الهُدنة والسلام المفقود
تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT
◄ المقاومة اللُبنانية انتصرت على الاحتلال رغم الاغتيالات والعدوان الوحشي
◄ إسرائيل فشلت في القضاء على "حزب الله" ولم تحقق أي هدف من عدوانها
◄ لا سلام في المنطقة دون إقامة الدولة الفلسطينية المُستقلة
حاتم الطائي
أشرقت شمس النصر في لُبنان بعد صمود فاق التوقعات بصفوف المُقاومة اللبنانية التي بادرت منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على غزة بعد "طوفان الأقصى"، بإطلاق جبهة الدعم والمُساندة، فيما عُرف بـ"وحدة الساحات"، ذلك الوصف البليغ الذي أطلقه الشهيد حسن نصر الله، والذي ظل يُقاوم حتى الرمق الأخير.
انتصرت المُقاومة اللبنانية فعلًا بموافقة كيان الاحتلال الصهيوني على وقف إطلاق النار، ورضوخه للشروط التي فرضتها المقاومة بكل استبسال في معاركها البطولية على مدى أكثر من عام كامل، واحتدمت بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وكبار القيادات في الصفين الأول والثاني، لكن رغم ذلك لم يتراجع الحزب عن مطالبه ولم تضعف قوته؛ بل إنَّ عملية اغتيال القيادات، كانت سببًا في تصعيد غير مسبوق، طال كل بقعة في كيان الاحتلال، حتى إنِّه لأول مرة في تاريخ الصراع، تضرب صواريخ المقاومة غرفة نوم رئيس وزراء الاحتلال.
وقد حاولت إسرائيل في عدوانها على لبنان أن تقضي على "حزب الله"، ولجأت لسلاح الاغتيالات وسياسة الأرض المحروقة، وشنت أعنف الغارات على بيروت والجنوب اللبناني، لكنها فشلت فشلًا ذريعًا في وقف صواريخ المقاومة، وأخفقت إخفاقًا لا مثيل له في تحقيق أي هدف سعت إليه. ولقد أثبتت الوقائع التاريخية أنَّ المقاومة فكرة لا تموت، حتى وإن مات قادتها. وفي الحالة اللُبنانية، لا يستطيع أي فرد وطني أن يتحدث عن نزع سلاح "حزب الله"؛ إذ إنَّ الضرورة الوطنية اللبنانية لا تقتضي ذلك، ولن نبالغ إذا قلنا إنها لن تقبل بمثل هذا الأمر، باستثناء الأصوات النشاز التي ترقص عادة على دماء الأبرياء وتقتات من الحروب الأهلية، وهي أصوات معروفة في كل زمان، والأهم أن "حلف المقاومة" في المنطقة لن يسمح بذلك مُطلقًا، خصوصًا في ظل نهج "وحدة الساحات".
وعلى الرغم من الضربات الثقيلة الموجعة التي تلقاها "حزب الله" بكل غدر وخسة وخيانة، إلّا أنها لم تُضعف من همّة الحزب وكفاءة مقاتليه ولا رغبتهم القتالية العالية والعزم على النصر مهما كان الثمن. ولم يكن استشهاد السيد حسن نصر الله، أيقونة الحزب ورمزه الأوحد منذ نشأته، سوى شرارة أشعلت وقود المعارك، ونقلت الحرب إلى مستوى آخر من المواجهات، تجاوز المُتعارف عليه بأنَّه "قواعد الاشتباك"، والتي انهارت بالكامل باغتيال نصر الله وقيادات الصف الأول والثاني في الحزب، وقصف الضاحية الجنوبية بمئات الآلاف من القنابل والمُتفجرات، واستهداف الحاضنة الشعبية للحزب، وقتل المدنيين والنساء والأطفال، والتهجير القسري للمواطنين اللُبنانيين في جنوب بيروت والبقاع وبعلبك وصُور، وغيرها من مواقع استهدفها جيش الاحتلال بوحشية وبربرية، دون أدنى اعتبار للقانون الدولي الإنساني، أو أية مواثيق أو أعراف، وهذا ليس بغريب- بلا شك- فالوحشية الصهيونية مُتأصلة في جذور هذا الكيان الغاصب، وكل صهيوني مُلطّخة يداه بدماء الشعب في لبنان أو فلسطين.
