السودانيون.. حينما يصبح (القبر) رفاهية و(الكفن) أمنية
تاريخ النشر: 2nd, December 2024 GMT
ربما هي أقدار الله التي لا نملك تجاهها إلا التسليم، أن يصبح (القبر) رفاهية و(الكفن) أمنية لشعب السودان وهو يواجه الموت المجاني في أحلك سنوات البلد
المواطن المكلوم الذي هاتفه صديقنا الحبيب الكاتب الصحفي ضياء الدين بلال كان قد تجاوز وجع الفقد وطار فرحاً لمجرد أنه (دفن والدته) وسترها ،نهض صوته جزلاً وهو يرد على مواساة أبو رنا: “الحمد لله، الحمد لله، دفناها… أمي دفناها” بدا الرجل وكأنه يبث (خبراً سعيداً) جمعه من ركام حزنه الممتد في أفق المسافة بين أسى فقده الجلل وفرحته بأنه وجد قبراً وارى فيه جثمانها العزيز، كان الصوت يحث ضياء -فيما يبدو- على أن يقول له “مبروك” بدلاً من “البركة فيكم”
صديقنا الذي اغتالته رصاصات المليشيا الغادرة مكث في مكانه لثلاثة أيام، في انتظار من يستر ميتته ويحمل نعشه إلى (شبر في المقابر)، وقد عزّ الحصول على (كفن من طرف السوق).
كثير من الأجساد التي رحلت في أزمنة الموت بـ(الجملة والقطاعي) لم تجد حظها من (ماء البرود) ولم تزرها (رائحة الحنوط)،تحولت بيوت السودانيين في لحظات الحرب الساخنة إلى مقابرهم. المليشيا المجرمة كانت تستهدف مواكب المشيعين و(تقتل القتيل وترفض دفنه)، محظوظ من يجد من يوسده حفرة (باردة أو ساخنة)، ويهيل عليه التراب ويرفع له أكف الدعاء بالرحمة والغفران
الوصول إلى المقابر محنة عايشتها أسر عديدة عزّ عليها الطريق إلى صراط الآخرة و(جبانة الموتى). فاستسلمت لقدر الدفن بما تيسر، في الشارع أو فناء الدار، رأينا كيف تحولت ميادين كرة القدم والمدارس إلى (مقابر طوارئ)، يتلصص زوارها لدفن موتاهم فيها بعيداً عن أعين المليشيا التي طاردت السودانيين أحياءً وأمواتاً. حتى كبسولات بسط الأمن الشامل، حوت جدرانها مدافن لعزيزين استوجب سترهم إيداعهم باطن الأرض في أي مكان لا تطارده أنوف الكلاب التي التهمت ما شاء الله لها من جثث السودانيين الملقاة في الشوارع
أوجعني مقال كتبه الأخ يوسف عبدالمنان في هذه الصحيفة، يطرح خلاله عطاءً لـ(توريد أكفان)، عزّ الحصول عليها بعد مجزرة الهلالية التي استخدم أهلها صفق الأشجار لستر قتلاهم ممن حصدتهم آلة المليشيا المجرمة
يجدر بالمواثيق الدولية أن تتحسس نصوصها بحثاً عن قوانين لـ(حقوق الإنسان الميت)، من واقع تجربة الحرب في السودان ،وعليها أن تؤرخ لانتهاكات موغلة في الوحشية اقترفتها المليشيا طالت (أموات السودانيين)، فللأحياء ربٌّ يحميهم
نسأل الله أن ينزل على شعبنا صبراً يكفكف حزنه، وأن يربت على قلبه بما يخفف المآسي ويذهب الحسرات، وأن يطهّره للأبد من رجس الجنجويد الذين قتلوه حياً وميتاً
لن يحتاج السودانيون إلى عبارة “ينتهي العزاء بانتهاء مراسم الدفن”، إذ لم يعد هناك (دفن ولا عزاء) في بلاد عانى شعبها (الموت الجماعي)، وعزّت عليه حتى أمنية صلاح أحمد إبراهيم في “نحن والردى” -وعلى زهدها-:”كفن من طرف السوق.. وشبر في المقابر”.
*✍️محمد عبدالقادر
رئيس تحرير صحيفة«الكرامة»
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
مسؤولة إماراتية: ملتزمون بهدنة إنسانية في السودان لكن لا نريده أن يصبح ملاذا للإرهابيين
(CNN) -- أكدت مسؤولة إماراتية رفيعة المستوى في مؤتمر صحفي، الخميس، أن دولة الإمارات العربية المتحدة ملتزمة بتحقيق هدنة إنسانية في السودان الذي مزقته الحرب، لكنها تصر على أن البلاد لا يمكن أن تصبح ملاذاً للإرهابيين.
وقالت لانا نسيبة، وهي وزيرة دولة في الإمارات: " نحن ملتزمون تجاه شعب السودان، وملتزمون بتحقيق هدنة إنسانية فورية في السودان ووقف إطلاق النار، وشركاؤنا في الاتحاد الأوروبي يقدمون المساعدة والدعم".
وأضافت نسيبة أن الدول التي تعمل على التوسط في هدنة بين الأطراف المتحاربة في السودان- الولايات المتحدة ومصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة- تتفق على أنه يجب ألا يصبح السودان ملاذاً للإرهابيين وأنه ينبغي ألا يكون هناك "مستقبل لجماعة الإخوان المسلمين" هناك.
وقالت: "إن حكومة مستقلة بقيادة مدنية هي مستقبل السودان المستقر والآمن"، مشيرة إلى أن الطرفين المتحاربين في السودان استخدما "المساعدات الغذائية كسلاح".
ورفضت جماعة "الإخوان المسلمين" العنف علنًا، لكنها مصنفة من قبل الإمارات العربية المتحدة وبعض الدول العربية الأخرى كمنظمة إرهابية. وقد لعبت الحركات المستوحاة من فكر الإخوان المسلمين دورًا بارزًا في الحياة السياسية السودانية على مدى عقود.
في مقابلة مع بيكي أندرسون من شبكة CNNالشهر الماضي، قال المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات أنور قرقاش إن الإمارات تريد، على المستوى الجيوسياسي، أن ترى السودان "مساهمًا في استقرار المنطقة".
وقال قرقاش إنه لكي يحدث هذا، يجب ألا يكون لجماعة الإخوان المسلمين و"الجماعات المتطرفة الأخرى" أي تأثير.
وصرّح قرقاش قائلا: ""نحن دولة مؤثرة في المنطقة. ربما لا يعجب ذلك البعض، ولكن في الواقع، نحن كذلك، ونتيجة لذلك أعتقد أن لدينا رؤية إقليمية لما نريد أن نراه في الدول المحيطة بنا".
ومنذ إبريل/نيسان من عام 2023، انخرط اثنان من أقوى جنرالات السودان- عبد الفتاح البرهان، الذي يقود القوات المسلحة السودانية، وحليفه السابق محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع شبه العسكرية - في صراع دموي للسيطرة على البلاد المنقسمة بين معاقلهما.
وتسببت الحرب الأهلية المستمرة في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم، وقد فشلت الجهود الدبلوماسية لإنهاء الصراع.
الإماراتالسعوديةنشر الخميس، 11 ديسمبر / كانون الأول 2025تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2025 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.