التعليم رافعة الاقتصاد والتنمية
تاريخ النشر: 28th, November 2024 GMT
د. عمر محجوب محمد الحسين
يعتبر التعليم استثمارا في رأس المال البشري لأنه ينقل المعرفة والمهارات إلى الناس، وتهيئتهم لفرص العمل واحداث التغيير الإيجابي في مجتمعاتهم، ومن المتوقع أن يسفر هذا الاستثمار عن نتائج من شأنها أن تسهم في تحسين الاقتصاد والتنمية، وتؤكد كثير من الأبحاث أن زيادة الاستثمار في التعليم تؤدي إلى زيادة النمو الاقتصادي، ويشمل ذلك زيادة رواتب الأفراد، وزيادة فعالية القوى العاملة، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي.
إن التعليم ينبغي أن يستند على عملية تعلمية ناجعة تشتمل على معلم يتميز بالكفاءة، ومناهج أعدها أفضل المختصون والاستثمار في المناهج القائمة على الكفاءة، وبيئة تعلمية تتوفر فيها كل سبل التعلم وتوسيع نطاق الوصول إلى التكنولوجيا. خلال القرن العشرين، أصبح التعليم والمهارات وتأمين المعلومات عوامل حاسمة في تحديد كفاءة الفرد والشعوب، ويمكننا أن نطلق على القرن العشرين عصر رأس المال البشري بمعنى أن العامل الأساسي الذي يحدد مستوى معيشة أي دولة هو مدى نجاحها في خلق واستخدام المهارات والمعلومات، وتعزيز الرفاهية، وتعليم غالبية مواطنيها، خاصة وأنه مع اتساع المعرفة والدعوة إلى ما يعرف بالتربية الحديثة التي تُعنى بتهيئة الظروف من التعليم لتنمية الفرد، واعداد المتعلم القادر على التفاعل مع تطور العصر، واحداث التغيير الايجابي من خلال التفكير والاسهام في الابتكار والابداع وريادة الأعمال.
لا شك أن التعليم وحده لا يكفي لإحداث تحول ايجابي في الاقتصاد والتنمية، ذلك أن كمية ونوعية الاستثمار المحلي والأجنبي، إلى جانب سلامة البيئة السياسية والتشريعية، تشكل العوامل الأخرى المهمة التي تحدد كفاءة الأداء الاقتصادي، بالإضافة إلى أن مستوى التنمية البشرية يتأثر بمستوى تعليم كل من صناع السياسات والمديرين؛ فضلاً عن ذلك فإن حجم الاستثمار المحلي والأجنبي من المرجح أن يكون أكبر حجما عندما يكون المتوفر من رأس البشري يتميز بالتعليم والكفاءة، ومن المؤكد أن جودة صنع السياسات وقرارات الاستثمار يعتمد على رأس المال البشري.
تؤكد كثير من الأبحاث أن زيادة الاستثمار في التعليم تؤدي إلى زيادة النمو الاقتصادي، لذلك التخطيط للتنمية الاقتصادية يجب أن يشمل التخطيط لإعداد القوى البشرية وتدريبها وتأهيلها وفقا لمتطلبات سوق العمل وعمليات التنمية وأهدافها، ونسبة الأمية (الموائمة بين مخرجات العملية التعليمية ومتطلبات الاقتصاد الوطني). العلاقة بين التعليم والنمو الاقتصادي واضحة في الدول التي تتمتع باقتصادات قوية، على سبيل المثال من خلال دراسة أجريت في الولايات المتحدة الامريكية للفترة 1909م- 1957م، وجد أن 10% من النمو الاقتصادي للمدة 1909م-1929م يرجع للتحسن في مستوى التعليم، وأن نحو 21% من النمو الذي حدث في الفترة 1929م-1957م يرجع إلى تأثير التعليم أيضا. ووفقًا لتقرير لمعهد XQ الامريكى فإن زيادة التحصيل الطلابي بمرور الوقت ستضيف 70 تريليون دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي، والناتج المحلي الإجمالي يتكامل مع جميع المتغيرات التعليمية، مما يؤكد هذه العلاقة الإيجابية، وأن زيادة معدلات التخرج من المدارس الثانوية من شأنها أن تؤدي إلى زيادات كبيرة في الوظائف الجديدة، الناتج المحلي الإجمالي، الأرباح السنوية، الإنفاق السنوي، الإيرادات الضريبية.