والإحصائيات تكشف لنا طبيعة هذه الحرب الشرسة، والتي استبسل فيها مقاتلو "حزب الله" وجاهدوا بأنفسهم غير عابئين بأي شيء، سوى النصر على عدو خسيس، لا يُراعي إلًّا ولا ذِمّة، ويخرق كل القواعد والمواثيق. ومنذ اندلاع الحرب، أطلق "حزب الله" ما يزيد عن 22 ألف صاروخ ومسيّرة انقضاضية، استهدفت كل شبر تقريبًا في العمق الإسرائيلي، ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، تسقط صواريخ وقنابل المقاومة على كل مدن الاحتلال، وتدفع أكثر من 4 ملايين إسرائيلي للهرب إلى الملاجئ تحت الأرض، ولأول مرة يعترف الإسرائيليون أنهم كانوا غير آمنين حتى تحت الملاجئ، والتي كانت تهتز بعنف جراء سقوط صواريخ المقاومة على الأرض. علاوة على ضرب تمركزات العدو على الحدود مع لبنان، عندما حاول مرات عديدة التسلل والدخول إلى قرى لبنانية، لكنَّ أشاوس المقاومة كانوا لهم بالمرصاد، ودفعوهم أكثر من مرة إلى الفرار كالجرذان.
ولقد كان للصواريخ الباليستية دور حاسم في ردع العدو، لا سيما بعد أن أطلق "حزب الله" صواريخ "فادي 1 و2"، وصواريخ "فاتح" و"ملاك" وغيرها من الترسانة العسكرية الهائلة، التي فشل الاحتلال وعملاؤه في تفكيكها أو ضربها أو إضعافها؛ بل كانت معدلات إطلاق الصواريخ تزيد يومًا تلو الآخر.
إسرائيل باعترافها رسميًا تكبدت خسائر فاقت الخمسة مليارات دولار نتيجة قصف المقاومة للمستوطنات وسقوط آلاف الصواريخ وقصف آلاف المسيرات لعمق الكيان الإسرائيلي، هذا فضلًا عن الخسائر الجسيمة في صفوف جيش الاحتلال، ولن نتحدث عن الخسائر الاقتصادية رغم ضخامتها، ويكفي أن نشير إلى أن كل القطاعات الاقتصادية تقريبًا أُصيبت بالشلل التام، ووصلت مؤشراتها إلى الصفر، مثل السياحة أو التجارة البحرية أو الطيران، خاصة في ظل الإغلاقات المتكررة لمطار بن جوريون أكبر مطارات إسرائيل.
الاحتلال ومن أجل التسويق داخليًا لقرار الهدنة، أعترف على لسان مجرم الحرب بنيامين نتنياهو أن جيش الاحتلال يُعاني من الإنهاك، وأنه بحاجة إلى "إفاقة" ما يؤكد فداحة الخسائر التي تكبدها، علاوة على الهزائم النفسية، في ضوء ما تشير إليه إحصاءاتهم الرسمية إلى أنَّ عشرات الآلاف من الجنود طلبوا الدعم النفسي، من هول ما شاهدوه وواجهوه من معارك طاحنة من المقاومة، سواء في لبنان أو غزة.
ورغم الدمار، الذي قدرت الحكومة اللبنانية خسائره وكلفة إعادة إعماره بأكثر من 8 مليارات دولار، إضافة لضياع أرواح نحو أربعة آلاف لبناني، وجرح وإصابة أضعاف أرقام الشهداء، إلّا أنَّ العودة الفورية لأهالي الجنوب بعد سريان وقف إطلاق النار بسويعات قليلة جدًا، صدمت العدو الصهيوني، وهنا يتأكد الفارق بين صاحب الأرض والمحتل، ويؤكد تجذُّر المقاومة في قلب الحاضنة الشعبية، وهذا الحال شاهدناه من قبل في غزة، وهكذا هو حال المناضلين والمؤمنين بعدالة قضيتهم.. إنهم لا يهابون الموت؛ بل يريدون تحقيق مطالبهم والعيش في سلام وأمان.
لقد فشلت إسرائيل فشلًا ذريعًا في إلحاق الهزيمة بحزب الله، أو إثنائه عن مواصلة الحرب، أو إجباره على الاستسلام ورفع الراية البيضاء؛ بل إنَّ إسرائيل هي التي سارعت لرفع الراية البيضاء باعتراف إعلامهم الذي لا يتكلم في الأمور العسكرية إلّا بإذن من الجيش، حيث تخضع كل الموضوعات العسكرية إلى رقابة مُسبقة.
