سالم بن محمد الجحفلي
الخيانة معنى مُجهد بالظُّلم، ولفظ مُثقل بالخذلان، ودلالة تتمادَى وتتمارى بما يشين. والرخاء بالمعنَى الذي نقصده في مصاب أثره هو ما يُصيب نسيج القيم الاجتماعية من ترهُّل، وما يقصر بالفضيلة من معروف، وما يجتاح المروءة من خذلان؛ لهذا فإنَّ ما يجب أن نستدعيه، ونستنفر قوَانا في طِلَابِه، هو الحَذر مما تنذر به هذه الماكرة من عاقبة؛ لأنها نازلة تسوق ما نُبالغ في حفظه وصونه إلى مَرَاتع الاشتغال بالتَّافه، وتذكِيَة حاجتنا إليه دون تحفظات.
ولكن، كيف يخون الرخاء وهو ضَالة كل إنسان، ودافع كل طموح، وإستراتيجية كل تنمية؟ فما ذُكر قد لا يُسمع في ظل محاولات لجعله ثقافة تستميت بما يوفَّر لها من أعذار؛ لأن الباطل إذا أصبح ثقافة أخذ من سَجْعِها علامة إقرار.. إنَّها كارثة في صناعة المفاهيم عندما يعدي الرخاء بأكثر مما يعطي من رفاه.
لهذا؛ فإنَّ صناعة الأسئلة في أضداد هذا المفهوم المُنتِج لسعادة الإنسان ونموه وتطوره، أو المنحرف به إلى ما يكره ويشين، سوف تكشف مساحة من الممارسات الخطيرة التي تصيب مناعة أي مجتمع عند التنازل عمَّا يتماسك به من ضوابط؛ وذلك بأن يفسح للمتع أن تسوقه إلى مراتع أزماتها التي يجب أن تُستقبل بحذرٍ نابهٍ، وأن تُدار بكفاءة فاعلة؛ فليس أضر بسوية الإنسان ورشده من أثر المتع إذا استغرقت اهتماماته وتركيزه، حتى تصل إلى المستوى الذي يعطي فيه الرخاء بسعة ليأخذ منا بإسراف، والمنكوب بهذا اﻻستدراج هو ضحية إغراءات يُبالغ في استطابتها وتكرارها حتى يَجد نفسه في سحيق سيدفع فاتورته بأغلى ما يملك.
ومرتع هذا المصاب هو الجاهل الذي يعجز أن يصل إلى نفسه، فضلا عن أن يستفيد مما عند الآخرين، وهذه المأساة تستهلك الناس بشقائها ألمًا وحِرْمانًا... وواقعة هذا ما يتوافر في الخليج من مالٍ وفير قد أشاع رخاءً، مصحوبًا بتثاقلٍ في الإنجاز، فكانت النتائج بهرجًا في زينة القوم، وخللاً في إدارة الأولويات، وهجراً لميادين تحمي مصادر قوة المجتمع في ماله واقتصاده ومستقبله، وهنا اجتالت أسرابٌ من الذين يملكون الصبر(العمالة الأجنبية) ويملكون الإصرار والمثابرة ويقرأون الفرص في تفريط المُتْخَمين بالإسراف للتحكُّم في الثغرات التي يسيل منها المال وتجميعه بكسب مُذهل، لبناء حياة يأسرها الحرمان ويشربها الظمأ ويقتاتها الجوع في بلدانهم؛ فكانت النتائج مذهلة وانقلابية في تجسير فجوة نموها مع المنافسين.
فجوارنا الذي يَحن للزهو بماضيه وقدرة بذرته على الحياة والنمو، أظهر المعادلة بفروقها المؤلمة بين من يملك الثروة ومن فشل في إدارتها إسرافًا وإهمالًا وغفلةً، وبين من يملك الرؤية ويستثمر في موارده البشرية للاستفادة من نزيف التحويلات بمليارات الدولارات، وكان العجز ظاهراً من الذين يجيدون الرَّبض على أطباق مشاوي البُدن عن فتح مشافي تُعَالج كثيراً من أمراضهم.
والمُواطن الذي ﻻ يملك قطاعًا خاصًّا يُساعد به بلده، إذا أراد أن يُحاول في هذا أُعطِي دعمًا خفيفًا ليواجه به دوامات من يملك لوبيات المال، فيقاوم دون حيلة حتى يُصاب بدوار تراكم الديون عليه فيعلن الاستسلام بعد أول محاولة.
ما زلنا كالطفل الذي لم يستغن عن حليب أمه بالطعام الذي يصنعه الوافد، حتى ينمي ثمنه بذكاء ومهارة في بلده الذي يستحق جهده وانتماءه وإخلاصه.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
بعد أزمة سكانية بكرواتيا.. دفع المال للأجداد مقابل رعاية الأحفاد
في الوقت الذي تجتهد فيه كرواتيا لإيجاد حلول لأزمة سكانية خطرة ولمعدلات فقر بين كبار السنّ هي من الأعلى في أوروبا، توصّلت بلدة صغيرة إلى حلّ يتمثل في دفع المال للأجداد مقابل رعاية الأحفاد.
