حق النقض "الفيتو" الذي تستخدمه الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن أصبح سيفًا مصلتًا على رقاب المجتمع الدولي، لِمَ لا وأمريكا دون غيرها من الدول الأعضاء الدائمين وهم: فرنسا، روسيا، الصين والمملكة المتحدة تستخدمه بظلم كبير، وبما يخدم مصالحها ضد دول العالم، وبخاصة الدول التي تتعرض للظلم من جانب بعض الدول المعتدية التي تستعمر الدول، وتنتهك حقوقها، وبما يخالف القيم الشرعية والأعراف الإنسانية.
إن هذا الفيتو اللعين ظلت أمريكا ومنذ عام ١٩٧٠ تستخدمه ضد الشعب الفلسطيني لصالح إسرائيل، فقد استخدمته تسع وأربعين مرة ضد القرارات التي قدمتها الدول لمجلس الأمن، والمتعلقة بإدانة دولة الاحتلال الغاشم، ما أدى إلى ظلم الشعب الفلسطيني، وانتهاك حقوقه المشروعة، وقتل وتهجير أبنائه بوحشية لم يشهدها العالم من قبل، وآخر تلك القرارات هو وقوف أمريكا بالمرصاد في مجلس الأمن في وجه مشروع القرار الذي قدمته الدول الأعضاء الدائمة وغير الدائمة، والمتعلق بوقف الحرب الإسرائيلية والإبادة الجماعية في قطاع غزة، مقابل تأييد ١٤ دولة من دول مجلس الأمن البالغ عددها ١٥ دولة، لتصبح أمريكا، وكعادتها هي الدولة المتلاعبة بالفيتو وفقاً لمصالحها، وبما يخدم إسرائيل، ويوافق ضمنًا على ترك إسرائيل لتفعل كل ما هو خارج عن القيم، وبما يتناقض مع إرادة المجتمع الدولي، هذا المجتمع الذي أصبح عاجزاً عن فعل شيء أمام الفيتو الأمريكي اللعين الذي يخالف قيم العالم، ودون معاقبة إسرائيل، وجرائمها غير المسبوقة ضد الفلسطينيين أصحاب الأرض.
لقد آن الأوان لشعوب العالم أجمع أن تقف معًا لتعمل بجدية من أجل تغيير منظومة مجلس الأمن الجائرة، ومنها سحب خاصية الفيتو الذي تتمتع به الدول الخمس الدائمين بالمجلس، بل وبالعمل على تغيير قواعد اللعبة لجعل مجلس الأمن أداة فاعلة، وخيرة في كل بلدان العالم، ومنع هؤلاء الذين يظلمون، ويتجبرون ضد الدول الضعيفة والمسلوب حقها، ورغم ذلك يزعمون ويروجون للعالم بأنهم وحدهم المدافعون عن الحرية وحقوق الإنسان، ومن ذلك أن أمريكا وقفت بالمرصاد- وكعادتها، وكما قال السفير الروسي في مجلس الأمن "فاسيلي نيبينزيا"- تجاه القرار المنصف الذي صوتت لصالحه ١٤ دولة، وبما يؤكد أن أمريكا قد وقفت ساخرة، ومتهكمة وظالمة في طريق القرار الذي كان يمكن في حالة الموافقة عليه أن ينقذ الأرواح البريئة في أسوأ أزمة إنسانية شهدها العالم، وأضاف فاسيلي بأن أمريكا هي المسئول عن قتل أكثر من أربعة وأربعين ألف فلسطيني، وغالبيتهم من النساء والأطفال، متهمًا أمريكا ومناديبها في مجلس الأمن بالنفاق والسخرية والعمل دائماً وفقاً لمصالحها الظالمة بعيداً عن تأييدها للحق والشرعية في غالبية الصراعات الدولية، إن هذا الفيتو الجائر الذي تستخدمه أمريكا ظل دائماً يقف إلى جانب إسرائيل، متجاهلاً الحق الفلسطيني، والحق الإنساني، والتسبب في إحباط كل القرارات الدولية التي انحازت للحق الفلسطيني، والتي كانت تحلم بإقامة دولته وإنصاف شعبه، وحماية أبنائه من القتل والتهجير والتجويع وسط هذا العالم الذي لم يعد يملك غير النقد والشجب لكل الكوارث التي تحدق بفلسطين، وغيرها من دول العالم، وهو الأمر البالغ الخطورة الذي يمكن أن يدفع العالم للاتحاد معًا لتحمل مسئولياته، وإحقاق العدل والقيم في بقاع الأرض.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: مجلس الأمن
إقرأ أيضاً:
المنقذ الذي لا يأتي.. هل ما زلنا ننتظر المبعوث الأمريكي في صورة المهدي المنتظر؟
من غزة حتى صنعاء… متى نكفّ عن انتظار الحلول القادمة من وراء البحار؟
في كل أزمة تهز منطقتنا، يطلّ علينا طيف بعيد من وراء المحيط، نُخيّل أنه يحمل المفتاح، بينما يحمل في يده الأخرى دفتر شروطه.