لم تنجح إسرائيل في حربها، ولم تُحقق أي هدف سياسي أعلنت عنه، فلا هي أوقفت صواريخ المقاومة، ولا استطاعت أن تُعيد سكان الشمال إلى مستوطناتهم، تمامًا كما فشلت في غزة، فلا هي استعادت الأسرى بقوة النيران، ولا قضت على حركة حماس.
والزعم بأنَّ إسرائيل استطاعت "فصل الساحات" غير دقيق بالمرَّة؛ لأنَّ مساندة "حزب الله" للمقاومة الفلسطينية في غزة، لا تتوقف فقط عند إطلاق الصواريخ من الجبهة الشمالية، ولكن تمتد إلى مجالات أخرى من التعاون العسكري والمعلوماتي، ولا ننسى أن المقاومة الفلسطينية لها أذرع مقاومة في جنوب لبنان، تعمل بالتوازي مع "حزب الله". وهنا نؤكد أنَّ المقاومة في فلسطين تُدرك جيدًا أنَّ لبنان على كف عفريت الحرب الأهلية في أي لحظة، وأن ثمَّة أطرافًا لبنانية- في أحسن الظروف- تتواءم أهدافها مع أهداف إسرائيل، من حيث نزع سلاح أي مقاومة وطنية لبنانية، والقضاء على حزب الله تمامًا، لذلك نرى أن موافقة "حزب الله" على اتفاق وقف إطلاق النار ينبُع من إدراكه العميق لإشكاليات الوضع في لبنان، وتعقيداته المرتبطة بالطائفية المقيتة التي تُسيطر على ذهنية بعض الأطراف هناك، وربما لو استمرت المعارك ستقود إلى إشعال فتن داخلية قد تُفضي- لا قدّر الله- إلى حرب أهلية لبنانية جديدة، لإظهار أن "حزب الله" تسبب في دمار الجنوب وإشعال نيران الحرب بين فئات ومُكوِّنات الشعب اللبناني، الذي يرزح أصلًا تحت نِير أزمة سياسية واقتصادية هي الأعنف في تاريخه، في دولة بلا رئيس جمهورية، وبرلمان مشلول الحركة تقريبًا، ومصاعب اقتصادية عنيفة تفتك بالشعب اللبناني.
ويبقى القول إنَّ السلام في لبنان- وكذلك في فلسطين- سيظل مفقودًا ما لم تُفضي أي هدنة إلى مفاوضات الحل النهائي وانسحاب الاحتلال من جميع الأراضي المحتلة، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وتبدأ عمليات إعادة الإعمار في فلسطين ولُبنان، غير ذلك سنظل ندور في حلقات مُفرغة من اللاسلم واللاحرب!
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
عصابات إسرائيل وعملاؤها يسرقون مساعدات أهل غزة
لم يخطر ببال أحد من المراقبين أو حتى أشد الكارهين للعصابة الصهيونية أن تقوم بكل هذا الإجرام المعقد الذي يفوق خيال البشر.
ولأن الجيش الإسرائيلي فشل في مواجهة رجال المقاومة على الأرض وفشلت كل أسلحته الأكثر حداثة في العالم في تحقيق النصر المطلق على المقاومة فقد لجأ إلى استخدام أحط الأسلحة وهو التجويع ضد المدنيين لممارسة أقصى درجات الضغط على المقاومة.
ولم يكتف بتدمير البيوت والمراكز الطبية وخطوط المياه والكهرباء وتدمير مخازن الأدوية والأغذية وقتل الأطباء ورجال الدفاع المدني حتى لا ينقذوا جريحا أو ينقبوا تحت ركام المنازل لاستخراج المستغيثين، ولكن العصابة أيضا ابتكرت أساليب شيطانية لإغلاق كل منافذ الحياة أمام شعبنا في غزة.
ومن بين هذه الأساليب خلق عصابات إجرامية في القطاع تتعاون مع جيش وتجار إسرائيل لسرقة مواد الإغاثة على حدود إسرائيل وقبل دخولها غزة وعلى الرغم من أن هذه المساعدات تدخل تحت الضغوط الدولية وبنسب لا تزيد على 5% من احتياجات الشعب في غزه، إلا أن العصابة الصهيونية لم تسمح بوصول هذه الكميات متناهية الصغر الى الجوعى وبدلا منهم سلمتها لعصابات إجرامية مقابل الخيانة والعمالة.
صناعة الأزمةوحفلت وسائل إعلام دولية بتقارير موثقة حول سرقة وتلاعب منظمين بمساعدات الغذاء والدواء التي تصل إلى القطاع. وتشير تحقيقات ميدانية وشهادات شهود عيان إلى تورط عصابات إجرامية مدعومة من جهات إسرائيلية، بالتعاون مع ميليشيات فلسطينية محلية، في نهب هذه المساعدات وبيعها في السوق السوداء بأسعار خيالية، مما يسهم في تعميق أزمة تجويع الشعب الفلسطيني.