في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 3,8 ملايين نسمة، لا يذهب الأطفال إلى المدرسة حتى سن السادسة فيما تُعد الأماكن الشاغرة في الحضانات محدودة. ونتيجة لذلك، يُحرَم آلاف الأطفال من الرعاية كل عام.
أخبار متعلقة لقاحات لكبار السن والحجاج.. حملة ”التحصين للجميع“ تنطلق بالدمامتدخل عاجل ينقذ حياة زائرة أمريكية من أزمة تنفسية بمستشفى أجياد في مكةبسبب تهديد المسيرات.. فوضى في مطار بولكوفو بعد تحويل 74 رحلة جويةفيما وجد أكثر من 37% من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاما أنفسهم عام 2024 تحت خطر الفقر، وهي نسبة تشكل ضعف المتوسط الأوروبي.حضانات رسمية
وفي مسعاها لمعالجة المشكلتين، أصبحت ساموبور التي تبعد نحو 20 كيلومترا عن العاصمة زغرب، أول منطقة في البلاد تقدّم راتبًا للأجداد الذين يعتنون بأحفادهم الذين لم يجدوا مكانا لهم في الحضانات الرسمية.
وتقول رئيسة بلدية المدينة بيترا سكروبوت لوكالة فرانس برس إن "الإيجابيات كثيرة"، مستلهمة قرارها من تجربة سويدية.
وفي كرواتيا حيث يبلغ سن التقاعد 65 عاما، "المعاشات التقاعدية منخفضة جدا، ويصعب على الأهل في بعض الأحيان العثور على طريقة لتوفير رعاية لأطفالهم"، بحسب سكروبوت المنتمية إلى حزب فوكوس الليبرالي.خيارات رعاية الأطفال
تدعم ساموبور مختلف خيارات رعاية الأطفال سواء كانت روضة خاصة أو جليسة أطفال، بما يصل إلى 360 يورو شهريا لكل طفل. وبات هذا الإجراء يوفر أيضا مساعدة مالية للأجداد.
وتعتبر أن "هذا الأمر يبقي كبار السن نشطين"، مضيفة "في وقت تزداد عزلة الأشخاص، تحمل هذه الخطوة تأثيرا إيجابيا على الأسر".
سبق أن تقدّم 30 من الأجداد بطلبات ليستفيدوا من هذا الإجراء، الذي تم تقديمه في نهاية مارس.فكرة جيدة
ومن بين هؤلاء الأشخاص دوبرافكا كوليتيك التي ترحّب بالفكرة وتصفها بأنها جيدة "للأطفال والأجداد".
تقول وهي تنظر إلى حفيدها فيكتور البالغ 18 شهرًا والمنشغل باللعب بالحجارة "نكسب بضعة يوروهات، وهو أمر جيد لأن معاشاتنا التقاعدية منخفضة، وفي الوقت نفسه نقضي وقتًا طويلًا مع أحفادنا"، مضيفة "نقترب منهم، وهم يقتربون منّا".
تعرب ابنتها دانييلا كوليتيتش عن سعادتها أيضًا، خصوصًا وأنها لم تجد مكانا في حضانة ابنها.
تقول هذه الخبيرة الاقتصادية البالغة 41 عامًا، والتي لها ولدان أكبر سنّا، "إنه أمر جيد جدًا: من الأسهل ترك طفل صغير مع شخص تثق به، وفي الوقت نفسه يصبح فيكتور وجدّته أقرب إلى بعضهما البعض".أكثر هدوء
في ظل وجود روضتين للأطفال وعدد جيد من الحضانات، تستقبل ساموبور أعدادًا متزايدة من العائلات، التي يجذبها قرب المنطقة من العاصمة وفي الوقت نفسه البيئة الأكثر هدوءًا.
في العام الفائت، تعيّن فتح صف مدرسي جديد في المدينة.
لكن رغم جهود السلطات، لم يحصل أكثر من مئة طفل على مكان في دور الحضانة، وخصوصًا الأصغر سنًا منهم.مبادرة رئيسة البلدية
تعتبر مديرة روضة أطفال "غريغور فيتيز" يوسيبا ميلاكوفيتش، أن مبادرة رئيسة البلدية تشكل "مساعدة للأهل".
ومنذ إطلاق البرنامج في نهاية مارس، تلقت سكروبوت اتصالات من مسؤولين منتخبين من مدن عدة لفتهم الإجراء الذي اتخذته.
أما بالنسبة إلى السلطات، فالتحدي هائل، إذ مع معدل 1,5 طفل لكل امرأة ونسبة هجرة مرتفعة، قد تنخفض أعداد السكان بشكل الكبير بحلول نهاية القرن - من 3,8 ملايين اليوم إلى 2,5 مليون في العام 2100، بحسب توقعات الأمم المتحدة.