مطولات شعرية في الوحدة العمانية والتآلف القبلي
تاريخ النشر: 23rd, November 2024 GMT
في ديوان الشعر العماني مطولات شعرية، نظمها الشعراء في استنهاض همم القبيلة، تذكِّرُ بمَحتدِها وأرومتها، جاءت وكأنها رسائل تنشد الوئام، وتدعو إلى الالتفاف في حيزوم الوطن، أو كأنها خنجر يزهو في الخاصرة، وفي هذا المقال أتناول ثلاث قصائد من المطولات في الشعر العماني، كتبها الشعراء في حب الوطن، وهي؛ قصيدة «الفتح والرضوان في السيف والإيمان»، والمشهورة باسم: «النونية»، لأبي مسلم البهلاني (ت: 1920م)، والثانية قصيدة «الوحدة» لأمير البيان الشيخ عبدالله بن علي الخليلي (ت: 2000م)، والأخيرة قصيدة «القلادة»، للشاعر الشيخ هلال بن سالم السيابي ببيانه الشعري الملهم، كتبوا في حب عُمان، من خلال التذكير بالمدينة والقبيلة معًا، واستثارة الهمة والأرومة التي ينشدها الشاعر، هذه القصائد الثلاث أنموذج للمطولات الشعرية التي تنشد الوحدة العمانية وتدعو إليها.
- «الفتح والرضوان» لأبي مسلم: الكتابة عن القصيدة النونية ليس بجديد، ولا يأتي بجديد، فقد كتب عنها الكثير، تحليلا ونقدًا، وشدت بها الحناجر منذ أن خطها المؤلف في منفاه الأخضر بزنجبار عام 1332هجرية، وقد أوتي الشيخ أبو مسلم في هذه القصيدة وديوانه أيضًا حظًا من الشهرة والتوفيق، ومحبة الناس التي لا توصف، حتى أصبحت فاكهة المجالس، ومهوى أفئدة الحفاظ، والنغم الشعري الذي يسيل من الحناجر شدْوًا، وهناك أسباب كثيرة حفزت هذا الشعور، فالشاعر أبو مسلم عاش حياته مغتربًا في زنجبار، وقد أبدع في وصف الحنين إلى الوطن، ورسم حرائق أشواقه بقلم شاعر فنان مطبوع، والقارئ للقصيدة لا يتمالك إلا أن ينفعل بتلك الشحنة الشعرية الهائلة من الحنين والبكاء على الوطن البعيد، منذ البيت الأول: «تلك البوارق» المؤتلقة في سماء المخيلة، فما لطرفك يا ذا الشجو وسنان!.
الحنين إلى أماكن الطفولة، ووصف الجبال المطلة برؤوسها وكأنها منحوتات بديعة، والعيون الدافقة بالحياة، ووصف لواعج الأشواق ومحبة الوطن البعيد، ومرابع الطفولة التي تسكن البال، وذكرى الأحبة الذين فارقهم الشاعر في منبت مرعاه الطفولي الأخضر، تحتشد كلها في الأبيات الأولى، فيبدع الشاعر أكثر في رسم صور الشوق إلى منابع الطفولة، وساحات الصبا، والمعاهد التي كان يتعهدها ويعهدها، لأنها ما تزال تسكن وجدانه ويسأل عن ذرى الجبال السامقة: (وهل ذُرَى القَفْص فالمِقرَاة مُعشِبَة)؟. قبل أيام ذهبت إلى زيارة الشيخ موسى بن سالم الرواحي، وفي الطريق إلى قرية «السيح» بوادي بني رواحة، حيث يسكن الشاعر الشيخ، تذكرت المعاهد التي بكاها أبو مسلم في نونيته، فهذه الجبال التي تكحل عيني قممها، كانت يومًا تلهب ذكراها وجدان الشاعر أبو مسلم وهو في زنجبار، وتذكرت طفولته في هذه الأنحاء الخضراء، والذرى المعشبة، وعانقت ذرى «القفص» و«المقراة»، وكأن الشاعر ينشد قصيدته، ويزرعها نغما شجيًا في خيالي. يا لأبي مسلم في وصفه الرائق لهذه الأمكنة الدافئة، يا لها من أشواق وهي تتصبب من خياله كالمطر المنهمر، تشعل جمرتها البوارق، وتسيل بهزيم الودق، بين الآكام العالية والقيعان السحيقة، فترفق يا برق بجفن الشاعر، وحسبك أنه ما في الأرض ظمآن، ويبخل بدمعه حتى لا يسيل على أرض ليست له وطنا.