عصابة أبو شبابوفقًا لمصادر أمنية فلسطينية ودولية، تقوم مجموعات إجرامية تعمل تحت حماية الجيش الإسرائيلي باختطاف شاحنات المساعدات عند معابر مثل "كرم أبو سالم" وتحويل مسارها إلى مستودعات سرية داخل الأراضي المحتلة، حيث يتم بيعها لاحقًا بالاتفاق مع ضباط وتجار إسرائيليين.
وفي الشهر الجاري كشفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" عن وثائق تثبت تورط ضباط إسرائيليين في تحصيل رشاوى من هذه العصابات مقابل غض الطرف عن سرقة المساعدات وتقديم تسهيلات وحماية لأفراد العصابة لمنع وصول المقاومة إليهم إضافة إلى امدادهم بالمعلومات والأسلحة.
ويقود ياسر أبو شباب العصابة الإجرامية الكبرى في قطاع غزة التي تتخذ من المناطق الحدودية مع إسرائيل قاعدة لعملياتها، حيث تقوم الميليشيا بتهريب المساعدات المسروقة عبر أنفاق سرية، وبيعها بأسعار مرتفعة جدا لتجار محليين تفوق قدرة المواطنين.
وقامت المليشيا بإطلاق الرصاص على المتظاهرين الذين يحتجون على انعدام المساعدات، كما حدث في مخيم رفح في مايو 2025
و أصدرت حركة حماس بيانًا رسميًا يوم 20 يوليو 2025، اتهمت فيه مليشيا ياسر أبو شباب بالعمل كـ"ذراع تنفيذية" لعصابات إسرائيلية منظمة.
وأشارت إلى وثائق تثبت تلقي المليشيا تمويلًا وإرشادات أمنية مباشرة من ضباط في الجيش الإسرائيلي مقابل:1- ضمان عدم وصول المساعدات الغذائية إلى المناطق التي تقول إسرائيل أنها موالية للمقاومة.
2- تزويد إسرائيل بمعلومات أمنية عن أنشطة المقاومة في مقابل حصص من المساعدات المسروقة.
وفي تصريح نادر للإذاعة الإسرائيلية (راديو الجيش) يوم 10 يوليو 2025، قال ياسر أبو شباب: نحن نتعاون مع من يضمن بقاءنا وإسرائيل ليست عدوة لنا.
كما نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية (15 يوليو 2025) تحقيقًا استند إلى تسريبات من ضباط إسرائيليين أكدوا أن أبو شباب مدرج في قائمة "الشركاء الموثوقين" لدى وحدة التنسيق المدني الإسرائيلية. وأكدت ان الجيش الإسرائيلي يغض الطرف عن سرقة شاحنات المساعدات في المعابر مقابل معلومات استخبارية عن أنفاق المقاومة.
وقد صنفت الأمم المتحدة أبو شباب في تقرير سري كـعقبة أمام العمل الإنساني ودعا الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات على "الشبكات الإجرامية العابرة للحدود".
وأفاد المراسلون وشهود عيان أن السلع المسروقة تباع في أسواق رفح بواسطة الميليشيا رغم أنها تحمل أختام مساعدات الاتحاد الأوروبي، فيما أكد الناشط الغزاوي محمد أبو عيسى أن المليشيا تهدد العاملين في المنظمات الدولية بالسلاح إذا كشفوا الفساد.
ويبقى أن سرقة المساعدات ليست أعمالًا فردية، بل هي مخطط منهجي تُديره إسرائيل بمشاركة مليشيات محلية لتحقيق أهداف سياسية:
1- تجويع السكان لدفعهم للهجرة.
2- تدمير شرعية الفصائل عبر تصويرها كفاسدة.
3- الامعان في إذلال الشعب الفلسطيني والقضاء عليه وخاصة قتل الأطفال ومصادرة مستقبل أجيال كامله من شباب ورجال ونساء غزة.
إنها جرائم تفوق الخيال لكنها تحدث الآن في غزة أمام العالم.
اقرأ أيضاًمئات الأطنان من المساعدات تعبر رفح: خمسة أفواج من الشاحنات إلى غزة (فيديو)
صرخة الخبز في غزة: الأسواق تحوّلت إلى ساحات تجويع وعقاب جماعي