ومع ذلك، ما زال بيننا من يراه خلاصًا لا مفر منه، حتى بعد أن خبرنا ثمن تلك الأبواب التي تُفتح بمفاتيح الغرباء. حين قال الرئيس السادات ذات يوم إن «أوراق اللعبة في الشرق الأوسط 99% منها في يد الأمريكان»، كان العالم يعيش بين قطبين عظيمين في ذروة الحرب الباردة، وكانت واشنطن وموسكو تتقاسمان النفوذ وتتنازعان الخرائط. أما اليوم، وقد انفرد القطب الأمريكي بالقرار لعقود، نجد أنفسنا نتساءل: هل تحولت هذه المقولة إلى عقيدة سياسية في عقول قادتنا ونخبنا؟ وهل أصبحنا، عن وعي أو عن وهم، ننتظر المبعوث الأمريكي في صورة المهدي المنتظر، ليحمل الحل السحري لكل قضايا أوطاننا؟
في خرائط هذا الشرق الممزق، هناك دائمًا قارب بعيد يلوّح من خلف الضباب، يقال إنه يحمل الخلاص. قارب لا يصل أبدًا، لكنه يظل حيًا في خيال المنتظرين، كما لو أن البحر صُمّم لابتلاع الأمل قبل أن يلمس الشاطئ. في غزة، السماء ملبدة بالدخان، والبحر محاصر، والناس يلتفتون إلى الأفق، يراقبون الأشرعة التي لن ترسو، والواقع أن أي ضغط أمريكي في هذه اللحظة، كما في لحظات سابقة، لم يخرج عن حسابات ضمان أمن إسرائيل، لا عن حماية المدنيين.
في سوريا، صارت المدن أنقاضًا، وأزقتها قصائد مكسورة تبحث عمّن يعيد إليها نبضها، لكن من وراء البحار لا يسمعون إلا صدى مصالحهم، فتوزعت الأرض بين قواعد عسكرية ونفوذ إقليمي، وغابت الحلول السورية الخالصة. لبنان يقف كطائر على سلك كهربائي، بين سقوطين، وكل يد ممدودة من الخارج تحمل في كفها الأخرى خيطًا يشدّ البلد نحو حيث تشاء، والتدخلات الدولية في شؤونه لا تأتي إلا ضمن توازنات إقليمية، غالبًا لصالح قوى أخرى لا لصالح اللبنانيين.
ليبيا صارت صحراء واسعة تتقاطع فيها قوافل الغرباء، كلّ منهم يرسم خطًا جديدًا على رمالها المتحركة، والأمريكي، كغيره، حضر في لحظة إسقاط النظام، ثم ترك الفوضى تتناسل في فراغ السلطة. في السودان، الحرب مثل نهر جارف يلتهم القرى، وصوت البعض يعلو طالبًا من البعيد أن يقيم السدّ، غير مدرك أن الذي يشيّد السدّ يملك مفاتيح مياهه إلى الأبد، فالتدخل الخارجي هنا يعني إعادة رسم الخرائط، لا وقف النزيف.
أما العراق، فقد عرف القارب الأمريكي من قبل، جاء بأعلام الحرية، ثم ترك الميناء مثقلًا بالخراب، وبنية الدولة مفككة، والمجتمع مشرذم بين ولاءات متناحرة. واليمن، آخر خرائط الصراع، ظلّت موانئه تحت أعين الغريب، لا تُفتح أبوابها إلا بميزان مصالح لا يعرف الجياع ولا العطشى، وتحولت الحرب فيه إلى ملف إقليمي ودولي أكثر منها قضية وطنية.
كل هذه الأرض، من المتوسط حتى باب المندب، تعرف الحقيقة البسيطة: أن الخلاص لا يأتي محمولًا على متن سفن غريبة، وأن المنقذ الذي يأتي من وراء البحار، إن جاء، يزرع على الشاطئ قيوده قبل أن يزرع أشجار السلام. الجغرافيا تقول بوضوح: الخلاص يصنعه أهل الأرض، ومن يسلم مفاتيح مستقبله للغريب، يمنحه حق إعادة كتابة تاريخه على هواه. والحقيقة المُرة أن من ينتظر خلاصه من الآخر، سيجد نفسه رهينةً لشروطه، وأن من يسلّم قراره طوعًا، لا يملك أن يشكو من ثمن الفاتورة. فالأوطان لا تُبنى بالانتظار، ولا تتحرر بالرهان على يدٍ غريبة، بل بوعي شعوبها وإرادتها في الفعل لا في الترقب.
«المنقذ لا يطرق الأبواب… وحدهم أصحاب الأرض يصنعون الفجر»
اقرأ أيضاًالمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف يصل موسكو لإجراء مباحثات مع المسؤولين الروس
«المبعوث الأمريكي»: إسرائيل وافقت على اقتراحي بشأن صفقة تبادل أسرى ووقف إطلاق نار في غزة
المبعوث الأمريكي للسودان يطالب العالم بزيادة المساعدات الإنسانية للخرطوم