وبعد تلك الأنواء الشعرية التي أبدع الشاعر وصفها في 38 بيتًا، يأتي إلى ناقل العيس من عليا بدية، حيث اليحمد الحائزون المجد، مخلفا وراءه عز والمضيرب والدريز والقابل، وإبرا العلاية والسفالة، وسمد والأخشبة والخضراء، ووادي حلفين وجرنان إزكي، ثم مباشرة إلى الجوف العماني، بدءًا بقرية «فرْق»، الثغر الباسم في وجه «نزوى»، ليعانق فيها هضبات «الحوراء» الشاخصة، والحاضنة للسحب، هناك حيث نزوى الميمونة، التي (رَسَتْ بها هَضْبَةُ الإسلامِ مِنْ حِقَبٍ)، و(قامَتْ بها قبةُ الإسلامِ شامِخةً).
ونأتي إلى لب قصدنا من القصيدة، وهو استنهاضه العجيب للقبائل العُمانية، بتذكيرها بأمجادها، بدءًا بذئاب الدوِّ بني تمام ومن ربته جعلان، والجنيبيون سعد العشيرة، وراسب سيف الأزد، وأهل الذمار الهشم، والحرث الكرام، والمساكرة الصيد الغطارف، والحبسيون، إلى بقية القبائل التي أبدع في استنهاض نخوتها، فقد كان الوطن الوَحْي الأول في قلب الشاعر، والوحدة بين القبائل رسالته الأهم، ناصحًا بحرارة المحبة، ومختتمًا قصيدته المهلمة بهذا البيت: (فإنْ تَمَكَّنَ نُصْحِي مِنْ بَصائِرِكُمْ .. بَدَا لكُمْ مِنْ ضِياءِ الحَقِّ فُرْقانُ).
– «الوحدة» لعبدالله الخليلي: قصيدة ميمية، تناولت الوحدة بين القبائل من أجل الوطن، نُشِرَت القصيدة في ديوان «من نافذة الحياة»، ضمن «الموسوعة الشعرية لأمير البيان»، الصادرة بتحقيق الأستاذ سعيد بن سالم النعماني، عام 2018م، يقول المحقق في سياق تقديمه للقصيدة: (إنَّ الشاعر يُعوِّل أكثر على جامعة الوطن، ورآها أوثق عرى الائتلاف، في سياق الغاية التوحيدية، التي أقام قصيدته على أساسها)، يبدأ في مطلعها بذكر «أَدَم»، كونها المنشأ الأول للإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي: (يا سَاهِرَ البَرْقِ بالعَليَاءِ مْنْ أَدَمِ .. حُيِّيْتَ حَيِّ مَغانيها بمُنْسَجِمِ/ وَحَيِّ نَزْوَى بأنْوَاءٍ مُبارَكَةٍ .. تَهْمِي عَليْها بمُنْهَلٍ مِنَ النِّعَمِ/ واطْوِ الصَّحَارِيَ فالعَليَاءُ مُصْحِرَةٌ .. عَنْ رَأيِها وَصُحُارٌ مُلتَقَى الدِّيَمِ/ واسْقُطْ سُقُوطَ النَّدَى تَسْقِي بمَسْقَطَ مِنْ .. أفيَائِها عامِرًا بالعَالَمِ الفَهِمِ) الخ.
ولا يُخفِي الشاعر تأثره بنونية أبي مسلم، لا من حيث نظمه لمفتتح قصيدة تبلغ 60 بيتًا، يحاكي فيها القصيدة النونية، مبنى ومعنى ووزنا وقافية: (اللهُ يَحْكُمُ والأكوَانُ أعْيَانُ .. والنَّصْرُ يَبْرُقُ والصِّمْصامُ ظمْآنُ)، ولا من حيث محاكاته لمطلع قصيدة أبي مسلم: (تلكَ البَوَارِقُ حَادِيهِنَّ مِرْنانُ)، فيكتب الخليلي ألفية جديدة يسميها «وحدة الشعب»، أو «ملحمة القبائل»: (يا سَاهِرَ البَرْقِ بالعَلياءِ مِنْ أَدَمِ).
