابات العقلانية تفيد باستحالة قيام بريطانيا بعملية عسكرية، لاستحالة تحقيق الهدف من ذلك العدوان، والمتمثل بالسيطرة على قناة السويس. إلا أن شخصية رئيس الوزراء أنتوني ايدن المهزوزة، والتي أدّت فيها مسألة زواجه من سيدة أصغر منه بكثير، دوراً في سعيه لإثبات رجولته، ودوراً في اتخاذه قرارات غير عقلانية، دفعته إلى تفضيل الخيار العسكري. وقد دخلت فرنسا، التي كانت تواجه أزمة عميقة في الجزائر، طرفاً في المؤامرة على مصر، ليتوّج تحالفهما بشراكة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك دافيد بن غوريون، الذي كان يعتبر أنه يمتلك رؤية للشرق الأوسط في ظل هيمنة إسرائيلية.
بناءً على ذلك، اجتمع الأطراف الثلاثة لتوقيع معاهدة سرية في سيفر، لشنّ عدوان على مصر، ولم يكن العدوان يهدف إلى إعادة احتلال القناة، بل كان يهدف إلى التخلص من عبدالناصر، بصفته يجسد خطراً على قوى الاستعمار القديم. بدأ العدوان في الـ29 من أكتوبر 1956م، بقصف شديد على القاهرة والقواعد العسكرية المصرية، أدى إلى دمار كبير للقوة العسكرية المصرية. وتبع ذلك إنزال بريطاني فرنسي في بور سعيد، فشل في الانتقال إلى مدينة السويس، ومنها إلى القاهرة لإسقاط نظام عبدالناصر.
وقد ترافق العدوان مع حملة شنها معظم الأقطار العربية المستقلة آنذاك ضد عبدالناصر، متهمة إياه بالمغامرة وتدمير شعبه، وما إلى ذلك من معزوفة كان لها أن تتكرر مع زعماء آخرين، تجرأوا على تحدي الهيمنة الغربية. لكن عوامل كثيرة أدّت دوراً في فشل العدوان وانتصار مصر، وعلى رأسها دعم الشعب المصري للنظام في مواجهة العدوان.
لكن فشل العدوان كان مسألة حتمية مرتبطة بالتحولات البنيوية في النظام الدولي، والتي كانت تشهد تراجع قوة بريطانيا وفرنسا لمصلحة نظام عالمي جديد، بقيادة قوتين جديدتين هما الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وكان حتمياً فشل العدوان، لأنه كان حتمياً انتهاء عهد الاستعمار القديم وصعود نظام جديد. وبنتيجة النصر الذي حققه عبدالناصر، كان أن تحولت بريطانيا إلى قوة من الدرجة الثانية.
إيران في مواجهة العدوان
تسعة وستون عاماً فصلت بين العدوان الثلاثي والعدوان الحالي الذي تتعرض له إيران اليوم من قبل الغرب، لكن هذه المرة بقيادة الولايات المتحدة و “إسرائيل”، ونجد أوجه شبه كثيرة بين إيران اليوم ومصر الأمس.
ففي مواجهة محاولات الولايات المتحدة فرض أحادية قطبية في العالم بقيادتها، عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، سعت القوى المتضررة من المشروع الأمريكي، وعلى رأسها روسيا والصين، إلى التحالف لضمان مصالحهما وأمنهما. هذا جعلهما تطلقان منظمة شنغهاي للتعاون، لضمان أمنهما القومي في وسط آسيا. وفي العام 2009م جرى إطلاق منظمة بريكس للتعاون بشراكة مع الهند وجنوب أفريقيا والبرازيل، والتي توسعت لتضم عدداً كبيراً من الدول، ولتشكل منصة لعلاقات دولية تواجه الهيمنة الغربية. وبات الحديث يدور عن نهاية عالم قديم تهيمن عليه الولايات المتحدة.
كان الصراع بين هذين القطبين يدور في منطقة الشرق الأوسط، وكانت إيران تشكل القوة الوحيدة التي تواجه الهيمنة الأمريكية في المنطقة. وعلى مدى عقدين من الزمن، رفعت واشنطن شعار احتواء إيران التي تدعم حركات المقاومة في العالم العربي، تماماً كما دعم عبدالناصر حركات التحرر في الوطن العربي وأفريقيا. وكان مشروع الطاقة النووية الذي أطلقته إيران يريد منح الشعب الإيراني سبل التنمية التكنولوجية، تماماً كما كان تأميم قناة السويس يهدف إلى منح الشعب المصري فرص التنمية الاقتصادية.