لقد كشفت دراسة أجرتها وكالة (The Learning Agency)الامريكية عن العلاقة بين التعليم والنمو الاقتصادي، جاء فيها التأثير الاقتصادي ليس فقط على معدلات التخرج من المدارس الثانوية، بل على مستوى مهارة الخريجين، وأظهرت النتائج التي توصلت إليها أن الزيادة في مهارات الرياضيات والقراءة والكتابة ترتبط بزيادات كبيرة في الرواتب -علاوة على ذلك- فإن هؤلاء العمال ذوي المهارات العالية أكثر فعالية في وظائفهم وأعمالهم مما يؤدي إلى زيادة الإبداع والإنتاجية، ويعود بالنفع على الاقتصاد ككل، إن الارتباط الإيجابي بين التعليم والنمو الاقتصادي يتخطى ما هو أبعد من المدرسة الثانوية ويمتد إلى نتائج ما بعد المرحلة الثانوية، توضح دراستان أجراهما (Brookings Institute ) هذه العلاقة؛ أولاً، تعد الدرجة الجامعية في أي تخصص أمرًا بالغ الأهمية لزيادة إمكانات الشخص في الكسب، ثانيًا، لا تقتصر المكاسب الاقتصادية للتعليم ما بعد الثانوي على الأفراد. وجد المعهد أن حامل درجة البكالوريوس في المتوسط يساهم بحوالي 278,000 دولار في الاقتصادات المحلية أكثر من خريج المدرسة الثانوية من خلال الإنفاق المباشر على مدار حياتهم، ويساهم حامل درجة الزمالة بمبلغ 81,000 دولار أكثر من خريج المدرسة الثانوية؛ وأظهرت هذه الدراسات مجتمعة التأثير الإيجابي القوي للتعليم على النمو الاقتصادي، كما أشارت إلى ثلاث مجالات محددة لكيفية تأثير التعليم الثانوي على الاقتصاد على وجه الخصوص. ويحدث النمو الاقتصادي عندما تكون معدلات التخرج من المدرسة الثانوية مرتفعة، وعنما يمتلك خريجو المدارس الثانوية مهارات تؤهلهم للعمل، وعندما يواصل خريجو المدارس الثانوية إكمال تعليمهم بعد المرحلة الثانوية، حيث يُعرَّف التعليم العالي على نطاق واسع بأنه أحد المحركات الرئيسة لأداء النمو والازدهار والقدرة التنافسية.
إن التعليم لا غنى عنه للتنمية الاقتصادية، ولا يمكن تحقيق أي تنمية اقتصادية دون تعليم جيد. ولتحسين جودة التعليم ينبغي زيادة مستوى وفعالية المدخلات التعليمية، من خلال الصرف على التعليم من ناحية تجهيز المدارس والجامعات والمعاهد، ومن ناحية أجور المعلمين والاداريين وتأهيلهم. كما يجب تفعيل على اقتصاد التعليم الذي يختص بحساب تكاليف التعليم وحساب الوحدة التعليمية، وتمويل التعليم وتوزيع اعبائه من خلال تحديد مردود التعليم على الفرد وعلى اقتصادنا الوطني. ويهتم اقتصاد التعليم بدراسة العائدات الاقتصادية التي تشمل زيادة الدخل القومي والفردي، والعائدات المرتبطة بالتعليم والناتجة عنه.
إن الاقتصادات التي تتمتع بأعداد كبيرة من العمالة الموهوبة، والتي يتم الوصول اليها من خلال التعليم الرسمي والتدريب المهني المستدام، قادرة على الاستفادة من هذه القوى البشرية من خلال تطوير المزيد من الأعمال ذا ت القيمة المضافة، مثل التصنيع عالي التقنية. ويتعين على الحكومة أن تضمن من خلال التشريعات وبرامج التوظيف حصول جميع المواطنين على التعليم والتدريب اللازمين لرفع مستوى المتخصصين والشركات والاقتصاد بأكمله، ويجب على المؤسسات المالية والشركات تطوير هيكل ائتماني يخصص للطلاب. إن التعليم بكل معنى الكلمة هو أحد العوامل الأساسية للتنمية. ولا يمكن لأي دولة أن تحقق التنمية الاقتصادية المستدامة دون استثمار كبير في رأس المال البشري. إن التحول للاستثمار في التعليم وتحويله إلى نتائج ليس بالعملية والمهمة السهلة، لكن الأمر يستحق العناء من أجل جيل المستقبل في بلادنا.
مر محجوب محمد الحسين
omarmahjoub@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: المدارس الثانویة المدرسة الثانویة رأس المال البشری النمو الاقتصادی المحلی الإجمالی الاستثمار فی من خلال
إقرأ أيضاً:
محافظ أسوان: المجلس الاقتصادي الاجتماعي يدعم الاستثمار ويوفر فرص عمل مستدامة لأبناء المحافظة
ترأس اللواء دكتور إسماعيل كمال، محافظ أسوان، الاجتماع الأول للمجلس الاقتصادي الاجتماعي بعد إعادة تشكيله، بهدف دعم استراتيجية التنمية الاقتصادية المحلية وتحقيق رؤية مصر 2030، وذلك من خلال تحليل القطاعات ذات الميزة التنافسية، والترويج للفرص الاستثمارية الواعدة داخل المحافظة.
وأكد المحافظ أن المجلس يستهدف بشكل رئيسي دعم الاستثمار والمستثمرين، ووضع أسوان على خريطة مصر الاقتصادية، باعتبارها محافظة غنية بالمقومات والإمكانات التي تؤهلها لتحقيق طفرة تنموية شاملة.
وأشار إلى أن المجلس يضم ممثلين عن الكيانات التنفيذية والجامعية والأكاديمية والاستثمارية والمجتمعية، ويعمل على صياغة سياسات تشغيل فعالة، وتحسين ظروف العمالة، وخلق فرص عمل محلية مستدامة.
وشدد اللواء إسماعيل كمال على أهمية التنسيق بين اللجان الفنية داخل المجلس، والتي تم إعداد تصور مبدئي لمهامها لتباشر أعمالها فورًا، مؤكداً أن الاجتماعات ستُعقد بشكل ربع سنوي لعرض المقترحات والإنجازات ومناقشة التحديات.
واختتم المحافظ بالإشارة إلى أن توصيات المجلس وما يتم تحقيقه من نتائج سيتم تضمينها ضمن الخطة الاستراتيجية للمحافظة، ورفعها إلى دولة رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، بما يساهم في دفع عجلة الاستثمار، وإزالة العقبات أمام المشروعات، وتحقيق أثر إيجابي مباشر على المواطنين.