يقول الشاعر في ميمية الوحدة: (يا إخوتي بعُمانَ الأمِّ تَذكِرَةً .. فإنما نَحنُ والذِّكرَى بَنُو رَحِمِ/ قدْ عاشَ آباؤُنا يَرْوُونَها غَدَقًا .. بكَوْثَرِ الحُبِّ فاخْضَلَّتْ برَيِّهِمِ/ وها أنا الآنَ أسْقيها بنَبْعِكِمُ .. نَبْعِ الأخُوَّةِ في فيَّاضَةِ الشَّبِمِ) الخ.
- «القلادة» لهلال بن سالم السيابي: في نظمه لقصيدة القلادة، استفاد الشاعر من تجربة أبي مسلم في نونيته، فقد كتبها على ذات الوزن والقافية، وغذَّاها بعذب بيانه الشعري، جامعًا بين ذكر المدن العمانية والقبائل التي تسكنها، مفتتحا بهذا المطلع: (يا شَادِيَ الأيْكِ لا رَنْدٌ وَلا بَانُ .. نَبَا المَكانُ وَعَزَّ اليومَ إمْكانُ/ قدْ بَارَحَتْهُ يَدُ الوَسْمِيِّ مُبْكِرَةً .. وَبَانَ مِنْ أيْكِهِ النَّسْرينُ والبَانُ)، وكأنه في مطالع قصيدته يترسم ذات الخطى والمسلك الذي نهجه أبو مسلم، فهي على غرارها، وصدرت مطبوعة لأول مرة في بيروت عام 2004م، ثم ضمَّنها ديوانه الجامع، الصادر بعنوان: «أصداء من وادي عبقر».
القصيدة سخية بمعانيها البلاغية، فالشاعر هلال السيابي أستاذ في هذا الجانب، وأجاد في ربطه ببعض الأساليب البيانية بقصيدة أبي مسلم، حتى أنه ضمَّن بعضًا من أشطرها، وهي قليل قياسًا بقصيدته الجامعة هذه، وأحيانا يغترف من مفردات أبي مسلم، ما يتجانس مع قصيدته، ثم بعد بكاء على الأطلال، والتذكير بالمُدُن التي تسكن القلب، يبدأ بـ«مسقط»، وما حولها من مدن، يقول: (فانزِلْ على بَرَكاتِ اللهِ مَسْقطَ .. دَارُ العِزِّ والشُّهْمِ لا هانَتْ ولا هَانُوا .. فثَمَّ للمَجْدِ رَاياتٌ مُظفَّرَةٌ .. وَثمَّ للمَجْدِ أطوَادٌ وأرْكانُ)، ذاكرًا القبائل التي تسكنها: (سَمَتْ بآل سَعِيدٍ عِزَّة وَعُلًا .. كما سَمَتْ بهمُ في الفَخْرِ قحْطانُ)، و(حَيِّ آلَ وهيبٍ في جَوانِبِها)، وَحَيِّ عني عواليها بنِي حَسَنٍ)، معدِّدًا مناقب كل قبيلة في كل مدينة يسلكها الشاعر، ثم يتجه إلى مدن الداخل العماني، ثم إلى الظاهرة، ثم إلى البريمي ومسندم، ويعود إلى الباطنة، والرُّستاق، بمن يسكنها من القبائل، ويحث السير نحو الشرق العماني، إلى سَمد والمضيبي، ورواشد سناو وبراشدهم، ويقف عند إبراء، وينزل في دَما، وينزل على آل حِجْر في بديَّة، وراسب جعلان، ثم إلى صور حيث الجنيبيون، ويحيِّي قلهات، والشعيبيين، ويسافر إلى ظفار حيث المعاشن وآل كثير، والمهرة ثم يعود إلى سمائل، مخاطبا أباه، ليحاور معه سمائل، نبع الطفولة ومنابت الشعراء، أو كما يقول: (ولِي بسَاحَاتِها عَهْدٌ ومُرْتبَعٌ .. ولِي برَوْضَاتِها رَوْحٌ وَرَيْحَانُ).