وقد رفضت إيران الرضوخ للهيمنة الأمريكية في المنطقة تماماً، كما رفضت مصر في ظل عبدالناصر الرضوخ للهيمنة البريطانية في العام 1956م، وإن كان الجدل الذي أثارته بريطانيا والغرب حول قناة السويس بعد تأميمها يهدف إلى تطويع مصر آنذاك، فإن الجدل الذي أثارته الولايات المتحدة ومعها الغرب حول البرنامج النووي الإيراني، كان يهدف إلى تطويع إيران. في هذا الوقت كان القلق يسيطر على الكيان الصهيوني، نتيجة دعم إيران المتواصل لحركات المقاومة، ونتيجة رفض إيران الانصياع للمشروع الأمريكي في المنطقة، والذي كان يضمن لـ”إسرائيل” الدور الريادي في المنطقة. من هنا، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يعتبر أنه يمتلك رؤية للشرق الأوسط في ظل هيمنة تل أبيب، تماماً كما سلفه بن غوريون، انبرى لدفع الولايات المتحدة نحو مغامرة ضرب إيران.
لم يكن نتنياهو يحتاج لكثير من الجهد لإقناع القادة الأمريكيين بشن هجوم على إيران. فالولايات المتحدة تجد نفسها اليوم في وضع مشابه لوضع بريطانيا في الخمسينيات من القرن الماضي، قوة عظمى تتراجع قوتها في ظل صعود قوى أوراسية، تسعى لترسيخ نظام دولي خارج الهيمنة الأمريكية. إضافة إلى ذلك، فإن واشنطن تجد أن الوقت يعمل في غير مصلحتها، وهي تريد فرض أمر واقع في الشرق الأوسط يؤهلها للتموضع في وضع تفضيلي، في مواجهة منافسيها الروس والصينيين. كل هذا ولا تزال إيران ترفض الانصياع للهيمنة الأمريكية، لذا يجب على واشنطن ضربها. وما زاد في الطين بلة، هو تبوؤ دونالد ترامب، ذو الشخصية المهزوزة، السلطة، وهو المسن المتزوج من امرأة أصغر منه، ويريد إثبات شخصيته أمامها، ما جعله كرجل سلطة وقرار، في وضع غير عقلاني عند اتخاذ القرارات السياسية.
كل هذا أسهم في دخول الولايات المتحدة مساراً مع إيران شبيهاً بالمسار الذي دخلته بريطانيا مع عبدالناصر، قبل شنّها العدوان على مصر. فإذا بترامب يوهم الإيرانيين بأنه يريد التفاوض، فيما كان يعد العدة لضرب إيران، تماماً كما كان ايدن يفاوض عبدالناصر فيما كان يعد العدة لضرب مصر.
وإن كان ايدن قد استخدم تأميم قناة السويس ذريعة لضرب مصر بغية إسقاط النظام فيها، فإن ترامب استخدم البرنامج النووي الإيراني ذريعة لتوجيه ضربة لإيران بغية إسقاط النظام فيها، وهذا ما تثبته العملية الأمنية التي استهدفت كبار القادة العسكريين الإيرانيين، ودعوة نتنياهو الشعب الإيراني إلى استغلال الفرصة للثورة على النظام الإيراني. وكما استخدمت “إسرائيل” واجهة لبدء العدوان على مصر في العام 1956م، فإن “إسرائيل” اليوم ما هي إلا واجهة للعدوان على إيران. وقد استغرب المسؤولون الدبلوماسيون كيف يمكن لرئيس الولايات المتحدة أن يكذب، لكن، ألم يستغرب عبدالناصر في العام 1956م كيف كان بإمكان رئيس وزراء بريطانيا أن يكذب؟
لقد كانت الساعات الأولى من العدوان على إيران عصيبة على الشعب الإيراني، وعلى كل من يعارض الهيمنة الأمريكية في المنطقة.
لكن الشعب الإيراني لم ينتفض ضد النظام، بل خرج في الشوارع ليُعلي صوته ضد العدوان. ومع حلول المساء، كانت إيران قد استوعبت الصدمة، لتبدأ الرد على العدوان بقصف الكيان وإسقاط الطائرات الأمريكية الصنع التي بحوزته، في مفاجأة للعالم كله، ما يشير إلى أن العدوان سيفشل في تحقيق أغراضه، وأن صمود إيران سيؤذن بعالم جديد على حساب العالم القديم، لا تعود فيه الولايات المتحدة هي القوة المهيمنة الوحيدة في العالم.
أستاذ تاريخ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

مقالات مشابهة

  • أذكار المساء والتحصين كاملة.. رددها بعد العصر لتحفظك من كل سوء
  • قائمة هدافي كأس العالم للأندية 2025 حتى الآن
  • صمود إيران في مواجهة العدوان.. نهاية العصر الأمريكي
  • علماء يحذرون: تسارع مؤشرات تغير المناخ أصبح يهدد مستقبل الكوكب
  • تعرف على عدد التذاكر التي باعها الفيفا لبطولة كأس العالم للأندية
  • تعرف عليها.. صواريخ إيران التي لم تستخدمها حتى الآن
  • الهلال ضمن أفضل 3 فرق في العالم بعد الجولة الأولى من كأس العالم للأندية!
  • عراقجي: كل العالم يجب أن يعلم أن ايران تدافع عن نفسها
  • باكستان الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك السلاح النووي!
  • ملتقى الإبداع الرقمي الأول يناقش تعزيز قدرات الكوادر لمواكبة تطورات العصر