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: أبو مسلم مسلم فی بن سالم
إقرأ أيضاً:
الشاعر السوداني أزهري محمد علي يشارك في لجنة تحكيم مهرجان الأغنية العربية
شارك الأستاذ ازهري محمد علي في لجنة تحكيم مهرجان الأغنية العربية، الذي أقيم في تونس في يوليو من هذا العام. واختير ازهري من قبل اتحاد الإذاعات العربية للمشاركة في لجنة التحكيم، التي ضمت عددًا من الشخصيات الفنية البارزة من مختلف الدول العربية.
تونس: التغيير
تألفت لجنة التحكيم من عدد من الفنانين والشخصيات الفنية البارزة، وهم: الفنان المصري محمد الحلو، الفنان التونسي شكري الحنوشي، الفنانة المغربية سميرة القادري، الشاعرة الكويتية دلال عبدالعزيز، والشاعر أزهري محمد علي من السودان.
وتمت عملية التحكيم في الفترة من 27 مايو إلى 30 مايو في تونس، حيث قامت اللجنة باختيار الأغاني الفائزة في المهرجان.
عبر ازهري عن سعادته بالمشاركة في لجنة التحكيم، مؤكدًا على شكره وتقديره لاتحاد الإذاعات العربية على الدعوة الكريمة والاختيار. كما أعرب عن سعادته بالرفقة مع الأعضاء الآخرين في اللجنة، الذين يمثلون مختلف الدول العربية.
حزن على غياب صوت السودانفي الوقت نفسه، أعرب ازهري محمد علي عن حزنه على غياب صوت السودان وعدم المشاركة في المنافسة، بسبب الظروف الحالية في البلاد. وتمنى ازهري أن تنتهي الحرب وتعود الحياة إلى طبيعتها في السودان.
و قدم ازهري شكره وتقديره لاتحاد الإذاعات العربية على الحفاوة وحسن الضيافة والتكريم، كما قدم شكره لتونس الخضراء على استضافة المهرجان.
وأعلن اتحاد إذاعات الدول والعربية الثلاثاء عن تتويج الأردن وسلطنة عمان ومصر بجوائز الدورة 15 من المسابقة العربية للموسيقى والغناء، التي يُنظمها الاتحاد مرة كل سنتين. وشهدت هذه المسابقة مشاركة واسعة من الهيئات الإذاعية العربية، بما في ذلك إذاعات عامة وخاصة، حيث بلغ عدد الأغاني المشاركة 11 عملاً غنائيًا و8 مقطوعات موسيقية من عدة دول عربية.
موضوع المسابقةنُظمت الدورة الحالية تحت عنوان يحمل طابعًا وجدانيا عميقًا، حيث اختير موضوع “الوطنية” ليكون محور الأعمال الغنائية المشاركة، بتوزيع أوركسترالي يتوافق مع جمالية اللحن وعمق المعنى. وأكد الاتحاد أن اللجنة المنظمة اشترطت أن تعبر الأغاني عن معاني الانتماء والتضحية والفداء، وأن تُقدم بلغة مفهومة تعلي من القيم الوطنية الجامعة.
واشترطت اللجنة أيضًا في تقديم المقطوعات الموسيقية أن تكون مؤلفة وفق المقامات العربية وتقديمها في توزيع أوركسترالي كامل. وأشار الاتحاد إلى أن الأعمال المقدمة تنوعت في الأسلوب والطرح، لكنها التقت جميعًا حول جوهر واحد هو حب الوطن والاعتزاز بالهوية العربية.
أسندت الجائزة الأولى إلى الفنان الأردني نبيل سمور عن أغنية “كأن الدار ترثيني نوافذها”، فيما حصل على الجائزة الثانية الفنان العماني عبد الحميد الكيومي عن أغنية “موطن الجلال”، وذهبت الجائزة الثالثة إلى الفنان المصري إيهاب عبد السلام عن أغنية “موسيقى النضال”.
تتويج الفائزينسيتم تتويج أصحاب الجائزة الأولى في مسابقة الأغنية ومسابقة المقطوعة ضمن فعاليات الدورة 25 للمهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون، المزمع عقده في الفترة من 23 إلى 26 يونيو الجاري في تونس. كما ستقوم الإدارة العامة للاتحاد ببث جميع الأعمال المشاركة عبر منصات التبادل الإذاعي، إلى جانب تخصيص رابط خاص على موقع الاتحاد الإلكتروني لعرض هذه الأعمال أمام جمهور أوسع من المهنيين والمهتمين.
الوسومالأغنية العربية الشاعر أزهري محمد علي